المقال رقم (١٧) ضمن سلسلة مقالات (القبح والجمال)..
تأتي هذه المقالة مكملةً للمقال السابق عن السينما المستقلة التي تحدثنا عن بعض ملامحها في مصر عبر عقود لنستكملها بالوضع السينمائي عربياً، ومدى ارتباطه بالتمويل الخارجي في ظل غياب أي اهتمامٍ بها داخلياً عدا عن ضعف الإمكانيات أو توظيفها في غير محلها، وذلك عبر مجموعة من المؤسسات المعتادة أو القنوات التلفزيونية الكبرى التي تقدم (مساهماتٍ) في إنتاج الأعمال السينمائية في مختلف الدول العربية والتي تختلف من عملٍ لآخر، ولكنها تتركز بشكلٍ رئيسي في فرنسا وألمانيا اللتان تتشاركان في ملكية قناة (Arte) للثقافة الأوروبية والتي تشكل أحد الممولين الرئيسيين للأعمال السينمائية في الكثير من الدول العربية، إلى جانب قنوات فرنسية محلية مثل (TV5MONDE,TF1,Canal +,RTBF) وقنوات ألمانية مثل (ARD,ZDF) والتي يمكن ملاحظة أسمائها بكل سهولة في مقدمة أغلب الأفلام الممولة على امتداد بلادنا، دون أن ننسى قناة (Rai) الإيطالية كشريك أساسي إلى جانب العديد من الأسماء الموجودة من دول مثل سويسرا وهولندا وكندا لكن مع حضورٍ أقل، فهذه القنوات لا تقدم (جزءاً) من تمويل المشاريع الفنية إلا بعد دراسة مستفيضة للعمل وتوافقه مع أجندتها التي ترغب في تمريرها، وقد كانت هذه هي إجابة الكثير من الممثلين والمخرجين وكتاب السيناريو الذين طرقوا أبواب هذه المؤسسات بحثاً عن دعم، ولتكن البداية من فلسطين..
ففلسطين بلد كأي بلدٍ آخر يزخر بالمواهب والمثقفين في كل المجالات والذين تعرضوا للتمييز ولم يحظوا بفرصةٍ تليق بموهبتهم إلا في الأردن وسوريا وتونس حيث كان الممثل أو صاحب الموهبة والأنسب للدور هو من يأخذه بغض النظر عن جنسيته، والكثير يعرف ذلك عن التجربة الفنية الفلسطينية في الأردن وسوريا لكن تجربة الفنانين الفلسطينيين في تونس لم تحظى بتسليط الضوء عليها كما ينبغي، فكان الأنسب أيضاً هو من يأخذ الدور وليس مجرد كونه تونسياً (رغم قلة الأعمال السينمائية)، وكان الممثلون يخضعون لدروس وتدريب على اللهجة التونسية ويقومون بتقديم العمل وهو ما أهل العديد منهم إلى الإنطلاق إلى أوروبا وبالأخص فرنسا عبر تونس، ولكل اسمٍ تجربته التي قدمها سواءاً اتفقنا معها أم اختلفنا للكثير من الإعتبارات التي سنذكرها لاحقاً والتي أهلت العديد من الأسماء الفلسطينية للعودة وترشيحهم من جديد في أعمال مغربية وجزائرية بعد التدرب على اللهجة أيضاً، لكن طريق الفنانين الفلسطينيين لم يكن مفروشاً بالورود فقد اضطر صناع الكثير من الأفلام الفلسطينية (الممولة غربياً) لتقديم (سيناريوهات ناعمة) قد تتطرق إلى الإحتلال الصهيوني وصعوبة العيش بسببه لكنها لا تدينه بشكلٍ مباشر ولا تتطرق إلى الحديث عن واقع الشهداء واستهدافهم، بل تجنح إلى التركيز على مشكلات الحياة اليومية واللعب بشكل خفي ومنمق على الإختلافات الفكرية والدينية، دون أن ننسى محاولات فرض التعامل مع (فنانين إسرائيليين) من خلال فرض وجود فنيين أو عمال إسرائيليين أو حتى تنفيذ موسيقى الفيلم مع عازفين إسرائيليين لتحقيق التطبيع الفني، ولتكون النتيجة صورةً هجينة تبدو فلسطينية لكنها وبكل صدق بلا هوية (وهنا لا نشمل كل التجارب الفلسطينية بل الممولة غربياً)، لأنها لا تشبه الحياة التي يعيشها الشعب الفلسطيني ولا تتطرق إلى جرائم الإحتلال ولا تمثل مختلف فئات الشعب كما أنها تتحرك في مساحة ضيقة جداً من الحرية، عدا عن اقحامها لعبارات وأسئلة وأفكار ضمن الحوار وتقديم مشاهد غير بريئة أو موظفة ضمن سياق الفيلم وتبدو بشكل واضح جداً حتى لمن لا يملك أي خلفية عن السينما أنها للتسويق الخارجي، إضافةً إلى فصل المجتمعات الإسلامية عن المسيحية في هذه الأعمال كجزءٍ من العزل الوجداني بين أهالي الضفة الغربية وقطاع غزة المحاصر والداخل الفلسطيني المحتل بشكلٍ دائم ومشبوه، لذا لا يمكننا التعويل على هذه الأعمال في عكس الواقع الفلسطيني كونها تخضع لمعايير الغرب وإن كانت تخرج بأفضل صورة ممكنة من الناحية الفنية، وكون هذه القنوات مولت مراراً أفلاماً تزور التاريخ الفلسطيني لصالح الرواية الصهيونية بل وأوجدتها في أحد الوثائقيات قبل وجودها بخمس سنوات عبر عمل لمخرج ألماني إسرائيلي أنتجته قناة (Arte) الشهيرة عن الوضع في لبنان..
وبالإنتقال إلى الأفلام اللبنانية (الممولة غربياً) من نفس المؤسسات نجد محاولات اجترار ميراث الحرب الأهلية اللبنانية وإظهار لبنان بشكل سلبي كبلد غير آمن على الدوام بصورة خبيثة، ومحاولة تنميط الشخصيات حسب طائفتها وبأسلوب يثير الحساسيات بينها مع تكرار العبارات التي تدعو إلى اليأس من الحال العام وسط حالة من الضياع والفوضى في العلاقات الجنسية وارتياد الملاهي الليلية، وتقديم جرعة من المشاهد الحميمة بشكل مجاني (وهي صفة تشترك فيها معظم الأفلام الممولة غربياً في أي بلد عربي) كجزء من الصورة التي (تحاول) تكريسها عن لبنان والشعب اللبناني دون وجود أي نموذج إيجابي على الدوام، وكأنها بمثابة أوراق اعتماد لدى الغرب من المشاركين في هذه الأفلام وهو مالا يحدث، حيث تعرض هذه الأعمال مرة أو بضع مرات عبر الشاشات التي مولتها لكنها لا تذاع محلياً ولم يسمع بها الكثير من اللبنانيين، لتبدو الكثير من الأعمال اللبنانية محلية الإنتاج أفضل وأعلى في القيمة والمضمون والأداء من تلك التي تم تمويلها أوروبياً بحيث تشبه البيئة اللبنانية وتقدمها بصدق بعيداً عن (ضخ) صورة سلبية ومشوهة عن لبنان دائماً وبشكل يتعمد استغلال أزماته..
أما بالنسبة للحديث عن السينما السورية (الممولة غربياً) فنجد أن أغلب التجارب تاجرت بمحنتهم، والغريب في بعض الأفلام التي تتحدث عن سوريا هو خلوها من أي ممثل سوري والإستعانة بممثلين من جنسيات مختلفة لا يتقنون اللهجة السورية، لتخرج بمحتوى هزيل استخدم الوجع الإنساني لتحقيق مكاسب رخيصة والنتيجة هي أن الأعمال تشبه مموليها وصناعها ولا تشبه سوريا في شيء..
وبالحديث عن هذه التجارب السينمائية في الدول المغاربية نلحظ الحضور البارز للسينما التونسية والتي يسبب فيها التمويل الغربي الكثير من الجدل بين المخرجين والكتاب والممثلين بسبب شروطه وطبيعة الأعمال التي يدعمها والجرأة المبالغ فيها على صعيد المشاهد والموضوعات والحوارات، والتي قدمها أيضاً ممثلون من فلسطين وسوريا ولبنان والمغرب والجزائر ومصر ولم تكن حكراً على الممثلين التوانسة، وهي أيضاً حديث المواطن التونسي العادي الذي يدرك ذلك ويختار بنفسه متابعة بعض الأعمال أو مقاطعتها، وقد تكون النقطة الإيجابية التي تحسب للفن التونسي والمغاربي عموماً حرصه على تقديم الكثير من الفلكلور المحلي والتعريف به وبالتقاليد والعادات الشعبية والتصوير داخل البيوت والمباني ذات الطابع التراثي والتي كانت تعريفاً هاماً بثقافة البلاد المغاربية، عدا عن نقاشها لأزمات البطالة وسعي الشباب إلى الهجرة ومعاناتهم مع التجار الذين لا يهمهم سوى المال وتهريب أكبر عدد ممكن من المهاجرين الغير شرعيين عبر السواحل الأوروبية، لكن كالعادة تقع السينما التونسية (الممولة غربياً) مثل بقية التجارب العربية في نفس التكرار والتنميط للشخصية المتدينة وبشكل (أكثر ضراوة) من الأعمال في دول المشرق العربي، حيث تغيب الكثير من الشخصيات الوسطية العادية التي تمارس ثقافتها وتدينها في هدوء وكأن أي عمل لن يكتمل بدون وجود هذه الشخصيات (الأساسية في كل عمل)، وهو ما يجعل الكثير من الفئات الكادحة والمتعلمة تشعر بأن السينما والفنون من جديد موجهة لطبقات متحررة تعيش نمط حياة غربي فرانكفوني لا يشبه واقع الشعب، ويريد توجيهه فكرياً ليكون مثله دون أن يكون هناك متسع لتمثيل كافة الفئات ودون أن يشملهم مفهوم (تقبل الآخر)، وهو ما يعزز الإنقسام داخل المجتمعات بسبب شعور العديد من الفئات بالإقصاء والتهميش وتقديمها دوماً بصورة سلبية قد تقود لصراعات لا تحمد عقباها، من خلال مشهد (تم تغذيته غربياً) لعقود بوسائل متعددة وأحدها هذه الأفلام ذات الأجندة غير الوطنية، وبرغم جودة العديد من الأفلام في السينما التونسية لكننا نتسائل عن استخدام العديد منها لمفهوم (الحرية) لتمرير مفاهيم كالخيانة الزوجية وزنى المحارم وإيجاد مبررات لها والتعاطف مع من يقومون بها والتعاطي معها كأمر عادي، فهل هذا جزء من (الصفقة الفنية التنويرية) خاصةً مع تكرار هذه النماذج في أغلب الأعمال الممولة التي لا ترى في الحرية سوى الجسد بعيداً عن العقل؟
أما بالنسبة للسينما المغربية (الممولة غربياً) فتعاني من نفس المشكلات السابقة مع ملاحظة تعمد إظهار صورة سلبية عن المجتمع المغربي، وهنا لا نقول أن المغرب أو أي بلد يخلو من المشاكل لكن إصرار الجهات الممولة على تقديم شكل لا يتغير لأي مجتمع هو محل استهجان ويطرح الكثير من علامات الإستفهام عن تمويله لهذه الأعمال التي تطوف حول الجنس بشكل مستميت وتدفع من مالها لتغيير وجه مجتمعات أخرى، أما في السينما الجزائرية فلا زالت بصمات فترة الإحتلال الفرنسي للجزائر والعشرية السوداء تسيطر على المشهد والذي يظل أكثر تحفظاً من بقية التجارب العربية بإستثناء الأعمال التي تم تصويرها خارج الجزائر مع وجود أسماء راقية لكنها لم تأخذ حقها..
وبنظرة خاطفة على أغلب التجارب السينمائية العربية (الممولة غربياً) نجد أننا مجرد متفرجين، وأن الكثير من هذه الأعمال تساهم في تكريس صورة سلبية لمجتمعاتنا ولا تحل قضايانا وتهمش الكثير من الفئات لصالح أخرى، وتقدم تمويلها وفكرها في إتجاه ٍ واحد همه تقسيم المجتمع واحباطه، وجعل الجنس محور حياته ومفهومه الوحيد للحرية وربطه دائما بحلم الهجرة والنموذج الأوروبي وإبعاده عن أي فكرة جادة وهامة قد تساهم في تنوير عقله فعلاً وتقدم فناً جيداً وحقيقياً، لأنها في الواقع تخدم أفكارهم بألسنتنا..
خالد جهاد..
تأتي هذه المقالة مكملةً للمقال السابق عن السينما المستقلة التي تحدثنا عن بعض ملامحها في مصر عبر عقود لنستكملها بالوضع السينمائي عربياً، ومدى ارتباطه بالتمويل الخارجي في ظل غياب أي اهتمامٍ بها داخلياً عدا عن ضعف الإمكانيات أو توظيفها في غير محلها، وذلك عبر مجموعة من المؤسسات المعتادة أو القنوات التلفزيونية الكبرى التي تقدم (مساهماتٍ) في إنتاج الأعمال السينمائية في مختلف الدول العربية والتي تختلف من عملٍ لآخر، ولكنها تتركز بشكلٍ رئيسي في فرنسا وألمانيا اللتان تتشاركان في ملكية قناة (Arte) للثقافة الأوروبية والتي تشكل أحد الممولين الرئيسيين للأعمال السينمائية في الكثير من الدول العربية، إلى جانب قنوات فرنسية محلية مثل (TV5MONDE,TF1,Canal +,RTBF) وقنوات ألمانية مثل (ARD,ZDF) والتي يمكن ملاحظة أسمائها بكل سهولة في مقدمة أغلب الأفلام الممولة على امتداد بلادنا، دون أن ننسى قناة (Rai) الإيطالية كشريك أساسي إلى جانب العديد من الأسماء الموجودة من دول مثل سويسرا وهولندا وكندا لكن مع حضورٍ أقل، فهذه القنوات لا تقدم (جزءاً) من تمويل المشاريع الفنية إلا بعد دراسة مستفيضة للعمل وتوافقه مع أجندتها التي ترغب في تمريرها، وقد كانت هذه هي إجابة الكثير من الممثلين والمخرجين وكتاب السيناريو الذين طرقوا أبواب هذه المؤسسات بحثاً عن دعم، ولتكن البداية من فلسطين..
ففلسطين بلد كأي بلدٍ آخر يزخر بالمواهب والمثقفين في كل المجالات والذين تعرضوا للتمييز ولم يحظوا بفرصةٍ تليق بموهبتهم إلا في الأردن وسوريا وتونس حيث كان الممثل أو صاحب الموهبة والأنسب للدور هو من يأخذه بغض النظر عن جنسيته، والكثير يعرف ذلك عن التجربة الفنية الفلسطينية في الأردن وسوريا لكن تجربة الفنانين الفلسطينيين في تونس لم تحظى بتسليط الضوء عليها كما ينبغي، فكان الأنسب أيضاً هو من يأخذ الدور وليس مجرد كونه تونسياً (رغم قلة الأعمال السينمائية)، وكان الممثلون يخضعون لدروس وتدريب على اللهجة التونسية ويقومون بتقديم العمل وهو ما أهل العديد منهم إلى الإنطلاق إلى أوروبا وبالأخص فرنسا عبر تونس، ولكل اسمٍ تجربته التي قدمها سواءاً اتفقنا معها أم اختلفنا للكثير من الإعتبارات التي سنذكرها لاحقاً والتي أهلت العديد من الأسماء الفلسطينية للعودة وترشيحهم من جديد في أعمال مغربية وجزائرية بعد التدرب على اللهجة أيضاً، لكن طريق الفنانين الفلسطينيين لم يكن مفروشاً بالورود فقد اضطر صناع الكثير من الأفلام الفلسطينية (الممولة غربياً) لتقديم (سيناريوهات ناعمة) قد تتطرق إلى الإحتلال الصهيوني وصعوبة العيش بسببه لكنها لا تدينه بشكلٍ مباشر ولا تتطرق إلى الحديث عن واقع الشهداء واستهدافهم، بل تجنح إلى التركيز على مشكلات الحياة اليومية واللعب بشكل خفي ومنمق على الإختلافات الفكرية والدينية، دون أن ننسى محاولات فرض التعامل مع (فنانين إسرائيليين) من خلال فرض وجود فنيين أو عمال إسرائيليين أو حتى تنفيذ موسيقى الفيلم مع عازفين إسرائيليين لتحقيق التطبيع الفني، ولتكون النتيجة صورةً هجينة تبدو فلسطينية لكنها وبكل صدق بلا هوية (وهنا لا نشمل كل التجارب الفلسطينية بل الممولة غربياً)، لأنها لا تشبه الحياة التي يعيشها الشعب الفلسطيني ولا تتطرق إلى جرائم الإحتلال ولا تمثل مختلف فئات الشعب كما أنها تتحرك في مساحة ضيقة جداً من الحرية، عدا عن اقحامها لعبارات وأسئلة وأفكار ضمن الحوار وتقديم مشاهد غير بريئة أو موظفة ضمن سياق الفيلم وتبدو بشكل واضح جداً حتى لمن لا يملك أي خلفية عن السينما أنها للتسويق الخارجي، إضافةً إلى فصل المجتمعات الإسلامية عن المسيحية في هذه الأعمال كجزءٍ من العزل الوجداني بين أهالي الضفة الغربية وقطاع غزة المحاصر والداخل الفلسطيني المحتل بشكلٍ دائم ومشبوه، لذا لا يمكننا التعويل على هذه الأعمال في عكس الواقع الفلسطيني كونها تخضع لمعايير الغرب وإن كانت تخرج بأفضل صورة ممكنة من الناحية الفنية، وكون هذه القنوات مولت مراراً أفلاماً تزور التاريخ الفلسطيني لصالح الرواية الصهيونية بل وأوجدتها في أحد الوثائقيات قبل وجودها بخمس سنوات عبر عمل لمخرج ألماني إسرائيلي أنتجته قناة (Arte) الشهيرة عن الوضع في لبنان..
وبالإنتقال إلى الأفلام اللبنانية (الممولة غربياً) من نفس المؤسسات نجد محاولات اجترار ميراث الحرب الأهلية اللبنانية وإظهار لبنان بشكل سلبي كبلد غير آمن على الدوام بصورة خبيثة، ومحاولة تنميط الشخصيات حسب طائفتها وبأسلوب يثير الحساسيات بينها مع تكرار العبارات التي تدعو إلى اليأس من الحال العام وسط حالة من الضياع والفوضى في العلاقات الجنسية وارتياد الملاهي الليلية، وتقديم جرعة من المشاهد الحميمة بشكل مجاني (وهي صفة تشترك فيها معظم الأفلام الممولة غربياً في أي بلد عربي) كجزء من الصورة التي (تحاول) تكريسها عن لبنان والشعب اللبناني دون وجود أي نموذج إيجابي على الدوام، وكأنها بمثابة أوراق اعتماد لدى الغرب من المشاركين في هذه الأفلام وهو مالا يحدث، حيث تعرض هذه الأعمال مرة أو بضع مرات عبر الشاشات التي مولتها لكنها لا تذاع محلياً ولم يسمع بها الكثير من اللبنانيين، لتبدو الكثير من الأعمال اللبنانية محلية الإنتاج أفضل وأعلى في القيمة والمضمون والأداء من تلك التي تم تمويلها أوروبياً بحيث تشبه البيئة اللبنانية وتقدمها بصدق بعيداً عن (ضخ) صورة سلبية ومشوهة عن لبنان دائماً وبشكل يتعمد استغلال أزماته..
أما بالنسبة للحديث عن السينما السورية (الممولة غربياً) فنجد أن أغلب التجارب تاجرت بمحنتهم، والغريب في بعض الأفلام التي تتحدث عن سوريا هو خلوها من أي ممثل سوري والإستعانة بممثلين من جنسيات مختلفة لا يتقنون اللهجة السورية، لتخرج بمحتوى هزيل استخدم الوجع الإنساني لتحقيق مكاسب رخيصة والنتيجة هي أن الأعمال تشبه مموليها وصناعها ولا تشبه سوريا في شيء..
وبالحديث عن هذه التجارب السينمائية في الدول المغاربية نلحظ الحضور البارز للسينما التونسية والتي يسبب فيها التمويل الغربي الكثير من الجدل بين المخرجين والكتاب والممثلين بسبب شروطه وطبيعة الأعمال التي يدعمها والجرأة المبالغ فيها على صعيد المشاهد والموضوعات والحوارات، والتي قدمها أيضاً ممثلون من فلسطين وسوريا ولبنان والمغرب والجزائر ومصر ولم تكن حكراً على الممثلين التوانسة، وهي أيضاً حديث المواطن التونسي العادي الذي يدرك ذلك ويختار بنفسه متابعة بعض الأعمال أو مقاطعتها، وقد تكون النقطة الإيجابية التي تحسب للفن التونسي والمغاربي عموماً حرصه على تقديم الكثير من الفلكلور المحلي والتعريف به وبالتقاليد والعادات الشعبية والتصوير داخل البيوت والمباني ذات الطابع التراثي والتي كانت تعريفاً هاماً بثقافة البلاد المغاربية، عدا عن نقاشها لأزمات البطالة وسعي الشباب إلى الهجرة ومعاناتهم مع التجار الذين لا يهمهم سوى المال وتهريب أكبر عدد ممكن من المهاجرين الغير شرعيين عبر السواحل الأوروبية، لكن كالعادة تقع السينما التونسية (الممولة غربياً) مثل بقية التجارب العربية في نفس التكرار والتنميط للشخصية المتدينة وبشكل (أكثر ضراوة) من الأعمال في دول المشرق العربي، حيث تغيب الكثير من الشخصيات الوسطية العادية التي تمارس ثقافتها وتدينها في هدوء وكأن أي عمل لن يكتمل بدون وجود هذه الشخصيات (الأساسية في كل عمل)، وهو ما يجعل الكثير من الفئات الكادحة والمتعلمة تشعر بأن السينما والفنون من جديد موجهة لطبقات متحررة تعيش نمط حياة غربي فرانكفوني لا يشبه واقع الشعب، ويريد توجيهه فكرياً ليكون مثله دون أن يكون هناك متسع لتمثيل كافة الفئات ودون أن يشملهم مفهوم (تقبل الآخر)، وهو ما يعزز الإنقسام داخل المجتمعات بسبب شعور العديد من الفئات بالإقصاء والتهميش وتقديمها دوماً بصورة سلبية قد تقود لصراعات لا تحمد عقباها، من خلال مشهد (تم تغذيته غربياً) لعقود بوسائل متعددة وأحدها هذه الأفلام ذات الأجندة غير الوطنية، وبرغم جودة العديد من الأفلام في السينما التونسية لكننا نتسائل عن استخدام العديد منها لمفهوم (الحرية) لتمرير مفاهيم كالخيانة الزوجية وزنى المحارم وإيجاد مبررات لها والتعاطف مع من يقومون بها والتعاطي معها كأمر عادي، فهل هذا جزء من (الصفقة الفنية التنويرية) خاصةً مع تكرار هذه النماذج في أغلب الأعمال الممولة التي لا ترى في الحرية سوى الجسد بعيداً عن العقل؟
أما بالنسبة للسينما المغربية (الممولة غربياً) فتعاني من نفس المشكلات السابقة مع ملاحظة تعمد إظهار صورة سلبية عن المجتمع المغربي، وهنا لا نقول أن المغرب أو أي بلد يخلو من المشاكل لكن إصرار الجهات الممولة على تقديم شكل لا يتغير لأي مجتمع هو محل استهجان ويطرح الكثير من علامات الإستفهام عن تمويله لهذه الأعمال التي تطوف حول الجنس بشكل مستميت وتدفع من مالها لتغيير وجه مجتمعات أخرى، أما في السينما الجزائرية فلا زالت بصمات فترة الإحتلال الفرنسي للجزائر والعشرية السوداء تسيطر على المشهد والذي يظل أكثر تحفظاً من بقية التجارب العربية بإستثناء الأعمال التي تم تصويرها خارج الجزائر مع وجود أسماء راقية لكنها لم تأخذ حقها..
وبنظرة خاطفة على أغلب التجارب السينمائية العربية (الممولة غربياً) نجد أننا مجرد متفرجين، وأن الكثير من هذه الأعمال تساهم في تكريس صورة سلبية لمجتمعاتنا ولا تحل قضايانا وتهمش الكثير من الفئات لصالح أخرى، وتقدم تمويلها وفكرها في إتجاه ٍ واحد همه تقسيم المجتمع واحباطه، وجعل الجنس محور حياته ومفهومه الوحيد للحرية وربطه دائما بحلم الهجرة والنموذج الأوروبي وإبعاده عن أي فكرة جادة وهامة قد تساهم في تنوير عقله فعلاً وتقدم فناً جيداً وحقيقياً، لأنها في الواقع تخدم أفكارهم بألسنتنا..
خالد جهاد..