عبدالله البقالي - في عيد ميلادك العشرين

وأنت الآن قد سافرت إلى البعيد الممتد في الزمن ، أجد كل السبل لا تفضي لغير الذكرى. فماذا أهديك في عيدك و الأثير لا يحفل بما لا تقوى على حمله الريح؟
فراشة كانت هنا، تزرع الامكنة ألوانا وتسافر مع النسيم الذي يسكن الترحال. شحرورة كانت على الشباك، تعزف للمرح لحنا و للأرواح عذوبة وتطير ملاحقة الجمال المنفلت من أسر المكان.
أنظر حولي باحثا عن ملء عيني منك ، فلا تطالعني غير تذكارات اللحظات التي كانت كحياة حلم أتلف تفاصيله تلألؤ النجوم العابرة في عجالة إلى يوم جديد.
هنا، على هذا البساط بقايا من ظلك. وعلى تلك الشرفة أستعيدك ربانا يحاور المدى ويغازل منارا ليهديه أسرار عبور لرحلة لم تزل بعد حلما. وفي هذا الركن أبحث عن بقايا أصداء ضحكاتك. وعلى مسار المشاوير الطويلة في قلب المدينة، يتناهى إلي وقع خطاك، فاتحسس ذراعي متلمسا دفء كفيك.
ياااه...ا هل للزمن كل هذا الاستعجال، أم نحن فقط من نسرع الخطى أكثر مما يلزم؟

في ذكرى ميلادك أقف أمام اللحظة المتجمدة في ذاكرتي عن ذلك الغروب الصيفي قبل عشرين سنة. كيف أصدق؟
في ذلك التقاطع الممتد بين حياتك المليئة صخبا و السكون الشامل الذي كسرته صرخة قدومك، استعيد انتظاري خارج القاعة من تلك المصحة. كنت في ريعان الشباب و اوج الاندفاع. الحياة كانت كلها قبالتي، وكنت أسير صوبها بخطوي المسموع لعلي أثير فيها خوفا، فلا تجرؤ على إغضابي.
مئات المرات قطعت الممر خارج العيادة جيئة و ذهابا. دخنت بشراهة و انا احاول تخويف القادم من الزمان ليتمثل للحلم الذي لم يراودني غيره.
أمك كانت في الداخل. و صراخها كان يغطي كل الحديقة الكبيرة و يمتد للدور المجاورة.
لم يكن ذلك مهما. كان الاهم هو جنس ذلك القادم الذي كان يقرع بوابة الحياة. كنت أريده ذكرا. ما كنت لاٌقبل بغيره.
الذكر كان يعني لي أشياء كثيرة. أسطورة تبحث لها عن بطل. سواعد مفتولة تنتظر روحا تحركها. أمجادا و مفاخر تنتظر من يكتبها.
أمك كانت تخيفها رغبتي الحمقاء. و لا اشك لحظة في أن صلواتها كلها كانت تختمها بدعاء وحيد. لكن الأقدار لم تستجب، و كنت انت القادمة.
أكبد ان امك بعد وضعك قد نسيت آلام المخاض و الضعف و الوهن. وفحصتك مرات و مرات لتتأكد من انها في مأمن من الأعاصير التي كانت تتهيأ في الخارج.
حين رايتها بعد الوضع، لم تتجرا و لم تقو على النظر في عيني. ابتسمت ابتسامة فاترة و دست رأسها في عنقها إقرارا و اعتذارا عن عدم قدرتها على تحقيق رغبتي.
انفعلت و غضبت، وكدت أنهج نهج القدامى فأهجر البيت احتجاجا على قدومك بدل ذكر كنت قد اخترت له اسما.
ياااه .ا اسأل نفسي لم الحياة متمردة على كل التصنيفات. لماذا نشعر بانها قصيرة حين ننظر إلى بنائها العمراني المشكل بالفرح، ولماذا نجدها قد طالت اكثر مما يستوجب حين نمتلك ما يكفي من الشجاعة لننظر إلى حجم الدمار الذي مارسناه و الجهل الذي امتلكنا و الذي صنع رحابا فسيحة دوننا فيها كل سيرنا الملوثة؟ .....

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى