التاريخ بين الأديب والناقد والمؤرخ
من المعروف أن الأدب يوظف التاريخ جزئيًا أو كليًا في أجناسه المختلفة من رواية، أو قصة، أو قصيدة أو مسرحية، أو سيرة، فيستفيد من حدث ما، أو وثيقة تاريخية ما في بناء عالمه التخييلي. ومن المعروف أيضًا أن المادة التاريخية تتصف بالماضوية والجمود، وأنها بمجرد اقترابها أو تناصها مع تلك الأجناس الأدبية تغدو جزءًا من عالم تخييلي ينبض بالحياة.
إن ما يهدف إليه الأديب في استخدامه التاريخ هو أن يسقط الأحداث الماضية على أحداث الحاضر، وأن يدلي بدلوه فيما يجري، أو فيما يتوقع أن يجري. وأن يعزز عالمه الجمالي بعالم الوثيقة؛ حتى يكون أكثر تأثيرًا في المتلقي. هذا ما فعله نجيب محفوظ في روايته التاريخية "كفاح طيبة" عندما أظهر الفرعون المصري أحمس الأول، وهو ينجح في التفاوض مع الهكسوس ليخرجوا من مصر. وما أراده على أرض الواقع هو الدعوة إلى التفاوض مع الإنجليز المحتلين من أجل استقلال مصر وحريتها.
إن ما يجري في الأدب عملية خلق تختلف عما يجري في التاريخ، حتى إن شخصيات التاريخ إذا وظفت في الأدب فلن تعود شخصيات تاريخية، فعلى سبيل المثال، فإن شخصية يوليوس قيصر في التاريخ شخصية ميتة هامدة، لكنها في مسرحية شكسبير "يوليوس قيصر" شخصية حية ودرامية تضحك، وتحزن وتتأمل، وتنام، وتمارس حياتها في عالم من الخيال؛ وهي محددة المعالم، وتساهم بتصرفاتها في تطور الأحداث، فلا تطابق بين الشخصية في الأدب والشخصية في التاريخ أو الواقع؛ بل إن الشخصية الأدبية أكثر خلودًا من الشخصية في التاريخ.
لا شك أن المعني بدراسة العمل الأدبي، ومعاينته، وتفسيره، وكشف جمالياته والحكم عليه هو الناقد الأدبي وليس المؤرخ. فعلى الناقد الأدبي تلقى تبعة التعامل مع المادة التاريخية ضمن اندغامها في العمل الأدبي. والناقد ينظر إلى الرقاع والتناصات التاريخية سواء أكانت تتصل بالأحداث أم الشخصيات أم الأماكن بعد اقتطاعها من التاريخ بأنها جزء من عالم تخييلي متكامل.
ليس للمؤرخ أو المهتم بالتاريخ أن يحدثنا عن توظيف التاريخ في الأدب؛ فليس من مهماته أن يقدم لنا المادة التاريخية التي اختارها متلائمة مع أفكاره ومبادئه ممزوجة بالخيال والعاطفة والرموز التي يتميز بها الأدب. ولا يحتاج النقد إلى المؤرخ كي يحدثه عن الأدب، وإذا كان للمؤرخ أن يحدثنا عن الأدب فإنما يحسن به أن يحدثنا عن إفادة التاريخ من الأدب، والإجابة عن أسئلة مهمة تؤرق النقاد والأدباء، مثل: هل تسد الرواية التاريخية محل الوثيقة التاريخية؟ هل تساند الرواية التاريخ في توثيق مصداقيته؟ كيف تخدم الرواية التاريخ؟
ما ينطبق على المؤرخ ينطبق على الفلاسفة، أو علماء الاجتماع، أو السياسيين فهم إذا ما تحدثوا عن الأدب إنما يتناولونه من وجهة نظر فلسفية أو اجتماعية أو سياسية. على هذا رأينا الفيلسوف كارل ماركس يشير إلى روايات بلزاك في كتابه المعروف "رأس المال"، ورأينا فريدريش إنجلز رفيقه الفلسفي يصرح بأنه استفاد من أدب بلزاك في فهم المجتمع الفرنسي أكثر مما استفاد من علماء الاجتماع والاقتصاد والإحصاء في عصره. فليس من اختصاص أولئك العلماء أن يحدثونا عن عالم الأدب وتقنياته وكيفية توظيف علومهم فيه، إنه من اختصاص النقاد والأدباء؛ فهم أدرى بعالمهم، وأولى أن يتحدثوا عن هذا العالم، من خلال فهمهم لطبيعة الأدب وطرائقه في الاستفادة من غيره من العلوم.
إننا، إزاء هذا الفهم لمهمة الأديب والناقد والمؤرخ، نرى أن دعوة بعض النقاد للمؤرخين والمهتمين بالتاريخ للحديث عن توظيف التاريخ في الأدب دعوة ليست بذات أهمية؛ لأنها خارج اختصاص المؤرخين، الذين مهمتهم الأولى أن يتحدثوا في ندواتهم ومؤتمراتهم ولقاءاتهم التاريخية عن توظيف الأدب في خدمة التاريخ وليس العكس.
من المعروف أن الأدب يوظف التاريخ جزئيًا أو كليًا في أجناسه المختلفة من رواية، أو قصة، أو قصيدة أو مسرحية، أو سيرة، فيستفيد من حدث ما، أو وثيقة تاريخية ما في بناء عالمه التخييلي. ومن المعروف أيضًا أن المادة التاريخية تتصف بالماضوية والجمود، وأنها بمجرد اقترابها أو تناصها مع تلك الأجناس الأدبية تغدو جزءًا من عالم تخييلي ينبض بالحياة.
إن ما يهدف إليه الأديب في استخدامه التاريخ هو أن يسقط الأحداث الماضية على أحداث الحاضر، وأن يدلي بدلوه فيما يجري، أو فيما يتوقع أن يجري. وأن يعزز عالمه الجمالي بعالم الوثيقة؛ حتى يكون أكثر تأثيرًا في المتلقي. هذا ما فعله نجيب محفوظ في روايته التاريخية "كفاح طيبة" عندما أظهر الفرعون المصري أحمس الأول، وهو ينجح في التفاوض مع الهكسوس ليخرجوا من مصر. وما أراده على أرض الواقع هو الدعوة إلى التفاوض مع الإنجليز المحتلين من أجل استقلال مصر وحريتها.
إن ما يجري في الأدب عملية خلق تختلف عما يجري في التاريخ، حتى إن شخصيات التاريخ إذا وظفت في الأدب فلن تعود شخصيات تاريخية، فعلى سبيل المثال، فإن شخصية يوليوس قيصر في التاريخ شخصية ميتة هامدة، لكنها في مسرحية شكسبير "يوليوس قيصر" شخصية حية ودرامية تضحك، وتحزن وتتأمل، وتنام، وتمارس حياتها في عالم من الخيال؛ وهي محددة المعالم، وتساهم بتصرفاتها في تطور الأحداث، فلا تطابق بين الشخصية في الأدب والشخصية في التاريخ أو الواقع؛ بل إن الشخصية الأدبية أكثر خلودًا من الشخصية في التاريخ.
لا شك أن المعني بدراسة العمل الأدبي، ومعاينته، وتفسيره، وكشف جمالياته والحكم عليه هو الناقد الأدبي وليس المؤرخ. فعلى الناقد الأدبي تلقى تبعة التعامل مع المادة التاريخية ضمن اندغامها في العمل الأدبي. والناقد ينظر إلى الرقاع والتناصات التاريخية سواء أكانت تتصل بالأحداث أم الشخصيات أم الأماكن بعد اقتطاعها من التاريخ بأنها جزء من عالم تخييلي متكامل.
ليس للمؤرخ أو المهتم بالتاريخ أن يحدثنا عن توظيف التاريخ في الأدب؛ فليس من مهماته أن يقدم لنا المادة التاريخية التي اختارها متلائمة مع أفكاره ومبادئه ممزوجة بالخيال والعاطفة والرموز التي يتميز بها الأدب. ولا يحتاج النقد إلى المؤرخ كي يحدثه عن الأدب، وإذا كان للمؤرخ أن يحدثنا عن الأدب فإنما يحسن به أن يحدثنا عن إفادة التاريخ من الأدب، والإجابة عن أسئلة مهمة تؤرق النقاد والأدباء، مثل: هل تسد الرواية التاريخية محل الوثيقة التاريخية؟ هل تساند الرواية التاريخ في توثيق مصداقيته؟ كيف تخدم الرواية التاريخ؟
ما ينطبق على المؤرخ ينطبق على الفلاسفة، أو علماء الاجتماع، أو السياسيين فهم إذا ما تحدثوا عن الأدب إنما يتناولونه من وجهة نظر فلسفية أو اجتماعية أو سياسية. على هذا رأينا الفيلسوف كارل ماركس يشير إلى روايات بلزاك في كتابه المعروف "رأس المال"، ورأينا فريدريش إنجلز رفيقه الفلسفي يصرح بأنه استفاد من أدب بلزاك في فهم المجتمع الفرنسي أكثر مما استفاد من علماء الاجتماع والاقتصاد والإحصاء في عصره. فليس من اختصاص أولئك العلماء أن يحدثونا عن عالم الأدب وتقنياته وكيفية توظيف علومهم فيه، إنه من اختصاص النقاد والأدباء؛ فهم أدرى بعالمهم، وأولى أن يتحدثوا عن هذا العالم، من خلال فهمهم لطبيعة الأدب وطرائقه في الاستفادة من غيره من العلوم.
إننا، إزاء هذا الفهم لمهمة الأديب والناقد والمؤرخ، نرى أن دعوة بعض النقاد للمؤرخين والمهتمين بالتاريخ للحديث عن توظيف التاريخ في الأدب دعوة ليست بذات أهمية؛ لأنها خارج اختصاص المؤرخين، الذين مهمتهم الأولى أن يتحدثوا في ندواتهم ومؤتمراتهم ولقاءاتهم التاريخية عن توظيف الأدب في خدمة التاريخ وليس العكس.