خالد محمد مندور - الشعر بين الموسيقى والعروض

لقد استوقفني ما كتبه محمد مندور عن الشاعر حسن كامل الصيرفى لسببين ، الأول منهما أن حسن كامل الصيرفى قد ذهب فى غياهب النسيان برغم تقدير مندور الكبير له وبرغم انه كان عضوا فى جماعة أبولو ، والثانى هو رؤية مندور للشعر ، وقد لا يتضح الأمر إلا بقراءة ما كتبه مندور أولا فى كتابة " الشعر المصرى بعد شوقى - جماعة أبولو"
" وأما عن تجديد الصيرفي في موسيقى الشعر وما سماه "خروجا عن الذوق العروضي طوعا للذوق الموسيقي" كعدم التزام القافية الموحدة واصطناع القافية المزدوجة في الكثير من قصائده، وعدم التزام الوحدة العروضية للبيت كما تحجرت في تقاليد الشعر العربي القديم والتحرر في توزيع التفاعيل في وحدات مختلفة الكم دون إخلال بالموسيقى التي فطر عليها الصيرفي، وكانت كما أوضحنا خطوته الأولى للتدريب على نظم الشعر عندما كان في مستهل حياته ينظم الألفاظ في أسماط موسيقية دون أن ينظر إلى معناها أو تركيبها اللغوي - كل هذه التجديدات الموسيقية اعترف لنا الصيرفي بأنه قد استوحى فكرتها من الموشحات الأندلسية التي كان يدمن قراءتها والتأمل فيها وحفظ بعضها منذ شبابه الغض.
والذي لا شك فيه أن حسن كامل الصيرفي قد جدد تجديدا أصيلا في موضوعات الشعر وروحه وموسيقاه ووسائل تعبيره الرمزي، ولكنه لم يقصد هذا التجديد، ولا افتعله، ولا رسم له خطة نظرية أو نقدية، وإنما جاء تجديده وجاءت أصالته من ذلك النوع الذي يدخل تحت عبارة الكاتب الفرنسي الشهير أندريه جيد "إن الأصالة الحقة هي تلك التي تجهل نفسها".
وبالرغم من كل هذا لا يستطيع الناقد المنصف إلا أن يأسف عندما يلاحظ أن هذا الشاعر الكبير قد ظل حتى اليوم مغمورا لا يحتل المكانة الأدبية والاجتماعية التي تليق بشاعريته الفذة، كما يستشعر أسى أشد مضاضة عندما يعلم أن هذا الشاعر الموهوب لم يستطع أن ينشر حتى اليوم غير ديواني "الألحان الضائعة" و"الشروق" بينما لا تزال لديه أربعة دواوين أخرى قيمة تنتظر من ينشرها، وهي كما قلنا "قطرات الندى" و"رجع الصدى" و"حول النور" ثم ديوان "دموع وأزهار" الذي يضم مراثيه لأحبابه وأصدقائه، وقد جاء في هذه المراثي بأروع الشعر وأشده نفاذا إلى القلب، مما يضعه في القمة من شعراء الرثاء في الأدب العربي كله."
وبرغم ذلك فان الصيرفى نجح فى نشرة دواوينه الباقية بعد زمن طويل من وفاة أبى ولكنه لم يصبح جزءا من حركة الشعر الحديث التي تجاوزت انجازاته الباهرة ، ولكن ما كتبه مندور يوضح إلى حد بعيد كيف أصبح مندور مناصرا ومؤيدا كبيرا للشعر الحديث الذي كان يحوله العقاد إلى لجنة النثر للاختصاص عندما كان رئيسا للجنة الشعر بالمجلس الأعلى للآداب !!!
فالصيرفي في ديوان الشروق المنشور 1948 يقول:
عيناك حولتا حياتي جدولا = تهفو إليه حمائم الوديان
تتمايل الأزهار عند ضفافه = متجددات العطر والألوان
وتمر بي النسمات تلثم صفحتي = في مثل همس الوحي في الوجدان
تحنو على الناشرات غصونها = فأقبل الأغصان وهي دوان
عيناك حولتا حياتي جدولا = يجري مع الأيام دون توان

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى