أدب السيرة الذاتية سعيد العليمى - سيرة ذاتية لشيوعى مصرى - قد تعنى أو لاتعنى أحدا (حزب العمال الشيوعى المصرى) - القسم الأول

القسم الأول


من أنا لأقول لكم ماأقول لكم ؟ م.د

مهداة الى البروفسور جينارو جيرفازيو الذى انتزع تاريخ حزبنا من تحت الأنقاض
والى ذكرى الرفاق خليل كلفت وصلاح العمروسى وفتح الله محروس وحسين شاهين وسعيد ناطورة .. ولكل من رحل



أدليت بهذه الشهادة فى مركز الدراسات والبحوث العربية والافريقية الذى يترأسه المفكر الاقتصادى سمير امين ويديره الاستاذ حلمى شعراوى على اربع جلسات كل جلسة حوالى 3 ساعات بتارخ 4 اكتوبر 2009 ، 8 نوفمبر 2009، 13 ديسمبر 2009 ،17 يناير 2010 افتتحت شهادات جيلنا السبعينى بعد الصمت المطبق الذى كاد يودى الى دفن تاريخه ازاء يمين مهيمن . حضر الجلسات من الرفاق - حزب العمال الشيوعى المصرى - بالتناوب صلاح العمروسى ، فتح الله محروس ، جمال عبد الفتاح ، محمد خالد جويلى فضلا عن اعضاء لجنة توثيق الحركة الشيوعية المصرية برئاسة المناضل الراحل سعد الطويل . ادليت بالشهادة بالعامية المصرية وحاولت قدر الامكان ان احسن الصياغة عند النشر حتى تبدو مفهومة لمن يعنيه الامر بدلا من ابقيها مطمورة الى الابد . اتمنى اول مااتمنى ان اكون قد ابتعدت عن مرض الذاتية الشائع الذى يتوهم الفرد فيه ان التاريخ الفرعى يدور من حوله وأن هناك " سوبرمانات " لاقيمة لغيرهم . والحال ان جهود العشرات لا الكتاب من القادة من راسمى المواقف ومحددى الخط هم من صنعوا تاريخه منفردين وربما لم يكونوا لينجزوا شيئا لو كانواعراة الا من ذواتهم . لقد حاولت ان ابين منحنى حياتى " الشخصى " متقاطعا مع الحياة السياسية العامة فى مصر فى فترة تاريخية معينة بوصفى جزءا من كل - اى من عمل جماعى منظم انتهى الى ان يكون حزب العمال الشيوعى المصرى .


- لا أدرى بالضبط من أين يتوجب على أن أبدأ فهناك بعض الرفاق قد بدأو بداية معينة، وآخرون بداية أخرى فيمكن أن أبدأ من بعد حل المنظمات الشيوعية عام 1965 وما تلي ذلك ، أو أن أبدأ بمقدمة تتعلق بتكويني ، والمؤثرات التى لعبت دورًا في تشكيل وعيي وربطتني بالعمل السياسي وما إلى ذلك حسبما ترون حسناً.. فليكن الخيار الثانى اسمي سعيد محمد علي العليمي وولدت في الأول من يناير عام 1945 بالقاهرة فى واحد من الأحياء الشعبية ، وعملت محاميا ومستشارا قانونيا بالمهنة ، متفرغ حاليا للترجمة والبحث . اعتقد ان من الأشياء الاساسية التى أسهمت فى تكويني العام هي الوجود علي حافة طبقتين اجتماعيتين ، فأنا لم أكن من اسرة عمالية ، ولكني كنت من أسرة تنتمي للطبقة الوسطي تحتك بعالم الباشوات من جانب والطبقة العاملة وحثالة البروليتاريا من جانب آخر ، لم يأت هذا الاحتكاك إلا لأن جدى وخالى كانا يعملان لدي الباشاوت ، فجدي كان يعمل عند حيدر باشا وخالي كان يعمل في بيت الامة عند سعد باشا زغلول كرئيس للطهاة ، وجدى لوالدى من الدارسين في الأزهر وإمامًا لمسجد ، أما أبى فدرس فى مدرسة للصنايع ولم يكمل تعليمه وكان فى بداياته عاملاً تقريباً لكنه أختير فى بعثة للذهاب لانجلترا عام 1929 وأدى هذا لتغير في حياته ووضع الاسرة، وانى اعتبر نفسي ولدت بين عالمين عالم ارستقراطي جدا وعالم شعبي للغاية ، وأعتقد أن هذا كان أمرا اساسيا بالنسبة لى فقد تفتحت علي عالمين متناقضين ، وكان ذلك يدفعنى دائما لإجراء نوع من المقارنة . بين حياة كل طبقة منهما. كان الوالد ممن اسهموا في ثورة 1919 حينما كان فى السادسة عشر من عمره واعتقل لمدة ثلاثة شهوربالسجن الحربى البريطانى فى القلعة ، وهو لم يكن منتميًا لحزب سياسي ، ولكن كل احاسيسه وكيانه قد ارتبطوا بالحزب الوطني وهو حزب مصطفي كامل ومحمد فريدالزعيمان المصريان ، وقد سمعت منه عن سيد درويش وأغانيه الوطنيةالتى كان يغنيها لى ولأخى الأصغر عادل بكل أريحية . وهو لم يكن من المتعاطفين آنذاك مع الوفد . وكان يكره الانجليز جدا، ولأنه عاش في انجلترا وقتا فكان يميز بين الانجليز هناك فى موطنهم والانجليز في مصر: في مصر يمثلون احتلالا بغيضاَ وفي بلدهم أناس عاديون يمكن أن تعاشرهم بمودة ، وكان يحكى لنا قصصاَ عن كيف كان يتعامل معهم وما إلى ذلك ، وخاصة الأسرة الإنجليزية التى عاش معها . ورغم انه لم يكن رجلاَ واسع الثقافة فقد كانت لديه اهتمامات بالدين "الإصلاحى المستنير" ، وبالأدب خاصة بأحمد شوقى والمنفلوطى، وكانت عنده مكتبة تحتوى على بعض كتابات الإمام محمد عبده وتفسير المنار للشيخ محمد رشيد رضا، فضلا عن الكتاب المقدس . وكان منتميًا لجماعة أنصار السنة المحمدية في مصر في فترة معينة. لقد كان الرافد الوطني الذى زودنى به مهما بالنسبة لي وقد حدث لى نوع من الارتباط العاطفى خلقه كلامه عن مصطفي كامل ومحمد فريد بشكل خاص وعن اعتقاله هو في ثورة 1919 وعن ارتباطه الشعوري الجارف بالحركة الوطنية. من الأمور الاساسية التى أتذكرها انه في ديسمبر 1952 عرض فيلم عن مصطفي كامل فأخدني انا وأخي الاصغر في العرض الاول حتى نراه ، وقبلها بعد قيام حركة يوليو إصطحبنى لرؤية مشهد حصار القصر (قصر عابدين) – وعملية اسقاط النظام الملكي. لم يكن متعاطفا مع الملك ولا الوفد ولكنه كان وطنيًا وكان يعتقد ان وجود الاحزاب خلق قوى متنافرة متصارعة على الزعامة لا تلعب دورا في تحرير مصر من الإحتلال البريطانى . اما بالنسبة للخط الفكري فقد خضعت لتأثير جماعة انصار السنة المحمدية وهي جماعة وهابية أصلاَ ولكن الوهابية المصرية وقتها كانت مختلفة تماماً عنها فى الوقت الراهن ، فمثلا اخواتي البنات كان لهن رأيهن فيمن يتزوجن ، وكن يسبحن ويرتدين ما شئن ويتزينن، أعتقد ان اول الأفكار التى وضعت فى رأسى هى الفكر الوهابي في مواجهة الافكار الاخري وخاصة الفكر الصوفى والطرق الصوفية وما يسمي بأولياء الله الصالحين، واعتقد ان اثر الارتباط بانصار السنة المحمدية هو أنه خلق عندي نوعا من الجرأة فى مناقشة الأفكار، وعدم قبول المعتقدات كما هى . والدي مثلا كان لا يقبل تقديس الأولياء وزيارة الأضرحة والتبرك بها –ودائماً ماكان يؤكد أنهم لا يملكون لنفسهم نفعاً ولا ضراً- وكان مثلا عندما يمر على أضرحة الاولياء يجد فيها شمعا مضيئاَ يأتى لى بة ، وقد أدى هذا بى فيما بعد إلى نوع من رفض موضوع القدسية، القدسية بالنسبة للنظام السياسي لم تكن موجودة بعد أن رأيت سقوط الملك والاطاحة به ، وتسفيره خارج البلاد وتعليقات والدي على ذلك، وانا طفل رأيت العاب ورق بها صورتين : صورة الملك وصورة خنزير أى حين تقلبها بشكل معين تظهر صورة الملك ثم تعدلها تجد صورة الخنزير. وأعتقد انه من هذا المسار الموجز ووصولا لحركة يوليو تزعزعت لدى قدسية النظام السياسى ، ومن ناحية الخط الفكري زعزعت الوهابية عندي مسألة أن هناك رؤى راسخة أو مسلمات ثابتة لا تناقش كما سبق واشرت ، فالجناح التركي "الأرستقراطي" بمفاهيمة ومحافظته الشديدة كانت تمثله امي فى التربية " العثمانلى " – التى نزحت أسرتها من مدينة قولة باليونان بعد الحرب القومية التى شنت ضد الاحتلال التركى حوالى 1827 - والجانب العمالي الشعبى المتمرد يمثله ابي ، والأثر الاغلب كان أثر أفكار الوالد من ناحية ارتباطه الوهابي والوطني وهذه صور طفولة من الصعب أن تتزعزع من رأسى . وقد أدي هذا بعد ذلك ونظراَ لوجود بيتنا قرب ميدان عابدين ونظراً لأنى رأيت القصر الملكي محاصراَ ،الى اننى كنت أذهب يوميا إلى الميدان ، وقد رأيت كل المظاهرات التى حدثت ، وأعضاء مجلس قيادة الثورة وخطب محمد نجيب ،إلى آخره . كما شهدت كتائب وطنية للشباب ، وهي مجموعة من الشباب يرتدون زى الفدائيين، وكنت اسمع انهم ذهبوا إلى مجلس الدولة وضربوا السنهوري( 1954 ) ، وانا فى هذا الوقت لم يتجاوز عمرى 9 سنوات فقط ولا أعرف مجلس الدولة ، ولا السنهوري ولكنى كنت عبارة عن طفل فضولى صغير ينحشر وسط الناس.

من ناحية التكوين النفسي كل هذه الأمور مجتمعة فضلاَ عن طبيعة الوالد حيث كان معتدا جدا بنفسه، وكفء جداً فى عمله ، وعلمنا انه لا ينبغى للخوف أن يشق قلوب الرجال لامن شئ ولامن احد وبالتالي نمى فينا / أو حاول أن ينمى خصائص الشجاعة والقوة والتحمل والصبر والمواجهة وما الى ذلك . من الأحداث المنبهة لى سياسيًا إضفاء الأنوار تحسباَ لغارات اسرائيل سنة 1948 علي القاهرة ، لم أعرف وقتها ان كانت غارات وهمية أم لا ، ولكني مدرك ان هناك صفارات انذار وكشافات ضوئية في السماء يترتب عليها دخولنا المخبأ المنزلى .. في عامى 1949-1950 هناك حادثة لعبت دورًا في تنبيه وعيى السياسي بشكل معين. كنت أمشى بجوار الروضة- روضة الأطفال- (عابدين الخيرية) التى كنت فيها ووجدت شارة مرسوم عليها سيفين وقرآن وأخدتها وعلقتها على (مريلة) الروضة، حينما رآها أخى معلقة على صدرى ضربنى ضرباَ مبرحاَ قائلا َ" أنت حتودينا فى داهية " لم أفهم ماذا جنيت! وبدأت أتقصى عن هذا الموضوع. وكان واضحا ان ذلك كان بسبب الحملة على الإخوان المسلمين في 1948 وانا طبعا لم أكن مدركا . وفي يناير 1951 عندما حدث حريق القاهرة كنت أسكن في الحنفي بالسيدة زينب- قبل انتقالنا للحلمية الجديدة - وهى منطقة فيها حثالة بروليتاريا قامت بسرقات اثناء الحريق وما الى ذلك. ومن الاشياء التى نبهتنى سياسياً أيضاَ انه كان لى زميل في المدرسة الإبتدائية (مدرسة محمد فريد الابتدائية) -وكانت اصلا في بيت محمد فريد وكان لذلك أثر رمزي بالنسبة لي، وحينما اختاروني من ضمن التلاميذ الذين سيستقبلون جثمان محمد فريد من المانيا كان شيئاَ مؤثراَ قد حدث لى - اسمه عبد الأول وكان والده ينتمى للإخوان ، وقبض عليه في احداث 1954 وكنت متأثرًا من الإذلال والآلام التى عاناها نتيجة اعتقال أبيه وهي حالة من الخوف والانكسار والرعب بدت على وجهه اثناء اليوم الدراسي . من ضمن الامور المنبهة سياسياَ ايضا ان كان هناك وكيل لوزارة المواصلات فى الخمسينيات وهو محمد المتولي نجيب بك وقد كان رئيساَ للبعثة التى أبتعث فيها والدي إلى انجلترا وكانت هناك علاقة طيبة بينهما فقد كان فيه الكثير من السيد بونتيلا فى حالة فقدان وعيه غير ان الرجل كان واعيا دائما . رغم أنها علاقة التابع بالمتبوع إلا أنه كان فيها جانباَ انسانياَ جدا وكان هذا الرجل يدعونا في قصره - جانب فيلا الممثل حسين صدقي على النيل مباشرة بمنطقة المعادى- ازيلت المنطقة بكاملها حيث اقيم الكورنيش الحالى عليها بامتدادها ، وكان قد أسس جمعية لتدارس الدين الإسلامى مقرها مكتب فى إحدى بنايات شارع الشريفين بشكل منفتح، وفي فترة جمع سلاحا كما سمعت وكان يتشبه فى ذلك بالإخوان، ولكن عندما قامت حركة يوليو سلم السلاح للدولة. كنت أحضر ندواته مع والدي وطبعا لم أكن مستوعبا لما يقال ، ولكن الخلاصة انها موقف ضد الوثنية ، أى أضرحة الأولياء وزيارة القبور، ومسعى لتطهير الدين من الخرافات.وكنت اقوم بتوزيع كراسات هذه الجمعية . عموما كنت مهتماَ جدا بالشؤون العامة ولي نشاط في الكشافة وغيرها من الأنشطة وخاصة الرياضة والمسرح. كانت هناك أيضاً أمور تثير اهتمامي ففى عام 1956، وكنت وقتها في مدرسة مصطفي كامل ، وهي الخديوية القديمة، حدث العدوان الثلاثي فذهبت لمكان يدرب الفدائيين حتى اتطوع ولكن القائد قال لى لازلت صغيراَ، فى الوقت الذى كان فيه أخى الأكبر في الدفاع المدني فذهبت إليه فكرر على قول القائد وأنهم بسبيلهم لعمل فرقة للاولاد الصغار . لم أقتنع وذهبت للأولاد في شارعنا- كنا قد انتقلنا للحلمية الجديدة - وكونت ميليشيا من مجموعة من الاطفال أذكر منهم ( يحيى سالم عبد اللطيف ، وعبد المنعم ادريس ، ومحمد عباس عيد . وكنت أعرف من الجغرافيا التى درستها فى المدرسة أن هناك بحيرة اسمها بحيرة المنزلة يمكن أن نتسلل عن طريقها إلى بورسعيد لقتال الإنجليز ، ومن (سوء الحظ) ان الانذار الروسي حدث وأحبط مخططاتنا وكانت مخلفات الموضوع وآثاره اني كنت قد قرآت كتب أخى عن حرب، العصابات ووجدتها ممتعة جدا من الناحية الذهنية كيف أعمل كميناَ وكيف أصنع قنبلة مولوتوف، وكيف أخرب موتوسيكلا، كيف احاصر معسكرا ... إلى آخره فلما انتهت الحرب بدأت أجرب بعض هذه الأشياء في الشارع الذى نسكن فيه – شارع حليم ببركة الفيل - وبدأت افرض تسعيرة جبرية علي كل باعة الخضار والفاكهة الذين يأتون إلى الشارع مستخدما الميليشيا التى كونتها . وتكرر هذا الأمر أى عمل ميليشيا عندما حدث انزال لمشاه البحرية الامريكية في بيروت عام1958، وكنت قد كبرت ونضجت نسبياَ، ووقتها التقيت انا ومجموعة من الصبيان بنفس السن وبدأت ادرس لهم ما تعلمته عن حرب العصابات لأنى إحتملت أن يغزو الامريكان مصر وينبغي ان نتأهب!

في سنة 1958 تقوم الوحدة المصرية السورية وفرحى بها كان شديدا كنت أشارك فى الشعور الوطنى العام. إحساس عميق بأن لى وطن يحكمه نظام وطنى مقاوم للإستعمار ومختلف عن العهد الملكي واحساس بالاعتزاز عمقه أيضاً احتكاكى بالطلاب العرب مبكراً من خلال نادى الوافدين. في سنة 1959 أتى والدي بكتاب اسمه "حقيقة الشيوعية" وبدأت اقرأ حتى اعرف ما هى هذه الشيوعية ، وكنت قد سمعت عن ان هناك دولة اسمها الاتحاد السوفيتي أثناء العدوان فى 1956 وانه وقف جانبنا وكنت فرحا بالطبع بمن وقف جانبنا دون الالمام بطبيعة الموضوع. وفي نفس الفترة كنت امر في جاردن ستي علي السفارة الامريكية لأنهم يعطون مجانامجموعات من المجلات والنشرات والكتب ، أذكر منها كتيب بعنوان "هل هناك فراغ في الشرق الاوسط؟" لا أذكر من الذى كتبه ولكني أذكر العنوان. احاول أن اقرأ هذه الكتب المعادية للشيوعية بغرض فهمها فأجد أن الشيوعيين يريدون مجتمعاَ متساوياَ خالياَ من الطبقات وضد الملكية الخاصة ، ورغم انني لا استطيع الادعاء بأنني عشت حياة عمالية وفقيرة وانما عشت عيشة "مستورة" وتعاملت مع بعض الأسر الارستقراطية- لا أستطيع أن أنسى السيدة - جولسن هانم حفيدة إسماعيل باشا أبو جبل - وكان تعاملي معهم جميلاَ جدا لم يدعونى لكراهيتهم ، بالعكس كنت أرى لأول مرة عندهم أشياء مثل اللوحات (الفن التشكيلى) وأول مرة أستمعت للموسيقى الكلاسيكية كانت عندهم . إلا أنه في الجانب الاخر حيث كنت أقطن كنت أتعامل مع أشباه البروليتاريا ممن يأتون بصفائح بصل من معامل الطرشي من أجل تقشيرة وتقاضى (تعريفة- نصف قرش – عملة نقدية قديمة ) مقابل الصفيحة وكنت أجلس معهم وأساعدهم، وأرى مثلا سائقاَ من جيراننا يعمل في (جريدة المصري) وكيف يعيش وكيف يدير أحواله وأرى أيضاَ حرفيين وبنائين وغيرهم ، رغم الحظر الاسري من الوالدة بعدم الاختلاط مع هؤلاء (الآخرين) لأن الام تركية ومن صغار الملاك وكانت لها طريقة تربية معينة ( عثمانلى) كما اشرت. حيث لم يكن من الممكن أن نرتدى أي شيئ ولا أن نلعب مع اي أحد، ولكن بالنسبة لي كنت أفعل ما أريد، فأبدأ فى إدراك مسألة ان هناك نوعاَ من التمييز الطبقي وأبدأ فى أدراكه من واقع أني أعيش في مكان ولكنى أحتك بأماكن اخري، وأبدأ فى معرفة الشيوعية من خلال كتب معادية لها واسمع عن قضايا مثل الصراع الطبقي وما إلى ذلك ولم تكن هذه الكتب تستنفرني ضدها بل كان العكس هو مايحدث رغم الحملة الواسعة التى شنت على الشيوعية بعد اعتقال الشيوعيين فى يناير 1959. وكان عمرى وقتهاحوالى 14 عاماَ.

- في عام 1960 تقريبا كنت في اولي ثانوي بدأت اهتم بدماغي اكتر وبالقراءة العميقة، وخاصة ان كان لدى أخين أحدهما يقرأ شارلوك هولمز وأرسين لوبين وأخ آخر يقرأ يوسف كرم ( مؤرخ فلسفة مصرى ) وافلاطون وكتابات فولتير ، وقد تزوج مسيحية فوقتها إضطررت لقراءة الانجيل حتى اعرف ما الذى يؤمن به المسيحيون رغم انه لم يكن هناك اي موقف متعصب داخل الاسرة من الزواج من مسيحية ، وكان موضع الاعتراض انه –أى أخى- لازال طالباَ في كلية الحقوق . في اول اجازة صيفية بعد ما هزني انا موضوع كتاب" حقيقة الشيوعية" والمنظر المقزز علي غلاف الكتاب وأذكر منه منظر جمجمة ملفوف عليها رباط مثل المومياوات خارجا منها شمعة وأشياء غريبة كهذه. ولكنها لم تولد عندي الاثر المنفر حول مضمون الكتاب وإنما جعلتنى راغباَ فى القراءة أكثر ، ذهبت لمكتبة المدرسة ووجدت كتابا اسمه "آثرت الحرية" وكان مترجمه د . زكي نجيب محمود ومؤلفه فيكتور كراتفشنكو، والكتاب طويل ولم يكن عندى القدرة علي قراءة كل هذا ، المهم أننى قضيت اجازة نصف السنة في قراءة الكتاب بكامله ووجدت نفسي غير معاد للشيوعية، وطبعا كان هناك كلاماَ عن الفلسفة الماركسية والمادية الجدلية والموقف من الدين وكان يركز علي معاداة الدين بشده ولما كنت اقرأ عن هذا الموقف لم أكن أرى فيه مشكلة. يدفعنى هذا إلى أن أكون اكثر اهتماما بأن تكون لى صلة بالثقافة والأدب والدوائر التى إنحصر فيها ، اهتمامات اخواى لم تعد تمتعنى ، فبعد فترة احسست انها باتت محدودة ومنغلقة، ولكن حينما كنت أجد شيئاَ عن الماركسية أجد لدى رد فعل إيجابى من الناحية الذهنية، لذا كان اهم شئ وقتها هو بداية اهتمامى بالقضايا الفكرية. انيس منصور كان (موضة) وقتها –قرأت له كتابًا أو اثنين- فأعتقدت اني قد أصبحت وجودياَ وخاصة بعد تصفحى لكتاب اللامنتمى لكولن ولسون الذى صدرت ترجمتة فى هذا الوقت، وقبلها وفي نفس الفترة قرأت كتاباَ مهماَ واسمه "هذه هي الصوفية" للشيخ عبد الرحمن الوكيل وقد كان وكيلاَ لجماعة انصار السنة المحمدية وقتها، و كان ينتقد فيه الصوفية وتمثلت اهميته بالنسبة لي فى انه كان خطوة على طريق النظر بشكل واقعي للدين. الكاتب التاني كان خالد محمد خالد، وبدأت اقرأه وكذلك الشيخ حامد الفقي. قبل ذلك كنت أذهب للصلاة ومعظم خطب الجمعه كانت عن جهنم التى " سندخلها " وكان أثرها منفراَ بالنسبة لى . وعندما بدأت اقرأ خالد محمد خالد وجدته مختلفاَ تماما وبدأت أستكمل بقية كتبه، وقد لفت انتباهي وجهة نظره في المسيحية والديمقراطية وفى البغايا، كنا نعتقد قبلها ان البغى هي إمرأة منحطة ، ولكنه تحدث عنها بوصفها نتاجاَ للظروف الاجتماعية ووجدتنى أتحول من موقف تقليدى صارم أخلاقياً إلى موقف متفهم اجتماعياً. في هذه المرحلة توقفت عن الصلاة. ولم يكن لدي موقف متبلور من الدين ولكني وجدت نفسي فى غير حاجة لسماع- كلام الخطباء والمشايخ عن جهنم - وبدأت اعتمد علي قواعد السلوك والقيم العادية الاخلاقية اكثر من اي شئ آخر. في عامى 1963-1964 بدأت انشط في مجال الدراسة الأدبية وبالذات المسرح، ومن فضائل العهد الناصري انه كانت هناك مجموعة من السلاسل وروائع المسرح العالمي وبأسعار معقولة، فبدأت اكتب للمسرح وبعضها عرض في مركز شباب عابدين، وكان مديره وقتها الاستاذ محمد عجرمة. وكان وقتها في مركز الشباب أحد اعضاء مجلس الادارة اسمه فكري أبو الخير من مؤسسي منظمة الشباب . أهتممت بالمسرح وبكتابته وبالمسرح العالمي وترافق هذا مع رجوع كرم مطاوع من الخارج و نجيب سرور وأبدأ فى التعرف على "برخت" و "بيراندلو" وتشيكوف ونجيب سرور وسعد الدين وهبة وغيرهم . في عام 1964 هناك حدث مهم وهو اني أذهب إلى مسرح الجيب مع احد المخرجين المعروفين وهو زغلول الصيفي، -وهو الذى اكتشف مؤخرا ابنة نجيب الريحاني التى لم تكن معروفة وتعرفت علي صديقنا العزيز الأستاذ خليل كلفت الكاتب والناقد المعروف ، وهو لم يكن ماركسيا وقتها بل كان شاعراً وجوديا وناقداَ أدبياَ ولكن كانت له صلة بدوائر واسعة من المثقفين ، ومجرد مقابلتي له تفتح لى باباَ علي مجموعة من مثقفي (مقهى إيزائيفتش) وريش وقهوة البرابرة ونادي الادباء وندوة نجيب محفوظ وغيرها. ألتقى بعبد الرحمن الابنودي وغالب هلسا وصلاح عيسي ويحي الطاهر عبد الله والبساطي والغيطاني وغيرهم. توجهي بدأ ياخد مساراَ معيناَ وبدأت أشعر بحاجة أعمق لدراسة الشيوعية والماركسية وكان الشيوعيين وقتها علي وشك الخروج أو كانوا قد بدءوا الخروج بالفعل، وسمعت عن محمود أمين العالم وابراهيم فتحى وغالي شكري من فتي في سننا اسمه عزت عواد، وتعرفت سماعا على التنظيمات الموجودة . الحقيقة الدور الذى لعبته (البؤرة الثورية) للأبنودي – وهو الاسم الذى أُطلقه على بيت الأبنودى بحكم الدور الذى لعبه فى هذه الفترة لا غير- مهما جدا لأني قابلت في بيته أناساَ كثيرين وانا لازلت شاباَ صغيراَ ليست لدي خبرة ولا افكار عدا بعض القراءات والفضول المعرفى وبدأت هناك فى مشاهدة عالم جديد ومثير وبت اسعي وراء أي أحد عنده اي كتاب عن الماركسية حتى اقرأه ، كان هناك مثلا الصحفى امين رضوان من الحركة التانية الذى طاردته شهرا حتى يعيرنى كتاب "جورج بوليتزر مبادىء الفلسفة" وقد كان هو الكتاب الاساسي لمعرفة الماركسية وقتها، وكانت هناك مكتبة يملكها أحد الأشخاص بجوار سينما الأوبرا من الناحية التى نتوجه منها لميدان العتبة، وكان يعمل مخبرًا فى المباحث العامة وكان يسرق ما يصادر من الكتب من عند الشيوعيين ويبيعها هو في الكشك الذى يملكه، وكنت أدخر من أجل شراء هذه الكتب ، وكانت لديه أيضا كتب من بيروت، وهى كتب نادرة وقتها بشكل فادح . كنت اعتمد اصلا علي كتب معادية للشيوعية فى معرفتى بالشيوعية – نظرا لنقص المصادر الأصلية ثم أجرى عملية فلترة فى دماغي. وأذكر اني رأيت كتاباَ اسمه "نشأة الشيوعية المعاصرة" كتبه مؤلف ايطالي غالبا اسمه ماسيمو سلفادوري، فكان اعتمادي بالدرجة الاولي على هذه الكتب وكانت هناك مؤلفات اخري ذات طابع ادبي، وكان وقتها يقال عن صلاح عبد الصبور أنه ماركسي بديوانه الناس فى بلادى واحمد عبد المعطي حجازي بديوانه مدينة بلا قلب فقرأتهما مع ناظم حكمت وبابلو نيرودا وفابتساروف ، ثم بدأت التردد على المكتبات العامة وأرى ما له صله بالماركسية. قرأت أيضاً بعض ترجمات أبو سيف يوسف وأحمد رشدى صالح ومحمد جلال كشك وغيرها مستعيراً إياها من دار الكتب المصرية. موجز الموضوع وقتها الالتقاء بحلقة الابنودي كان حدثا مهماً لى . بيت الابنودي لعب دور اساسياً في جمع اجيال من الشيوعيين معاً ولعدد من السنوات من 1966 إلي 1968 ، بدأت في بيته ألتقى بنماذج من الحركة الشيوعية التانية وهى متفاوتة في أفكارها ومواقفها، وأرى شباباً من منظمة الشباب ومنهم المحامي عبد العظيم المغربى والصحفى محمد عودة وكذلك طاهرعبد الحكيم صاحب كتاب الاقدام العارية وتعرفت على سيد حجاب ومصطفي الحلاج وهو فنان تشكيلي فلسطيني ومازن ابو غزالة وهو أحد اوائل شهداء حركة المقاومة الفلسطينية وكان موجودًا في مصر، وأرى غالب هلسا وبهاء طاهر احيانا وتوفيق عبد الرحمن واروي صالح وقد كانت طفلة فى الرابعة عشر من عمرها آنذاك.
- أ.حلمى شعراوى طب وزين؟ (المقصود الشاعر الكبير زين العابدين فؤاد)

- لا رآيته عند د.رؤوف نظمى ( الرفيق محجوب ) ورؤوف أيضاَ كان يأتى عند الابنودي، وكان منتدي تناقش فيه كل الاشياء وحسب طبيعة الناس الحاضرين لتفاوت آراء الناس ومواقفهم من نظام عبد الناصر وقتها، يعني مثلا كنا دائما نحتاط في وجود محمد عودة لأن له صلة وثيقة بالنظام ونحن فى غالبيتنا لسنا " نظاميين" . قبل هذه الفترة قليلا، ذهبت إلى النادي النوبي وصادفت الاستاذ زكي مراد وقد خرج من المعتقل ويلقي اول محاضرة له هناك ، كان هذا قبل تعرفى على حلقة الابنودي. كنت أعلم ان زكي أحد قيادت الحزب الشيوعي وبالنسبة لي لم يكن لدى اي نوع من التمييز بين الفصائل المختلفة فى الحركة الشيوعية المصرية ولا الاختلافات بين مواقفها ، أسمع عن زكي مراد وطبعا أعجبت بالشيوعي الذى كان يتكلم بثقة وشجاعة والقى وقتها قصيدة اسمها لائحة السجن الحربى- فيما اذكر ويقول فيها: (فتحكموا ما شئتم إني غدا متحكم). وأعجبني أنه قدم لى نموذجاَ لأحد مقتنع بموقفه السياسي ويدافع عنه واعتقل بسببه ومازال متمسكاً به. كان لى صديق تصادف أنه ابن عم زكي مراد وهو الاستاذ فيصل عبد الرحيم ومن خلاله تعرفت علي زكي مراد وقابلته ووجدته يحدثنى عن( ثورة) يوليو وانجازتها والانقلاب الفكري الذى أحدثته في الماركسية ونظريتها وما إلى ذلك ، وكيف " كنا مخطئين في تقديراتنا" في بعض الوقت لها - ووجدت نفسي مذهولاً ومحبطاً. وأعتقدت لوهله أنه لا يريد أن يصارحنى برآيه لعدم ثقته بى وأنا حديث العهد بمعرفته. لم يكن فكرى قد تبلور بعد ولكن كانت لدى فكرة غامضة وهى ان الشيوعي لا يمكن أن يكون نظاميا أصلا أى مع النظام .عموماً كان الراحل زكى مراد مسرورا من أن هناك شاب مهتم بهذه القضايا ، طلبت منه أن استعير كتاب انجلز" لودفيج فوزباخ ونهاية الفلسفة الكلاسيكية الالمانية"- ان كان لديه ، فضحك واستغرب لاهتمامى بقراءة مثل هذا الكتاب!. نلاحظ هنا أننا- أقصد جيلى وفصيلى- نشأنا في ظل حركة جماهيرية منحسرة كانت صلتنا بالثقافة اكبر من اي ارتباط جماهيري فكل اهتماماتنا كانت مركزة على القراءة . المهم لم يكن لديه ما طلبته فأهدانى كتاباً آخر اسمه"عرض اقتصادي تاريخي - صادر عن جامعة باتريس لومومبا للصداقة بين الشعوب" .وقتها كنت اعتقد انه كتاب ذو قيمة ولكن تبين لى أنه كتاب مدرسي يدرس للطلبة الذين يدرسون فى الجامعة المذكورة كمدخل للماركسية. طلب مني مساعدته فى جمع مادة كتاب عن حركة يوليو –العمل فى تجميع مادة من الصحف والمجلات، أى عمل نساخ- فرحبت على أمل أن أتعلم شيئاً منه . ذهبنا لدار الكتب عدة مرات ثم بدأ يكتب وأراد أن أكون أول من يقرأه حتى يختبر صدى أفكاره علىّ فطلب منى قراءة الفصل الاول لإبداء رأيي فيه، وجدته يردد ما سبق أن قاله عن " ثورة " يوليو فأحبطت وقررت ألا آراه إلا على فترات طويلة فرغم عدم قبولى لآرائه السياسية فقد كان رجلا طيب المعشر وودودا للغاية . وأعود لحلقة الابنودي التى سمعت فيها لأول مرة عن " منظمة وحدة الشيوعيين" ، اسمع عن وثائقها، وعن تحليلاتها التى تتحدث بايجاز شديد عن ان النظم المطبقة فى مصر ليست اشتراكية ، وان النظام القائم نظام قمعي وديكتاتوري من الطراز البونابرتى وعن ضرورة وجود الحزب الشيوعى، وعن رفض الحل . الأمر الذى اعتقد ان الابنودي لم يتكلم عنه فى البرامج التلفزيونية التى تناولت سيرته الذاتية اننا فكرنا فى تكوين حلقة ماركسية كنواة لعمل منظم ، وفعلا في 1966 بدأ يحي الطاهر عبد الله- القصاص المعروف يتحدث عن اننا سنشرع فى تكوين حلقة ماركسية وان وحدة الشيوعيين ليست لها اي فاعلية ( كانت وقتها ذات وجود رمزى ) ، وهذه الحلقة لابد أن يكون لها طابع دعائي سياسي أولاً. هذا – يعني أننا وقتها بدأنا بالفكرة المعتادة وهي أن نقوم بتلخيص كتب ونقرأها ونناقشها ..، ورفيقنا خليل كلفت كان في فترة اسبق وجوديا ومرض بشدة واقام عند الابنودي فترة المرض فأمسى وجودياً وخرج من هناك ماركسيا، ومن وقتها احتفظ بخطه الفكرى الماركسي العام. بدأنا عقد لقاءات وتوزيع تكليفات وما إلى ذلك، وكان هناك لقاء سيتم وفيه كل الناس الكبار سناً ، وأنا كنت اصغرهم، وعلي اساس اللقاء سيتقرر كيف تسير الامور وتقريبا تم هذا اللقاء فى اغسطس 1966 واجتمعت مجموعة من الناس في بيت صلاح عيسي الكاتب والصحفى، منهم غالب هلسا وسيد حجاب والابنودي ويحي الطاهر وحمد عبد الرسول وفي سبتمبر من نفس العام اعتقل كل هؤلاء وغيرهم وتم قطع الطريق علي التوجه الأول الذى بدأ.* وتم الاعتقال بناء على وشاية عضو سابق فى وحدة الشيوعيين .

-أ.حلمى شعراوى الغيطاني كان معاهم؟
- لم يكن الغيطانى ضمن الحلقة ولكنه كان في الحبس أيضاً فكما اشرت وكان للضربة صلة ببلاغ قُدم لمباحث أمن الدولة عن وحدة الشيوعيين، وقد كتب عن هذه المسألة، الأستاذ جمال الغيطانى- من اهم الأشياء التى أدت لهذه الضربة هو أنه في منتصف 1966 – وهنا أركز على مسألة أن الحلقات الشيوعية التى ظهرت بعد 1967 لم تكن كلها نتيجة مباشرة للهزيمة التى جرت فى يونيو ، فمن 1966 كان صلاح عيسي يكتب مقالات في جريدة الحرية التى كان يصدرها القوميون العرب تحت عنوان "الثورة بين المسير والمصير"- إن لم تخنى الذاكرة ولأول مرة نقرأ عن أن هناك برجوازية صغيرة فى السلطة ويبدأ عدد من الكتاب يكتبون حول نفس موضوع حركة يوليو، أذكر منهم مصطفي طيبة ، ومحمد كشلى ووضاح شرارة. وربما محسن إبراهيم وفي نفس الأعداد- أعداد الحرية نشر تلخيص لكتاب "مصر الناصرية" للدكتور سمير أمين، وتلخيص لكتاب أنور عبد الملك "مصر مجتمع جديد يبنيه العسكريون" وكانت هناك ترجمة وقتها للكتاب الاخير كنا نتداولها سرا. جملة المقالات هذه مع عروض الكتب بدأت تبلور عندنا وجهة نظر أعمق رافضة للنظام. كان هذا هو الوقت الذى قرأنا فيه الدكتور سمير امين يتحدث عن "البرجوازية البيروقراطية،" وطبعا لم أكن أجيد وقتها لغة تانية للقراءة ، ولكن هذه العروض مع المقالات بدأت فى اختراق أفكارنا . أقصد بعض رفاق جيلى بالإضافة إلي تحليلات وحدة الشيوعيين التى كانت تتردد ومع واقعة ان القوميين العرب بدأوا يتجهون ناحية الماركسية. كل هذا أدى إلى نوع من انواع بدايات التفكير الجديد. يعاصر هذه الفترة عدد من الاحداث التى تلعب دورا في بلورة أفكارنا علي اكثر من مستوي ومنها المناظرة التى إستهلها الصينيون "حول الخط العام للحركة الشيوعية العالمية" ، ومثلت السلاح النظري لنا في مواجهة الخط السوفيتي بطريقة معينة وجعلتنا نواجهه بشكل نقدي وبالذات مع تأسيس مجلة الطليعة عام 1965. التى مثلت بؤرة للمراجعة المصرية من الشيوعيين الذين حلوا تنظيماتهم بعد اطلاق سراحهم . لم يكن من السهل علي أحد من جيلنا أن يتحدث مع شيوعي قديم ونريه كيف نفكر فقد شاع وقتها أن من وافقوا على الحل كلفوا بالإبلاغ عن أية عناصر مناهضة له. تلعب المناظرة المذكورة دورا اساسياً في تكوين وعينا ، وكذلك افتتاح دار التقدم الروسية مكتبة لها فى مصر حيث بدأت تطرح كتباً ماركسية، وكانت معظم الكتب بالانجليزية الأمر الذى أضطرنى لتطوير لغتي الانجليزية . هناك كتب معينة لعبت دوراً في تشكيل وعينا مثل أسس الفلسفة لمؤلفه بولتيزر وكتاب تطور الحركة الوطنية لشهدي عطية الشافعي ودراسات في التاريخ المصري منذ العصر المملوكي لفوزي جرجس، وكتابي ابراهيم عامر " ثورة مصر القومية" و "الأرض والفلاح"، وطبعا كنا نسعي وقتها لتجميع كل التراث الشيوعى السابق الذى أصدرته دار النديم أو غيرها من دور النشر بغض النظر عن الاتجاه. بعد خروج الابنودي ومن معه في أبريل 1967 بعد زيارة سارتر لمصر نسمع عن وجود بعض المناضلين الرافضين لحل المنظمات الشيوعية مثل منصور زكي ومحمد بدر ومحمد عبد الغفار ورجائي طنطاوى ، و خاصة ابراهيم فتحي . وانا اقدر الدور الذى لعبه الابنودي وبيته فى جيلنا واجيال قريبة منا، واعتقد اننا كنا مغالين في طلباتنا من الابنودي- فالناس كانت تتدخل في نمط حياته وتفاصيل علاقته بزوجته، لم يكن لديه خصوصية فى شيئ وبيته كان مشاعاً للأصدقاء والرفاق. ثم أجد أن التجربة السالفة لم تسفر عن شئ . خرج الأصدقاء لكن توارت فكرة أن يكون هناك شئ منظم . بدأت فى الإتصال ببعض عناصر بوحدة الشيوعيين.
- فى فترة سبتمبر واعتقال 1966 هرب يحي الطاهر عبد الله من الشرطة حيث لم يتمكنوا من القبض عليه وكنت احد الناس الرئيسيين اللذين تولوا تأمينه بعد الهرب.

تأتى هزيمة يونيو 1967 وأشعر بانكسار الهزيمة، رغم اعتراضنا على النظام بالدرجة الاولي لإفتقاد الديمقراطية ومصادرة العمل السياسي داخل مصر. كنت طالباً في كلية الحقوق فى السنة النهائية وبدأت الحرب أثناء امتحاناتى وتوقفت الدراسة أحسست بأني غير قادر على عمل أى شئ علي الاطلاق ، واحساسي الداخلي هو ما قيمة الليسانس في حالة الهزيمة . وذهبت اول امتحان وكتبت خطبة سياسية في ورقة الامتحان . وقلت المفروض أن تتغير سياستنا في الدولة والمفروض أن نصبح اكثر استعدادا واكثر صلة بالحلفاء الذين يساندونا-قصدت السوفييت- ولم أكمل الامتحان ، وبعدها بدأت المزيد من البحث عن الانخراط فى عمل تنظيمي ولم يكن هناك غير وحدة الشيوعيين، كانت هناك مشكلة فى قبولى عضواً بحكم أنى كنت على علاقة معروفة بأعضاء سابقين عندهم كانت لهم مواقف نقدية. فكنت حريصاً على تعزيز علاقتى بصديق طاب ثراه - وهو الزميل المناضل عبد السلام الشهاوي وهو خريج كلية آداب قسم اللغة الانجليزية وكان يعمل مدرسا وقتها وكان رجلاً شديد الاستقامة وماركسي. كنا علي صلة وثيقة جدا وكان عضواً فى و.ش وهو الذى جندنى لها. موجز القول ان تنظيم وحدة الشيوعيين- فى هذا الوقت تحديداً- كان اقرب للطريقة الصوفية والسلك الكهنوتي ( أقول هذه العبارة وفي ذهنى الشرط التاريخي الصعب الذى كانوا فيه ) القيادة القديمة التى كانت فى المعتقلات خرجت وبدأ جزء منها يهاجر الى الخارج مثل بهجت النادي وعادل رفعت ( محمود حسين ) ، وعدد من الخارجين لم يعد لهم أي نشاط. ابراهيم فتحي كان محاصرا طوال الوقت . بالإضافة لمناخ الهيمنة الناصرية ومناخ القمع والحل الذى لا يتيح لأحد اصلا أن يصرح حتى عن معتقداته السياسية. المهم عبد السلام فاتحني في موضوع وحدة الشيوعيين وأعطانى وثيقتين اسمهما " حول اشتراكية رأس المال الكبير" و "حول التحريفية اليوغوسلافية". بعد ذلك سلمني للزميل المسؤول والمناضل الراحل أحمد العزبى وقد كان مترجماً ، ومن ضمن من أعتقلوا –عام 1966- مع الابنودي ومن التهم الموجهة إليه هي الانضمام لوحدة الشيوعيين، نلتقى فى مواعيد نصف شهرية منتظمة وكل مرة نتحدث عن طبيعة النظام ، وكان حديثه شبه تكرار للوثائق القديمة ولم تكن هناك متابعة للتطورات السياسية الجارية. المسألة الثانية كنت أتساءل هل سأكون طوال الوقت علي علاقة احادية فردية به؟ كنت أريد أن أكون فى مجموعة / خلية وكذلك ان أوجه جماهيرياً .وكان رأيه أننا كنا فيما يسمي بمرحلة التراكم الاولي للكادر، والعدد محدود ، والتغلغل البوليسي مستشري فلابد من فترة كمون واعداد تسبق العمل الجماهيري. لأول مرة أقرأ تحليلاً سياسياً يصدره حزب او منظمة شيوعية داخل مصر. لقد لعبت وحدة الشيوعيين دوراً جوهرياً فى الحفاظ على فكرة ضرورة استمرار الحزب. ورفعت خطاً جذرياً من الناحية الفكرية والسياسية أثر على اتجاه كامل فى أوساط المثقفين والأدباء الشباب آنذاك رغم النواقص التى فرضها الشرط التاريخى على عملها. في نفس الفترة أواصل تطوير نفسي ذاتيا بشكل شديد وأقرأ كل ما يتوفر فى ذاك الوقت من كتابات ماركسية – ماركس ولينين وماوتسى تونج وفرانز فانون ودوبريه وماركوز وجارودى ، ونظرا لعدم وجود خط سياسي يبلور افكارنا ولانملك ماركسية نقدية عميقة فلم نكن نميز بينها. في هذا الوقت تنشأ بؤر كثيرة داخل مصر وكل الماركسيين بدأوا يستيقظون بشكل أو بآخر علي هزيمة 1967، فطاهر عبد الحكيم مثلا يبدأ يشكل حلقة من بعض الناس لتدارس الاوضاع، وأخي في الله الراحل مهدى الحسيني يدعوني لعمل حلقة، واسمع عن ان السيدة محسنة توفيق الفنانة المعروفة قد شكلت إحدى الحلقات، بدأ موضوع ضرورة التنظيم ينتشر تلقائياً بشكل كبير. تقوم مظاهرات فبراير 1968 كنت وقتها عضواً في وحدة الشيوعيين ولكن لم يكن لنا موقف الا أن اتثقف وأحافظ على أمنى وألتقى بمسئولى وادفع اشتراكى الشهرى . خرجت المظاهرات وذهبت الى الجامعة مع الكاتب والصحفى صلاح عيسي ومحمد عبد الرسول والاديب المعروف الدكتور أحمد عبد الرحمن الخميسى قرب كلية الهندسة وأردنا أن نتصل بالطلبة، ولم نتمكن من ذلك. بدأنا نعيد اجتماعتنا في بيت الابنودي ونتابع حركة فبراير 1968 وقررنا إصدار منشور واشتركت مع الابنودي وصلاح عيسى في كتابة بيان متأثرا بلغة رومانسية العنف عند فرانز فانون في كتابه "معذبو الارض" فوجدوا أن لغتى لغة يساريه متطرفة فاستبعدت من صياغة البيان، وفيما بعد لم نتمكن من إصدارالبيان لأسباب فنية، ولكن بدأنا نعيد التفكير، لأن هناك حركة داخل الجامعة بدأت تظهر. مع مظاهرات فبراير 1968 وفي أعقابها بفترة قصيرة يعتقل صلاح عيسي وسمير حمزة وعثمان عزام من منظمة الشباب وطبعا كان للإعتقال صلة مباشرة بالمظاهرات وكان لصلاح اسم معروف ككاتب مقالات. في مايو 1968 كنت متواجداً مع محمد عبد الرسول فى منزله وأستعد لامتحان الليسانس للمرة الثانية وفوجئت بالمباحث آتيه لإعتقاله فتأخذنا معاً علي معتقل القلعة، عندما دخلت مبني المباحث العامة قابلني العميد منير محيسن من مكتب مكافحة الشيوعية ووجه لى سؤالا مباغتا بلا توقع: "انت اللي خبيت يحي الطاهر عبد الله"؟ فرددت تلقائياً "يحي الطاهر عبد الله مين؟" فتصورت ان اعتقالي له صلة بموضوع تهريب يحي وللأسف يحي ارتكب خطأ وهو انه كان يتعين عليه أن يترك عنوان إقامته قبل إطلاق سراحه وكان هناك سوء تفاهم بينه وبين الابنودي وقتها فلم يشأ ترك عنوان أحد وترك عنواني أنا كمحل لإقامته وقد كانت قلة خبرة منه لا أكثر. دخلت معتقل القلعة وانا غير مسلح بأي شئ سوي قصص الشيوعيين في المعتقلات وليس لدى أي خبرة عملية في كيف ارد علي تحقيق او كيف أتعامل مع التعذيب وماشابه من هذه الأمور. ما كنت أذكره معرفتى أن الشيوعيين ضد موضوع الاستنكار- البراءة فلا ينبغي أن استنكر الشيوعية واني يجب ألا أتكلم عن احد ممن اعرفهم . في البداية ندخل الزنازين ونسمع اغاني –من نوع معين مثل (فات الميعاد وبقينا بعاد- وتسجيلات لأناس تصرخ، وطبعا عندما حاولت النوم لم أعرف لأن هناك مصباحاً موضوعاً بشكل لابد أن ترى ضوءه كيفما نمت .. أُحس ان عليّ واجب ان كل ما أواجهه أقابله بالتكوين الشخصي الفردى السابق، مثلا انا شخص عنيد ، ولست ضعيفاً وأحب زملائي واصدقائي ولا يمكن أن أتسبب فى توريط آخرين في اي وضع. اُستدعي للتحقيق، ومعتقل المباحث العامة وقتها اى معتقل القلعة كان المشرفين عليه من الضباط حسن أبو باشا- وزير الداخلية فيما بعد- وكان مفتشاً آنذاك،وفتحى قته ، والمدير المباشر في هذه الفترة كان- سمير حسنين وزكريا عمار، ومن ضباط المعتقل عاصم الوكيل ورضا عبد السلام ومن المخبرين محمد عبد المقصود وسعيد فرح وآخرين ، وزملائي في المعتقل وقتها محمد عبد الرسول وصلاح عيسي واحمد عبد الرحمن الخميسي وسمير حمزة وعثمان عزام من منظمة الشباب واتنين من (النشاط المعادى) أحدهما أحمد عزت مدنى ومن الاحداث (التاريخية) أن أكون في صحبة شمس بدران وقد كان بجاورني في الزنزانة وعلي شفيق مدير مكتب المشير عبد الحكيم عامر، وقد كنت في زنزانة 6 وكان المعتقل يتخذ شكل حرف L من المدخل وانا في الجزء الاخير ناحية الحمامات وكان يواجهني من يمينى وعلى بعد حمزة البسيوني قائد السجن الحربى الشرس الشهير ، ومن اطرف المواقف اني دخلت دورة المياة وكان حمزة يغسل رأسه تحت صنبور الحوض وانا داخل ولم أعرفه لكن شكله ذكرنى بخالي –أبيض الوجه مشرب بحمره وشعره أبيض خالص- وعيون ملونة غالباً زرقاء، وجدته غير قادر على مواصلة ما يفعله لأنه كان خائفاً على الأغلب من المعتقلين عندما خرجت سألت المخبر عن هذا الرجل الطيبواى ذنب ارتكبه حتى تأتوون به فضحك ، قائلا هذا حمزة البسيوني مدير السجن الحربي وكانت له سمعة الغيلان. المهم يواجهوني بالتحقيقات وكان المحقق الأساسي معى هو سمير حسنين وقد سألني عن موضوع مظاهرات فبراير 1968 واسهامي فيها فأنكرت مشاركتى في المظاهرات، فقال انت متهم بأنك عضو في تنظيم شيوعي متطرف يتبع الخط الصيني اسمه "وحدة الشيوعيين" فقلت انها اول مرة اسمع فيها عن وحدة الشيوعيين ، طبعا كانت هناك تهديدات لفظية ، ولكن بعد ثلاث او أربع ايام لما أصررت على كلامى علقوني علي شماعة حديد في ظهر الزنزانة، صرخت فيهم قليلاً، وبعدها فكواالقيد حيث كان هناك معتقل حاول الانتحار قبلها بعدة ايام بعد تعرضه للتعذيب –- وتركونى حوالي اسبوعين او ثلاثة وكل بضعة أيام يسألونني نفس الاسئلة بطريقة اخري ومن جانبى كررت ماسبق ان قلته من كلام ، ويبدو أن آخر جلسة كانت، حين أتانى حسن أبو باشا مفتش المباحث لاجراء تحقيق ختامى تقويمى . وقيل وقتها من بعض الناس- سمير حمزة- وعثمان عزام- ان الكلام الاساسي في التحقيق مع صلاح عيسي كان عن القوميين العرب ولم تكن له صله بشكل مباشر أو غير مباشر بالمظاهرات وكذلك بوحدة الشيوعيين، وأيضًا بالمقالات التى نشرت قديما فى جريدة القوميين العرب. بعد حوالي 3 شهور من الحبس الانفرادي والذى كان بالنسبة لي ممتعاً ومرهقاً فى آن واحد . ممتعاً لأني اول مرة أظل ثلاث شهور كاملة دون أن اتكلم مع أحد. وأن تجرب ان تحتفظ بذهنك ووقتك مشغولاً كان قضية كبري، انا مثلا دارس اللغة الالمانية فأقرر اني من الساعة 10 لـ الساعة 11 سأتذكر اول درس في اللغة الالمانية من 11 ل 12 سأتذكر وقائع وأحداث معينة من 1 لـ 2 سأبدأ أغني أغاني سيد درويش وهكذا. وكنت أكتب بالزيتون الأسود شعارات على جدارن الزنزانة. وأحد الضباط –رضا عبد السلام- أتى وهددني انه سيدعنى الحسها بلساني إن كتبت مرة أخرى. كنت أكتب اشعار محمود درويش –أموت اشتياقاً أموت احتراقاً- مثلا او وصية لمن سيأتى في الزنزانة مثل: "كن رجلاً وتجلد" وخصصت وقتاً للرياضة ووقتاً للمشي ووقتاً للنوم، ومن حسن حظي كنت أنام لساعات طويلة. نرحل إلى معتقل طرة وفيه نوع من التلخيص لكل الاتجاهات السياسية في مصر وقتها: من منظمة الشباب هناك سمير حمزة وعثمان عزام ، ومن الشيوعيين كان هناك سمير عبد الباقي –الذى أفرج عنه قبل وصولنا بيومين- وكذلك ثروت سرور- أخ الشاعر الراحل نجيب سرور( اعتقل لأنه قال فى احد المؤتمرات انه " واحد م الحمير اللى خرجت يوم 9 10 يونيو ) وهناك وفديين ومنهم يوسف حمودة واخوان مسلمين منهم حسن الهضيبي، ومأمون الهضيبي، ومحمد قطب، والكاتب أحمد رائف ومجموعة من (جماعة المسلمين) التى أسمتهم أجهزة الأمن بعد ذلك جماعة التكفير والهجرة مثل شكري احمد مصطفي ، وعبد الله السماوى، ومحمد نصير، وهناك مجموعة تدرج تحت فئة النشاط العادي –وكان منها الناقد الدكتور على شلش- وأيضاً يهودا مصريين. احب أن اذكر هنا شيئاً مهماً وهو اني كنت أحس بالألم الفظيع عندما أرى يهودياً مصرياً تربي في حارة ويتكلم لغة الحواري المصرية ويعتقل لأنه يهودي ويطلب منه الهتاف باسم عبد الناصر، كنت أشعر أنه كان يمكن لنضالنا الوطني أن يستثمر هؤلاء الناس ويوظفهم باعتبارهم مصريين ويقاوم اي عناصر صهيونية داخلها، ولكن كان هناك اعتقالاً بالجملة وتصور بوليسي اننا كمصريين حققنا انتصارًا على إسرائيل باعتقالهم لم يكن أمراً مقبولاً بالنسبة لى.

كنا أربعة شيوعيين-فى صيف 1968 بمعتقل طره السياسى- وبدأ بعد ذلك مع ردود افعال مظاهرات نوفمبر 1968 الشيوعيين بالقدوم فيصل - سيد فتح الله وهو عامل نسيج من شبرا الخيمة ثم قضية شيوعية في آخر 1968 المتهم الأول فيها الدكتور فاضل الاسود وهو طبيب اسنان وللأسف اعترف على زملاءه تحت ضغط التعذيب، وكان وقتها النائب العام هو علي نور الدين. ثم يأتى اخونا الراحل نور الدين مصطفي عبده غنيم والمشهور بنور (إعدام) من طليعة العمال،( من الحلقة الثانية للحركة الشيوعية المصرية ) بتهمة انه إصطحب اريك رولو الصحفى الماركسى من جريدة لوموند (السفير الفرنسي مؤخرا) الي الفيوم حتى يريه كيف يعيش الشعب المصري بشكل حقيقي. نور الدين غنيم كان رفيقاً ساخراً له وجهة نظر في (تخريب) النظام الناصري من داخله تقوم علي افساد خطة التنمية بإنجاب الأطفال ومزيد من الأطفال، كما رفض العمل لدى أى جهة حكومية وآثر أن يتاجر حراً فى الطماطم وكان ممن رفضوا الحل. في عام 1969 تأتي مجموعة ضخمة من (منظمة) التيار الثوري منهم محمد عباس فهمي وطاهر البدري واحمد القصير وخليل الآسى ومحمد خالد العوا ومحمد عونى صادق وعلي الصباغ وعيدروس القصير ومحمد المنشاوي واحمد سويلم والمحامى نعيم لبيب ، وهذا تيار كان يسمي نفسه صينياً ماويا مؤمناً بحلف الطبقات الاربع ، وهو مع النظام ويعتبره وطنيًا ينبغي علي الشيوعيين ان يتحالفوا معه ، وكل المسألة انهم من رافضي الحل ومن رافضي تشكيل الحزب فى الوقت نفسه ، ولكنهم أرادوا أن يلعبوا دور تيار داخل المجتمع. ثم أتت عناصر متفرقة مثل محمد علي فهمى فخري من طليعة الشيوعيين وكان معروفًا باسم (فخري تكتيك)، وكان علي صلة بشخص آخر أتى معه اسمه طاهر الليثي –مأمور ضرائب- بسبب صلتهم بفريد عبد الكريم القيادى المعروف فى الاتحاد الإشتراكى. يصل افراد مثل المناضل المرحوم فرنسيس لبيب كيرلس بتهمة انه "لسن" على النظام. بعد نوفمبر 1968 يأتى شاب من كلية الهندسة بجامعة الإسكندرية بتهمة انه خطب في الطلاب مطالبا بثورة ثقافية داخل مصر وهو الاستاذ سعد هجرس الصحفي والكاتب المعروف الآن- وفي المعتقل جُند للتيار الثوري. حاول التيار الثوري أن يجندني ولكن افكارهم لم تكن تتفق مع افكاري لأني لم أكن مؤمناً بالتحالف مع النظام وبأي صلة مع النظام غير صلة الصراع . ولذلك ارتبطت بنور الدين غنيم وحسن الساكت وهو أيضاً عامل نسيج من شبرا الخيمة ينتمى لطليعة العمال والدكتور عمر احمد مكاوي وهو تاريخيا من منظمة النجم الاحمر وأعتقل لأنه دائما ما كان يحتج علي سياسات رئيس الجمهورية بارسال برقيات له وكان من الناس الأنقياء جدا. من الأمور المهم ذكرها انه في اخر1969 جري تعذيب بعض من جماعة المسلمين داخل مكاتب ادارة المعتقل، كلنا في المعتقل كشيوعيين من تشكيلات وأصول تاريخية وسياسية مختلفة ، ولكن الاحتجاج الوحيد الذى اجتمعنا عليه هو رفض تعذيبهم في المعتقل وقتها وهذا كلام مكتوب ورسمي وتم تسليمه لعبد العال سلومة قائد المعتقل وقتها. وأيضا في آخر 1969 ابعد عن ادارة المعتقل احد الضباط وهو ناصف مختار وأتوا بعبد العال سلومة ، ربما بسبب قولة شكرى أحمد مصطفى لحسن طلعت مدير المباحث العامة علنا فى لقاء مفتوح : "أنت كافر ورئيسك كافر" . كانت الأوضاع مريحة نسبياً نقرأ الكتب والجرائد، والعنابر مفتوحة ، ولكن عبد العال أنهى كل هذا فى غمضة عين. إنقسم عنبر الشيوعيين الي قسمين، البعض لا يريد أن يحرج الحكومة الوطنية فعلينا ان نقبل كل اجراءاتهم، وآخرين رأوا اننا لو تنازلنا عن حقوقنا لن يكون هناك حد للتنازل ، اعتصمنا خارج العنابر – عدا مجموعة التيار الثورى- أتوا بخيالة السجن مدججة بالسلاح وحاصرت العنبر، وعقب 48 ساعة كنا مُغربين في عدد من السجون البعض ذهبوا إلى طنطا (انا منهم) وقسم ذهب إلى القناطر الخيرية وآخرين وصلوا المنيا. في سجن طنطا قابلت حفيد الزعيم أحمد عرابى الدكتور عز الدين عبد القادر واثنين من ضباط الجيش كانوا ينتقدون هزيمة 1967 أحدهما حفيد عبد الرحمن عزام باشا أول مدير لجامعة الدول العربية وهو الضابط عادل عزام، يرافقة شاب اسمه ماركيز ويعمل ضابط مهندس هذه نماذج لمن التقيت بهم . وفترة المعتقل كانت فترة تثقيف وكنت أستفيد جدا من الزملاء القدامى ممن أتفق معهم من الناحية الفكرية ومن حسن حظي أن نور غنيم كان معى في سجن طنطا، وقد كنت أعتبره كائناً منزوع الجهاز العصبي فعند اى حدث جسيم لا يقابله ابدا بانفعال، وبالقياس لي كنت شاباً متهوراً، فمثلا التقيت باحد العساكر الذين شاركوا في تعذيب الشيوعيين في سجن ابو زعبل –اسمه اسحاق- في سنة 1959 فسعيت للتحرش به ولكن نور الدين كان يهدئنى. وكان نور يركز بشدة علي الموقف الصارم من السلطة وكان ينتقد التيار الثوري وحدتو والحل ودائم التحدث عن ضرورة بناء (القلعة التي لا تخترق)، يقصد الحزب وثان مسألة كتبت فيها فيما بعد- حين اصبحت عضوا فى التنظيم الشيوعى المصرى كانت دراسة بعنوان: الدولة البوليسية والصراع الطبقي في مصر = تحت تأثير فكرة الحزب الذى لا يخترق. في أبريل سنة 1970 يفرج عنى بعد عرضى على محكمة امن الدولة العليا ، وكان قد أفرج عن أحمد الخميسى قبلها لأن والده الأستاذ عبد الرحمن كان صديقاً لجعفر النميري رئيس جمهورية السودان وقتها وطلب تدخله فالنميري توسط لدى شعراوي جمعة وزير الداخلية وافرج عنه وكان هذا فاتحة الافراج عنا. وبعد خروجي بيومين بالضبط التقي بى أحد الزملاء القدامي من (حلقة الابنودي) وهو خليل كلفت وقال لي اني اصبحت عضوًا في التنظيم الشيوعي المصري والذى اصبح بعد ذلك آخر عام 1975 حزب العمال الشيوعى المصرى.

-أ.حلمى شعراوى - كان اسم التنظيم كده؟ وبالتالي اصبح العمال......؟
هذا شئ مهم لأني فى حاجة للحديث عن حزب العمال في جلسة منفصلة ولكن هذه المسألة مهمة لأننا كنا نعتبر أنفسنا فصيلاً شيوعياً ضمن فصائل أخرى ورغم ان لنا موقف مضاد من اغلبية الشيوعيين القدامي ومن قاموا ودافعواعن الحل تحديداً ، إلا أن موقفنا لم يكن موقف من يعتقد او يزعم او يدعي اننا الحزب الشيوعي المصري، فلائحتنا مكتوب فيها ان الحزب الشيوعي المصري حزب الطبقة العاملة المصرية ولكن هذا الحزب مطمح يقيمه الشيوعيون ونحن فقط فصيل من الشيوعيين، تشكل التنظيم الشيوعي المصري يوم 8 ديسمبر 1969 ولم يسمي نفسه الحزب الشيوعي المصري، أهمية هذا الموضوع تقوم فى ان رفعت السعيد يقول اننا اعلنا عن حزب العمال الشيوعي المصري بعد اعلان الحزب الشيوعي المصري عن نفسه، طبعا الواقعة الأخيرة صحيحة ظاهرياً فقط. ولكن ما منعنا ان نقول اننا الحزب الشيوعي المصري أنه لا يمكن ان ندعي اننا نمثل غالبية الشيوعيين المصريين فضلاً عن أن نكون امتداداً لحزب 1924 الا بمعني معين وبين اقواس. من الناحية الفكرية والسياسية أعتبر أننا كنا امتداداً للتيار الراديكالي داخل الحركة الشيوعية المصرية القديمة.
مثلا فى قضيتنا-503 لسنة 1973 أمن دولة عليا- كانت هناك اختراقات للقواعد، اختراق بمعني ان هناك حركة جماهيرية ، وشبه طبيعي ان يرتبط بك جمهور واسع ، وطبيعي ان تتسلل بعض مصادر مخابرات وانا لا اهون من هذه الامور ولكن مع ذلك هناك فرق شاسع بين أن تشتغل في مجال جماهيري وتأتيك عناصر متباينة ، فالمهم ان تبقي مؤمناً ازاء الاختراقات الرئيسية وهي اختراقات القلب، وبالنسبة لي القلب هو كوادر المناطق وكوادر اللجنة المركزية. هذا رد على د. رفعت السعيد الذى قال أيضاً أننا حزب مخترق . أعود لموضوع حزب العمال، لم ندعي ولم نشأ ان ندعي او نعلن عن أنفسنا اننا الحزب الشيوعي المصرى لأننا لم نر أنفسنا الا قسمًا من شيوعيين سيسهمون فى تشكيل الحزب، ولكن كان لنا اسم مستقبلي وهو "حزب العمال الشيوعي المصري"،عندما أعلنت جماعة حدتوعن نفسها بوصفها ح.ش.م فضلاً عن إدعاء أنها امتداد حزب 1924 أعلنا عن أنفسنا وخاصة أن قيادات المصرى كانت تعلم بوجودنا على الأقل منذ منتصف عام1973 أى منذ قضية الإسكندرية 503 لسنة 1973 حيث ترافع فيها كل من الأساتذه زكى مراد وأحمد نبيل الهلالى وقد كانا من مؤسسي الحزب الشيوعى المصرى .

-أ.حنان رمضان - انتو ابتديتوا باعتباركم فصيل مش الحزب الشيوعي المصري ولكن فصيل يستهدف بناء حزب شيوعي في مصر، طيب ليه لم تبحثوا عن الناس اللي رفضت الحل؟
- كان عليهم هم ذوى الخبرة السابقة أن يبحثوا عنا . مع ذلك قلة منا كانت علي صلة بالشيوعيين القدامي، انا مثلا كانت لى صلة بعدد منهم ومن اتجاهات مختلفة منهم زكي مراد وبعدها اعتقلت فصادفت عددا من الزملاء الشيوعيين، وخرجت صادقت البعض وبعدها أقمنا صلة بإبراهيم فتحي بالذات. حينما انضممت للتنظيم فاتحت نور غنيم وأعطيته وثائق وكان يناقشني فيها، وكان لدينا سياسة انه لابد من طلب العضوية من الشخص المعنى - رغم انها لم تطبق علىّ شخصيا لأني خرجت وجدتنى عضواً في التنظيم حيث كنت قد اعتبرت عضواً فى التنظيم وأنا لازلت فى المعتقل عام 1969. وكان تقدير زملائي وقتها اني لو كنت موجوداً بالخارج لأصبحت من المؤسسين وكانت هناك ثقة شديدة في موقفي، وقد كنت موضع اهتمامهم حيث ساندونى مادياً ومعنوياً خلال فترة اعتقالى، خاصة وأن والدي كان ممتعضا وقتها ليس لأنه ضد العمل بالسياسة ولكنه أراد أن ادرس واكمل تعليمى أولاً. عُقد مثلا مؤتمرًا للأدباء الشبان الأول وكان في سنة 1969 كان مؤتمرا حافلاً بالتوتر منظمه شعراوي جمعة وزير الداخلية آنذاك. وقد واتت الدكتورة رضوي عاشور وقتها الشجاعة فى ذلك المناخ السياسي لتتحدث عني باعتباري احد الادباء المعتقلين وطالبت بالإفراج عنى. وقد كان لإبراهيم فتحى حضور مؤثر فى هذا المؤتمر. لقد منحت العضوية علي اعتبار ان دخولى التنظيم شئ مفروغ منه. سياستنا بعد ذلك كانت (اعتقد انها سياسة صحيحة) سياسة تقديم وثائق وأوراق أو جرائد معينة ونطلب من الشخص المعنى قراءتها ونرى مدى استجابته لها وقد نطلب منه التبرع احيانا، ويترك له طلب العضوية أولاً.

-أ.نبيل صبحى - انت بعد ما خرجتم عرضتم علي نور غنيم وثائق التنظيم الشيوعي المصري، هل ما تطرق للنقاش ابدا عن مجموعتين اللي رفضوا الحل؟
- ليس عن مجموعتين وإنما عن أفراد، اى كان يجري كلام عن أناس معنيين كأفراد ولم يطلب مني مقابلة أحد معين او ان يعرفني علي أحد معين، وقد كان منشغلاً وقتها بأمرين كما قلت وهما التجارة فى الطماطم كموقف ساخر من الشيوعيين الذين ركضوا وراء الوظائف الحكومية ، الثانية تخريب خطة التنمية الناصرية بالإنجاب!

أ.حنان رمضان - هل ما تطرقش الامر إلي اكتشاف عدد كبير من العمال اللي كانوا اعضاء في الحزب؟
- لأ للأسف، مثلا لقد عرفت سيد فتح الله وهو عامل نسيج فى المعتقل وسمعت تحفظات عليه من البعض، جعلنى هذا أقيم مسافة بينى وبينه وعلاقتى به تصبح علاقة حياة عامة فقط . بعدها اعرف الدكتور عمر أحمد مكاوي واعرف انهم علي صلة ببعضهما، فابدأ اتعرف عليه وهو من انقي الاشخاص الذين قابلتهم فأحكى له عما سمعته وهو يصحح. ابدأ اعرف ان سيد فتح الله منضم لمجموعة ما. أما التيار الثوري وحسب وجهة نظرى آنذاك. فلم يكن سوى ذيل يتوهم إستقلاله فى الحركة مع هيمنة الخط اليميني علي الحركة الشيوعية المصرية. سأحكى لك شيئاً ذو دلالة مرة في العنبر بالمعتقل أتى دورى فى تنظيف العنبر حين رميت المياه على الأسفلت وجدت المياه تتسرب إلى فتحة مموهه ومغطاه وجدتها مخبأ، ذهبت لمحمد عباس فهمى المسئول السياسى للتيار الثورى وأخبرته، فسد المخبأ ، وقال "احنا نقفل المخبأ ده عشان الناس متفكرش في عمل أى شيئ سري " .

- أستاذ حلمي شعراوى - كانت لهم كتابات ووثائق وقالوا كلام كتير.
- في 1969 كانوا لازالوا فى البداية وليست لهم وثائق منتشرة والأدب كله كان اغلبه شفوياً غير مكتوب وحتي لو كتبوا شيئاً كان سطحياً جدا – تحليلات قائمة على تصريحات المسئولين الرسميين فى الصحافة - لقد كنت شاباً لاخبرة لدى، وانا أتذكر الآن طاهر البدري بقامته الطويلة ومظهره (الباشاواتى) وهو يضع يده علي كتفي محاولاً إقناعى بفكر التيار الثوري (ابتسم خصوصاً)، حينما سألته عمن هى الطبقة السائدة في مصر، فقال لي "انا عمري ما فكرت في السؤال ده"، فرددت حينما تصبح عندك إجابة كلمني" . في هذا الوقت كانوا ضد فكرة الحزب واعتبروا أنفسهم مجرد تيار بيتفاعل مع الواقع السياسى، ولكن ما تقوله لم أسمعه منهم، يمكن بعد ذلك قرأت انا قريت كتابات لهم .لمحمد عباس كتاباً "عن الموقف من نظام السادات"، ولكن الأساسي وقتها أنهم كانوا متبنيين الخط الصيني بطريقة يمينية: وخاصة حلف الطبقات الأربع: البرجوازية الوطنية والطبقة العاملة والفلاحين والمثقفون ، مسألة رفض إحراج السلطة الوطنية كانت أمراً أساسياً لديهم، لم يكن لديهم مُنظرين وقتها، فمحمد عباس رجل عملي، وكذلك طاهر البدري، ولكن احمد القصير وعيدروس القصير هما الأكثر اهتماما وعمقاً من الناحية النظرية والسياسية وما أنتهوا إليه لا يختلف عن فكرة اننا لازلنا في مرحلة استكمال الثورة البرجوازية الديمقراطية ودورها الخالد الأبدى ولكن بقيادة الطبقة العاملة.
- أ. حنان رمضان- سؤالي هو اني حسيت ان ردك ع الاستاذ نبيل رد دبلوماسي يعني واضح ان ليك موقف من المجموعة القديمة وحتي الجزء اللي احتكيت بيهم معجبكشي فهل كنتم مقاطعين كل القدامى وفي مواقف؟ وليه ما استفدتوش كمجموعة من الحل؟

سعيد
- كلامك صحيح فى حدود معينة لأنه كان هناك موقف معين ازاء من قاموا بالحل، من الناحية الاساسية كان هناك رفضاً لمن قاموا بالحل أما الباقى فكنا نتحفظ عليهم حسب مواقفهم وحتي عندما بدأ العمل الحزبى المنظم كانت احد الشروط التى وضعناها هو عرض اسماء القدامى علي اللجنة المركزية حتى نعرف تاريخه السابق قبل اتخاذ قرار بشأن عضويته: أول مسأله كانت ما هو موقفه من الحل ، هل استنكر أم لم يستنكر؟ أى مواقفه عموما السابقة علي الحل. المسألة الثالثة هي موقفه وقتها تحديدا. لقد كنا بين أمرين؛ بين اننا مجموعة شباب نريد تنظيم أنفسنا وكنا وقتها نعتقد اننا عندما نشتغل سننشئ مجلة او جريدة وتنشط جماهيريا وأنه يكفى حركتنا الذاتية فى البداية وفي مراحل اخري بدأنا نسمع عن أن هناك من يتحرك، وان مثلا رجائى الطنطاوي ذهب الى الإسكندرية وقابل زملائنا أى أعضاء عندنا كانوا قبلاً فى طليعة العمال ويفاتحهم ، أضف إلى ذلك أنه لم يكن لدينا خبرة سابقة فى هذا الشأن. من الناحية الأساسية كنا ضد من حلوا وكانت هناك رغبة في الاتصال ومعرفة الآخرين ولكن بتحفظ لأننا لا نعرف كيف يفكر القدامى ؟ كل ماكان يأتينا كان تسريباً، مؤدى ذلك اننا بعد ذلك كان لدينا داخل القيادة ميلين، احدهما يقول بقيام ارتباطنا بالناس عن طريق انتاجنا، الفكرى أو السياسى أى من خلال المجلة والجريدة والميل الثاني يرى انه ينبغي التوجه العملى والتصدى بجانب الإنتاج الفكرى والسياسي لهؤلاء وهذا ما حدث. على أى حال رفاق سابقون فى التنظيم الشيوعى المصرى أسهموا بشكل رئيسى فى تأسيس منظمة 8 يناير.

يتبع


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى