د. أحمد الحطاب - المجتمع الذكوري وسلطتُه المطلقة

المجتمع الذكوري هو المجتمع الذي تكون فيه سلطة الرجل هي السائدة فيما يخص اتخاذ القرارات التي لها علاقة بالحياة في تجلِّياتها العائلية، الاجتماعية منها، الاقتصادية و الثقافية. و هذه السلطة تكون مطلقةً لا تقبل الجدالَ و النقاشَ و المعارضة و النقد. و بعبارة أوضح، عندما نتحدَّث عن مجتمع ذكوري، فالأمر يتعلَّق بسيطرة الرجل على العنصر النسوي بالخصوص و اعتباره جنس ضعيف و بالتالي، حصرُ دوره في الإنجاب و القيام بالأعمال المنزلية. و الذكورية تفرض نفسَها على الطَّرف الآخر، في حالة الرفض، بالإكراه و الاستبداد، و إن اقتضى الحال، بالعنف. كما أن الذكورية لا تولي أي اهتمام بعواطف و إحساس و حقوق الطرف الآخر الذي سلاحه الوحيد هو الامتثال للأوامر و الطاعة العمياء. و باختصار، المجتمع الذكوري هو مجموعة الأفكار و السلوكات و الأعمال الصادرة عن رجل أو جماعة رجال و تُفرض، كُرهاً أو استبداداً، على الأطراف الأخرى و بالأخص على العنصر النسوي.

و المجتمعات الذكورية موجودة منذ القِدم عند جميع الشعوب عبر الحِقب التاريخية. فمثلا عند الرومان، تُعتبَر المرأة قاصرة و مقصية من العديد من الحقوق. دورها ينحصر في الزواج و في الأمومة و تربية الأطفال و القيام ببعض الأشغال الفلاحية. و المجتمع الذكوري كان هو سيد الموقف في الجاهلية حيث بلغت فيه سلطة الرجل أوجَها أدَّت إلى احتقار المرأة احتقارا ما بعده احتقار، الشيء الذي دفع الرجال، اَنذاك، إلى اعتبار البنات مصدرَ ذل و عار، فسارعوا إلى وأدهن.

في يومنا هذا، العديد من الشعوب تخلَّت عن الذكورية و تبنَّت المساواة بين الرجل و المرأة طبقا لما ينص عليه التصريح العالمي لحقوق الإنسان. بينما شعوب لا تزال تعاني من هذه الآية معاناةً تزيد من حدَّتها التقاليد و العادات و الموروث الثقافي. من ضمن هذه ااشعوب، تحتل الشعوب العربية مرتبةً متقدِّمة في هذا الشأن.

و إلى يومنا هذا، لا يزال المجتمع العربي مجتمعا ذكوريا يبسط فيه الرجل سلطتَه على الغير باسم الدين و الرجوع إلى ماضٍ سحيق، و ذلك رغم ما حصل من تغييرات على مستوى الحياة الجماعية اجتماعيا، اقتصاديا، ثقافيا، علميا و تكنولوجيا. بل إن المجتمع الذكوري يستعمل هذه التغييرات لتقوية سيطرته الرجولية على مختلف مناحي الحياة و خصوصا إزاء المرأة التي لم تعد في نظر الرجل إلا عورة للمتعة ترزح تحت سيطرته المطلقة و تُهانُ و تُعنَّف إن لم تتمثل لأوامره.

انطلاقا من هذه الاعتبترات، قد أقول إن كلمةَ "عربي" لم يعد لها ذلك المعنى المعهود، أي الشخص السَّامِيُ الأصل و المتحدث باللغة العربية. و بعبارة أخرى، و حسب رأيي الشخصي، كلمة "عربي" أصبحت، إلا مَن رحم ربي، تقترن يذلك الشخص الذي يحب السلطة و الحكمَ و النفود. و هذا الأمر واضح وضوحَ الشمس إن على المستوى الاجتماعي أو السياسي. على المستوى الاجتماعي، لا داعي للقول أن مجتمعاتنا ذكورية بمعنى أن السلطة للذكر و له وحده. و الدليل على ذلك، تَدَاوُلُ أمثلةٍ تبيَّن أن الإنسان العربي، يحب السلطة و الحكمَ و النفود و السيطرة على الآخر. نقول مثلا :

"واشْ كَتعرف مع من كتدوي"
"اللي ما عندو سيدو، عندو للاه"
"اجْري طوالك"
أعلى ما فْخَيْلَكْ رَكْبُ"...

على المستوى السياسي، عندما يصل الرجلُ العربي إلى الحُكم و السلطة، فإنه يستعمل جميع الوسائل، المشروعة و غير المشروعة، ليَخلُدَ فيها. و الأمثلة هنا كثيرة، عشناها و نعيشها.

في هذا الإطار، و هذا شيء مؤكَّد و واضح للعيان، هناك مباديء و قِيمٌ و مفاهيم لن تجدَ مكاناً لها في بلداننا العربية القابعة تحت السيطرة الذكورية، من قبيل : مساواة، ديمقراطية، إنصاف، عدل، كرامة… و حتى لو دَسْتَرْنَاها، أي أقحمناها في الدَّساتير، التجربة بيَّنت و تبيِّن أن لا أحدَ يحترمًها. و الغريب في الأمر أن المواطنين الذين ناضلوا من أجل النهوض بها، هم أول مَن يخرقها.

و خلاصة القول، السلطة الرجولية على مستوى الأفراد لا تزال قائمةً. بل و تعزِّزها و تقوِّيها الثقافة الشعبية و التنميط. بل كذلك تصبح ذات خطورة إذا اقترنت بفهمٍ سطحي للدين. و أخطر من هذا و ذاك، هو أن الشخص العربي، الذكوري السلوك، لا يريد اقتسام السلطة مع الغير. السلطة و المُكوتُ فيها إلى الأبد يسرِيان في دم المجتمع الذكوري العربي. و الأمثلة كثيرة في هذا الصدد : معمَّر القدافي، زين العابدين بنعلي، حسني مبارك، حافظ الأسد و ابنُه بشار الأسد، عبد الله صالح…

أما على المستوى الجماعي، فالأحزاب السياسية العربية، تجرَّدت من إيديولوجياتها و مبادئها و أخلاقها ليصبحَ وجودُها مقترنا فقط و حصريا بوصولِها إلى السلطة و كيفما كان الطريق المؤدي إلى هذه السلطة. و الدليل على ذلك، الرفض و الاستنكار (ظاهرة عالمية) اللذان تواجههما الأحزاب السياسية من طرف المواطنين على المستوى العربي.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى