كان من هواة الفلسفة ..و الحياة بالنسبة له هي مجرد نظرية .. لقد بدأ يتفلسف منذ كان طفلا، و يذكر تماما كيف اوجد لنفسه سؤالا شغله طيلة اسبوع كامل، واعتبره مشكلة جديرة بالتفكير العميق : لماذا يلبس الانسان القبعة في رأسه و الحذاء في قدمه ؟ لماذا لا يضع على رأسه حذاء و يلبس قبعة في قدمه؟ .لماذا؟ . و فكر مرة اخرى بسؤال جديد : لماذا لا يسير الانسان على يديه ورجليه شأن سائر الحيوانات .. الا يكون مسيره ذاك مدعاة لراحة اكثر؟
الا ان مستوى فلسفته ارتفع مع مسيرالزمن . و توصل وتوصل مؤخرا الى قرار موجز : "طالما ان الانسان دفع ليعيش دون ان يؤخذ رأيه بذلك، فلماذا لا يختار هو وحده نهايته ". ومن هذا القرار الموجز توصل الى قرار اكثر ايجازا :"الموت هو خلاصة الحياة ".
وهكذا، توصل الى استقرار دعاه بنهاية المطاف .. واخذ ينتظر اللحظة التي يستطيع فيها ان يشرع باختيار طريقة مشرفة لميتة ما..
اذن، فان من يدعي ان عبد الجبار دفع دفعا ليشترك في ثورة ..... لا يعرف الحقيقة مطلقا .. فهو قد اختار بنفسه ان يذهب لمركز التطوع وان يقف امام طاولة الضابط الذي يقول بصوت ثابت:
- اريد بارودة لاستطيع ان اشترك بالثورة ..وسرعان ما اكتشف ان قضية البارودة ليست سهلة بالمرة..وان عليه هو ان يصطاد بارودة ما بالكيفية التي اريد.. ومن ثم يستطيع ان يشترك بالثورة ..
- ولكنني قد اموت قبل ان احصل على بارودة ..هكذا قال خانقا، ولكنه ما لبث ان سكت و هو يسمع جوابا غريبا، ولكنه صحيح تقريبا:
- وهل اتيت الى هنا كي تستمتع بصيفية لطيفة .. ثم لتعود الى دارك ؟
هنا، فكر ان فلسفته تعديلا طفيفا .. اذ انه ربما مات قبل ان يحصل على بارودة، ولم تنقض فترة طويلة جدا كي يتوصل لقرار موجز جديد :"ليس المهم ان يموت الانسان، ان يحقق فكرته النبيلة .. بل المهم ان يجد لنفسه فكرة نبيلة قبل ان يموت .."
وهكذا استطاع عبد الجبار ان يستحصل على بارودة جديدة تقريبا، ولم تكلفه جهدا بالشكل الذي تصور او بالشكل الذي اعد، اذ انه كان يتجول خارج "...." بعد معركة حدثت في الصباح، فوجد جنديا ميتا "والميت لا يحتاج لبارودة "، هكذا قال لنفسه وهو يقلب الجثة عن بارودة فرنسية ذات فوهة مدببة .
وبين رفاق المتراس عرف عبد الجبار "بالفيلسوف"، وجد المناضلون في فلسفته منطقا صالحا لتبرير الامور التي تحدث.. كان معظم الثوار من الشباب، وكان يسره انه يكبرهم قليلا وانه يستطيع ان يجمعهم بعد كل معركة ليدرسهم قراره الموجز الجديد بشأن الموت.وبعد كل قتيل، كانت الفلسفة تتطور و تتغير .. ففي ليلة مظلمة مات فلاح امي.. و قبل ان يسقط فوق التراس شتم "....." ورجال "....." .. وفكر عبد الجبار بكلمة تصلح لتأبين الشهيد، فاذا بالكلمة تصبح قراره الموجز الجديد :"ان الفكرة النبيلة لا تحتاج غالبا للفهم .. بل تحتاج للاحساس!"وبعد ليلة واحدة مات شاب كان قد خرج من المتراس وهجم بالسكين على جندي كان يزحف قرب الجدار، وطلقت النار عليه وهو في طريق عودته الى المتراس .. وقال عبدالجبار"ان الشجاعة هي مقياس الاخلاص.." وكان عبدالجبار بالذات شجاعا .. فلقد طلب منه الضابط، وكان قد توصل اخيرا الى ايجاد بذلة عسكرية ملائمة، ان يذهب للميناء كي يرى ماذا يجرى هناك، وقال له ان منظر وجهه الهادىء الحزين لا يثير الريبة في قلوب الخائفين ..
وسار عبدالجبار في الشوارع بلا سلاح، ووصل للميناء و تجول ما شاء له التجول، ثم قفل عائدا الى متراسه..
ان الامور تجري عكس ما يفترض الرء .. فلقد عرفه واحد ممن اشتركوا مرة في الهجوم .. وفبض عليه .. وساقه الى حيث قال له ضايط خائف بعد ان صفعه:
- انك ثائر...
- نعم ...
- ملعون..
- كلا!
ولم ينس عبد الجبار وهو تحت الضرب الذي لا يرحم ان يضع قرارا موجزا جديدا :" ان ضرب السجين هو تعبير مغرور عن الخوف ..." وشعر اثر ذلك القرار، بشيء من الارتياح ..
ولكن الامور جرت، من ثم، على نحو مغاير .فلقد توصل الضابط اخبرا الى فكرة اعتبرها، بينه وبين اعوانه الخلصين فكرة ذكية .. بينما عدها عبدالجبار تصرفا مغرورا اخر ينتج في العادة عن الخوف ...
قال له الضابط:
- ستسير امامنا الى متراسكم الملعون ... وستعلن لرفاقك المجانين انك احضرت معك عددا جديدا من الثوار... ثم سيكمل جنودي بقية القصة...
- وانا؟
- ستعيش معززا مكرما .. او ستموت كالكلب ان حاولت خيانتنا ..
وقال عبد الجبار في ذات نفسه " ان الخيانة في حد ذاتها ميتة حقيرة ".
وامام صفين من الجنود سار عبدالجبار مرفوع الجبين، وفوهة مدفع رشاش تنخر خاصرته .. وقبل ان يصل الى المتراس بقليل سمع صوت الضابط المبحوح يفح في الظلام:
- هيا..
لم يكن عبد الجبار خائفا اذ ان رفاق التراس قالوا ان صوته كان ثابتا قويا عندما سمعوه يصيح :
- .. لقد احضرت لكم خمسين جنديا
لم يكن عبدالجبار قد مات، بعد، عندما وصل رفاقه اليه ملقى بين جثث الجنود .. وبصعوبة جمة سمع احدهم صوته يملي قراره الموجز الاخير:
" ليس المهم ان يموت احدنا .. المهم ان تستمروا.."
ثم مات.
الا ان مستوى فلسفته ارتفع مع مسيرالزمن . و توصل وتوصل مؤخرا الى قرار موجز : "طالما ان الانسان دفع ليعيش دون ان يؤخذ رأيه بذلك، فلماذا لا يختار هو وحده نهايته ". ومن هذا القرار الموجز توصل الى قرار اكثر ايجازا :"الموت هو خلاصة الحياة ".
وهكذا، توصل الى استقرار دعاه بنهاية المطاف .. واخذ ينتظر اللحظة التي يستطيع فيها ان يشرع باختيار طريقة مشرفة لميتة ما..
اذن، فان من يدعي ان عبد الجبار دفع دفعا ليشترك في ثورة ..... لا يعرف الحقيقة مطلقا .. فهو قد اختار بنفسه ان يذهب لمركز التطوع وان يقف امام طاولة الضابط الذي يقول بصوت ثابت:
- اريد بارودة لاستطيع ان اشترك بالثورة ..وسرعان ما اكتشف ان قضية البارودة ليست سهلة بالمرة..وان عليه هو ان يصطاد بارودة ما بالكيفية التي اريد.. ومن ثم يستطيع ان يشترك بالثورة ..
- ولكنني قد اموت قبل ان احصل على بارودة ..هكذا قال خانقا، ولكنه ما لبث ان سكت و هو يسمع جوابا غريبا، ولكنه صحيح تقريبا:
- وهل اتيت الى هنا كي تستمتع بصيفية لطيفة .. ثم لتعود الى دارك ؟
هنا، فكر ان فلسفته تعديلا طفيفا .. اذ انه ربما مات قبل ان يحصل على بارودة، ولم تنقض فترة طويلة جدا كي يتوصل لقرار موجز جديد :"ليس المهم ان يموت الانسان، ان يحقق فكرته النبيلة .. بل المهم ان يجد لنفسه فكرة نبيلة قبل ان يموت .."
وهكذا استطاع عبد الجبار ان يستحصل على بارودة جديدة تقريبا، ولم تكلفه جهدا بالشكل الذي تصور او بالشكل الذي اعد، اذ انه كان يتجول خارج "...." بعد معركة حدثت في الصباح، فوجد جنديا ميتا "والميت لا يحتاج لبارودة "، هكذا قال لنفسه وهو يقلب الجثة عن بارودة فرنسية ذات فوهة مدببة .
وبين رفاق المتراس عرف عبد الجبار "بالفيلسوف"، وجد المناضلون في فلسفته منطقا صالحا لتبرير الامور التي تحدث.. كان معظم الثوار من الشباب، وكان يسره انه يكبرهم قليلا وانه يستطيع ان يجمعهم بعد كل معركة ليدرسهم قراره الموجز الجديد بشأن الموت.وبعد كل قتيل، كانت الفلسفة تتطور و تتغير .. ففي ليلة مظلمة مات فلاح امي.. و قبل ان يسقط فوق التراس شتم "....." ورجال "....." .. وفكر عبد الجبار بكلمة تصلح لتأبين الشهيد، فاذا بالكلمة تصبح قراره الموجز الجديد :"ان الفكرة النبيلة لا تحتاج غالبا للفهم .. بل تحتاج للاحساس!"وبعد ليلة واحدة مات شاب كان قد خرج من المتراس وهجم بالسكين على جندي كان يزحف قرب الجدار، وطلقت النار عليه وهو في طريق عودته الى المتراس .. وقال عبدالجبار"ان الشجاعة هي مقياس الاخلاص.." وكان عبدالجبار بالذات شجاعا .. فلقد طلب منه الضابط، وكان قد توصل اخيرا الى ايجاد بذلة عسكرية ملائمة، ان يذهب للميناء كي يرى ماذا يجرى هناك، وقال له ان منظر وجهه الهادىء الحزين لا يثير الريبة في قلوب الخائفين ..
وسار عبدالجبار في الشوارع بلا سلاح، ووصل للميناء و تجول ما شاء له التجول، ثم قفل عائدا الى متراسه..
ان الامور تجري عكس ما يفترض الرء .. فلقد عرفه واحد ممن اشتركوا مرة في الهجوم .. وفبض عليه .. وساقه الى حيث قال له ضايط خائف بعد ان صفعه:
- انك ثائر...
- نعم ...
- ملعون..
- كلا!
ولم ينس عبد الجبار وهو تحت الضرب الذي لا يرحم ان يضع قرارا موجزا جديدا :" ان ضرب السجين هو تعبير مغرور عن الخوف ..." وشعر اثر ذلك القرار، بشيء من الارتياح ..
ولكن الامور جرت، من ثم، على نحو مغاير .فلقد توصل الضابط اخبرا الى فكرة اعتبرها، بينه وبين اعوانه الخلصين فكرة ذكية .. بينما عدها عبدالجبار تصرفا مغرورا اخر ينتج في العادة عن الخوف ...
قال له الضابط:
- ستسير امامنا الى متراسكم الملعون ... وستعلن لرفاقك المجانين انك احضرت معك عددا جديدا من الثوار... ثم سيكمل جنودي بقية القصة...
- وانا؟
- ستعيش معززا مكرما .. او ستموت كالكلب ان حاولت خيانتنا ..
وقال عبد الجبار في ذات نفسه " ان الخيانة في حد ذاتها ميتة حقيرة ".
وامام صفين من الجنود سار عبدالجبار مرفوع الجبين، وفوهة مدفع رشاش تنخر خاصرته .. وقبل ان يصل الى المتراس بقليل سمع صوت الضابط المبحوح يفح في الظلام:
- هيا..
لم يكن عبد الجبار خائفا اذ ان رفاق التراس قالوا ان صوته كان ثابتا قويا عندما سمعوه يصيح :
- .. لقد احضرت لكم خمسين جنديا
لم يكن عبدالجبار قد مات، بعد، عندما وصل رفاقه اليه ملقى بين جثث الجنود .. وبصعوبة جمة سمع احدهم صوته يملي قراره الموجز الاخير:
" ليس المهم ان يموت احدنا .. المهم ان تستمروا.."
ثم مات.