أ. د. عادل الأسطة - المرأة اليهودية عاشقة للفلسطيني (٢): بين المتخيّل الأدبي والواقع

بعد كتابتي «المرأة اليهودية عاشقة للفلسطيني»، وجدتني أتساءل إن كانت الصورة التي أبرزتها الروايات ضرباً من المتخيل الأدبي ليس أكثر، علماً أنني أشرت إلى معرفتي أشخاصاً ولدوا من زواج مختلط.
قادني التساؤل إلى البحث في «غوغل» عن دراسات ومقالات وتقارير وأخبار خاض كتابها ومعدوها في الموضوع، فقرأت عن حالات لا تختلف عما ورد في الروايات، ما جعلني أفكر ملياً في وصف ساخر يطلقه قسم من الناس على الروايات وقارئيها «كلام روايات»، أي ليس له في الواقع حضور، وأنه من نسج مخيلة كتاب يتوهمون، ناسين أن الرواية أنواع، منها الواقعي النقدي، والواقعي المتخيل، والواقعي الوثائقي، وهلم جرا.
بل لقد ذهبت إلى ما هو أبعد من الأدب الفلسطيني والعربي في اللحظة الراهنة، باحثاً عن علاقات حب بين أفراد من ديانات مختلفة أو شعوب مختلفة.
تذكرت في أدبنا العربي أحد أبرز شعراء نور الدين زنكي، وهو ابن القيسراني الذي تغزل في شيخوخته بالصليبيات:
«إذا ما زرت مارية، فما سعدى وما ريا
لها وجه مسيحي ترى الميت به حيا»
وتذكرت القصة الفرنسية التي نشرت تحت اسم (فيركور) وعنوانها «صمت البحر»، وهي قصة قدمها الدكتور طه حسين للقارئ العربي، وتأتي على علاقة حب بين ضابط نازي وفتاة فرنسية، وغالباً ما أشرت إليها، بل ومرة كتبت عنها في هذه الزاوية تحت عنوان «رواية فرنسية وثلاث روايات فلسطينية» (الأيام الفلسطينية 1/10/2016).
في الأسابيع الأخيرة توفي الفلسطيني فيصل حوراني، وكتب عنه خالد جمعة وأتى على زواجه الثاني من امرأة يهودية هي (باولا أبرامز)، وأشار خالد إلى كتاب فيصل «باولا وأنا» الذي يقع في ٢٦٤ صفحة، ومما كتبه أن باولا التي استضافته وزوجها فيصل في بيتهما في فيينا كانت مناضلة لا تكل ولا تكل من أجل حقوق الشعب الفلسطيني.
في٩٠ القرن ٢٠ فتحت مجلة «مشارف» التي أشرف عليها إميل حبيبي وسهام داود ملفاً خاصاً لصورة الآخر، مركزة على تصور الأدباء الفلسطينيين لليهود، وممن شارك فيه أحمد رفيق عوض الذي قدم شهادة عن يهوديات عرفهن في أثناء عمله في مطعم، وفي شهادته «وجوه من تل أبيب» يكتب عن ياعيل التي عرفها:
«وأذكر أني زرتها (يوم الاستقلال) عندهم - وهو يوم عيد يخرج فيه الناس إلى الحدائق وتجري الخمور في الشوارع وتتحول المدينة إلى سدوم وعمورة - أذكر أني زرتها في هذا اليوم، فوجدتها تلبس ثوباً فلاحياً فلسطينياً، وقالت لي: إنها لبسته لي لأنها تعتبر نفسها الصهيونية الوحيدة في إسرائيل». (عدد ١ آب ١٩٩٥ ص ٤٣)
وقد استوقفني حقاً في قصيدة درويش ما ورد على لسان ريتا تعرض عليه أن تذهب معه حيث يذهب:
«أتأخذني معك، فأكون خاتم قلبك الحافي، أتأخذني معك
فأكون ثوبك في بلاد أنجبتك... لتصرعك
وأكون ثوباً من النعناع يحمل مصرعك
وتكون لي حياً وميتاً».
وأنا طبعاً لست متأكداً من إن كان الكلام المقتبس ورد حرفياً على لسان ريتا واكتفى الشاعر بصياغته بما يتلاءم والوزن الشعري، أم أنه غيّر فيه وبدّل، أو أنه صاغ المعنى بلغته، وليس هذا عموماً بالمهم هنا.
وعودة إلى ما ينشر في الصحافة من أخبار وتقارير ومقالات، أو ما يصدر عن دارسين، عرباً ويهوداً. هنا أشير إلى ما كتب تحت عنوان «روميو الفلسطيني وجولييت اليهودية» وما نشرته أيضاً فضائية DW الألمانية عن الزواج المختلط بين العرب واليهود في دولة إسرائيل، وما أسفر عنه زواج مثل هذا. تحت العنوانين السابقين كتب عن زواج الشاب الغزي محمود من الشابة اليهودية مورال/ مارال مالكا، وما صاحب ذلك من احتجاجات يهود (لهافا/ ليهافا) ضده وتأييد يساريين له، والطريف أن الزواج تم في العام ٢٠١٤، عام الحرب على غزة. قبل هذا الزواج كتبت الصحف عن علاقة ابن مخيم جنين زكريا الزبيدي قائد كتائب شهداء الأقصى باليهودية المغربية الأصل تالي/ طالي فحيمة، وظلت الصحف تتابع الموضوع حتى العام ٢٠٠٩ تقريباً. تعاطفت تالي مع أبناء مخيم جنين، واتهمتها المحكمة العسكرية الإسرائيلية بتقديم مساعدات للمقاومة، ويتذكر المرء وهو يذكر مخيم جنين طليقة صليبا خميس (آرنا مير) ومسرح الحرية الذي أنشأته، وكان زكريا الزبيدي نفسه أحد الملتحقين به.
وحسب الدارسين (حنا هرتسوغ) أستاذة علم الاجتماع، وعزيز حيدر، فإن الزواج المختلط يتأثر بالأوضاع السياسية والاجتماعية والدينية، فقد شهدته فترات، وتراجع في أخرى، وعرف في المدن المختلطة، وقلّ في البيئات الريفية، وشاع بين النخب الثقافية والسياسية وبين متعاطي المخدرات من العرب واليهود في المدن.
في قصة مبكرة عنوانها «الغلطة» كتبها عبد الله عيشان، يأتي على زواج شاب ريفي من فتاة يهودية أحبا بعضهما، ولكنهما انفصلا لإقامتها مع أهله في القرية. لقد كان سبب الانفصال الاختلاف في العادات والتقاليد، وتدخل أهل الزوج في سلوك الزوجة، ونعرف أن الكاتب في جريدة الاتحاد عضو الحزب الشيوعي صليبا خميس تزوج من (آرنا مير) وأنجبا ابنين، وانتهت علاقتهما بالانفصال، ونعرف أن (آرنا) ظلت تتعاطف مع الفلسطينيين حتى وفاتها. وعموماً فإن الموضوع لافت، ويستحق الخوض فيه في بلاد تشهد صراعاً إحلالياً يصر فيه طرف على فكرة يهودية الدولة، ويرفض كثير من أبنائه الطرف الآخر رفضاً كلياً منادين بـ»الموت للعرب»، ويرى كثيرون من الطرف الآخر أيضاً رأياً معاكساً.

أ. د عادل الأسطة
2022-06-19


* (1)

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى