د. خالد محمد عبدالغني - الراوي في روايات نجيب محفوظ كما يتجلى في أعمال السيد فضل (1 من 2)

لم يكن العلامة الجليل السيد فضل (1948 – 2022) أكاديميا يعلم طلابه وتلاميذه بقاعات الدرس بالجامعة المصرية والأمريكية بالقاهرة، ولا الجامعات السعودية ويشرف على اطروحاتهم العلمية ويناقشها, ولا موظفا حكوميا كبيرا بالجامعة، ولا عضوا بالعديد من المؤسسات الثقافية والأدبية، ولا مشاركا ورئيسا لعشرات المؤتمرات الثقافية والادبية والجوائز الكبرى في مصر وغيرها أيضا ، ولكنه كان ناقدا كبيرا كتب معايشا الواقع الأدبي وأنشطته الثقافية وله في هذا عشرات المشاركات المنشورة كذلك وهذا هو موضوع اهتمامنا الحالي المتعلق بأعماله النقدية حول نجيب محفوظ.
إلتحقت بقسم علم النفس بكلية الاداب ببنها في العام الدراسي ( 1988 – 1989 ) وكان أد. السيد فضل حينها عائدا لتوه من عمله بجامعة أم القري بمكة المكرمة وحاصلا على ترقيته لدرجة الأستاذ المساعد للأدب العربي الحديث، فهو قد تخرج عام ( 1971 ) من كلية دار العلوم، والتحق بالخدمة العسكرية وشارك في حرب السادس من أكتوبر ( 1973 )، وحصل على الماجستير عام ( 1979 ) والدكتوراه عام ( 1982 ) من كلية دار العلوم جامعة القاهرة ، وعُين في نفس العام مدرسا بأداب بنها، ثم سافر للعمل بالخليج عدة سنوات، وعاد ليتولى بعد سنوات قليلة رئاسة قسم اللغة العربية في عام 1994 ثم وكيلا وقائما بشئون العمادة ثم عميدا، نلت في عهده درجة الماجستير وكان وكيلا للكلية، والدكتوراه وكان عميدا لها، وعلقت حينها وكان قد وقع على الشهادة بتاريخ الخامس من أكتوبر لأن السادس كان يوم الجمعة فقلت :"لقد حققت انتصارا مثلما حققت مصر نصرها المجيد".
درست على يديه مادة اللغة العربية في الفرقة الرابعة عام ( 1991 -1992 ) وقد قام بتدريس الموضوعات التالية التي كانت عصية على النسيان طوال هذه السنوات وهي " كتاب طوق الحمامة في الألفة والألاف لابن حزم ، والصداقة والصديق لأبي حيان التوحيدي ، ونوادر البخلاء للجاحظ ، وفي الحب لعلي حرب " هي موضوعات كان يهدف من خلالها لبيان ان علم النفس له اصول في التراث العربي، أو على الأقل يوجه الطلاب لأن يهتموا بالأدب والفكر لأن فيهما من التعاليم النفسية الكثير والكثير، ومضت السنة الدراسية والرجل علمنا بالمناقشة والحوار وأحيانا بالقراءة والمطالعة بين يديه حتى يستقيم لساننا وكنت ممن يقرأوا وكان يستحسن قراءتي، حتى كان الامتحان والسؤال عن علاقة علم النفس بالأدب ، فقدمت في الإجابة نموذجا تطبيقيا قمت به لواحدة من شخصيات كتاب البخلاء للجاحظ مكتفيا به للتدليل على تلك العلاقة ، وقد أدرك أستاذنا أن الكتابة لم يكن لها مرجع سابق نقلت عنه بل كانت كتابة ابداعية خالصة ، فاعتبرني صاحب التحليل النفسي لتلك الشخصية ، فكان تقديره له هو "جيد جدا" لأكتشف بعد ثلاثين عاما أن ارهاصات التيار التحليل النفسي الاكلينيكي للأدب قد بدأ مع هذا الامتحان وبرعاية هذا الأستاذ الطلعة صاحب الكشف والنبوءة ، هذا التيار الذي أخلصت له وأكملت دراساته التي تعدت المائة حتى الآن وأصبج له مكانا في الدراسات النفسية للأدب.
ثم كانت مناقشتي لرسالة الدكتوراه بقسم علم النفس في سبتمبر ( 2003 )، وكان من حسناته استقبال لجنة المناقشة ورئيستها اد. مايسة المفتي أستاذ ورئيس قسم علم النفس باداب عين شمس حينها وكانت هذه هي زيارتها الأولى للكلية فكان من حرصه على استقبالها والترحيب بها في مكتبه قبل المناقشة بوقت كاف سمح بتقديم الود والتقدير والضيافة لها ، وما هي إلا شهور قليلة جدا وقبل أن ينتهي العام يتم الإعلان عن مسابقة لتعيين مدرسين مساعدين بقسم علم النفس تخصص القياس النفسي وعلم النفس الإكلينيكي. وتنعقد اللجنة – وكانت مكونة من اساتذة في علم النفس الاجتماعي والطفولة والتحليل النفسي - وتختار اثنين لشغل الوظيفتين، وبحسه النقدي وثقافته الواسعة وعلمه الغزيز وخبراته اللامحدودة قام بمراجعة الإعلان وفحص الرسائل العلمية لمن اختارتهم اللجنة ويلاحظ بدقته المعهودة أن تلك الرسائل لا تتسق مع الإعلان ووظائفه المطلوبة ، فقام بإلغاء المسابقة، هل يمكن أن أدعي إني كنت الأحق بالتعيين في هذه المسابقة ولم تختارني تلك اللجنة لأسباب كثيرة يعلمها استاذنا الجليل. فظل يردد لي دوما :" أنت جدير بمكان في الجامعة وليس كل الذين فيها نالوه بالطرق المشروعة أو يستحقونه".
وتمضى السنوات ليكشف لي عن واقعة مهمة عقب تقدمي لجائزة الدولة التشجيعية بالمجلس الأعلى للثقافة بكتابي "نجيب محفوظ وسردياته العجائبية" وكان رئيسا للجنة وكتب تقريرا طيبا عن الكتاب وكنت أحد ثلاثة تم أخذ التوصيت عليهم ونتيجة لعدم إجماع اللجنة اتخذ قراره بحجب الجائزة عام ( 2012)، وقال :"فهي إما أن تمنح لك أو تحجب ". ومن نافلة القول أن الكتاب كان قد صدر عن لجنة الكتاب الأول بالمجلس الأعلى للثقافة في احتفالية عالمية بمناسبة الذكرى المئوية لميلاد نجيب محفوظ( 2011 ) ، ثم يستمر العلامة السيد فضل في تشجيعه ودعمه لتلميذه عبر السنوات التي تلت واقعة تلك الجائزة السابق ذكرها. وربما كانت الأقدار تخبأ مواقف مشابهة في جائزة معرض الكتاب بالهيئة المصرية العامة للكتاب وتقدمت لها بكتابي "الشخصية المحورية في الرواية العربية من منشورات الهيئة (2018)" ولم يفز الكتاب بالجائزة وجاءت كلمات العلامة الجليل السيد فضل معزية ليقول :"إن الجائزة هذه المرة فاز بها فلان لأغراض سياسية عن كتاب تناول اعمال شاعر مختلف عليه حول قيمته الشعرية وأشياء أخرى".
ولقد كشف لي بمناسبة صدور كتابي "التاريخ والواقع والرمز قراءة في بعض أعمال نجيب محفوظ. عن مؤسسة هنداوي بلندن ( 2021) " عن رغبته في ضم تلك الدراسات التي كتبها عن نجيب محفوظ في مؤلف يجمعها ، وذلك عندما حدثته في أني اريد ضمها لكتاب مشترك بيننا حول نجيب محفوظ بعنوان "أربع روايات وقراءتان" وفكرته أني كتبت عن أربع روايات هي نفسها التي كتب هو عنها بحيث نقدم للمكتبة العربية قرائتين الأولى نقدية أدبية والثانية تحليلية نفسية ، ولكن الظروف الصحية التي عاشها في صمت دون أن يخبرنا بها قد أخرت تنفيذ هذا المقترح وكان الرحيل المفاجئ قد أتى على تنفيذها في حينه. ولكن سيبقى أمل لا يتنهي عندي بتنفيذها وفاء لذكرى أستاذ عظيم وعالم جليل حفظت له أمارات الأستاذية والود والوفاء ، فقد أعلن مرارا عن متابعته لنشاطي العلمي وفخره بابنه وتلميذه وابن بلدياته كما كان يحلو له أن يقول عني .
وفي دراستنا هذه سنكتفي بما كتبه عن عميد الرواية العربية نجيب محفوظ وهو ما أطلق عليه الراوي كما تجلى في قراءات السيد فضل النقدية . وأما تلك الأعمال فهي :
1- سلطــــة الــــــراوى قراءة فى مرايا نجيب محفوظ .
2- الرحيل عن دار الوحى وأمل العودة إليها قراءة فى رحلة ابن فطومة.
3- صوتا الراوي قراءة في الحرافيش لنجيب محفوظ .
4- نبوءة سهم الشعب قراءة في رادوبيس .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى