" منارة الموت " هكذا أرادت الروائية المقدسية " هناء عبيد" أن يكون عنوان روايتها، رواية صدرت في طبعتها الأولى عام 2022 عن دار فضاءات للنّشر والتوزيع من عمّان ـ الأردن ، ووردت في 236 صفحة مبوّبة إلى عشرة فصول . جدلية العنوان جعلتني و طيلة قراءتي للرواية أنتظر أن أعثر على المنارة لكنني لم أجد لها أثرا ، و لو على سبيل المجاز لفظا ، فبجرأة من الروائية جنحت بالعنوان إلى المجازية والرمزية والمراوغة ، فضلا عن بلاغة العبارة وامتطاء الاستعارية البلاغية المكنية فالمنارة هنا بمثابة برج يبعث الضوء للمقبلين على البحر كي ترسو مراكبهم على مرافىء الموت الغادر ، كما حضرت كلمة الموت للدّلالة على الموت الفعلي والرمزي ، فقد أبدت الكاتبة براعة في إشعال رمزية العنوان ، لتضيىء لنا كل أركان الموت ، فقد تألّم بطل الرواية وتعلّم ، تألّم و قد فجعه الموت في أحبابه و أودعهم التراب ، وتألّم لفقد أحبّة و أودعهم النسيان ، و تعلّم أن الموت الأبيض رغم أنّه جوع لكنّه أحيى فطنته ، و أنّ الموت الأخضر ثوب مرقع من الخرق الملقاة التي لا قيمة لها لكنّه أغناه و أحيى فيه القناعة و التّعفف ، و ما الموت الأسود إلاّ تحمّل الأذى من غيره لكنّه أحيى فيه العزيمة و الانتقام لوضعه المزري إلى وضع أفضل.
إنّ الكتابة السردية عند هناء عبيد ، وسيلة لممارسة كشف الألم و تغيير ما يؤرّق المهمومين إلى الأفضل وهو ما شَهِدْتُه شخصيا في روايتها " هناك في شيكاغو " بتسليط الضوء على حال المهاجرين هناك خارج اوطانهم . فتسعى من خلال رواياتها إلى كشف زيف ما هو واقع ، وفكّ سننه، وتعرية شفراته . ليعاين المتلقّي التجربة الفنية التي تدين الأحداث، والممارسات الواقعية الخاطئة، التي أفرزتها الأنظمة المجتمعية الظالمة ، لتبرز لنا في فترة غير محدّدة معاناة المستضعفين ضحايا القهر و الفقر والمحاباة والمحسوبية ، لكنّ أوّل ما يلفت القارئ في الرّوايّة هو عنصر المكان، حيث تعمّدت الكاتبة أن تجعل مكان الرّوايّة مجهولا، دون أن تذكر اسم المدن أو القرى التي جرت فيها الأحداث، لربما من أجل التّعميم على أنّ مجريات أحداثها تحدث في كلّ مكان وفي أيّ دولة، فالقارئ للرّوايّة لا يستطيع أن يتخيّل مكان أحداثها ولا أن يستخلص موطن القصّة . ففي كل السرد عبر الرواية تتجاهل الكاتبة على لسان بطل الرواية " آدم " اسم قريته الحقيقي و اسم المدن التي حلّ بها أو حتى اسم الجامعة التي التحق بها ، غير أنّها رغم ذلك أوردت اسم شركة " كاربنتر " لكنها أيضا شركة غير ذات دلالة واضحة عن المكان ، فمن خلال بحثي حول اسم الشركة تبين أنها شركات للخشب ، والأقرب إلى اسم الشركة ذات الطابع الخيري هو اسم ممثلة أمريكية "كاريزما كاربنتر" بالإنجليزية Charisma Carpenter من مواليد 23 يوليو 1970 في لاس فيغاس، نيفادا بالولايات المتحدة، وقد بدأت مسيرتها الفنية عام 1994. وقد كانت تهتم بالأعمال الخيرية ، ولذلك نرجّح تأثّر الروائية " هناء عبيد" بالشخصية واقتباس اسم الشركة من اسم الممثلة . وما سرى على المكان سرى على الزمان ، حيث استخدمت الكاتبة الزّمن بلا تحديد ، فعدا ذكر الفصول بتجلياتها لم تحدد الفترة التي جرت فيها الأحداث ولم تذكر التواريخ كمعلم تنبثق منه قصص الشخصيات ، لتجعل حدوث الزّمان يتطابق مع المكان المجهول ، لولا بعض الدّلالات التي تفرض وجودها وتؤكّد أن الرواية حدثت في عصرنا خاصة وهي تذكر " الهاتف النقال " و " الفيسبوك " .
سلّطت الكاتبة مضمون روايتها على العاطفة التي تتأرجح بين الحب والألم و الأناينة ، و أرست مراكبها على قيم كبرى تطغى عليها المسحة الفلسفية تطرّقت و بجرأة العارفين إلى جدليات الأخلاق والحب والسعادة ، فقد أكّدت وطيلة سردها لأحداث الرواية على أن ما يذلّ المرء على الدوام الفقر و المرض و الحب. لتقف صفا مع القدر الذي ما إن أوجد حبّا كبيرا إلا وجعل الفقير أحد أبطاله ، و كأنها تؤسس لفلسفة مفادها أن الفقراء أولى بالحب ، و أنّ الحب أولى بهم ، و كأنّي بها تشاطر جبران في قوله :" الفقر يظهر شرف النفس.. والغنى يبين لؤمها ".
متناقضات تصنع تراجيديا الأحداث
آدم بطل الرواية ومحرّك الأحداث فيها والرّاوي في معظم السرد ، عانى منذ طفولته مرارة الحرمان من كمال جسمه "العرج" فلقي التنمّر والحرمان والقهر والاحتقار من أترابه وحتى من غيره من الكبار بسبب إعاقته و فقره المدقع الذي تقاسمه رفقة أفراد أسرته الغارقة في غياهب الفقر والحرمان . "جودي " سيّدة الشمس والنور والدة آدم التي مازال يراها طفلة فيقول : " فطفولتها مازالت إلى الآن ، تنعم بها علينا ، برقّتها و براءتها وعطائها الدّائم ......." ص 76، تعمل جودي خادمة في بيت أبي نوى المتكبر المستعلي القاسي ذي الأخلاق الفظّة من أجل قسط من المال لا يلبّي أبسط احتياجاتهم ، ولعلّ ما ضاعف قهرها و ألمها ، زوجها بائع الذرة على عربة صغيرة يتنقّل بها طول النهار ليعود بما لا يسد الرمق ولا يبيّض ماء الوجه ، فيصبّ جمّ قهره وهزائمه على زوجته جودي المسكينة ، كان كلّ هذا القهر والألم يحدث على مرأى من آدم و أخته الصغرى سيلينا ، و كأن منسوب الألم يأبى إلاّ أن يتضاعف بعد ما لقاه آدم من رفاق المدرسة من سب وسخرية وشتم وركل .
في وسط هذا الفقر المدقع ، تفتح لنا الكاتبة نافذة أمل نطلّ منها كقراء على عالم آخر و أمل آخر يلازم عالم الفقر وهو الحب الذي لا يجرؤ على فراق الفقراء و كأنّه خلق من أجلهم ، " هانا " : قلب يتسلّق الشّمس وورد ينثر العطر في روحي .... ص 80 ، كما وصفها آدم ، ابنة الجيران ، حبّه الأوّل والوحيد ، هي التي صنعت أفراحه و آماله و أوجاعه أيضا ، فقد كان يتزوّد بابتسامتها التي تخرجه من معاناته وتنسيه شقاء أيّامه وخيباته المتتالية .لتزيد هانا في خيبات آدم وتؤجّج حرائقه ، فبعد التحاقها بالجامعة تتعرّف على سالم وتتزوّجه ، سالم الشاب الغني الجاهز الذي يختسر عنها سنوات التضحيات والكدّ والمعاناة مع شاب فقير معدم ،و لا غرابة أن يصمت الفقر إذا تكلّم المال ، فربّ مال ستر رذيلة التافهين ، وربّ فقر طمس فضيلة الصادقين . آدم الطالب الذكي المثابر عرف كيف يرمّم نفسه و يصلح عطبه، ويضمِّد جراحه ، فقد حاول وحاول مرارا لتجاوز الصدمات و معالجة الآثار والندوب العميقة التى تركتها أحداث الطفولة وما بعدها في نفسه ، وبمساعدة جورج صديقه الغني الفاضل و "شمس" : " شعاع النور القادم من مسارب اليأس بهمهماتها ..." ص 156 . اللّذان ساعداه لفضح شركة " كاربنتر " و كشف سرّ الأدوية منتهية الصلاحية التي أودت بحياة الكثير من الأبرياء ، فبفضل استماتتهم تمكّنوا من الإطاحة بعصابة نهبت خيرات البلاد وحرمت الفقراء من خبزهم وحليب أطفالهم ، كانا ( جورج وشمس ) ممن قضوا في سبيل كشف الحقيقة وتحقيق العدالة ، وتركا الأثر البالغ في نفس آدم ليزداد منسوب حرائقه وفجائعه ، لكنّه ورغم ذلك استطاع أن يدخل كليّة الطب وينهي دراسته بتفوق ، ليعود مكلّلا بالنّصر ويعيّن طبيبا لقريته البائسة التي عانى فيها كل أنواع الفقر والحرمان ، آدم الذي انتشل المعذّبين ممن قاسموه رحلة العمر من ضياعهم ، فرسم البسمة الدّائمة على وجه "سام " وحقق حلم "سيلينا " في استكمال دراستها و وفّر الراحة لأمّه جودي ولأبيه الذي لم يعد بائع ذرة و صار من ذوي الأملاك ، هو الذي انتشل الجميع من دوّامة الشقاء ليرسو بهم على مرفأ الأمل والهناء .
بعض ممّا حرّك الوجدان وعلق بالذّاكرة
لا شكّ في من قرأ لهناء عبيد ، أن يفتن بلغتها و يأسره أسلوبها الساحر الذكي الذي تجمع فيه بين الإمتاع والتهكّم الساخر ، فتتجلى عندها خصوصية الكلمة التي تتراشق مع الحروف والجمل لتكوّن لنا نسيجا لغويا قويّا و جميلا ، عباراتها فنية يلاغية استعارية ، ذات دلالات إيحائية جمالية ، تتجلّى فيها الخصوصية الأنثوية التي تؤثّث لقوّة النّص وتؤنث ملامحه ، فتبرز من خلاله مشاعرها الصادقة ذات الكلمات الواضحة سردا و وصفا و حوارا ، لدرجة أنك تتفاعل مع النص فتذرف دمعا وسرعان ما تخرجك من سودوية المشهد ببراعة ، فتضحك من خفّة التصوير و تهكّم الروائية من تناقضات الحياة ، وممّا علق بالذاكرة وحرّك الوجدان رصدنا :
ـــــ من لم يستطع صدّ الظلم مرّة فلن يستطع مرارا .....ص50 .
ــــ إنّها القلوب العاشقة النّابضة بالحب ، التي تنظر إلى كلّ عيب بمنظار يحيل الصحراء إلى جنّة خضراء .......ص54 .
ــــ أريد أن أمسك شعاعات الشّمس بيدي ، أغزل بها سجّادة مفروشة بالضوء ، العتمة تقتلني ، الفقر يقرصني ، لا أريد أن تختبىء بسمتي خلف حرمان .
ـــ كثيرا ما أشفق على جودي الجميلة الطيّبة ، تستحقّ إنسانا أفضل من أبي ...رجلا يحمل قلبا يقدّر رقة الانثى و عطاءها . أحيانا لا ألومه على غلظته ، فهو مسكين تربّى في بيت لا يعرف من الرجولة سوى الخشونة في معاملة السيدات ....ص 76 .
ـــ جودي ، يا نورا تسرّب من بين غيوم ، و أشرق دنيانا ، سأعود يوما لأجعلك سيدة الأرض .
ــــ سترتفع راية العدل يوما فوق جثث الطغاة ، فوق انهار دماء الظّم ، ستتعالى يوما ضحكة تمحي الظّلام ، ستخترق السماء أغنية تصدح عاليا ، ستنتصر البسمة أيها الطغاة .......ص243 .
ليلى تبّاني - الجزائر .
إنّ الكتابة السردية عند هناء عبيد ، وسيلة لممارسة كشف الألم و تغيير ما يؤرّق المهمومين إلى الأفضل وهو ما شَهِدْتُه شخصيا في روايتها " هناك في شيكاغو " بتسليط الضوء على حال المهاجرين هناك خارج اوطانهم . فتسعى من خلال رواياتها إلى كشف زيف ما هو واقع ، وفكّ سننه، وتعرية شفراته . ليعاين المتلقّي التجربة الفنية التي تدين الأحداث، والممارسات الواقعية الخاطئة، التي أفرزتها الأنظمة المجتمعية الظالمة ، لتبرز لنا في فترة غير محدّدة معاناة المستضعفين ضحايا القهر و الفقر والمحاباة والمحسوبية ، لكنّ أوّل ما يلفت القارئ في الرّوايّة هو عنصر المكان، حيث تعمّدت الكاتبة أن تجعل مكان الرّوايّة مجهولا، دون أن تذكر اسم المدن أو القرى التي جرت فيها الأحداث، لربما من أجل التّعميم على أنّ مجريات أحداثها تحدث في كلّ مكان وفي أيّ دولة، فالقارئ للرّوايّة لا يستطيع أن يتخيّل مكان أحداثها ولا أن يستخلص موطن القصّة . ففي كل السرد عبر الرواية تتجاهل الكاتبة على لسان بطل الرواية " آدم " اسم قريته الحقيقي و اسم المدن التي حلّ بها أو حتى اسم الجامعة التي التحق بها ، غير أنّها رغم ذلك أوردت اسم شركة " كاربنتر " لكنها أيضا شركة غير ذات دلالة واضحة عن المكان ، فمن خلال بحثي حول اسم الشركة تبين أنها شركات للخشب ، والأقرب إلى اسم الشركة ذات الطابع الخيري هو اسم ممثلة أمريكية "كاريزما كاربنتر" بالإنجليزية Charisma Carpenter من مواليد 23 يوليو 1970 في لاس فيغاس، نيفادا بالولايات المتحدة، وقد بدأت مسيرتها الفنية عام 1994. وقد كانت تهتم بالأعمال الخيرية ، ولذلك نرجّح تأثّر الروائية " هناء عبيد" بالشخصية واقتباس اسم الشركة من اسم الممثلة . وما سرى على المكان سرى على الزمان ، حيث استخدمت الكاتبة الزّمن بلا تحديد ، فعدا ذكر الفصول بتجلياتها لم تحدد الفترة التي جرت فيها الأحداث ولم تذكر التواريخ كمعلم تنبثق منه قصص الشخصيات ، لتجعل حدوث الزّمان يتطابق مع المكان المجهول ، لولا بعض الدّلالات التي تفرض وجودها وتؤكّد أن الرواية حدثت في عصرنا خاصة وهي تذكر " الهاتف النقال " و " الفيسبوك " .
سلّطت الكاتبة مضمون روايتها على العاطفة التي تتأرجح بين الحب والألم و الأناينة ، و أرست مراكبها على قيم كبرى تطغى عليها المسحة الفلسفية تطرّقت و بجرأة العارفين إلى جدليات الأخلاق والحب والسعادة ، فقد أكّدت وطيلة سردها لأحداث الرواية على أن ما يذلّ المرء على الدوام الفقر و المرض و الحب. لتقف صفا مع القدر الذي ما إن أوجد حبّا كبيرا إلا وجعل الفقير أحد أبطاله ، و كأنها تؤسس لفلسفة مفادها أن الفقراء أولى بالحب ، و أنّ الحب أولى بهم ، و كأنّي بها تشاطر جبران في قوله :" الفقر يظهر شرف النفس.. والغنى يبين لؤمها ".
متناقضات تصنع تراجيديا الأحداث
آدم بطل الرواية ومحرّك الأحداث فيها والرّاوي في معظم السرد ، عانى منذ طفولته مرارة الحرمان من كمال جسمه "العرج" فلقي التنمّر والحرمان والقهر والاحتقار من أترابه وحتى من غيره من الكبار بسبب إعاقته و فقره المدقع الذي تقاسمه رفقة أفراد أسرته الغارقة في غياهب الفقر والحرمان . "جودي " سيّدة الشمس والنور والدة آدم التي مازال يراها طفلة فيقول : " فطفولتها مازالت إلى الآن ، تنعم بها علينا ، برقّتها و براءتها وعطائها الدّائم ......." ص 76، تعمل جودي خادمة في بيت أبي نوى المتكبر المستعلي القاسي ذي الأخلاق الفظّة من أجل قسط من المال لا يلبّي أبسط احتياجاتهم ، ولعلّ ما ضاعف قهرها و ألمها ، زوجها بائع الذرة على عربة صغيرة يتنقّل بها طول النهار ليعود بما لا يسد الرمق ولا يبيّض ماء الوجه ، فيصبّ جمّ قهره وهزائمه على زوجته جودي المسكينة ، كان كلّ هذا القهر والألم يحدث على مرأى من آدم و أخته الصغرى سيلينا ، و كأن منسوب الألم يأبى إلاّ أن يتضاعف بعد ما لقاه آدم من رفاق المدرسة من سب وسخرية وشتم وركل .
في وسط هذا الفقر المدقع ، تفتح لنا الكاتبة نافذة أمل نطلّ منها كقراء على عالم آخر و أمل آخر يلازم عالم الفقر وهو الحب الذي لا يجرؤ على فراق الفقراء و كأنّه خلق من أجلهم ، " هانا " : قلب يتسلّق الشّمس وورد ينثر العطر في روحي .... ص 80 ، كما وصفها آدم ، ابنة الجيران ، حبّه الأوّل والوحيد ، هي التي صنعت أفراحه و آماله و أوجاعه أيضا ، فقد كان يتزوّد بابتسامتها التي تخرجه من معاناته وتنسيه شقاء أيّامه وخيباته المتتالية .لتزيد هانا في خيبات آدم وتؤجّج حرائقه ، فبعد التحاقها بالجامعة تتعرّف على سالم وتتزوّجه ، سالم الشاب الغني الجاهز الذي يختسر عنها سنوات التضحيات والكدّ والمعاناة مع شاب فقير معدم ،و لا غرابة أن يصمت الفقر إذا تكلّم المال ، فربّ مال ستر رذيلة التافهين ، وربّ فقر طمس فضيلة الصادقين . آدم الطالب الذكي المثابر عرف كيف يرمّم نفسه و يصلح عطبه، ويضمِّد جراحه ، فقد حاول وحاول مرارا لتجاوز الصدمات و معالجة الآثار والندوب العميقة التى تركتها أحداث الطفولة وما بعدها في نفسه ، وبمساعدة جورج صديقه الغني الفاضل و "شمس" : " شعاع النور القادم من مسارب اليأس بهمهماتها ..." ص 156 . اللّذان ساعداه لفضح شركة " كاربنتر " و كشف سرّ الأدوية منتهية الصلاحية التي أودت بحياة الكثير من الأبرياء ، فبفضل استماتتهم تمكّنوا من الإطاحة بعصابة نهبت خيرات البلاد وحرمت الفقراء من خبزهم وحليب أطفالهم ، كانا ( جورج وشمس ) ممن قضوا في سبيل كشف الحقيقة وتحقيق العدالة ، وتركا الأثر البالغ في نفس آدم ليزداد منسوب حرائقه وفجائعه ، لكنّه ورغم ذلك استطاع أن يدخل كليّة الطب وينهي دراسته بتفوق ، ليعود مكلّلا بالنّصر ويعيّن طبيبا لقريته البائسة التي عانى فيها كل أنواع الفقر والحرمان ، آدم الذي انتشل المعذّبين ممن قاسموه رحلة العمر من ضياعهم ، فرسم البسمة الدّائمة على وجه "سام " وحقق حلم "سيلينا " في استكمال دراستها و وفّر الراحة لأمّه جودي ولأبيه الذي لم يعد بائع ذرة و صار من ذوي الأملاك ، هو الذي انتشل الجميع من دوّامة الشقاء ليرسو بهم على مرفأ الأمل والهناء .
بعض ممّا حرّك الوجدان وعلق بالذّاكرة
لا شكّ في من قرأ لهناء عبيد ، أن يفتن بلغتها و يأسره أسلوبها الساحر الذكي الذي تجمع فيه بين الإمتاع والتهكّم الساخر ، فتتجلى عندها خصوصية الكلمة التي تتراشق مع الحروف والجمل لتكوّن لنا نسيجا لغويا قويّا و جميلا ، عباراتها فنية يلاغية استعارية ، ذات دلالات إيحائية جمالية ، تتجلّى فيها الخصوصية الأنثوية التي تؤثّث لقوّة النّص وتؤنث ملامحه ، فتبرز من خلاله مشاعرها الصادقة ذات الكلمات الواضحة سردا و وصفا و حوارا ، لدرجة أنك تتفاعل مع النص فتذرف دمعا وسرعان ما تخرجك من سودوية المشهد ببراعة ، فتضحك من خفّة التصوير و تهكّم الروائية من تناقضات الحياة ، وممّا علق بالذاكرة وحرّك الوجدان رصدنا :
ـــــ من لم يستطع صدّ الظلم مرّة فلن يستطع مرارا .....ص50 .
ــــ إنّها القلوب العاشقة النّابضة بالحب ، التي تنظر إلى كلّ عيب بمنظار يحيل الصحراء إلى جنّة خضراء .......ص54 .
ــــ أريد أن أمسك شعاعات الشّمس بيدي ، أغزل بها سجّادة مفروشة بالضوء ، العتمة تقتلني ، الفقر يقرصني ، لا أريد أن تختبىء بسمتي خلف حرمان .
ـــ كثيرا ما أشفق على جودي الجميلة الطيّبة ، تستحقّ إنسانا أفضل من أبي ...رجلا يحمل قلبا يقدّر رقة الانثى و عطاءها . أحيانا لا ألومه على غلظته ، فهو مسكين تربّى في بيت لا يعرف من الرجولة سوى الخشونة في معاملة السيدات ....ص 76 .
ـــ جودي ، يا نورا تسرّب من بين غيوم ، و أشرق دنيانا ، سأعود يوما لأجعلك سيدة الأرض .
ــــ سترتفع راية العدل يوما فوق جثث الطغاة ، فوق انهار دماء الظّم ، ستتعالى يوما ضحكة تمحي الظّلام ، ستخترق السماء أغنية تصدح عاليا ، ستنتصر البسمة أيها الطغاة .......ص243 .
ليلى تبّاني - الجزائر .