د. أحمد الحطاب - يا له من حِقد مقيت، دفين و مُبيَّت، ما بعده حِقد

بعد قضاء سنتين بالمركز التربوي الجهوي بالرباط كأستاذ للعلوم الطبيعية، اجتزتُ مباراةَ الالتحاق بالمدرسة العليا للأساتذة (في شكلها القديم) كمساعد assistant لتدريس ديدادتيك العلوم الطبيعية بشعبة منهجية تدريس العلوم الطبيعية.

آنذاك، كانت مهمة المدرسة العليا للأساتذة، التي ستتحول فيما بعد لكلية علوم التربية، تكوين أساتذة السلك الثاني (الثانوي التأهيلي حاليا) في جميع التخصصات. حينها، كان رئيس الشعبة هو الأستاذ الذي أشرف مع زميل له على المباراة السالفة الذكر. مهمة رئيس الشعبة تتمثل في تسيير شؤونها الإدارية و خصوصا التربوية من استعمالات الزمن و تدبير شؤون الطلبة الأساتذة (تنظيم الدروس، تنظيم التداريب داخل و خارج المدرسة، تنظيم الامتحانات، الخ.).

بعد مرور شهور على التحاقي بالمدرسة، استطعتُ أن أبنيَ علاقات احترام متبادل مع زملائي الأساتذة و إدارة المدرسة إلى أن قرر رئيس الشعبة الذهابَ إلى بلجيكا لتحضير دكتوراه السلك الثالث. حينها، طلب مني أساتذة الشعبة بالإجماع أن أتولى رئاسةَ هذه الشعبة. أمام إصرارهم، قبلتُ المهمةَ التي أخذتُها مأخذ جد و مسئولية.

لا أُخفي أن الرئيس السابق ترك لي إرثا فارغا إذ لم أجد بمكتب الشعبة و لو وثيقة واحدة أو ملفا يبين فعلا أنه كان رئيسا لها. بعد أيام قلائل، تم ترتيب الأمور و أصبح الأساتذة يجدون بها كل ما يهمهم من وثائق سواء إدارية أو تربوية. كما أصبح الطلبة الأساتذة يجدون بهذه الشعبة كل ما يهمُّ تداريبَهم سواء بمختبرات المدرسة أو بالمؤسسات التعليمية. و باختصار، أصبحت الشعبة منظمة تنظيما محكما إلى درجة أن الأساتذة أصبحوا يترددون عليها بانتظام.

بعد انتهاء مداولات امتحانات آخر السنة، جرت العادة على أن يطلب مدير المدرسة من الأساتذة، كل واحد على حدة، أن يُعربوا عن ارتساماتهم حول ظروف مرور السنة الدراسية و هل اعترضتهم مشكلاتٌ هم و الطلبة الأساتذة، الخ.

كان من بين أساتذة الشعبة أستاذ بلجيكي يدرس البيداغوحيا التجريبية pédagogie expérimentale. و كان حاضرا كذلك رئيس الشعبة السابق الذي غادر بلجيكا قبل أيام. لما جاء دورُ الأستاذ البلجيكي للتدخل، قال : "قبل أن أعطي ارتساماتي عن السنة الدراسية، لدي ملاحظة من الأهمية بمكان. مند أن حللتُ بالمدرسة للتدريس، لم أر شعبةً منظمةً تنظيما مُحكما كشعبة منهجية تدريس العلوم الطبيعية. لقد أصبحت تضم كل ما يحتاجه الأستاذ لأداء مهامه. و بهذه المناسبة، أريد أن أشكر السيد أحمد الحطاب و أهنئه على العمل الجبار الذي قام به.

في هذه الأثناء، لاحظتُ أن الرئيس السابق تغيّر لونُ وجهِه و أصبحت شفتاه ترتعشان و فاقدا لأعصابه. لما جاء دورُه للتدخل، قال كلاما فارغا عبارة عن بهتان لا أساس له من الصحة جعل وجوه الأساتذة الآخرين ترتسم عليها علامات استغراب. و كدتُ أنا الآخر أن أفقدَ أعصابي لولا إِيماءُ السيد المدير إليَّ بعينه فهمتُ منه أن لا أتدخل. و فعلا، لم أتدخل لأن الأساتذة قالوا ما يكفي في الموضوع. شكر السيد المدير الأساتذة و انتهى الاجتماع.

منذ تلك اللحظة، أصبح صاحبُنا يُكِنّ لي حِقدا لم أر مثلَه من قبل إذ كان يعاملني بنفاق مدروس مع ابتسامةٍ صفراء ترتسم على وجهه كلما التقينا إداريا أو حبيا.

جاء دوري لأذهب إلى بلجيكا لتحضير دكتوراه السلك الثالث التي تستغرق سنتين. و جَرت العادة على أن يقضيَ الأستاذ سنة واحدة ببلجيكا ثم يعود للمدرسة للتدريس و يعود إلى بلجيكا في السنة الموالية. أثناء إقامتنا ببلجيكا، زارنا السيد المدير و أخبرنا بأنه أصبح بإمكاننا قضاء سنتين مُتتاليتين فلا داعي للعودة إلى المغرب. لقد أثلج هذا الخبر صدور الأساتذة المتواجدين آنذاك ببلجيكا و الذين كانوا ينتمون لمختلف شعب المدرسة.

في هذه الأثناء، تولَّى صاحبُنا من جديد رئاسة شعبة منهجية تدريس العلوم الطبيعية. و في آخر السنة الدراسية، جمع أساتذةَ هذه الشعبة و أرغمهم على توقيع محضر يطلب فيه من الأستاذ أحمد الحطاب أن يعود إلى المغرب لأن الشعبة في حاجة ماسة إليه و هي الجملة التي كان مُسطَّرا عليها باللون الأحمر في هذا المحضر. بعث لي نسخةً من المحضر و بالطبع، أرسل أخرى للسيد المدير.

لم أستغرِبْ من هذ التَّصرف. لكن ما حزَّ في قلبي هو أن كل الشُّعَب سمحت لأساتذتها بالبقاء ببلجيكا إلا أنا لأن صاحبَنا لم يقدر أن يتغلَّبَ على حِقده الدفين و المقيت رغم تدخل إدارة المدرسة بما فيها المدير.

رجعتُ إلى المغرب لكني لم أستسلم للأمر الواقع. طلبتُ من السيد المدير أن يتدخل لرفع هذا الحيف و لكن بطريقة قانونية. جمع أساتذةَ الشعبة بمكتبه و طرح عليهم السؤال واحدا تلو الآخر : "هل تسمح للأستاذ الحطاب أن يعود لبلجيكا لمتابعة دراسته؟" كل الأساتذة وافقوا و تعهدوا أن يحلوا محلي إن اقتضى الحال في بعض المهام إلا صاحبُنا الذي تغير لون وجهه و ارتعشت شفتاه قائلا : ما أريد أن أقوله موجود بالمحضر. تدخل السيد المدير و قال : "هل هذا آخر كلام تريد قوله؟" إذن حتى أنتَ كذلك لن تعودَ إلى بلجيكا لإتمام دكتوراه الدولة. و انتهى الاجتماع. بالفعل، كان صاحبُنا بصدد تحضير دكتوراة الدولة ببلجيكا إذ كان يذهب لهذه الأخيرة ليمكث بها 6 أشهر و يعود إلى المغرب 6 أشهر أخرى و هكذا.

ما هي إلا أيام قلائل حتى انصاع صاحبُنا للواقع و حرَّر محضرا جديدا يسمح فيه للأستاذ الحطاب أن يرجع إلى بلجيكا.

تحوّلت المدرسة العليا للأساتذة إلى كلية لعلوم التربية و اقترح السيد العميد أن أتولى كتابتَها العامة. قبلتُ شرطَ أن لا تكون هذه المهمة عرقلةً لأنشطتي في مجال البيئة و التربية البيئية مع المنظمات الدولية و الجهوية.

لما علم صاحبُنا بالخبر، زاد حِقده صاعين و أصبح يدبّر المكايد الواحدة تلو الأخرى على مستوى الإدارة و الشعبة. غير أن مكايده لم تنجح أبدا و ذلك لسببين :

الأول هو أن خُبثَه كان معروفا من طرف إدارة الكلية و الثاني هو أن كل ما كنتُ أقوم به من أعمال ككاتب عام للكلية يتم دائما في إطار القانون و احتراما للأساتذة و الموظفين.

من بين مكايده، أذكر تلك التي لها علاقة بسفري إلى بلجيكا من أجل القيام بالإجراءات الخاصة بتحضير دكتوراه الدولة. كان غيابي لمدة 10 أيام قانونيا و لا غبار عليه. لكن صاحبنا رأى في هذا الغياب فرصةً ثمينةً لإلحاق الضرر بي. قام بحملة لدى بعض الأساتذة ليشتكوا للإدارة من هذا الغياب الذي كان في نظره طويلا و غير مبرر.

اتصل بي السيد العميد و أخبرني بما وقع و أحسست أنه كان محرجا شيئا ما. قلتُ له : لا تشغل بالك بهذا الأمر، فأنا أتحمل فيه المسئولية التامة. و عندما أحضر للكلية، مَن كان لديه مشكل بسبب غيابي، فليواجهني إن كان فعلا صادقا فيما يقول. عدتُ إلى الكلية، بعد انقضاء 10 أيام. و ما استغربتُ له، هو أنه لا أحد طلب أن يواجهني، بما فيهم صاحبُنا، لأني أعرف مسبقا أن كل ما قام به من مناورات نابع من حِقده و مكره.

بعد تفكير طويل، قرَّرتُ أن أتركَ جانبا تحضير الدكتوراه ببلجيكا و بحثتُ عن منحة كَندية و حصلتُ عليها واضعا في حسباني أن لا أعود لهذه الكلية بعد الانتهاء من تحضير الدكتوراه بجامعة لاڤال بكبيك بكندا. و هو ما كان حيث التحقتُ بوزارة التعليم العالي كرئيس قسم توجيه و تخطيط البحث العلمي ثم كرئيس قسم العلوم الدقيقة و الطبيعية ثم كمدير البحث العلمي بالنيابة ثم كمدير البحث العلمي إلى أن أُحِلْتُ على التقاعد بعد سنتين إضافيتين فوق سن التقاعد القانونية التي هي 65 سنة.

أضيفُ أن أطروحةَ (دكتوراة الدولة) صاحبِنا تم رفضُها من طرف الجامعة البلجيكية التي كان مسجلا بها و لم يستطع مناقشتَها إلى يومنا هذا.

بينما الأطروحة التي حضَّرتُها لنيل درجة دكتوراة الدولة حصلت على جائزة أحسن أطروحة في مجال التربية البيئية بجامعة لافال بكندا.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى