د. سبد شعبان - نطاق أمي!

دخلت حجرتها أنظر ما تبقى منها؛ عيناي زائغتان تبحثان؛ ياربي!
بقية عطرها؛ نطاقها وثيابها؛ سريرها الخاوي؛ ترى ماذا بعد يا أمي!
تتردد أنفاسها هنا؛ ذاك أريجها؛ كنت هنا والأيام هانئة؛ أتلمس غطاءها وملاءة سريرها؛ حذاءها الذي خطت به؛ يداها ومقبض الباب؛ نافذتها وأشجار الليمون؛ كرمة العنب تنتظر يديك لتقطفي عناقيدها المدلاة!
كل شيء هنا يا أمي ينتظرك؛ حتى الجراء صارت يتيمة؛ جاء العيد وأمسكت بالسكين؛ ذلك التيس كم كان يزعجك ثغاؤه؛ الأن هو أضحية عنك وعن أبي؛ تلك أول كلمة فهت بها حين أسلمته للأرض؛ صرت قويا كما كنت تريدين!
جاءت الثعالب؛ حاولت أن تنال منه شدخت رأسها؛ علقته أعلى شجرة المانجو العتيقة؛ حيث كنت تستظلين!
بي حنين أن أنام وتعبثين بشعر رأسي وتذبحين لي زوجي حمام!
هذه أشجارك
تتدلى منها شراشيف؛ تتماوج مع الريح؛ أنينها في كل زاوية؛ لم تمسه يداك؛ يقولون ماتت أمك!
يضربني الوجع ويلطمني الحزن؛ فأعود!
أنظر وجهي في المرآة؛ فأنا بعضك؛ بقية أثرك؛ أشبهك كثيرا؛ شامة الحسن التي زينت خدك؛ شعرك الذي كان يتدلى كما أغصان شجرة الصفصاف؛ كنت يا أمي أجمل النساء؛ لن تأتي امرأة بعدك؛ يتيم بعد الخمسين وقد ضللت طريقي!
صباح كل يوم تنتظر الأشجار مقدمك؛ تهفو كما الحملان؛ تبعثرين الأحلام؛ القمر يتملى من وجهك؛ فالصغار يرون آباءهم يملكون أسرار الكون!
هل أخبرك ببكاء القط الأخضر؟
لقد ارتحل ترى أين هو الآن؟
لم تخرج اليمامة الجميلة بعد من عشها؛ بحثت عنها؛ كان ثعلب!
مر عيدان وأنت بعيدة؛ لم أشتر جلبابا ولا وضعت عطرا؛ وهل تحلو الأيام؟
يهدني ألمي؛ أضع رأسي على وسادتك ألتحف غطاءك؛ يواتيني النوم؛ تأتين باسمة لكن الصمت لغة اللقاء؛ أسر إليك بأخباري؛ مشاغبات الصغار؛ غدر الثعلب الذي حاول سرقة أرضك؛ أعددت له كلبا وعصا ومحبرة؛ وأغوال من أصناف شتى!
جاء الصغار؛ تحدثوا عنك كثيرا؛ حكيت لهم؛ أخبرتهم بوصيتك:
أن يصطادوا الثعلب!
ليته يظهر!
لشويت لحمه وكسرت عظمه؛ كنت تكرهينه؛ ترى من يخبره أنها لعنته!
الآن يا أمي كبرت؛ ظهرت أنيابي؛ لقد عدوت خلفه؛ سابقته؛ تراقصت أشجار الحديقة فرحا!
سأظل أردد مع درويش:
أحنُ إلى خبز أمي
وقهوةِ أمي
ولمسةِ أمي ..
وتكبر فيَّ الطفولةُ
يوماً على صدر يومِ
أعشق عمري لأني
إذا متُّ
أخجل من دمع أمي !
خذيني .. إذا عدتُ يوماً
وشاحاً لهدبكْ
وغطي عظامي بعشبٍ
تعمَّد من طهر كعبكْ
وشدِّي وثاقي..
بخصلة شعرٍ ..
بخيطٍ يلوِّح في ذيل ثوبك..



1658136954489.png

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى