رايفين فرجاني - علم الكارثة

الكوارث العظمى,إذا ما استثنينا كل جريمة قتل,أو ظلم بإعتبارها مصيبة في حد ذاتها,بلية من إبتلاءات الزمن والقدر. فإن الكارثة هي واقعة وقعت بما يسبب ضررا عظيما في مدة زمنية تكون قصيرة في العادة. وجرى الإعتبار أن هذا الضرر يتحدد (إحصائيا) بمقدار زوال الأنفس والأموال. أي جمع بين القتل والظلم. ظلم في الحياة والممات.

والكارثة,فكرة بشرية بإمتياز,لأن الحيوان لا يشعر عادة -عند الواقعة أو الكارثة الفردية أو الجماعية- سوى بالخوف,ولا يعمل عقله إلا بمقدار ما ينجيه من هذا الخوف / الخطر. أما أن يقوم الإنسان بإستيعاب كل هذا الضرر,وفق عمليات معقدة مثل الإحصاء والإصلاح ومحاولة النجاة مما هو واقع ومحاولة التنبؤ بما سيقع. كل هذا تحت مسمى الكارثة فهو من صنيع الإنسان. وعليه فإن الكوارث الجحيمية لما قبل وطء قدمه الأرض لا تعنيه بالمرة. كما لا يشغله هول الكوارث التي لازالت قائمة في الفضاء الحديث -بعد التخلي عن النزعة التأملية والإستكشافية- إلا بقدر ما يشكله من تهديد على وجوده. ناهيك عن التهديدات الموجودة على الأرض نفسها. وإن كان الإنسان,يعمل مثل الحيوان وفق مبدأ / غريزة البقاء. إلا أن مساهمته كانت كبيرة حقا في باب (الكارثة).

لذا تم تقسيم الكارثة بوصفها ظاهرة طبيعية وإجتماعية تقع في إحدى نوعين بحسب المسبب

كوارث طبيعية تحدث بسبب مجريات الدورة الحياتية للنظام الطبيعي القائم عليه الكون

كوارث بشرية تحدث بسبب خلل في النظام الذي بناه البشر,أو بسبب إستهداف مباشر لإحداث الضرر في حالة التخريب المتعمد. أي أنها لا تخرج عن ثنائية (إهمال أو تخريب). وإذا تجاوز الضرر ما كان مخطط له,إنتقل التصنيف مرة أخرى من إستهداف مباشر إلى خلل في النظام.

[1] الكوارث الطبيعية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والمستمرة منذ ما قبل البشرية,ربما إلى ما بعدها,وصولا للكارثة الأخيرة حيث فناء الأرض والكون. أحيانا تحدث الكوارث الطبيعية أيضا بسبب تدخل الإنساء مثل التلوث البيئي وثقب الأوزون وبعض أنواع الزلازل فوق الصفائح النفطية. لكن أسوأ ما في الكوارث الطبيعية أمرين

أولا أنها تحدث بسبب تقلبات الطبيعة,لذا هي غير متوقعة,وإن رصدتها التوقعات,يبقى الناس في غفلة من أمرهم. إما لا تصلهم التحذيرات من وكالات الأرصاد,وإما غير مصدقين لها. خاصة مع التداخل الإعلامي بين الكذب والصدق. فإذا قال لك أحد أن غدا سيحدث زلزال لن تصدق. ولكن لو قال غدا ستمطر. فهذا معتاد. وهذا طريف جدا.

ثانيا أن حدوثها يظل أمرا حتميا,فهي ليست صادرة عن فعل إنساني يمكن أن نحمل صاحبه المسؤولية بحيث يكون رادعا لغيره. وبحيث يكون البشر هم بذلك المتحكمين بها. كما أن التعامل معها يظل أصعب من الكثير من الكوارث البشرية.

[2] الكوارث البشرية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وتنقسم لنوعان

كوارث التخريب

وعلى رأسها الحروب,وما يتبعها من

1-المجاعة التي تحدث بسبب الأزمات الإقتصادية

2-التهجير

وعلى رأس أزمات التهجير في العالم ما يحدث ببلاد الشام مع الشعب الفلسطيني والسوري. وقريبا -إن شاء الله- يتبعه الشعب الأردني واللبناني.

3-الثورات التي يعقبها عادة أحد خمسة نتائج

-إنفلات أمني

-إنقلاب عسكري

-حرب أهلية

-إحتلال خارجي

-صعود فاشي

وكادت الثورة المصرية أن تجمع الخمسة معا لولا تدخل -شئنا أم أبينا- عبد الفتاح السيسي.

ومن الحروب الكبرى في العصر الحديث الحرب العالمية الأولى والثانية.

4-الإبادة العرقية والثقافية

-الأمريكيون الأصليون

-يهود الهولوكوست

-الفلسطينيون

-مسلمي الأويغور والهند

كوارث الإهمال

المنبثقة عن خلل في النظام,وعلى رأسها يظل الوباء ملكا متوجا,ويتساوى معه,وربما يتجاوزه الخطر الإشعاعي الذي يمكن تصنيفه من نفس نوع الوباء. بالطبع أسوء ثلاثة كوارث نووية هي هيروشيما وناجازاكي وتشيرنوبل. إثنين تخريبيتين وواحدة إهمال. كما أن أعظم خطر يهدد البشرية جمعاء هو الخطر النووي. وإحتمالات تحقق النهاية بسبب إندلاع حرب نووية أو وباء -بفعل بشر قصدا حسب نظريات المؤامرة المدعمة بالأدلة العسكرية والمختبرية,أو ربما إهمالا- أكبر بكثير من نهاية العالم بسبب إصطدام جسم خارجي مثلا.

ومن كوارث الإهمال التي تحدث بشكل شبه يومي,وهنا يجب أن ننوه أن الإهمال لا يأتي في الكثير من الحالات بمعناه الصحيح. بعض الإهمال هو قصور في معرفتنا ومقدرتنا البشرية.

من كوارث الإهمال حوادث الطريق والمواصلات التي تحدث,ليس بشكل شبه يومي,عفوا خانني التعبير,بل بشكل يومي. وفي بعض الإحصاءات تحدث كل ساعة حول العالم.

وهي أربعة أنواع رئيسية بحسب أنواع المركبات

-حوادث السيارات

-حوادث القطارات,وقطارات مصر نموذج حزين عن ذلك

-حوادث السفن,وأشهرها حادثة غرق التايتانيك

-حوادث الطائرات,ومنطاد هيندنبورغ مثال شهير بإعتبار المناطيد من نوعية الطائرات

وحوادث الطائرات رغم أنها إحصائيا الأكثر أمانا,إلا أن فرص النجاة فيها تكاد تكون معدومة. على الصعيد الفردي ليس من الوهم تفضيل الطرق البرية أو حتى البحرية.

الكوارث جزء مهم من دراسات الموت,لأنه تعبر عن واحدة من حالات الموت الرئيسية مثل القتل والحادث والإنتحار والمرض وغيره. إلا أن نكبتها أكبر بسبب حجم الخسائر والضحايا. كما أنها تحتمل كل الأنواع الأخرى بما في ذلك الحرب والمجاعات وغيره.

والكوارث جزء من التاريخ البشري,رغم أنها حاضرة قبل وجود البشر على الأرض,إن التغيرات المادية للطبيعة لا تعبأ بوقعها على الأحياء العقلاء منهم أو غير العقلاء. ثم كان للإنسان مساهماته الكبرى في هذا الصدد. وبسببها يمكن تشبيه التاريخ بستارة سوداء في السماء لا تشرق الشمس إلا عبر ثقوب يعبر الضوء من خلالها.

ولهذا تلقى الكوارث عناية كبيرة من المؤرخين,وعلى رأسهم ابن خلدون في دراسته القيمة عن قيام وإنهيار الأمم,والتي تعد نواة لكل الدراسات التاريخية اللاحقة. وفي النظر إلى أول التاريخ يكثر الحديث عن الحضارات المفقودة. وفي النظر إلى نهاية التاريخ يكثر الحديث عن نهاية العالم.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى