أدب السجون د. محمد الشرقاوي - قوةُ الضعف لدى الجلاد وجَلَدُ القوة عند الضحايا

يموت قدّور اليوسفي جسديا كبقية الجلادين التي ابتلي بهم تاريخ المغرب المعاصر. وتبقى ظلال هذه "المدرسة" المغربية في التعذيب وبقية أصناف العنف السياسي ضمن أشد سجلات الدول التي اعتمدت التعذيب في العالم، سواء ما "أحلّه" أو سعى لتبريره ميكيافيلي للأمير في القرن السادس عشر، أو ما اقترفه رجال بينوشي في الشيلي، وأيضا منحى تيار التشكيك والاغتيال المعنوي للمشتبه في أنهم من "فصائل اليسار" في الولايات المتحدة أيام قوة السناتور جوزيف مكارثي في الخمسينات من القرن الماضي.
لكن هذه التجارب التعسفية تؤكد أن نسق القوة ليس خطا دائما يتحرك إلى الأمام. وقد تأتي رياح عاتية بفعل البشر أو بقضاء القدر عندما يفقد هؤلاء قوتهم وينتابهم الضعف والوهن والاندثار. وتسقط ورقة التوت عن "قدسية" هذه الذرية الانتهازية، سياسيا وأيديولوجيا، من حفدة راسبوتين الذي كان شخصية تسمى "الحاج" وقبلها "الفاجر" في روسيا القيصرية، قبل أن يصبح قدور اليوسفي "عميد الحجّاج" المغاربة في "طواف مكة" ورمي الحجرات واللعنات واللكمات على "شياطين" درب مولاي الشريف.
كان راسبوتين كما تصوّره كتب التاريخ يرتدي قيودا حديدية زادت من المعاناة لديه خلال أسفاره. وقد شملت هذه الرحلات الدينية الشاقة رحلة إلى جبل آثوس في اليونان وساعدته على اكتساب أنصار ذوي نفوذ مثل هيرموجن، أسقف ساراتوي.
ويبدو أن نزعة السادية نحو الذات أو الآخر متأصلة في شتى "الحجّاج" الذي يطوفون حول مباني القصور، وليس التذرع حول الكعبة أو الخشوع داخل كنيسة القيامة. وتفيد السيرة الذاتية لراسبوتين أيضا في تحليل شخصيات الجلادين، إذ كان يكرس مفهوم أن "الفرد يمكن أن يصبح أكثر قربا من الله إذا ارتكب عمداً ذنباً شهوانياً ثم تاب توبة نصوحا."
القوة أولا، والعربدة بصلاحياتها ثانيا، وطلب الصفح في مرحلة الضعف ثالثا: ثلاثية غريبة تؤكد أن القوة ذاتها لا تستطيع أن تتفادى حقبة الانكماش والوهن. ولعنة الجلاد أنه يحملها تحت جلده وفي ثنايا جوارحه العصية على مغزى الإنسانية. ولا يصحو من حلم "القوة العظيمة" أو قوة ما فوقها قوة أخلاق أو دين أو قيم.
أقتبس من هذه المقالة التي نشرها موقع "الحرة" للكاتب عبد الرحيم التوراني فقرة تتجلى فيها صحوة الإنسانية في اتجاه واحد:
"من شاهدوا قدور سنة 2019 بمسقط رأسه بأوطاط الحاج، يروون أنه "كان يجلس فوق كرسي متحرك تدفعه امرأة، وكلما دنا منه شخص يحاول قدور، وهو يبكي، الإمساك بيده لتقبيلها طالبا منه الصفح". لقد صار الجلاد يعتقد أنه أوقع الأذى والعذاب بكل الناس، وليس بضيوفه فقط في "درب مولاي الشريف"."

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى