تقرير استقصائي من إعداد/ رائد الجحافي
وفقاً لتقارير دولية أكدت أن قيمة مجموع الأعمال الفنية والآثار تبلغ حوالي 50 مليار دولار على مستوى العالم.
هذا وتوجد تجارة غير مشروعة في سوق الأعمال الفنية، اذ تشير التقديرات إلى أن تجارة الأعمال الفنية بطريقة غير مشروعة تشكل حوالي 5 % من الصناعة بأكملها، وهذا الأمر يشوه هذه التجارة.
كما تشهد اسواق الأعمال الفنية تنامي كبير وحتى خلال تفشي فيروس كورونا لم يتوقف نشاط هذا السوق ليحقق 10 مليارات دولار خلال عامين فقط.
هذا وقادت اليونسكو منذ عقود جهود عالمية للحفاظ على التراث الثقافي بطريقة آمنة. وذكر مساعد المدير العام للثقافة في اليونسكو إرنستو أوتوني راميريز في تصريح لوكالة "ليورونيوز" أنه "منذ 20 أو 30 عامًا شهدنا تحولا في سوق التحف الفنية والتجارة غير القانونية وهي تمثل خمسة في المائة من السوق، أصبحت تجارة وتهريب التحف أمرا سهلا في العديد من مواقع تراث عالمي".
وذكر المسؤول أن كثيرا من القطع والتحف المهربة تنهب من مواقع أثرية لم يتم اكتشافها بعد وهو ما يصعب من مهمة تعقب هذه القطع واستردادها قبل أن تدخل السوق وتصل إلى المتاحف بطرق غير شرعية.
الجدير ذكره أن الإنتربول يعمل على محاربة الجرائم المتعلقة بسرقة وتهريب والمتاجرة غير القانونية بالآثار والتحف الفنية، ولدى المنظمة إدارة كاملة مخصصة لمكافحة الجرائم ضد الممتلكات الثقافية.
وتقول الوكالة الدولية لمكافحة الجريمة إن العالم يواجه نهبًا غير مسبوق للتراث الثقافي من البلدان التي مزقتها الحروب. وبحلول الوقت الذي تصل فيه هذه القطع الأثرية إلى هواة الجمع أو المتاحف من الصعب معرفة ما إذا كانت قد وصلت بطريقة غير مشروعة أم لا.
في محاولة لمكافحة هذا التهريب وسرقة التحف الفنية والتجارة غير القانونية بها ، أطلق الإنتربول تطبيقًا ذكيًا يسمى ID-art يمكن أن يساعد في تحديد ما يسمى بـ "آثار الدم".
ويقول رئيس وحدة الأعمال الفنية في الإنتربول كورادو كاتيسي بما أن ظاهرة تهريب التحف والآثار أصبحت عابرة للحدود فعلى البلدان العمل معا من أجل مكافحتها.
كما يؤكد كاتيسي "يتمثل دور الإنتربول في المقام الأول "في دعم البلدان الأعضاء لدينا ووحداتنا المتخصصة في هذا المجال".
ويضيف "باستخدام تطبيقنا الخاص يمكن معرفة ما إذا كانت القطعة مدرجة في قاعدة البيانات الخاصة بنا.. إذا ظهرت القطعة على التطبيق فهذا يعني أنها سُرقت. سيسمح لك الزر الأحمر الموجود في التطبيق بإبلاغ الإنتربول بالعنصر الذي تم العثور عليه".
يقول كاتيسي إن تطبيق ID Art يعد أداة مثالية لضباط الشرطة أو مسؤولي الجمارك أو هواة جمع الأعمال الفنية أو عامة الناس أو الفنانين. في إسبانيا ورومانيا، مثلا استعادت بعض الوحدات المتخصصة تحفاً فنية بفضل التطبيق". لكن من المؤسف أن اليمن لايستطيع اللجوء إلى الإنتربول بسبب عدم توفيعه على معاهدات اليونيسكو وجنيف، بالذات البنود المتعلقة بملاحقة المهربين ومحاكمتهم.
هذا وتعتبر الدول التي تعيش حالة حرب أهلية هي المناطق الخصبة لنمو جرائم تهريب ونهب آثارها، واليمن واحدة من الدول التي تعيش حرب أهلية منذ أكثر من سبع سنوات، تسببت في ازدهار جرائم التهريب والاتجار بالآثار ونهبها بصورة كبيرة وواسعة.
هذا وقد تصاعدت في الآونة الأخيرة حالة الجدل حول الآثار اليمنية التي جرى ويجري تهريبها إلى دول الجوار والاتجار بها قبل أن تظهر الكثير من القطع الأثرية والمخطوطات النادرة في أكثر من سوق مزاد عرض بيع الآثار بدول أجنبية عديدة.
وكانت آلاف المخطوطات والقطع الأثرية والتحف اليمنية النادرة والقيمة التي يعود تاريخها لآلاف السنين قد تعرضت للعبث والنهب والتهريب إلى عدة دول عربية وأوروبية على ايدي عصابات تهريب بعضها ترتبط بعلاقة مع مسئولين في الحكومة اليمنية منذ بدء الحرب التي تشهدها اليمن منذ مطلع العام 2015م.
وكان تحقيق أجراه موقع "لايف ساينس" الأمريكي كشف في 7 يونيو 2019، عن أن ما لا يقل عن 100 قطعة أثرية من اليمن، تم بيعها في مزادات علنية، مقابل ما يقدر بمليون دولار أمريكي، في الولايات المتحدة وأوروبا والإمارات العربية المتحدة منذ عام 2011م.
وقال الباحث في الآثار عبدالله محسن، في تغريدات له على صفحته في تويتر، إن "24 تحفة أثرية يمنية نادرة بيعت بأكثر من 2.5 مليون دولار، في مزاد دار سوذبي (بريطانيا)، في 7 ديسمبر 2021".
ويعتبر دار "سوذبي" للمزادات أو "سوذبيز"، هو رابع أقدم دار مزادات في العالم. وتأسس في لندن عام 1744.
وأوضح أن القطع الأثرية التي بيعت في المزاد تنوعت ما بين تماثيل على أشكال رجل وامرأة وإفريز من الحجر الجيري، والوعول.
مؤكداً إنها تعود إلى القرن الثالث قبل الميلاد والقرن الأول الميلادي.
وفي أوقات سابقة متفرقة تمكنت سلطات الأمن اليمني عن طريق الصدفة اكتشاف الكثير من محاولات تهريب الآثار، حيث ضبطت سلطات الشرطة بمحافظة شبوة في وقت سابق شخصين ييتبعان لعصابة تقوم ببيع وتهريب الآثار التاريخية داخل مدينة عتق وبحوزتهم مخطوطات ومجسمات أثرية نادرة بينما كانا يحاولان تهريبها ومن خلال التحقيق معهما اعترفا أنهما يعملان ضمن عصابة تهريب الاثار، وكانا يحوزان صندوق خشبي وخارطة جلدية كتبت بالخط العبري تحمل عليها رسومات عبرية وشعار الماسونية العالمية، والى جانب الخارطة تلك، كانا يخفيان مجسم يحمل شعار المسيح، وكثير من القطع الأثرية النادرة الاخرى.
وفي أغسطس 2018م، حاول تاجر يمني تهريب قطع أثرية نادرة يعود تاريخها لآلاف السنين قبل اكتشافه عن طريق الصدفة من قبل سلطات الأمن في مطار عدن بينما كان يحاول تهريبها إلى خارج اليمن.
وعلى الرغم من الدعوة التي وجهتها الحكومة اليمنية من خلال وزارة الخارجية التي ناشدت فيها الدول الغربية بعدم السماح بعرض اثار يمنية في مزادات البيع وطالبت باستعادتها، الا ان الحكومة لا تملك اي احصائيات دقيقة توضح عدد القطع الأثرية المنهوبة والمهربة إلى الخارج وغيرها.
هذا ما يؤكده السفير اليمني لدى اليونسكو "محمد جميح" الذي قال أن الآثار التي جرى نهبها وتهريبها "كثيرة جداً، لكن لا توجد لها إحصائيات دقيقة، فالاحصائيات الدفيقة تتطلب وجود قاعدة بيانات بذلك، وهو ما لا يتوافر حتى الآن".
وأضاف "خلال الأيام الماضية تم التواصل بين بعثة اليمن لدى اليونسكو ومسؤولي الهيئة العامة للآثار والمتاحف لإنشاء إدارة مختصة بمتابعة الممتلكات الثقافية المنهوبة، مع تحديد أهداف الإدارة ولوائحها وهيكلها الإداري، والمؤمل أن يتم تشكيل هذه الإدارة سريعاً ليتسنى لها القيام بمهامها".
بشأن ما يتوقعه من الدول التي وجهوا لها مطالب باستعادة الآثار اليمنية فقال "لا يمكن للدول التي وصلتها قطع التراث الثقافي اليمني إلا أن تتجاوب وفقاً لمقتضيات القوانين والمعاهدات الدولية ضمن منظمة اليونيسكو".
ورغم ما ذهب إليه "جميح" الا أن اليمن لا يمكنه اللجوء إلى الإنتربول الدولي بسبب عدم توقيع اليمن على معاهدات اليونيسكو وجنيف، بالذات البنود المتعلقة بملاحقة المهربين ومحاكمتهم.
وحول صور النهب الذي طال الآثار، بالذات في محافظة شبوة التي قامت فيها العديد من الممالك والدول القديمة مثل قتبان وأوسان وحضرموت، يقول مسؤول الأمن لحماية الموقع الأثري في مدينة تمنع الواقعة شمال مديرية عسيلان بشبوة، صالح دوّام ، لـ"اندبندنت عربية" إن موقع هجر كحلان، عاصمة دولة قتبان، تعرض للنهب والسرقة من قبل نافذين وتجار آثار وتهريبها خارج البلاد.
وأوضح هذه المواقع التي تحوي مركز الدولة القتبانية وقانون التجارة والضرائب كأول قانون تجاري عرفه العالم قبل ثلاثة آلاف سنة تعرضت خلال العقدين الماضيين، تحديداً، للتجريف والحفر بلغت حد الاستعانة بالجرافات بحثاً عن القطع الأثرية والعملات الذهبية القديمة.
كما أكد أن الكثير من المواقع تعرضت للنهب من أبرزها مدينة شبوة القديمة وتمنع الأثرية وحبان وهجر الناب وغيرها.
وشهد العام 2013 تحديداً من شهر مارس، عدة سرقات طالت متاحف الجنوب، حيث قامت عصابة لصوص من سرقة عدد كبير من القطع الأثرية من متحف المكلا الواقع في «قصر السلطان القعيطي» في مدينة المكلا عاصمة محافظة حضرموت. ومن بين المسروقات قطع أثرية ثمينة ومهمة.
واستطاع اللصوص سرقة كرسي العرش السلطاني، الذي يمثل أحد الرموز المهمة للدولة القعيطية (1865 ـ 1967).
كذلك، تعرّض متحف الآثار في عدن في جنوب البلاد إلى السرقة، حيث نهبت مجموعة نادرة وفريدة من العملات الذهبية الرومانية، يوم 23 أبريل 2009م، وهي: 858 عملة (اكسومية) و326 (مصكوكة رومانية), و12 (مصكوكة نقدية اكسومية تمثل سبعة ملوك)، وهي من الكنوز والعملات التي اذهلت وأدهشت العلماء، وقد تم اكتشافها في منطقة المضاربة بمحافظة لحج، ويعود عهدها إلى الأباطرة الرمانيين الذين عاشوا في القرن الرابع الميلادي، وبعض الأنواع من العملات التي مازالت مجهولة، وتعود إلى عهد قسطنطين الثاني الذي حكم في القرن الرابع الميلادي.
كما تم سرقة متحف الآثار في زنجبار في محافظة أبين بشكل كامل.
كذلك الحال طالت اعمال النهب والسرقة أيضاً متاحف مدن الشمال، حيث نهب حراس ومجهولون محتويات متحف السدة التابعة لمحافظة إب.
ويعود تاريخ إنشاء المتاحف في اليمن في الجنوب في فترة الاحتلال البريطاني، حيث تم افتتاح معهد في حديقة صهاريج الطويلة في العام 1930. أما في الشمال فتم افتتاح متحف العرضي في تعز في العام 1967، ومتحف صنعاء الوطني في العام 1970.
ويعد متحف صنعاء الأكبر في البلاد، ويضم أكثر من 75 ألف قطعة تاريخية، وهي تواجه خطر التآكل والرواسب والفطريات بسبب المؤثرات الطبيعية والبشرية.
وتعاني المتاحف من غياب البنية التحتية المناسبة، وتنقسم وفقاً لذلك إلى ثلاثة أنواع: الأول هو المباني التاريخية، ومنها قصور السلاطين والأئمة، وتشمل متحف عدن، ولحج، وسيئون، وصنعاء.
وتم الحصول على معظم القطع الأثرية الموجودة في المتحف الوطني في عدن من خلال البعثات التي زارت ونقبت في اليمن منها «البعثة الأميركية لدراسة الإنسان» في عام 1950، برئاسة فليبس. وبعثات (انجرامس، وجام، وطومسون، ومسترادود، والبعثة الفرنسية) ، وكذلك بعثة «ريمي ادوانو» اليمنية الروسية المشتركة برئاسة المركز اليمني للأبحاث الثقافية. وبعدها استمرت الأعمال المشتركة برئاسة العالم اسكندر سيدوف، ثم البعثة اليمنية الألمانية الروسية المشتركة برئاسة الدكتور فوكت، ثم البعثة الوطنية اليمنية بكادرها اليمني المؤهل التي تعمل في كثير من المحافظات. وقد شاركت هذه القطع في المعارض الخارجية ومنها معرض الكويت والقاهرة وموسكو وارمينيا ومعرض العالم العربي (باريس- ألمانيا- السويد- اسبانيا- نيويورك) وغيرها من عواصم الدول الأوربية، بالإضافة إلى مشاركتها على المستوى المحلي في كثير من المعارض، قبل أن تطالها ايادي النهب والسرقة.
وفي مارس 2016 قام حاخامات يهود يمنيين بتهريب أقدم نسخة من التوراة توارثها حاخامات اليهود اليمنيين منذ خمسمائة سنة عندما تم إخراج اخر دفعة من اليهود من اليمن إلى "إسرائيل"، واستقبلهم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، في تل أبيب، وقال المتحدث باسم الحكومة الإسرائيلية حينئذ "إن المجموعة التي قدمت من مدينة ريدة تضمنت حاخام الجالية هناك الذي أحضر مخطوطة للتوراة يعتقد بأن عمرها ما بين 500 و 600 عام".
وكان رؤساء البعثات الأجنبية للتنقيب عن الآثار في اليمن، قد أطلقوا في وقت سابق تحذيرات ومناشدات للسلطات العليا من أجل التدخل لحماية المواقع، وفي العام 2009 وجّه 150 باحثًا يمنيًا وأجنبيًا شاركوا في مؤتمر الدراسات السبئية بباريس، نداءً حادًا يطالبون فيه بالتدخل الفوري لإنقاذ ما تبقى من هذه المقتنيات التي لا تقدر بثمن.
وفي يوليو 2014، أدانت اللجنة الوطنية لليونيسكو ما وصفته بـ"الاستهداف اليومي للتراث اليمني المادي واللامادي بالنهب والسرقة والتهريب والتدمير عبر تجار الآثار والمخطوطات وعبر تجار الحروب وغيرهم.
ويأتي ذلك على خلفية سببين، الأول تعرض مواقع أثرية في جزيرة سقطرى المندرجة ضمن قائمة التراث العالمي، لعمليات نبش ونهب وتدمير وسرقة محتوياتها وبيعها لأحد الزوار، والسبب الثاني ورود أنباء عن تعرّض موقع براقش في الجوف للتدمير.
والثابت أن الدولة لا تستطيع الدخول لحماية مواقع أثرية في مناطق قبلية غاية في الأهمية، خصوصًا في الجوف وشبوة ومأرب والمحويت وذمار، وذلك بسبب تسلح أبناء تلك المناطق القبلية، كما أن الحفريات العشوائية تتفاقم في مواقع عدة من عصابات التهريب، بحيث إن آلاف القطع والعروش والنقوش والحلي القديمة والمومياء توجد في متناولهم لا في متناول الدولة كما ينبغي.
وبحسب المصادر فإن معظم الآثار ذات الأهمية الاستثنائية يتم تهريبها بمساندة موظفين في شركات أجنبية تعمل في اليمن أو من موظفين أمميين أو دبلوماسيين يستفيدون من تسهيلات واسعة وهم على صلة بالمتاحف والمزادات العلنية والأسواق السوداء وصالات العرض الدولية في دبي وبيروت وعمان ونيويورك وواشنطن ولندن وباريس وسويسرا.
وفقاً لتقارير دولية أكدت أن قيمة مجموع الأعمال الفنية والآثار تبلغ حوالي 50 مليار دولار على مستوى العالم.
هذا وتوجد تجارة غير مشروعة في سوق الأعمال الفنية، اذ تشير التقديرات إلى أن تجارة الأعمال الفنية بطريقة غير مشروعة تشكل حوالي 5 % من الصناعة بأكملها، وهذا الأمر يشوه هذه التجارة.
كما تشهد اسواق الأعمال الفنية تنامي كبير وحتى خلال تفشي فيروس كورونا لم يتوقف نشاط هذا السوق ليحقق 10 مليارات دولار خلال عامين فقط.
هذا وقادت اليونسكو منذ عقود جهود عالمية للحفاظ على التراث الثقافي بطريقة آمنة. وذكر مساعد المدير العام للثقافة في اليونسكو إرنستو أوتوني راميريز في تصريح لوكالة "ليورونيوز" أنه "منذ 20 أو 30 عامًا شهدنا تحولا في سوق التحف الفنية والتجارة غير القانونية وهي تمثل خمسة في المائة من السوق، أصبحت تجارة وتهريب التحف أمرا سهلا في العديد من مواقع تراث عالمي".
وذكر المسؤول أن كثيرا من القطع والتحف المهربة تنهب من مواقع أثرية لم يتم اكتشافها بعد وهو ما يصعب من مهمة تعقب هذه القطع واستردادها قبل أن تدخل السوق وتصل إلى المتاحف بطرق غير شرعية.
الجدير ذكره أن الإنتربول يعمل على محاربة الجرائم المتعلقة بسرقة وتهريب والمتاجرة غير القانونية بالآثار والتحف الفنية، ولدى المنظمة إدارة كاملة مخصصة لمكافحة الجرائم ضد الممتلكات الثقافية.
وتقول الوكالة الدولية لمكافحة الجريمة إن العالم يواجه نهبًا غير مسبوق للتراث الثقافي من البلدان التي مزقتها الحروب. وبحلول الوقت الذي تصل فيه هذه القطع الأثرية إلى هواة الجمع أو المتاحف من الصعب معرفة ما إذا كانت قد وصلت بطريقة غير مشروعة أم لا.
في محاولة لمكافحة هذا التهريب وسرقة التحف الفنية والتجارة غير القانونية بها ، أطلق الإنتربول تطبيقًا ذكيًا يسمى ID-art يمكن أن يساعد في تحديد ما يسمى بـ "آثار الدم".
ويقول رئيس وحدة الأعمال الفنية في الإنتربول كورادو كاتيسي بما أن ظاهرة تهريب التحف والآثار أصبحت عابرة للحدود فعلى البلدان العمل معا من أجل مكافحتها.
كما يؤكد كاتيسي "يتمثل دور الإنتربول في المقام الأول "في دعم البلدان الأعضاء لدينا ووحداتنا المتخصصة في هذا المجال".
ويضيف "باستخدام تطبيقنا الخاص يمكن معرفة ما إذا كانت القطعة مدرجة في قاعدة البيانات الخاصة بنا.. إذا ظهرت القطعة على التطبيق فهذا يعني أنها سُرقت. سيسمح لك الزر الأحمر الموجود في التطبيق بإبلاغ الإنتربول بالعنصر الذي تم العثور عليه".
يقول كاتيسي إن تطبيق ID Art يعد أداة مثالية لضباط الشرطة أو مسؤولي الجمارك أو هواة جمع الأعمال الفنية أو عامة الناس أو الفنانين. في إسبانيا ورومانيا، مثلا استعادت بعض الوحدات المتخصصة تحفاً فنية بفضل التطبيق". لكن من المؤسف أن اليمن لايستطيع اللجوء إلى الإنتربول بسبب عدم توفيعه على معاهدات اليونيسكو وجنيف، بالذات البنود المتعلقة بملاحقة المهربين ومحاكمتهم.
هذا وتعتبر الدول التي تعيش حالة حرب أهلية هي المناطق الخصبة لنمو جرائم تهريب ونهب آثارها، واليمن واحدة من الدول التي تعيش حرب أهلية منذ أكثر من سبع سنوات، تسببت في ازدهار جرائم التهريب والاتجار بالآثار ونهبها بصورة كبيرة وواسعة.
هذا وقد تصاعدت في الآونة الأخيرة حالة الجدل حول الآثار اليمنية التي جرى ويجري تهريبها إلى دول الجوار والاتجار بها قبل أن تظهر الكثير من القطع الأثرية والمخطوطات النادرة في أكثر من سوق مزاد عرض بيع الآثار بدول أجنبية عديدة.
وكانت آلاف المخطوطات والقطع الأثرية والتحف اليمنية النادرة والقيمة التي يعود تاريخها لآلاف السنين قد تعرضت للعبث والنهب والتهريب إلى عدة دول عربية وأوروبية على ايدي عصابات تهريب بعضها ترتبط بعلاقة مع مسئولين في الحكومة اليمنية منذ بدء الحرب التي تشهدها اليمن منذ مطلع العام 2015م.
وكان تحقيق أجراه موقع "لايف ساينس" الأمريكي كشف في 7 يونيو 2019، عن أن ما لا يقل عن 100 قطعة أثرية من اليمن، تم بيعها في مزادات علنية، مقابل ما يقدر بمليون دولار أمريكي، في الولايات المتحدة وأوروبا والإمارات العربية المتحدة منذ عام 2011م.
وقال الباحث في الآثار عبدالله محسن، في تغريدات له على صفحته في تويتر، إن "24 تحفة أثرية يمنية نادرة بيعت بأكثر من 2.5 مليون دولار، في مزاد دار سوذبي (بريطانيا)، في 7 ديسمبر 2021".
ويعتبر دار "سوذبي" للمزادات أو "سوذبيز"، هو رابع أقدم دار مزادات في العالم. وتأسس في لندن عام 1744.
وأوضح أن القطع الأثرية التي بيعت في المزاد تنوعت ما بين تماثيل على أشكال رجل وامرأة وإفريز من الحجر الجيري، والوعول.
مؤكداً إنها تعود إلى القرن الثالث قبل الميلاد والقرن الأول الميلادي.
وفي أوقات سابقة متفرقة تمكنت سلطات الأمن اليمني عن طريق الصدفة اكتشاف الكثير من محاولات تهريب الآثار، حيث ضبطت سلطات الشرطة بمحافظة شبوة في وقت سابق شخصين ييتبعان لعصابة تقوم ببيع وتهريب الآثار التاريخية داخل مدينة عتق وبحوزتهم مخطوطات ومجسمات أثرية نادرة بينما كانا يحاولان تهريبها ومن خلال التحقيق معهما اعترفا أنهما يعملان ضمن عصابة تهريب الاثار، وكانا يحوزان صندوق خشبي وخارطة جلدية كتبت بالخط العبري تحمل عليها رسومات عبرية وشعار الماسونية العالمية، والى جانب الخارطة تلك، كانا يخفيان مجسم يحمل شعار المسيح، وكثير من القطع الأثرية النادرة الاخرى.
وفي أغسطس 2018م، حاول تاجر يمني تهريب قطع أثرية نادرة يعود تاريخها لآلاف السنين قبل اكتشافه عن طريق الصدفة من قبل سلطات الأمن في مطار عدن بينما كان يحاول تهريبها إلى خارج اليمن.
وعلى الرغم من الدعوة التي وجهتها الحكومة اليمنية من خلال وزارة الخارجية التي ناشدت فيها الدول الغربية بعدم السماح بعرض اثار يمنية في مزادات البيع وطالبت باستعادتها، الا ان الحكومة لا تملك اي احصائيات دقيقة توضح عدد القطع الأثرية المنهوبة والمهربة إلى الخارج وغيرها.
هذا ما يؤكده السفير اليمني لدى اليونسكو "محمد جميح" الذي قال أن الآثار التي جرى نهبها وتهريبها "كثيرة جداً، لكن لا توجد لها إحصائيات دقيقة، فالاحصائيات الدفيقة تتطلب وجود قاعدة بيانات بذلك، وهو ما لا يتوافر حتى الآن".
وأضاف "خلال الأيام الماضية تم التواصل بين بعثة اليمن لدى اليونسكو ومسؤولي الهيئة العامة للآثار والمتاحف لإنشاء إدارة مختصة بمتابعة الممتلكات الثقافية المنهوبة، مع تحديد أهداف الإدارة ولوائحها وهيكلها الإداري، والمؤمل أن يتم تشكيل هذه الإدارة سريعاً ليتسنى لها القيام بمهامها".
بشأن ما يتوقعه من الدول التي وجهوا لها مطالب باستعادة الآثار اليمنية فقال "لا يمكن للدول التي وصلتها قطع التراث الثقافي اليمني إلا أن تتجاوب وفقاً لمقتضيات القوانين والمعاهدات الدولية ضمن منظمة اليونيسكو".
ورغم ما ذهب إليه "جميح" الا أن اليمن لا يمكنه اللجوء إلى الإنتربول الدولي بسبب عدم توقيع اليمن على معاهدات اليونيسكو وجنيف، بالذات البنود المتعلقة بملاحقة المهربين ومحاكمتهم.
وحول صور النهب الذي طال الآثار، بالذات في محافظة شبوة التي قامت فيها العديد من الممالك والدول القديمة مثل قتبان وأوسان وحضرموت، يقول مسؤول الأمن لحماية الموقع الأثري في مدينة تمنع الواقعة شمال مديرية عسيلان بشبوة، صالح دوّام ، لـ"اندبندنت عربية" إن موقع هجر كحلان، عاصمة دولة قتبان، تعرض للنهب والسرقة من قبل نافذين وتجار آثار وتهريبها خارج البلاد.
وأوضح هذه المواقع التي تحوي مركز الدولة القتبانية وقانون التجارة والضرائب كأول قانون تجاري عرفه العالم قبل ثلاثة آلاف سنة تعرضت خلال العقدين الماضيين، تحديداً، للتجريف والحفر بلغت حد الاستعانة بالجرافات بحثاً عن القطع الأثرية والعملات الذهبية القديمة.
كما أكد أن الكثير من المواقع تعرضت للنهب من أبرزها مدينة شبوة القديمة وتمنع الأثرية وحبان وهجر الناب وغيرها.
وشهد العام 2013 تحديداً من شهر مارس، عدة سرقات طالت متاحف الجنوب، حيث قامت عصابة لصوص من سرقة عدد كبير من القطع الأثرية من متحف المكلا الواقع في «قصر السلطان القعيطي» في مدينة المكلا عاصمة محافظة حضرموت. ومن بين المسروقات قطع أثرية ثمينة ومهمة.
واستطاع اللصوص سرقة كرسي العرش السلطاني، الذي يمثل أحد الرموز المهمة للدولة القعيطية (1865 ـ 1967).
كذلك، تعرّض متحف الآثار في عدن في جنوب البلاد إلى السرقة، حيث نهبت مجموعة نادرة وفريدة من العملات الذهبية الرومانية، يوم 23 أبريل 2009م، وهي: 858 عملة (اكسومية) و326 (مصكوكة رومانية), و12 (مصكوكة نقدية اكسومية تمثل سبعة ملوك)، وهي من الكنوز والعملات التي اذهلت وأدهشت العلماء، وقد تم اكتشافها في منطقة المضاربة بمحافظة لحج، ويعود عهدها إلى الأباطرة الرمانيين الذين عاشوا في القرن الرابع الميلادي، وبعض الأنواع من العملات التي مازالت مجهولة، وتعود إلى عهد قسطنطين الثاني الذي حكم في القرن الرابع الميلادي.
كما تم سرقة متحف الآثار في زنجبار في محافظة أبين بشكل كامل.
كذلك الحال طالت اعمال النهب والسرقة أيضاً متاحف مدن الشمال، حيث نهب حراس ومجهولون محتويات متحف السدة التابعة لمحافظة إب.
ويعود تاريخ إنشاء المتاحف في اليمن في الجنوب في فترة الاحتلال البريطاني، حيث تم افتتاح معهد في حديقة صهاريج الطويلة في العام 1930. أما في الشمال فتم افتتاح متحف العرضي في تعز في العام 1967، ومتحف صنعاء الوطني في العام 1970.
ويعد متحف صنعاء الأكبر في البلاد، ويضم أكثر من 75 ألف قطعة تاريخية، وهي تواجه خطر التآكل والرواسب والفطريات بسبب المؤثرات الطبيعية والبشرية.
وتعاني المتاحف من غياب البنية التحتية المناسبة، وتنقسم وفقاً لذلك إلى ثلاثة أنواع: الأول هو المباني التاريخية، ومنها قصور السلاطين والأئمة، وتشمل متحف عدن، ولحج، وسيئون، وصنعاء.
وتم الحصول على معظم القطع الأثرية الموجودة في المتحف الوطني في عدن من خلال البعثات التي زارت ونقبت في اليمن منها «البعثة الأميركية لدراسة الإنسان» في عام 1950، برئاسة فليبس. وبعثات (انجرامس، وجام، وطومسون، ومسترادود، والبعثة الفرنسية) ، وكذلك بعثة «ريمي ادوانو» اليمنية الروسية المشتركة برئاسة المركز اليمني للأبحاث الثقافية. وبعدها استمرت الأعمال المشتركة برئاسة العالم اسكندر سيدوف، ثم البعثة اليمنية الألمانية الروسية المشتركة برئاسة الدكتور فوكت، ثم البعثة الوطنية اليمنية بكادرها اليمني المؤهل التي تعمل في كثير من المحافظات. وقد شاركت هذه القطع في المعارض الخارجية ومنها معرض الكويت والقاهرة وموسكو وارمينيا ومعرض العالم العربي (باريس- ألمانيا- السويد- اسبانيا- نيويورك) وغيرها من عواصم الدول الأوربية، بالإضافة إلى مشاركتها على المستوى المحلي في كثير من المعارض، قبل أن تطالها ايادي النهب والسرقة.
وفي مارس 2016 قام حاخامات يهود يمنيين بتهريب أقدم نسخة من التوراة توارثها حاخامات اليهود اليمنيين منذ خمسمائة سنة عندما تم إخراج اخر دفعة من اليهود من اليمن إلى "إسرائيل"، واستقبلهم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، في تل أبيب، وقال المتحدث باسم الحكومة الإسرائيلية حينئذ "إن المجموعة التي قدمت من مدينة ريدة تضمنت حاخام الجالية هناك الذي أحضر مخطوطة للتوراة يعتقد بأن عمرها ما بين 500 و 600 عام".
وكان رؤساء البعثات الأجنبية للتنقيب عن الآثار في اليمن، قد أطلقوا في وقت سابق تحذيرات ومناشدات للسلطات العليا من أجل التدخل لحماية المواقع، وفي العام 2009 وجّه 150 باحثًا يمنيًا وأجنبيًا شاركوا في مؤتمر الدراسات السبئية بباريس، نداءً حادًا يطالبون فيه بالتدخل الفوري لإنقاذ ما تبقى من هذه المقتنيات التي لا تقدر بثمن.
وفي يوليو 2014، أدانت اللجنة الوطنية لليونيسكو ما وصفته بـ"الاستهداف اليومي للتراث اليمني المادي واللامادي بالنهب والسرقة والتهريب والتدمير عبر تجار الآثار والمخطوطات وعبر تجار الحروب وغيرهم.
ويأتي ذلك على خلفية سببين، الأول تعرض مواقع أثرية في جزيرة سقطرى المندرجة ضمن قائمة التراث العالمي، لعمليات نبش ونهب وتدمير وسرقة محتوياتها وبيعها لأحد الزوار، والسبب الثاني ورود أنباء عن تعرّض موقع براقش في الجوف للتدمير.
والثابت أن الدولة لا تستطيع الدخول لحماية مواقع أثرية في مناطق قبلية غاية في الأهمية، خصوصًا في الجوف وشبوة ومأرب والمحويت وذمار، وذلك بسبب تسلح أبناء تلك المناطق القبلية، كما أن الحفريات العشوائية تتفاقم في مواقع عدة من عصابات التهريب، بحيث إن آلاف القطع والعروش والنقوش والحلي القديمة والمومياء توجد في متناولهم لا في متناول الدولة كما ينبغي.
وبحسب المصادر فإن معظم الآثار ذات الأهمية الاستثنائية يتم تهريبها بمساندة موظفين في شركات أجنبية تعمل في اليمن أو من موظفين أمميين أو دبلوماسيين يستفيدون من تسهيلات واسعة وهم على صلة بالمتاحف والمزادات العلنية والأسواق السوداء وصالات العرض الدولية في دبي وبيروت وعمان ونيويورك وواشنطن ولندن وباريس وسويسرا.