حاتم عبدالهادى السيد - رمانتيكية الوجع الشهى وموسيقا التصوف فى ديوان: "هدأة للحبو في مضمار زيف" للشاعر أحمد اسماعيل

يعيد لنا الشاعر الشاهق أحمد إسماعيل إسماعيل زمن الرومانسية الجميل عبر ديوانه الماتع الأثير : " هدأ للحبو في مضمار زيف" وهو عبلا العنوانالسيموطيقى يحيلنا إلى ذواتنا عبلا هدأة الذات التي يقدمها كحبو مائز في مضنار الزيف، حيث يكشف العنوان عن الحقيقة مقابل الزيف، والحب مقابل الخيانة، والوجع مقابل الهدوء والراحة، وعبر هذه الثنائيات التي يجيد رسمها تراجيديتها عبر مسحة صوفية ذاتية خاصة، يتجرد فيها من زيف الواقع ليعبر بالمخيال الشعورى لدى القارىء إلى آفاق أكثر رحابة وتحرراً؛ بحثاً عن الحقيقة والبرهان، والوجع الشهى الجميل.
وشاعرنا كما أطلق عليه : "نيل الحب الذى يكوثر الروح " فيحيلها إلى صفاء شفاف، يعيد لنا زمن الروماتيكيين الكبار، حيث الحب هو الجسر الذى تعبر عليه الذات للوقوف إلى الحقيقة، فهو يعرى الذات المنكسرة ليستدفأ بالسديم، ويعيد لنا صورة الحب الصافية عبر تفاحه الأشهى للغة تخش إلى ذواتنا، وتكوثر الروح لتشرب من أنهار العشق المنهمر من روحه الباذخة الشاهقة الأثيرة. لكنه رغم كل هذا الحب فهو حزين يبدأ الديوان بالوجع، يقول " : "هُنا يتَمددُ الألمُ .. الحزنُ كُله للفتي ... لاتقربوه"؛ وعبر هذه الآهة وصراخ الوجع الممتد نراه يزعق في أرواحنا، فيندغم القارىء معه عبر سيمفونية الجمال الشهى، الباذخ ؛ لذا رأيناه – بحنكة الشاعر الجوال الخبير، يحيلنا إلى تمهيد ليدخل إلى هذا الوله الصوفى لعاشق يبعث الجمال عبر شلالات الروح فننتشى معه حتى آخر رهق في ذواتنا الرهيفة يقول :
سأعيدُ ...
ترتيبَ الجنائز في دمي
وألملمُ الحزنَ المسرمدَ
في عبابِ تألمي
للموتِ في عشقي طقوس
والبعثُ من ريقِ الفم
أنه الشاعر المرهف، المجروح، المقروح على عتبات الكون والعالم، يعيد ترتيب الجنائز في دمه، ثم يلملم الحزن في عباب التألم؛ حيث للعشق عنده طقوس؛ ويأتي البعث الإدهاشى :" من ريق الفم " عبر صور تتدفق كنهر من جسر روحه الممزقة الشفيفة، الشاهقة، والجميلة أيضاً .
ولعلنا نلحظ مخاتلة الشاعر للقارىء عبر صوره الباذخة الجميلة؛ فهو والموت قد دخلا إلى أروقة المحبوبة، فإما هي، أو الموت، فلا تصفو الحياة إلا بها؛ وهى صوفية خاصة لعشق سرمدى عبر ردهات الغياب والحضور، الحلم والواقع، الحقيقة والخيال، والعشق والوله عبر الوجع الشهى الزاعق في برارى الكون والعالم والحياة؛ يقول :
سأتركُ مني ..
بعضَ الأجزاءِ معلقةً في طرفِ الشوق
وسأرسمُ سهما يُرشدُكِ
رغم يقيني ...
أنكِ لن تأتي
سيأتي الموتُ محمولاً علي ولهي
وينتصبُ .. بلا قدمين
ويسألُ عن سطوعِ العشقِ في وجهي
وفي العينين
ويُخرجُ صكَ تسليمي ...
وأوراقَ الثبوتية
سيأتي قلبَ أغنية
عن الحلوي / عن السكر
وينهرُني
بحُجةِ أنني أسكر
بشهدِ شفاهِك العنبر
وأن جريمتي حبك.
إنه وله العاشق؛ المتوله في حبها، ينتظرها ولا تجىء، يشتاقها في الحضور والغياب،ويعبر عبر فضاءاتها كصوفى – إلى العالم ،وهو يتعجب من أفاعيل الموت الذى يستكثر فيه عليه العشق فحين رأى اشراقة الحب وفيوضات الوله والحنين بادية على ملامحه نراه يستكثر ذلك عليه ويعاقبه، فهل أصبح حبها جريمة ليختطف الموت زمردة وجوهرة العشق الجميلة لديه، وهل جريمته الكبرى أنه أحب ؟!.
وفى قصيدته : " لا شيء غيرك " نلمح منمنمات الصوفى المحب العاشق، الغائب فيها حد الغياب، والمانح قلبه / قلبه/ دون تلاق، فهو حب طاهر ، عبر مخيال لا يجىء بالحقيقة، توهمات / وأمنيات عبر رحلة حب رومانتيكية ممتدة،وعشق في فراديس الروح، لا يتعداها إلى لمسة دافئة، أو قبلة حانية، أو ضمة لصدر دافىء يخفف صقيع روحه، ويبلل عطشه السرمدى الآسن الجريح، يقول :
لا شئ غيُرك
مابين أوردةِ التأوهِ ...
والصراخ
لا شئ يُسكتُ صوتَ أنآتٍ تمور
لا شئ يمنعنُي ..
أقدُ قميصَكِ الدُري من دُبر الجنون
وأوصدُ كل أبوابِ الرواح
لا شئ منك
لا شئ مني
أي المطايا قد إمتطيتِ للسديم ..؟!
أي العصافير التي كانت بأيكِكِ ..
رافقتك
إلي اختباء ... ؟!
وأنا أبعثرُ لهفتي
خلف إلتباس الإنتهاء
وأمشطُ البوحَ الأثير
قالت : أحبُك
ألبَسَتْهَا بعض أرديةِ العتاب
قالت : أحبك
بالغياب
دون قول ..
يالهف قلبي
وبالدموع
سالت أحُبك فوق أوردتي
كنفحة موت .. أبخرة ...
تضوع
فحزمتُ أمري للمسير
وحملتُ بوحي.
إنه العاشق المكتفى منها بكلمة أحبك، كى يتواصل زاده مع الرحلة الممتدة، فنراه يحزم أمتعته، ويحمل بوحه كمسافر لن يعود، لكنه يخبىء ما باحت به عبر أريج شفتيها ، فتحولت الكلمة إلى نهر/ دماء تسيل من فوق الأوردة ، ولنلمح الصورة الإدهاشية فحين قالت وباحت شاهدنا فرحة كبيرة، دماء تنساب من شرايين عاشقة، وأبخرة للهب الحب الذى يضوع كمسك ممزوج بالبخار الكونى، وهذا يكفيه، فقط ليكمل مسيرة الحياة .
ويمضى شاعرنا المائز الجميل / أحمد إسماعيل عبر رحلة العشق الكبرى، فهو العاشق المتصوف في حبها، القانه منها بكلمة، نظرة، همسة من شفتيها اللتين تقطران الجمال من جوهرته، قلبها الصغير الذى يكفيه أن دق له، وهش لمقدمة، وكأن الكلمة منها تكفيه ليكمل مسيرة الحياة الممتدة
ويبدو أن الموت هو الهاجس الذى يتمحور حوله الديوان، ويجىء نهاية للحب، الرومانتيكية الشديدة الإعلان عن عاشق لا يخجل ويعلنأمام العالم، وأوراقة الثبوتية وثيقة حبه، دون زيف، أ خوف، فهو حب متصوفٍ، لا حب مراهق، حب متجذر في بؤبؤ القلب، لا حب ثانية أو يوم او عام ويمضى، بل حباً وثَّقَهُ بدمه، وأشهد عليه العالم، لذا لا غرو أن يتيه في خيالات الظنون من يتيه، فقد قَبَّل كل جزء فيها ، كل الأطراف ، وضمها إلى صدره كعاشق مستهام،ظامىء للدفء لكنه الموت لم يرحمه، ولم يتركه يهنأ ، وكانه عندما التقاها هو وقت فراقهما، وكأنه الحضور في الغياب، والحقيقة عند الموت ، ولعمرى فهو شاعر محير ، قلق، عاشق حتى الثمالة، لكنه حب لايتحقق، وترجيع لعناق يسبق الموت، يقول
بالأمس تنسم الشوقُ المعوشبُ في وريدي..
أريجَ خوف
قبلتُها .. من طرفِ طرف
وضمُمتها صدري
وقلتُ صارخا : لا عزاءْ ..
لا عزاءُ حبيبتي الموتُ ضيف
بالإمس أولمتُ الحروفَ الباكيات بجعبتي
ولهاً .. وصمت
وضممتُ أناتي
وسرتُ مواسيا
شيعتُها ..
سلمتُها للافتراضِ ..
محضَ جثمانٍ وموت
والظنُ أرقه النشيد
أرجمُه يكبرُ .. بل يزيد
أعودُ أرجمهُ ..
يُعوشبُ في الوريد
أعودُ امنعُه ...
يُجرجرُ دمعتي للبحر والممشي الجليد
وفلولِ زيف
بالأمسِ ياعذراءَ يا أنت
هززتُ النخلَ ..
فتساقط المرُ المريد
ولعلنا نلمح انفرادية الصورة فلقد أحس بخطر الموت، البعاد، النهاية ، لذا وهو يقبلها كان يودعها في نفس الوقت – وعندما أراد أن يواقعها وصفها بالعذراءن فلقد آن واستطاب الرطب لقطاف لكن المر هو الذى وجدها لا حلاوة الشفتيننوالموت لا الحياة، والخيال لا الحقيقة كذلك، ليماهينا بالواقع ممزوجاً بالخيال، والتمنى مشبوباً بالفعل، وبالتخييل مقابل الواقع الجميل لعاشق يقبل أنثاه المتشهاة ويضمها ، فكأنه عناق بدون قُبل، وضمٍّ دون إكتمال لآهة تبل الروح، أو شهقة تلذذ لا تجىء، فهو الشاعر المحروم، المتصوف في هواها،والباحث عن الحب حواليها، يدور ولا يقترب منها، ويقترب لكنه يغيب، ولعمرى تلك " صوفية ذاتية " خاصة وفرادة لشاعر محب عاشق حتى النخاع
وفى قصيدته ك " بردة البدء " والتي هي آخر قصائد الديوان نلمح كلمة البدء بدلا من النهاية، وكأنهينته ليبدأ من جديد معها، وهكذا عبر تدويرة الحياةن وما بعد الحياة سيظل يحبها، ويعيش مجذوباً في حضرة حبها الصوفى الطاهر الأثير ليعيدنا إلى صوفيته الخاصة، ومحراب عشقه الفريد،يقول :
الريحُ ...
تخمشُ صدفةَ الوقتِ
بأوردتي ...
يُبثق البدءُ
كطفل غُرٍ...
علي قدميه يرتعدُ
ملامحه المدي ..
وكُربته ...
بفعل البثق تتقدُ
وبالعينين أدمعُه
يُغلفُ صدحَها وعدُ
هو الطفلُ الذي يبدو
كظلِ الموتْ
يحملنُي ...
إلي حبوٍ
إلي قبو
إلي قبر ...
والعابٍ بلا افنانْ
ولا بهتان
بل لغو
ويُخفي ضحكةَ البلورِ
في اضغاث مخمصة
وفي مدح
وفي مددِ
وتكبيرٍ
وتهليلٍ
ولا وردُ
أناشده .....
سئمتُ البدء
أرفضه
كيف أعودُ لنفس الخطو
مبتدأ ..؟
وكيف يستبيح البدء اوردتي ؟
ويخمشها
ويرتدُ
وبعضُ الزودِ بالامشاج
متقدٌ
وبعضي طيه النسيانُ والبردُ
وبعض البعض يبتعد
ويبتعدُ
ويبتعدُ
فهل للريح من ردٍ
جدارٍ
كفه صدُ
فأنفذ نحو لاهيةٍ
وعاشقةٍ
واواردٍ من الجنات
ترقص قبل ان تشدو
يعود الطفل يحملني ...
لعينيها
أصلي ...
ثم أبتهلُ.
إنها صلاة الحب الطاهر عند محراب عينيها، يبتهل المريد ليقف عند حياضها، يقترب ويقترب، ويشطح في تبتلاته العاشقة، فإذا ما وصل غاب، وإذا ما امتد انقطع، وإذا ما تَشَوَّف غابت الرؤيا لدى عينيه، لكنه الحب لا يمكن له أن يغيب أبداً .
سيظل شاعرنا الشاهق / أحمد إسماعيل إسماعيل مدرسة للحب، يقوم فيها مرة بدور التلميذ الذى يجلس مع عاشقته في درج فصل الحب، ومرة نراها الأستاذ يدرس الحب عبر مناهج الوله دون زيف أو رتوش، ومرة يغيب عن ذا وتلك ليسوح فىأروقة العالم يحمل خرقة الحب الصوفية ويظل يبحث ، ويكلم العالم عن محبوبته التي هي أجمل ورددة في حديقة روحه الشاهقة، وهو في كُلٍّ العاشق المستهام، والصوفى بحضرة المحبوبة، التي تظهر وتختفىعبر الحقيقة والخيال، وعبر الحضور والغياب الجميل .

حاتم عبدالهادى السيد


1657436773631.png

1657439389441.png

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى