د. سيد شعبان - نجيب محفوظ أمير الرواية العربية!

كنت فيما سلف من عمري مصدودا عنه ؛ بعض هشاشة في فكري ، لما تمرست بالكتابة وجدته يمتلك سردا رائعا ، لم يكن فقيها ،بل في أحيان كثيرة له زلات عقيدية ، الرجل كان صادقا مع نفسه ،لم يتلون ،بل نقد مجتمعه بما تبسر له ، عالج كل القضايا بنفس ممتلئة وطنية ، قرب الفصحى لعوام الناس ، كتاباته تحمل زادا ثوريا ؛ قلما ينتبه إليه المنظرون ، حتى وجدت استاذي د.الطاهر مكي يقول لي : يا بني الأدب كله أدب ،لبس فيه إسلامي أو غير إسلامي ؛ أتحفظ على رأيه ،فلابد من الفنية والخلقية!
وما أروع كتاب د.محمد حماد : الجملة القرآنية في أدب نجيب محفوظ ، نحن بحاجة إلى العودة لقراءة أعماله ، هيا نقتني رواياته ولنتمتع بها!
أعلم أن البعض سيتهجم علي ؛ يقول ارتد عن بعض فكره، وما العيب؟!
كيف لي أن أترك عالما رحبا من بنية اللغة ودلالتها؟
لقد فعلت الرواية في اللغة ما يقارب ما قدمه الشعر العربي في عصوره الذهبية؟
حين ننفتح على الآخر نجد العوالم رحبة !
التنظير في الأدب كثيرا ما يغبش الرؤية ، لابد أن ننصف الأدب الجيد من نفوسنا!
هل كان سيد قطب حين قدم نجيب محفوظ كان ساذجا؟
الرجل امتلك الموهبة باقتدار ،البعض يقول :"أولاد حارتنا " نعم هي أضعف أعماله ، وما يضره أن تحذف من مجمل أعماله؟
بها مزالق عقيدية ،وتسطيح فكري ، ربما نزق وتجرؤ، كان يجاري موجة الهذيان ، ثم الرجل لم يعد لمثلها ، وهل الإسلام ينهدم بألف منها ؟!
كنت اتمنى أن يشطبها من مؤلفاته ، ولكن هي شاهدة على مرحلة من فكره وربما تفيد في التأريخ لأدبنا العربي!
قدم نجيب محفوظ للغة العربية الزاد الوفير والبناء اللغوي المعجز، يمتلك هندسة الكلمة، كأنما هو مولع بالسرد والصياغة ، خرجت به العربية من ترهل المبنى وتميعه، التزم الفصحى حتى في حوار شخصياته ذوي الخلفيات الفكرية والاجتماعية المتباينة !
الرجل هو الأسلوب ،مقالة تصدق كثيرا عليه ، يبعد عن الإغراب مثلما هو ماهر في الدلالة والجملة لديه مبتكرة ، تستطيع أن تتعرف على جمله حتى ولو عرضت عليك ضمن العديد من النصوص لغيره!
الطبقة الوسطى حاضرة بقوة في سرده البنوي !
ومن الكتابات النقدية الطيبة ما قدمه د.محمود الربيعي : قراءة الرواية ، وكذلك ما فعله د.عبد المحسن طه بدر : تيار الوعي !
كل تناول الرجل وفق منطلقه الفكري!
تستطيع أن تعده إسلاميا ثوريا، أو يساريا فوضويا ، لكنك لن تتجاهله أديبا ملتزما بقضايا أمته !
ربما من يتعجل بلوم الكاتب لم تتح له فرصة قراءة بعض أعماله، لم يضر نجيب محفوظ إلا من المعالجة السينمائية ، السينما بما لها من مؤثرات صوتية وحركية ركزت على لغة الجسد ، ولم تنتبه لما بين السطور ، حتى ظن البعض بالرجل السوء !
هل تستطيع أن تتجاهل نجيب محفوظ وأنت تكتب عن الطبقة الوسطى ؟
أم هل تراك لا تشعر بأنفاس عاشور الناجي والحرافيش وأنت ترصد التجبر في عالمنا المنكود ؟!

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى