أ. د. عادل الأسطة - في ذكرى محمود درويش: تناسل ريتا في رواية "على شواطئ الترحال"

في حزيران من هذا العام (٢٠٢٢) نشرت هنا ثلاث مقالات تحت عنوان «المرأة اليهودية عاشقة للفلسطيني» ولما أعدت نشرها على صفحتي الشخصية في الفيس عقب عليها بعض من أتيت على رواياتهم، مبدين رأيهم في واقعية شخصياتها، فقد كان عنوان إحدى المقالات الفرعي «الشخصية اليهودية بين المتخيل الأدبي والواقع» (١٩/ ٦/ ٢٠٢٢).
لم ينفِ الكتاب صلة شخصياتهم بالواقع، على الرغم من أن قسماً منهم كان يصدر روايته بعبارة تلفت انتباهنا إلى أن أي تشابه بين أسماء الشخصيات وشخصيات في الواقع هو محض صدفة.
ممن عقب على المقالة أحمد حرب وراوية بربارة. ولأحمد روايتا «الجانب الآخر لأرض المعاد» و»بقايا» (١٩٩٠ و ١٩٩٦) ولراوية رواية «على شواطئ الترحال» (٢٠١٥).
كتب أحمد:
«المرأة اليهودية عاشقة للفلسطيني في رواياتي (الجانب الآخر.. و بقايا) ليست متخيلة. التفاصيل الواقعية لتجربة الحب والزواج بين إيمان (المرأة اليهودية) وهادي (الفلسطيني) وقعت بالفعل حتى موضوع عودتها إلى يهوديتها».
وكتبت راوية:
«نعم روايتي «على شواطئ الترحال» فيها من الواقع ما يقارب ٩٩% لأنني جمعتها من أفواه نساء يهوديات متزوجات من عرب، وقد طالبني أحد النقاد بإزالتها من المكتبات لأنني تضامنت برأيه مع المرأة اليهودية على حساب الرجل العربي، ولأن ما كتبته لا يمكن أن يحدث في الواقع. أحيانا الواقع يتجاوز المخيلة».
في روايتها تكتب راوية عن سارة اليهودية اليسارية الطالبة في جامعة تل أبيب، المولودة لأم يهودية عراقية تتبرأ من عراقيتها وتنتمي لدولة إسرائيل ولأب يهودي مغربي يساري أممي، وعن إبراهيم الفلسطيني ابن قرية «الفسيفساء» المولود لأم من الضفة الغربية المحتلة، وحين تأتي سارة إلى حيفا للمشاركة في مظاهرة يسارية في حيفا تلتقي إبراهيم وتنشأ بينهما علاقة حب تسفر عن زواج ينجب طفلين هما «لنا» و «فؤاد».
تنقطع علاقة الزوجين بالأهل لمعارضتهم هذه العلاقة وحين تشدد السلطة الإسرائيلية على إبراهيم في عمله يضطر إلى أن يعود إلى القرية ومعه سارة ولنا، وتفرض ظروف حرب الخليج في ١٩٩٠ والخوف من الصواريخ والأسلحة الكيماوية نوعا من التصالح بين والدة إبراهيم وسارة. عندما يطلب إبراهيم من سارة أن يتزوجا زواجا شرعيا وأن ترتدي الجلباب، خاضعا بذلك لشروط مجتمعه، تبدأ العلاقة بالتفسخ وتنتهي على الرغم من حبهما الشديد لبعضهما.
حب سارة لإبراهيم يذكرنا بحب ريتا لمحمود درويش، ومن شاهد مسلسل محمود درويش عرف منه أن لريتا قريبا كان يريدها لنفسه، وفي رواية راوية يكون لسارة ابن خالة (آفنر) يخدم في الجيش الإسرائيلي ويقف ضد العلاقة ويرغب في الارتباط بسارة، وهي تفضل إبراهيم عليه، ما يؤلبه ضدهما. تعقيب راوية على المقالة يقول إنها لم تكتب عن عالم متخيل، بل عن عالم حقيقي تعرف شخوصه، وهي بذلك تدحض أي اتهام لها بأنها تستنسخ غيرها، وهنا أعني محمود درويش وتجربته.
ولكن السؤال هو:
هل يستطيع قارئ الرواية ألا يستحضر درويش وظلاله ولغته؟
وأنا أقرأ الرواية وجدتني في صفحات عديدة منها أحيل إلى الشاعر، وكان محمد صفوري في كتابه «شرفات سردية» (٢٠٢١) قد لاحظ تأثرها بدرويش وبنزار:
«مما لا شك فيه أن الكاتبة شديدة الشغف بالشعر العربي؛ قديمه وحديثه، وخاصة شعر محمود درويش ونزار قباني... «(صفحة ٥٣). وحين تعبر سارة عن حبها لإبراهيم في الصفحات ٤١ إلى ٤٤ وفي الصفحتين ٤٧ و ٤٨ يتذكر قارئ درويش سطره:
«إني ولدت لكي أحبك».
وحين يقرأ رفض أمها لهذه العلاقة لحرصها على يهوديتها يتذكر ما ورد على لسان ريتا: «وتركت أمي في المزامير القديمة تلعن الدنيا وشعبك».
بل ويتذكر المرء أيضا قصائد أخرى للشاعر وردت في «أوراق الزيتون» (١٩٦٤) و «عاشق من فلسطين» (١٩٦٦). تقول سارة:
«ألم تحمل حمامة غصن زيتون» و «هذا الزيتون يعرف زارعه، لو كان يعرف الكلام، لروى قصتنا، قصة أبي وعائلته، قصة شعبي» (٨٩)، وهنا يتذكر المرء قول الشاعر: «يا نوح هبني غصن زيتون ووالدتي حمامة» و»لو يذكر الزيتون غارسه لصار الزيت دمعا».
وبما أنه لا كتابة تبدأ من بياض وأن بعض النصوص تتناسل من أخرى، وأن تشابه الواقع يمكن أن ينتج نصوصا موضوعاتها متشابهة فإن قارئ الأدب الفلسطيني يتذكر وهو يقرأ الرواية قصة عبد الله عيشان «الغلطة» (١٩٧٩) التي تصور علاقة حب تسفر عن زواج ينتهي بالانفصال بين فلسطيني قروي ويهودية ويكون سبب الانفصال الخلاف الحضاري بين المجتمعين العربي والإسرائيلي فالمجتمع الفلسطيني محافظ والإسرائيلي منفتح، ويتذكر أيضا رواية سلمان ناطور «أنت القاتل يا شيخ» (١٩٧٥)، فكلتا الروايتين تأتي على التجنيد والخدمة في الجيش الإسرائيلي وآثارها، والعربي الدرزي والعربي ابن اليهودية سيلتحق بالجيش وقد يقتل أقاربه على الطرف الآخر.
تناسلت ريتا درويش في نصوص أدبية فلسطينية وعربية كثيرة، وهنا أذكر برواية إلياس خوري «أولاد الغيتو»، وكما تناسلت في النصوص تناسلت الدراسات والمقالات التي كتبت عنه.


أ. د. عادل الأسطة
2022-08-07

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى