نينة السرتاوي - نافذة على الهايكو كنوع من انواع الكتابة الإبداعية

☆ التعريف بالهايكو بقراءتي:
هو نمط شعري أسيوي ياباني الأصل حسب الروايات ولد من رحم طبيعة خيال خصبة جدا وساعدها في ذلك نمط العيش والتعايش لدى سكان المنطقة الفلاحين بالتحديد
نعم هو سرد شعري دخيل على اللغة العربية ويكاد يكون الأول من نوعه في محاكاة الطبيعة مع الموسمية ولغة الجسد في مشهد واحد على الأقل تتسم لحظاته بالعزلة الكاملة التي تثير الإدراك الحسي أكثر مما ندركه في اللحظ العادي ليصبح الكاتب في حالة سمو داخلي يسبح في نص قصير ، بسيط و رشيق برغم تعريته الظاهرية والضمنية
والاجدر بالذكر أن قصيدة الهايكو مرت بمراحل صقل كثيرة عبر تاريخ الأدب الياباني لتصل إلى صورتها الحالية وخاصة أن الشعب الياباني من عشاق الكتابة الغنائية من هنا تم تهذيب ( قصيدة الواكا ) التي انتشرت حينها في شكل متسلسلة شعرية تدعى في ذلك الوقت (قصائد الزن) وهي نص من ثلاثة أبيات ( 5
▪
7
▪
5) سميت (هايكاي أو رنغا) وأخيرا أشتق مسمى (الهايكو) أو من بيتين ( 7
▪
7 ) (سميت أجكو)
وكثير من الدول والشعوب تبنت هذا النوع من الأدب لإختزاله نصوص طويلة في 3 سطور أو سطرين أو سطر واحد .
وبحكم تعدد اللغات وصعوبة تطبيق بعض شروطه على الأبجديات الأخرى ، شق الهايكو في كل العالم طريقه وبقوة وكأنه القصيدة الام لكل بلد حسب أبجدياتها وبقيت فقط شروط تقليدية تميزه عن الأنواع الاخرى ؛ ومن زاوية خاصة بدلا من أن نجد الهايكو الياباني يضيف للهايكو العربي كماليات حدث العكس حقيقة وأصبح النص العربي متمرد أكثر قوي بمشهديته ونسيج حروفه وأضاف الكثير الكثير من الجماليات للنص واللحظة التي ولد فيها .
هايكو
الشوق -
هذا النبض بصدري
يتخلق في العراء
لم الحفيف ؟ -
لا تكتمي أنفاسك أيتها الريح
ستنجبين ربيعآ
في هيئة الشوق -
أنت ويداك الفارغتان
فوضاك الكاملة
الحزن الأبيض -
فلتذهب إلى الجحيم
أطياف كاذبة
بين الغروب واللاغروب -
يحمل قبلات بعيدة
صدى الشوق
أنا والشوق -
ظل يملأ أحدنا الآخر
في صمت
موسم السقوط -
تمسك بي جيدا
أيها الشوق
ستجدون صعوبة في إستيعاب المشاهد هنا وبقدر دهشتكم ستذرفون الشعور والذكريات !!
ستنبض وتنبض أروحكم!!
تذبلون وتزهرون في آن واحد ..
كما أن قصيدة الهايكو يمكن أن تكون مكتوبة لشخص او نبض بداخلك بحيث :
* إختيار نموذجآ محددآ للنص .
* إختيار موضوعآ بعينه وفكرآ بما يوحي إليك به
مثل هذا النوع من التخاطر .
* البعد قدر الإمكان عن إستخدام الصفات أو الظروف إلا عند الضرورة بهدف رسم صورة ذهنية مميزة
* الجانب الفني مهم جدا في الترتيب في تقديم وتأخير الكلمات لإضافة دهشة إلى المشهد .
* عدم السرد بجملة طويلة تمتد للأبيات الشعرية الثلاثة .
* حبذا لو تستخدم الفعل المضارع .
* يجد الكثير أن الكيغو اي العلامة ( _ ) الفاصلة شرط أساسي في ترتيب النص وتحديد مقطع الدهشة والتي قد تأتي نهاية السطر الأول او الثاني .
هذا ومن خلال معاشرتي لنص الهايكو أجد كتابة الهايكو العربي الذي غالبآ ما يكتب في سطرين او ثلاثة تختلف نسبيا عن كتابة الهايكو الياباني ذا قصيدة السطر الواحد معظم الأحيان ؛ تكاد تحمل نفس الشروط مع إختلاف ضوابط اللغة وترتيب الكلمات والمشاهد ، وجواب المشهد المتأخر أغلب الكتابات حيث يكون الترتيب الفني للقصيدة كما يلي :
* السطر الأول التكثيف بعنوان المشهد
* السطر الثاني يتضمن الفعل والحدث
* السطر الثالث القفلة بمشهد آخر مشابه أم بشعور أو أي وصل ينتمي للنص كاملآ .
موسيقى النص هنا مهمة جدآ بحيث يكون سلسآ في النطق والكتابة والشعور ؛ وهذا اللحن هو ما يميزه عن باقي أصناف الكتابة لما فيه من دهشة عارمة تربك النبض فور قراءته .
وبما أنني لامست نبض الهايكو في جل نصوصي أرى أن الهيئة الداخلية للهايجن أو الهايكست
يجب أن تتصف بالدهشة التي تزيد من جمالية المشهد
وسأستغل هذه الهيئة في عرض بعض نصوصي لقصيدة الهايكو العربي والياباني :
هايكو
شفق خريفي -
الشمس تغفو
بهمومها
كيف تولد ؟ -
روح أخرى
من رحم الحنين
طيور مهاجرة -
باردة
أطراف الحنين
صدى الحنين -
آلاف من الاميال تفصل
بيني وبين أشواقي
لاقمر -
يطل على سطوح الغياب
ألمح فيه طيف أمي
ندفات ثلج -
على وجه الصقيع
تعيد ترتيب أحاسيسها الرقيقة
لا لشيء-
كنت أريد أن أحيا قليلآ
يقول الشهيد
مضطرة -
تصرخ وتعوي
غياب ديدن الريح
هو أنت ثانية -
أيها الموت
متى ستموت ؟
يالتحرش الريح
ترسم ملامح جسدي
قبلات الخريف
نينة السرتاوي

كما قرأتم هنا ستلمسون بين النصوص ملامح وتفاصيل قصيدة الهايكو والتي ترتسم بواسطة:
البلاغة - التضمين - التكثيف - الموسمية والمشهدية الكاملة في أقل السطور؛ في الإستعارة الكامنة في طبيعة النص ؛ في كينونة الحرف - هوية الكلمات - نبض السطور . والأهم من ذلك الفانتازيا المنعزلة ؛ وأرى أن أي نص يخلو من هذه الملامح مجرد كلمات مبتذلة لاتتصل بأي زمان ومكان يحتوي للمشهد؛ وربط الطبيعة بالشعور ضروري في إكتساب بلاغة ترسم تفاصيل النص بعيدآ عن التكرار والمقال المحشو بكلمات منمقة لا تخدم الكتابة الصحيحة لقصيدة الهايكو.
الكتابة نبض حقيقي في جسد البوح وليست مجرد تخاطر ؛ وليس من السهل صناعة مشهد هايكو معقد لغويآ كما قد يظهر للبعض ؛ ونبض الهايكست هو الوليد لحالة شجن عميقة وفي روح النص تجوب كل تفاصيله وملامحه التي تنبض أبدآآآ ...........

☆ ( قصيدة ﺍﻟﺘﺎﻧﻜﺎ )
في تعريفها الأدبي مصطلح ﻣﺮﺍﺩﻑ ﻟﻤﺼﻄﻠﺢ ﻭﺍﻛﺎ ﻭﺍﻟﺬﻱ ﻳﺸﻴﺮ ﺑﺸﻜﻞ ﺃﻭﺳﻊ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺸﻌﺮ ﺍﻟﻴﺎﺑﺎﻧﻲ ﺍﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻱ ذات الطابع الكلاسيكي وهي هيئة قصائد مشتقة ﻣﻦ ﺃﺷﻜﺎﻝ ﺍﻟﺸﻌﺮ ﺍﻟﻴﺎﺑﺎﻧﻲ القرﻳﺐ ﺍﻟﺸﺒﻪ ﻣﻦ ﺷﻜﻞ ﺍﻟﻬﺎﻳﻜﻮ، ﺇﻻ ﺃﻧﻪ ﻳﺘﻜﻮﻥ ﻣﻦ ﻣﻘﺎﻃﻊ ﺃﻛﺜﺮ، ﺗﺘﻮﺯﻉ ﻋﻠﻰ ﺧﻤﺴﺔ ﺃﺳﻄﺮ ﻭ 31 ﻣﻘﻄﻌًﺎ ﻭﺗﺘﻮﺍﻟﻰ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﺤﻮ
7-7-5-7-5، ﺑﺪﻻً ﻣﻦ ﺳﻄﻮﺭ ﺍﻟﻬﺎﻳﻜﻮ ﺍﻟﺜﻼﺛﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺘﻮﺍﻟﻰ ﻣﻘﺎﻃﻌﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻧﺤﻮ ﻣﺨﺘﻠﻒ، .5-7-5 مع مراعاة المسافة بعد الشق العلوي منها المناط بثلاثة سطور الوقفة هنا لإضافة الدهشة وإعطاء المتلقي فرصة للتأمل وتوقع القفلة للقصيدة ﻭﻳﺴﺘﺨﺪﻡ ﺷﺎﻋﺮﺍﻟﺘﺎﻧﻜﺎ، ﻋﻠﻰ ﻋﻜﺲ ﺷﺎﻋﺮ ﺍﻟﻬﺎﻳﻜﻮ، ﺍﻟﺘﺸﺒﻴﻪ ﻭﺍﻻﺳﺘﻌﺎﺭﺓ ﻭﺍﻷﻧﺴﻨﺔ، ﻭﻳﺘﻨﺎﻭﻝ ﻣﻮﺿﻮﻋﺎﺕ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﻭﺍﻟﻤﻮﺍﺳﻢ ﻭﻋﻮﺍﻃﻒ ﺍﻟﺤﺐ ﻭﺍﻟﺤﺰﻥ ﻭﺍﻟﻌﻮﺍﻃﻒ ﺍﻟﻘﻮﻳﺔ ﺍﻷﺧﺮﻯ .
مثلآ على سياق ( التانكا )

عندما يموت الحب
أبدو شفيفآ
أختفي في الضباب
أنا عار مثل لهفة
لا ظل لي

مصطبة الحنين
عند أول نبض
تطويني اللهفة
بيادر عشق
في شوقي
نينة السرتاوي

وتتعدد أنواع قصيدة التانكا حسب شروط وظروف كتابتها فمثلا من الأنواع الشائعة حول العالم
تانكا ( الجوجيوهكا ) أيضا قصيدة خماسية الأسطر تعتزل عن نص التانكا في سياق يكاد يكون عشوائي خالي من أدوات الوصل دون مسافة بين الاسطر وتعتمد في ذلك على التضمين في سرد المشهد وقد تحتوي على اكثر من مشهد في كل سطر ترتبط برابط روحي بواسطة الطبيعة والموسمية اغلب الوقت .
مثلآ على سياق ( الجوجيوهكا )

تراجيديا السقوط
خاليآ آخيرآ أيها الخريف
عري وأطياف فارغة
تنكشف دونما سبب
سريعآ ومتفرقآ

يوم آخر
مشمس
خفيفة خفيفة الظلال
كأنها ترقد
في الصفاء
نينة السرتاوي

ومن المشاع أيضا قصائد تانكا (الجوجي) وهي تسمى قصائد حرة تختصر التانكا في 4 سطور وتشبه في ملامحها الجوجيوهكا الا انها اكثر جنون ودهشة في سرد مشهديتها المستمدة من أبعاد خيال لاترى غالبآ وليست ملموسة والأكثر قربآ للفراغ .
مثلآ على سياق ( الجوجي )

أوراق الخريف إلى الذبول
شيء ما يكسر القلوب
الخشخشة مليئة بالصخب
الريح صامتة

الفراشات متشرنقة
في الأغصان العارية
الأرض مبرقشة بالزهور الذابلة
أنا فقط أحلم بالربيع

نينة السرتاوي

ومن هذه الخماسيات إنطلقت سلالة نصوص تنسب لهيكلية ماسبق وتشبه في روحها الخاطرة العربية أو القصة القصيرة او الشذرة بشرط تكثيف البلاغة والاستعانة بالإستعارات اللفضية والضمنية لإضافة دهشة للنص ومن هذه الأنواع :

☆ ( الهايبون )
وهو نص مكثف من التخاطر الغير مسبوق والممتلئ بأدوات البلاغة والدهشة وفي مشهديته الفريدة في هذا النمط وهي المشهدية الأم لنص أو اكثر من الهايكو المستوحى من النص ويذيل به .. كالآتي:
هايبون (تيه الشوق)
كيف لي أن أخبرك
أنني أراك في رؤياي كثيرا ~
استشعر أنفاسك في خلوة حلمي ..
أخاطب تفاصيلك بعيني كل لقاء ....
فأتوه عن كل ماحولي إلا شوقي إليك
يبتسم حتى بحضورك لكل المواقف
التي تداعب روحك ..!
كي يلمسك في دفء الشعور .
في شوارع عينيك
توهي؛
قلت لروحي
وقد يذيل النص بتانكا أو اكثر ويسمى في هذه الحالة ( تايكون ) كالآتي :
تايكون ( راهبة الفراغ )
قسيس أنت ..أيها الفراغ !
و...أنا المتصوفة في محراب هواك ..!!
الراهبة عن أي شيء بكل شيء ينبض
لي وبي ...
الواهبة روحي العذراء للريح
والاصداء فيك ...!!!
الواهمة بك وبظلال وأطياف
قد تكون الأنت ....!!!!!!
كم لدي من جسدك ؟؟
هزني بلطف أكثر
فأنا المتشرنقة في صفعة الغياب
ثم ولدت بصفتي لهفة ....
أين أنت كل هذا المدى ؟
على الأقل إذرف نبضة .. لأجلي
وأنا أكتبك .......
خذ شوقي بيدك
هل تحب هذه الرجفة ..... ؟؟؟
أنا أيضآ مشدودة بك ...
كنت عاريآ للأبد ..!!!!!
هل تتذكر ..... ؟
معابد الفراغ
راهبة انا عن اي شيء
ينبض بي ولي
للريح والصدى
وهبت روحي
هزني بلطف
فراغ بفراغ
كما لهفة
أيها العاري للأبد
هل تحب تلك الرجفة؟
ودعوني أختم بمدى مصاهرة الهايكو العربي للهايكو الياباني ومنه إلى هايكو من كل العالم ؛ صراحة لا أجد عيوبا في معاشرة النص العربي الأنواع المذكورة بشهادة أكبر الشعراء العالميين الذين خضت معهم تجربتي حيث أشادو بالنص العربي وبدهشته وبلاغته المفرطة والقريبة للروح؛ وأكثر ما يجذبهم فيه دفء العاطفة الممزوج بين الطبيعة والشعور ولاننسى الجانب الفني للنص وإختلاف اللغة أيضا الذي فرض لون جديد لكل إقليم وتم إحترام هذه المسافة عالميا بخصوص مراعاة شروط كتابة وترجمة الهايكو المناط بالوطن الأم (اليابان).
بالتأكيد وجدت روحي بكل ملامحها في نص الهايكو العربي والياباني وأجدت كتابة النوعين وتحصلت على جوائز عالمية من جامعة الهايكو العربي والياباني والعالمي إلى الحد الذي خولني لتقييم ونشر نصوصي للعالمية علمآ بأن الهايكو الأم يبدو الأبسط دائما وهو الأكثر صعوبة وتعقيد في تحديد المشهد وصناعته وربما يرجع الفضل لبيئة خيالي الخصبة جدآ جدآ والتي كانت سبب إختلاف نصوصي الغالب عليها الطابع الروحي والأقرب للقارئ والمتمعن في فنون الكتابة الإبداعية .
تجربتي لم تكن تجربة أشعر إنني لم أكتب أبدآ مايستحق قبل كتاباتي للهايكو ؛ بل إنه ظالتي الأدبية والفكرية والروحية التي ألمس فيها نبضي .

نينة السرتاوي- ليبيا

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى