سعيد كنيش - للانتصار في معركة الحريات السياسية

تهيمن بالمطلق في المغرب الرأسمالية التبعية ونظام حكم أقلية خادمة للغرب الاستعماري ومدعومة من طرفه، ويعني الأمر أن مجمل القطاعات الاقتصادية الإنتاجية والاستهلاكية والخدماتية المهمة في البلد، هي خاضعة للأسواق الخارجية التي تتحكم فيها الشركات الاحتكارية المعلومة. وهي اختيارات طبقية مملاة تم ترسيخها على مراحل طويلة المدة. تخدم مصالح شركات الرأسمال الاحتكاري المعولم، وتخدم الطبقة المسيطرة محليا من خلال ما يسقط من الموائد.
وللحقيقة فإن هذا الوضع قد استفحل مع الديمومة والهزائم المتكررة للحركة الجماهيرية، وولد التخلف والتهميش والحجز الدائم للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والتحول الديمقراطي في البلد. وقادت التبعية خضوع الحكم المغربي لسياسة الانفتاح المطلق وتقديم كل التسهيلات للاستثمار الأجنبي لشفط الثروات والأرباح وسحق كل حقوق الطبقات الشعبية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وصولا إلى التصويب على السيادة على ملكية المناطق البحرية الإقليمية وما تزخر به من ترواث، وملكية الأراضي الفلاحية ومصادرتها وهو ما يجري حاليا مثلا بالنسبة لأراضي الجموع والأراضي السلالية.
في وضعية كهذه فإن أجهزة الدولة القمعية هي التي تنمو وتتوسع على حساب القطاعات الإنتاجية. أما الأعداد الغفيرة من الشعب المفقرة والمهمشة فأصبحت تعتمد في تدبير حاجياتها الحياتية الملحة على علاقتها بالسلطة وأجهزتها البيروقراطية. وقد ولدت هذه الحالة عند الشعب كل الشرور من إملاق و تزلف وزبونية ورشوة وانسحاق للكرامة. ولم يعد النضال من أجل الحقوق والحريات السياسية والديمقراطية يشكل أولوية عند الطبقات الشعبية بعد مسلسل القمع والتخريب الذي تعرضت له أهم أدوات النضال التقدميية ، في الميدان النقابي والسياسي والطلابي والشبابي والجمعوي عموما.
هذا التراجع النضالي من أجل الحريات الديمقراطية في صفوف الحركة الجماهيرية المغربية خلق وضعا مريحا لدى الطبقة الحاكمة المرتبطة بالأجنبي، خاليا من أي ضغط اجتماعي مهم لتقديم تنازلات ديمقراطية حقيقية. يبقى الاستثناء الوحيد الذي لم يغير القاعدة هو الحالة التي خلقتها حركة 20 فبراير الشبابية المدينية، التي انقض عليها الإسلام السياسي الجاهز كوقود للثورة المضادة، ممثلا في حزبي "العدالة والتنمية" و "العدل والإحسان". وطويت الأمور بسرعة لأن حركة 20 فبراير أيضا ضعيفة التنظيم والتجربة وتفتقر إلى البرنامج النضالي الموحد.
سياسة الانفتاح المطلقة وتشجيع الاستثمار الأجنبي يتطلب قمعا متواصلا للحريات النقابية والسياسية كشرط لنجاحها. ويتطلب أجهزة قمعية كبيرة، عالية التدريب، وبسلطات غير محدودة تدوس على القانون المكتوب وتضع قوانين قمعية جديدة. الأمر الذي يرغب فيه الأجنبي والصهيوني ويشجع عليه ويحل اشكال كيفية نهب الثروات. وباختصار أصبحت المعادلة على أرض الواقع هي كالتالي: انفتاح وسرقة وتهريب للثروات إلى الخارج بدون عقاب أو حساب، وقمع مسلط على الطبقات الشعبية بلا هوادة وبدون مواجهة موحدة وشاملة.
أردت من هذا الالمام بالوضع العام بالبلد في هذه الحقبة، وضع قضية الحريات السياسية وحقوق الطبقات الشعبية في الشغل والصحة والتعليم والتغذية في إطارهما الصحيح. بما هي قضية مجتمع ككل لأنها تمس الاقتصاد الوطني ومقومات التنمية والديمقراطية. فوظيفة الطبقة الحاكمة الأساسية وجهازها القمعي أصبحت الآن، هي حماية تحويل الثروات الوطنية لصالح الرأسمال الامبريالي والصهيوني، وإدارة الأزمة الداخلية التي تخلق أزمات جديدة بواسطة سياسة القروض الأجنبية التي تلتهم كل فائض، وتفتح شبق الرأسمال الأجنبي للمزيد من النهب. لم تعد تلتفت الطبقة الحاكمة تماما إلى التنمية لأن هذه الأخيرة تعني حماية الثروات والأسواق الداخلية وتطويرها بالرفع من القدرة المعيشية للطبقات الشعبية. فهي مهتمة فقط بالمزيد من الانفتاح وتقديم التنازلات للاستثمار الأجنبي والصهيوني وحماية جرائم النهب للخارج.
هذا هو الوضع الذي يدور فيه البلد ويغرق، ويرتهن مستقبله وتتحدد فيه قضية الصراع من أجل الحريات السياسية والنقابية الأساسية للطبقات الشعبية، باعتبارها صراعا طبقيا شاملا ومريرا، ترتفع فيه التكلفة البشرية يوما بعد يوم. ولا يمكن تصور خوض المعركة مقتصرة على فصيل مقاوم واحد كتنظيم "النهج الديمقراطي" الذي يوجد اليوم في المقدمة. فلا بد من إعادة بناء مواقع للمقاومة الشعبية وتوسيعها في المعامل كما في الأحياء والقرى ، وسط الطلبة والمعطلين و في النقابات والتنسيقيات المهنية... إلخ وهنا لا بد من إشهار سلاح الفضح والتنديد بالقيادات الحزبية والنقابية ورجال ونساء الاسلام السياسي وأشباه المثقفين والإعلاميين الذين اشترتهم أموال المخزن ليتحولوا إلى أبواق تغطي على سياسة الانفتاح وتفكيك القطاعات العمومية ونهب الثروات الوطنية وتقديم التنازلات للرأسمال الأجنبي والصهيوني. أليس اليوم من النفاق والخداع مديح سياسة الانفتاح بمبرر أن العالم أصبح "قرية واحدة" ، والادعاء برفض مسلسل التطبيع والصهينة، وهما ثمرتين من ثمار التبعية والانفتاح والعولمة بحماية وهيمنة أمريكية.

سعيد كنيش، تمارة في 2022/07/21

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى