تعرّض الروائي البريطاني الأميركي سلمان رشدي، ذو الأصول الكشميرية مساء يوم الجمعة 12 آب 2022 لاعتداء أثناء استعداده لتقديم محاضرة عن حرية الإبداع، نظمتها مؤسسة "تشوتوكوا في نيويورك؛ إذ هاجمه فتى يدعى هادي مطر، وهو أميركي لبناني الأصل في الرابعة والعشرين، وطعنه عدة طعنات في رقبته وجسده، وأصيب في الكبد، وقُطعت أعصاب في عينه وذراعه.
لا شك في أن سلمان رشدي كان يعلم أن حياته في خطر؛ فسبق أن جرت محاولات لقتله، ولكنها باءت بالفشل. وفي عام 1991، قُتل مترجم روايته "آيات شيطانية"، وهو ياباني ويدعى هيتوشي إيغاراشي. فقد أغضب رشدي كثيرين من أصحاب الديانات الثلاث، خاصة المسلمين، ليس فقط بروايته الشيطانية المسيئة للإسلام والنبي محمد صلى الله عليه وسلم، التي من أجلها أصدر آية الله الخميني فتواه الشهيرة عام 1989 بإهدار دمه بل أيضًا؛ لأنه استمر بتصريحاته الاستفزازية في الصحافة ووسائل الإعلام.
ففي مقابلته عام 2006 مع قناة بي بي إس الأميركية، وصف سلمان رشدي نفسه بـ"الملحد المتشدد"، وبــ "المسلم الساقط"، مع اعترافه بأن الثقافة الإسلامية بالدرجة الأولى هي التي شكلته. وفي مقابلة أخرى قال إنه علماني، لا يؤمن بالإسلام وغيره من الديانات لأنها في نظره شكل من لامعقولية القرون الوسطى، وأن الدين يهدد حرية الناس عندما يقترن بالأسلحة الحديثة تهديدًا حقيقيًا.
وأيد عام 2006 زعيم حزب العمّال البريطاني جاك سترو في انتقاده ارتداء الحجاب، وصرح بأن شقيقاته الثلاث لن يرتدين الحجاب. ثم أعلن دعمه لصحيفة شارلي إيبدو الفرنسية عام 2015 في نشرها الرسوم الكاريكاتيرية المسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، ونقل عنه قوله: إنه يقف مع شارلي إيبدو، ليدافع عن الفن الساخر، الذي هو قوة في وجه الاستبداد والتخلف، وأن الأديان كلها تستحق النقد والسخرية مثل غيرها من الأفكار.
لم يكن رشدي الوحيد ممن تعرضوا للاعتداء عليهم ومحاولة قتلهم بسبب أعمالهم الأدبية وأفكارهم المناهضة للدين؛ فقد قتل عام 1992 الكاتب المصري فرج فودة بعد أن اتهم بأنه "عدو للإسلام" و"مرتد".. ثم تلا ذلك تعرض صاحب نوبل نجيب محفوظ عام 1994 للطعن في رقبته بسبب روايته "أولاد حارتنا" 1959 التي اتهم إثرها بالإساءة للدين. ثم قتل بعده عام 2016 الكاتب ناهض حتر أمام قصر العدل في عمان؛ بتهمة التطاول على الذات الإلهية، والرموز الدينية.
من السخرية أن من قاموا بعمليات القتل والاعتداء كان أغلبهم متوسطي الثقافة وعديمي الفكر، ولم يطلعوا على كتابات من تعرضوا لهم بالأذى حتى يقترفوا جرائمهم. لقد اندفعوا إلى جرائمهم بفعل الكراهية والتضليل الديني. وكان هدفهم وهدف من كان وراءهم قتل الفكر الحر، ومنع انتشاره، وسد الطرق أمام تنوع الأفكار وتعدد الآراء. ولكن هذا الهدف لم يتحقق بل رأينا الناس يقبلون على أعمال هؤلاء الكتاب ورواياتهم، فيزدادون شهرة ومنزلة. كثيرون من الناس لم يكونوا يسمعون بسلمان رشدي ولا بفودة ولا بناهض حتر ولا بنجيب محفوظ. ولكن بعد تلك الجرائم تغيرت النظرة إليهم. فعلى سبيل المثال، لاحظنا بعد حادثة طعن رشدي كثرة البحث عن مؤلفاته حتى إن روايته" آيات شيطانية" موضوع اتهامه بالتهجم على الإسلام ازداد الطلب عليها أكثر من روايته "أطفال منتصف الليل"1981 التي نالت جائزة البوكر، وحولت فيلمًا كتب رشدي السيناريو له عام2012. كما رأينا الصهيوني الفرنسي الفيلسوف برنار هنري ليفي يدعو إلى منحه جائزة نوبل للآداب، وربما يحصل عليها هذا العام 2022.
إننا قد نخالف رشدي وأمثاله من المفكرين والأدباء في آرائهم وتوجهاتهم الفكرية، وطرائقهم في استفزاز مشاعر الناس، لكننا نؤمن بحقهم في الحياة، وحقهم في التعبير عما يريدونه بحرية تامة، ولا يجوز التعرض لهم بسوء. إن الحياة التي منحها الله لهم يجب ألا ينتزعها الآخرون أو أية سلطة، ولم يكلف الله أصحاب العقول الضيقة والمتخلفة بأن يسلبوا إنسانًا ما حياته بسبب رأيه، أو معتقده، أو مخالفته لما هو سائد؛ فإن الأفكار تتغير؛ فما كان باطلًا قد يصبح حقًا، وما كان خرافة قد يكون علمًا. إن قتل الإنسان على رأيه إنما هو نكران لسنة الله في الكون بأنه قائم على الاختلاف والتنوع في كل شيء. إن خير وسيلة لمواجهة الفكر هو الفكر، ومن الأفضل التسامح إزاء الأفكار المتطرفة والكتابات المستفزة.
لكن، في المقابل، يحسن بكل ذي قلم وفكر أن يدرك أن الإنسان غالبًا، خاصة في هذه الأيام لم يعد يحتمل فكرًا غير فكره، ويعتنق رأيًا غير رأيه، ولا يرى توجهًا خيرًا من توجهاته، إنه يريد من الآخر أن ينساق معه، ويؤيده في كل خطوة يخطوها، وأن أي خروج عن ذلك يكلفه غاليًا. إن حرية التعبير لم تعد مقبولة في عالم اليوم مع انتشار الدكتاتوريات والسلطات المهيمنة. ليس للفكر الحر مكان في عالم تتظافر فيه قوة السلطة مع قوة المال، مع قوة الإعلام؛ من أجل السيطرة على العقول، وجرها نحو الخنوع والاستسلام. إن من يتجرأ على هذا التحدي عليه أن يدرك المخاطر التي تتربص به، وأن يتقبل ما سينتهي إليه أمره بشجاعة. هذا ليس دعوة إلى الاستكانة أو الركون إلى الخوف، وعدم قول الحق، والجرأة في المواقف، ولكن دعوة لتهيئة النفس لما يمكن أن يحدث.
وفي حالة رشدي فقد أدانه كثيرون من المفكرين والأدباء؛ حتى إن جون لو كاريه الروائي البريطاني الشهير صرح بأنه لا يحق له إهانة دين عظيم ونشر تلك الإهانة. إنه لم يراع مشاعر المسلمين، ولم يحترم معتقدات الناس ودياناتهم؛ لهذا عليه ألا ينتظر أن تنتهي ملاحقته حتى بعد خروجه من المستشفى؛ ففي هذا الزمن الكتابة المستفزة لا يقابل أصحابها غالبًا بالورود بل بالسكاكين والرصاص.
لا شك في أن سلمان رشدي كان يعلم أن حياته في خطر؛ فسبق أن جرت محاولات لقتله، ولكنها باءت بالفشل. وفي عام 1991، قُتل مترجم روايته "آيات شيطانية"، وهو ياباني ويدعى هيتوشي إيغاراشي. فقد أغضب رشدي كثيرين من أصحاب الديانات الثلاث، خاصة المسلمين، ليس فقط بروايته الشيطانية المسيئة للإسلام والنبي محمد صلى الله عليه وسلم، التي من أجلها أصدر آية الله الخميني فتواه الشهيرة عام 1989 بإهدار دمه بل أيضًا؛ لأنه استمر بتصريحاته الاستفزازية في الصحافة ووسائل الإعلام.
ففي مقابلته عام 2006 مع قناة بي بي إس الأميركية، وصف سلمان رشدي نفسه بـ"الملحد المتشدد"، وبــ "المسلم الساقط"، مع اعترافه بأن الثقافة الإسلامية بالدرجة الأولى هي التي شكلته. وفي مقابلة أخرى قال إنه علماني، لا يؤمن بالإسلام وغيره من الديانات لأنها في نظره شكل من لامعقولية القرون الوسطى، وأن الدين يهدد حرية الناس عندما يقترن بالأسلحة الحديثة تهديدًا حقيقيًا.
وأيد عام 2006 زعيم حزب العمّال البريطاني جاك سترو في انتقاده ارتداء الحجاب، وصرح بأن شقيقاته الثلاث لن يرتدين الحجاب. ثم أعلن دعمه لصحيفة شارلي إيبدو الفرنسية عام 2015 في نشرها الرسوم الكاريكاتيرية المسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، ونقل عنه قوله: إنه يقف مع شارلي إيبدو، ليدافع عن الفن الساخر، الذي هو قوة في وجه الاستبداد والتخلف، وأن الأديان كلها تستحق النقد والسخرية مثل غيرها من الأفكار.
لم يكن رشدي الوحيد ممن تعرضوا للاعتداء عليهم ومحاولة قتلهم بسبب أعمالهم الأدبية وأفكارهم المناهضة للدين؛ فقد قتل عام 1992 الكاتب المصري فرج فودة بعد أن اتهم بأنه "عدو للإسلام" و"مرتد".. ثم تلا ذلك تعرض صاحب نوبل نجيب محفوظ عام 1994 للطعن في رقبته بسبب روايته "أولاد حارتنا" 1959 التي اتهم إثرها بالإساءة للدين. ثم قتل بعده عام 2016 الكاتب ناهض حتر أمام قصر العدل في عمان؛ بتهمة التطاول على الذات الإلهية، والرموز الدينية.
من السخرية أن من قاموا بعمليات القتل والاعتداء كان أغلبهم متوسطي الثقافة وعديمي الفكر، ولم يطلعوا على كتابات من تعرضوا لهم بالأذى حتى يقترفوا جرائمهم. لقد اندفعوا إلى جرائمهم بفعل الكراهية والتضليل الديني. وكان هدفهم وهدف من كان وراءهم قتل الفكر الحر، ومنع انتشاره، وسد الطرق أمام تنوع الأفكار وتعدد الآراء. ولكن هذا الهدف لم يتحقق بل رأينا الناس يقبلون على أعمال هؤلاء الكتاب ورواياتهم، فيزدادون شهرة ومنزلة. كثيرون من الناس لم يكونوا يسمعون بسلمان رشدي ولا بفودة ولا بناهض حتر ولا بنجيب محفوظ. ولكن بعد تلك الجرائم تغيرت النظرة إليهم. فعلى سبيل المثال، لاحظنا بعد حادثة طعن رشدي كثرة البحث عن مؤلفاته حتى إن روايته" آيات شيطانية" موضوع اتهامه بالتهجم على الإسلام ازداد الطلب عليها أكثر من روايته "أطفال منتصف الليل"1981 التي نالت جائزة البوكر، وحولت فيلمًا كتب رشدي السيناريو له عام2012. كما رأينا الصهيوني الفرنسي الفيلسوف برنار هنري ليفي يدعو إلى منحه جائزة نوبل للآداب، وربما يحصل عليها هذا العام 2022.
إننا قد نخالف رشدي وأمثاله من المفكرين والأدباء في آرائهم وتوجهاتهم الفكرية، وطرائقهم في استفزاز مشاعر الناس، لكننا نؤمن بحقهم في الحياة، وحقهم في التعبير عما يريدونه بحرية تامة، ولا يجوز التعرض لهم بسوء. إن الحياة التي منحها الله لهم يجب ألا ينتزعها الآخرون أو أية سلطة، ولم يكلف الله أصحاب العقول الضيقة والمتخلفة بأن يسلبوا إنسانًا ما حياته بسبب رأيه، أو معتقده، أو مخالفته لما هو سائد؛ فإن الأفكار تتغير؛ فما كان باطلًا قد يصبح حقًا، وما كان خرافة قد يكون علمًا. إن قتل الإنسان على رأيه إنما هو نكران لسنة الله في الكون بأنه قائم على الاختلاف والتنوع في كل شيء. إن خير وسيلة لمواجهة الفكر هو الفكر، ومن الأفضل التسامح إزاء الأفكار المتطرفة والكتابات المستفزة.
لكن، في المقابل، يحسن بكل ذي قلم وفكر أن يدرك أن الإنسان غالبًا، خاصة في هذه الأيام لم يعد يحتمل فكرًا غير فكره، ويعتنق رأيًا غير رأيه، ولا يرى توجهًا خيرًا من توجهاته، إنه يريد من الآخر أن ينساق معه، ويؤيده في كل خطوة يخطوها، وأن أي خروج عن ذلك يكلفه غاليًا. إن حرية التعبير لم تعد مقبولة في عالم اليوم مع انتشار الدكتاتوريات والسلطات المهيمنة. ليس للفكر الحر مكان في عالم تتظافر فيه قوة السلطة مع قوة المال، مع قوة الإعلام؛ من أجل السيطرة على العقول، وجرها نحو الخنوع والاستسلام. إن من يتجرأ على هذا التحدي عليه أن يدرك المخاطر التي تتربص به، وأن يتقبل ما سينتهي إليه أمره بشجاعة. هذا ليس دعوة إلى الاستكانة أو الركون إلى الخوف، وعدم قول الحق، والجرأة في المواقف، ولكن دعوة لتهيئة النفس لما يمكن أن يحدث.
وفي حالة رشدي فقد أدانه كثيرون من المفكرين والأدباء؛ حتى إن جون لو كاريه الروائي البريطاني الشهير صرح بأنه لا يحق له إهانة دين عظيم ونشر تلك الإهانة. إنه لم يراع مشاعر المسلمين، ولم يحترم معتقدات الناس ودياناتهم؛ لهذا عليه ألا ينتظر أن تنتهي ملاحقته حتى بعد خروجه من المستشفى؛ ففي هذا الزمن الكتابة المستفزة لا يقابل أصحابها غالبًا بالورود بل بالسكاكين والرصاص.