عصري فياض - رسائل التحذير فن جديد من فنون ما قبل الحرب

في الحالة المتصاعدة بين حزب الله و"اسرائيل" بما يخص ترسيم الحدود المائية والثروات الغازية والبترولية،بدأ حزب الله منذ بداية شهر تموز الفائت إرسال رسائل تحذير عملية من جانبه مصداقا للتهديدات والرسائل الاعلامية الغزيرة التي اطلقها امين عام حزب الله السيد نصرالله ومازال في خطاباته ومقابلاته،والتي كان اولها ارسال المسيرات الثلاث ومن احجام ونوعيات مختلفة منتقاه،فوق ما يسمى بحقل "كاريش" المتنازع علية بين لبنان و"إسرائيل"، والتي اسقط الطيران والبحرية " الاسرائيلية" إثنان منها، بينما سقطت الثالثة ذاتيا في البحر بعد انتهاء الطاقة الشاحنة لها في زمن طويل نسبيا في التعامل مع هذا النوع من المسيرات.
وقد اتبع الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله توضيحا من الهدف وحيثيات ما جرى لهذه المسيرات في مقابلته الطويلة مع قناة " الميادين " أللبنانية في عيد الاربعين للمقاومة عندما قال أنها كانت بمثابة فخ وقع فيه الاسرائيلي والذي كان الهدف منه هو اجبار الجانب " الاسرائيلي" على اطلاق النار حول سفينة التنقيب وحول المنطقة التي تتواجد فيها. وقد تحقق الهدف من هذه الخطوة.
الخطوة الثانية كانت اليوم الاحد الفائت الموافق الحادي والثلاثين من تموز، وكانت عبارة عن فيديو تحذيري للجانب " الاسرائيلي" يظهر فيه إحداثيات سفن ومواقع التنقيب عن الغاز والبترول وجعلها في دائرة استهداف افتراضي مرفق بكلام مختصر ورد على لسان امين عام الحزب ذكره في خطابة قبل اسابيع بهذا الشأن وقد تزامن هذا التحذير مع وجود الوسيط الامريكي في الازمة " أموس هوكستين " في بيروت ولقاءه من المسؤولين اللبنانيين وحمله لرد او مقترح " اسرائيلي " لحل ازمة ترسيم الحدود المائية الجنوبية مع اقتراب بدأ الجانب " الاسرائيلي " في إستخراج الغاز والنفط من حقل " كاريش " المتنازع عليه.
إن المتابع لرسالتيّ التحذير التي قام بها حزب الله، والتي اكد زعيمه في كلمة له قبل نحو عشرة ايام أنها ستتوالى وتتصاعد، أنها رسائل مدروسة بعناية لتحقق الهدف المنشود الذي يؤكد جدية الحزب في ذهابه لحرب إذا ما لزم الامر،وأن الحزب الذي أكد على اهمية الوقت القصير الذي بدأ يتناقص كثيرا، يدرك تماما أي الرسائل يختار،وأيها ينتخب، والزمن المناسب الذي تكون به هذه الرسائل لتوفي الاغراض والتي منها دعم المفاوض اللبناني بشكل يفتح الباب على إتجاهين لا ثالثة لهما ولا منطقة وسطى بينهما وهما :-
أولا : إما الرضوخ للمطالب اللبنانية في الحصول على كامل الحق بترسيم كامل للحدود البحرية اللبنانية تتيح للحكومة استخراج غازها ونفطها من مياهها بشكل كامل وسريع عبر ممارسة هذه التهديدات والضغوط دون قتال .
ثانيا : أو المواجهة العسكرية الحتمية التي لا يستطيع أحد التنبؤ بحجمها واتساعها وإلى أين ستصل، الامر الذي يقلق " إسرائيل" ويجعلها في إرباك وحيرة، خاصة وأنها على أعتاب فرصة تاريخية اقتصادية ثمينة بالنسبة لها تتمثل في الاسهام في تزويد اوروبا بالغاز الذي شح فيها نظرا للعقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة والغرب على روسيا اثر الحرب الروسية الاكرانية.
لكن بالعودة لهذه الرسائل التي وعد السيد نصر الله تصاعدها مع مرور الوقت القصير والضيق، نرى فيها فن من فنون مقدمات الحرب والارباك الذي يؤذن بدنو ساعة الصفر إن لم تصل المفاوضات لنتيجة ترضي الطرف اللبناني مجتمعا،وتهيأ الاجواء لكل الاحتمالات ،وهذا الفن بصوره المتعددة قد يشعل خيال المراقبين لتصور أشكاله القادمة، بل ربما توقع زمان وقوعه، وسرعة الاطراد فيه، خاصة مع الفسحة الزمنية القصيرة والقصيرة جدا الضاغطة على إنتظار الجميع،فتجربة الحزب الطويلة وتطور قدراته الهائلة تجعل من انتقاء رسائل جديدة متوفر وبكثرة على الطاولة،فعلى سبيل المثال لا الحصر،عندما كانت البوارج الامريكية تقصف الضاحية الجنوبية والبقاع والجبل في العام 1983، تمكن افراد من حزب الله جديد النشأة ضعيف الامكانيات وقتها من ارسال ضفادع بشرية قامت بختم قاع تلك البارجة بختم " الحزب" بخط كبير، في تحذير واضح مفاده أن من وصل لقاع البارجة قادر على وضع شحنة ناسفة او لغم بحري تحتها.
كذلك وفي سياق مسيرة المقاومة اللبنانية الكثير من الفنون التي يمكن أن تكون رسائل تحذير مثل ارسال صواريخ إلى البحر مقابل أو قريب من حقل كاريش،أو ارسال مسيرات مفخخة بأعداد اكبر هذه المرة، أو زرع سفينة وهمية شبيهه بسفينة التنقيب " انرجان باور " في عرض البحر وتدميرها بالصواريخ او بأي شيء آخر.
المهم لا أحد يشك ان جعبة حزب الله مليئة بالرسائل من كل صنف ولون، منها ما استخدم سابقا ومنها ربما لم يستخدم،وجميعها تحقق الهدف في التحذير والارباك، وايجاد القلق الحقيقي لدى القيادة " الاسرائيلية "، وجبهتهم الداخلية، والعمل على تنبيه وتجميع وتحضير الجبهة اللبنانية الداخلية لما قد تؤول له الاحداث.
وسواء كانت النهايات في هذا الوجه الجديد من الصراع بين حزب الله و"اسرائيل" إيجابية او سلبية ،فإن رسائل التحذير هي فن من فنون مقدمات الحرب يتقنها حزب الله، ويجني ثمارها ونتائجها بشكل جيد.

عصري فياض

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى