د. سيد شعبان - لا أجمل من رضوى!

بعد هذا العمر آن لي أن أدون سيرتي الذاتية التي تتابعت صفحاتها كتابا باهت الحروف؛ ربما ليس فيها جديد، حياة معادة لآلاف من البشر جاءوا الحياة ولم يرسموا وجها للقمر حين يغدو عازف سيمفونية بين النجوم، ومن ثم يرحلون دون أن يعبأ بهم أحد، حاولوا الرقم على الأشجار أو على واجهات المحال، يسارعون الزمن كي تبقى نتواءات منهم؛ القادمون مؤكد أنهم سيصابون بعته الذاكرة؛ يبدو هذا تدبير شيطان يتسكع في الممرات الخلفية، وحدها رضوى تمتلك خزانة الأشياء الجميلة: عطر الياسمين وأريج الليمون، ألم أخبركم بأنها تشبه حبة تفاح لا مثيل لها؛ متوالية منتظمة لا يمكن أن تكون عبثا؛ كانت تشاغب كثيرا، تعبث في أوراقي حيث ترسم مناظر جميلة، تخفي أسراري وحين أغاضبها تشي ببعضها، أكنت أحبها؟
لا أخفى عليكم هذا، أبحث عما يسعدها، أن أناديها بحبيبتي؛ عرفتها ذات يوم، وللقدر ألف وسيلة ليجمع المحبين، عنيدة يبدو هذا مفتاح شخصيتها، تسرق مني لحظات تعدل العمر كله.
تروي حكايات عن مجنون ليلى؛ تطلب مني أن أكون قيسا؛ أشعر معها بأنني في زمن آخر؛ ثم تنسى الشعر والحكايات؛ يحلو لها أن تغاضبني مرة ثانية؛ تحارب أفكاري، تبعثر كل خيوط ذاكرتي، تتسلل إلى عالمي كما النسيم يدب؛ طيف هي أم خيال لا أدري، ربما تكون روحا تسري؛ آخرون يرونني مجنونا، لا أعيش إلا في عالم الملائكة، يبدون محقين، خيالها يحاصرني أينما ذهبت، حاولت الحياة معها؛ تنازلت عن أفكاري ﻷجلها، بدلت لغتي، تخلصت من أحلامي، أنتظرها هنا منذ اللقاء الأول، كانت معي ترتب الأثاث، تضع عطرا يتماوج في أجواء البيت، رسمت لوحة جميلة على جدار حجرتي حيث تتراقص العصافير على أسلاك النافذة، بقاياها تستقر هناك في ذلك الدولاب كما تركتها، ثيابها وصورها، فرشاة أسنانها بجوار المرآة، بقايا من خصلات شعرها، أدوات زينتها التي انتظمت في مشهد دافيء، هل ارتحلت رضوى إلى العالم الآخر؟
تغيم ذاكرتي المشوشة؛ رضوى ليست أنثى؛ بل هي سر خفي، يوم رأيتها امتلأ قلبي بالحب، لا مكان لها الآن فيه، تجمدت تلك الشرايين التي كانت تسري داخلها، تراكمت عوامل الزمن؛ وحده كفيل بأن يضع سياجا حول قلوب بريئة، اختلسها لص لا أدري من أين جاء؟
هل سرقها؟
حين كنت شابا زهت بي، تحب الأنثى أن يكون فتاها أجمل فارس، تغيرت الحياة كثيرا، ترهقني حاجات اليوم وهموم الليل، لم أعد قيسا رغم أنني كنت أحسبها ليلاي، فرت كالماء من بين أصابعي، صارت أقرب إلى السراب.
تبعته كأنما هو الساحر، لم تعد تروي حكايات المجنون؛ صرت بالفعل إياه، ثيابي ممزقة؛ شعر رأسي أشبه بفروة شاة ملبد، نظرات عيني شاردة، أجري وراء خيال لا يستقر، الصغار يعبثون بأوراقي، تتناثر قطرات الماء من فمي، صرت مشهورا بعاشق رضوى الجميلة؛ حين تمر بي الفتيات يتغامزن؛ ليتها ظلت معه، لا تستحق أن يضيع ﻷجلها.
أتبعهن متسائلا: من منكن رضوى؟
لكن وجه حبيبتي أشبه بقرص العسل المدور يتقاطر منه الشهد، هل مثلت تلك الصورة التي أجدت رسمها ذات مرة أنثى فاتنة ومن ثم همت بها عشقا؟
انسكبت علبة الألوان المائية، صارت أقرب إلى لوحة سيريالية، أنثى تمتطي صهوة جواد أشبه بجناحي طائر.
أتعثر في مشيتي، أتمتم باسمها: رضوى ومن يأتي لي برضوى؟
سأرسم لك لوحة جميلة؛ أكتب قصة لم يدونها أحد من قبل؛ لأن تظل مشاغباتك أجمل سأهتم بالتفاصيل التي تخفى عليك؛ غمازة خدك، تلك النظارة البيضاء توحي بعالم نقي، غير أن سرا ما يحوطك؛ أشبه بلؤلؤة تسكن محارا؛ غير معقول أن أبحث عنك وأنت هنا.
إنها وهم، هذا ما قالته لي إحدى الجارات، كانت تهبني بضعة أرغفة، حبات البازلاء تختلط بها قطع لحم شهي، أعرفها جيدا،تشبه أمي التى أحن إلى خبزها، طلعة وجهها حين تنشر الشمس خيوط الأمل مطلع الفجر.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى