خالد جهاد - ظريف الطول.. أيقونة فلسطينية عابرة للأجيال

مما لا شك فيه أن للتراث نكهةً خاصة تميزه عن نمط الحياة العصرية في أي بلدٍ من بلاد العالم، كما أن له أهميةً كبيرة في التعريف بالثقافة المحلية ومكوناتها والتاريخ الخاص بكل بلد، لكنه في الحالة الفلسطينية يكتسب أبعاداً أكثر عمقاً وأهمية كونها تأتي من خصوصية الوضع الذي تعيشه فلسطين تحت نير الإحتلال الصهيوني منذ عقود، حيث لا يقتصر أثر هذا الفلكلور على التعريف بها كوطن بل إنه يؤكد على وجودها واندماجها مع محيطها وتعدديتها وعلاقاتها منذ آلاف السنين مع أعرق الحضارات في البلاد المجاورة لها وحتى مع العديد من الحضارات التي قامت في كبرى الدول، مما يؤدي إلى استدعاء الذاكرة وإثارة التساؤلات وعقد المقارنات بين ما يعرضه الإعلام الغربي أو يطمسه، وبين هذا الإرث الحضاري الذي يبدو متجانساً مع منطقته ويحمل في طياته رواياتٍ مختلفة لقصصٍ إنسانية قررنا نشرها وتعزيزها ودعمها وتقديمها عبر قاطرة الثقافة التي تصل بقوتها حيث لا تصل غيرها من القاطرات، ومن أجمل قصص التراث والفلكلور الفلسطيني المتنوع وأكثرها شعبيةً وتداولاً قصة (ظريف الطول) التي سنبدأ بها، والتي تحولت إلى أغنيةٍ تصاحب المناسبات الوطنية والإجتماعية وحتى الأعراس وحفلات الزفاف وتقول كلماتها..

يا ظريف الطول وقف تقلك..
رايح عالغربة وبلادك احسنلك..
خايف يا ظريف تروح وتتملك..
وتعاشر الغير وتنساني انا..

يا ظريف الطول وين مغرب وين
قولي لمين كتبنا هادا اللحن
والمغترب كيف ما يعود ويحن
إلا ما يسمع منا مجاورنا

يا ظريف الطول الحج يا ظريف
اللي قالوا عنها تريدك نزفت ع الرصيف
بيقولوا دورك يا خيتا عنا خفيف
هدول اللي ما عرفوا تاريخ بلادنا

يا ظريف الطول يا سن الضحوك
يلي رابي في دلال امك وابوك
يا ظريف الطول يوم الي غربوك
شعر راسي شاب والظهر انحنا

يا ظريف الطول وقف تقلك
رايح عالغربة و بلادك أحسنلك
خايف يا ظريف تروح و تتملك
و تعاشر الغير و تنساني أنا

يا ظريف الطول يا سن الضحوك
يلي رابي في دلال امك و ابوك
يا ظريف الطول يوم الغربوك
شعر راسي شاب و الظهر انحنى

يا ظريف الطول وين مهاجر وين
منتمنى من الله ترجع عنا هين
بلكي أنا وياك نطلع عالعين
و نغني عتابا و نصدح ميجانا

يا ظريف الطول وقف تقلك
رايح عالغربة و بلادك أحسنلك
خايف يا ظريف تروح و تتملك
و تعاشر الغير و تنساني أنا


وطبعاً للتوضيح هنا فكلمة (نزفت) وتعني أن الفتاة التي قيل أنها تحبك وتريدك تم زفافها وتزوجت رجلاً غيرك، أما كلمة (خيتا) فتعني الأخت وتأتي بنبرةٍ من الألفة والمودة والحنان في طريقة النداء بين الإخوة، وقد تعددت الروايات عن أصل أو حكاية (ظريف الطول) ومن أين جاءت تسميته وهو ما سترويه السطور القادمة..

فقد ارتبط (ظريف الطول) في الذاكرة الشعبية الفلسطينية بصورة الفلاح الشاب الوسيم الذي امتلك من الذكاء والمروءة والشجاعة ما جعله بطلاً مغواراً يتناقل الناس حكاياته في مواجهة الإحتلال في ثلاثينات القرن الماضي، إلى جانب إضفاء ذلك البعد الإجتماعي والعاطفي على قصته التي جعلتها أكثر قرباً من قلوب الناس ومخيلتهم، عدا عن أن تضارب الأقوال والأخبار حوله زادت من جاذبيته، فقد قيل عنه بأنه رجلٌ كريم كتوم خجول لا يعرف أين ينفق المال الذي جناه من عمله على مدار السنوات، ولذلك أشيع عن نيته الهجرة والسفر بحثاً عن التوسع في رزقه، بينما كان محط أنظار سيدات ونساء القرية اللواتي كن يرغبن في الزواج منه، ليتكشف لاحقاً دعمه لمواجهة الإحتلال البريطاني آنذاك مع عصابات المستوطنين من ماله الخاص دون أن يعرف أحد..


ومما جعل حضوره مستمراً حتى الآن هو تلك الصبغة الأسطورية التي تتحدث عن بسالته في القتال واختفاءه من مكان ليظهر في عدة أماكن أخرى داخل فلسطين كغزة ويافا وحتى خارجها، حيث يقول البعض بأنهم رأوه في القاهرة كما قال آخرون بأنهم لمحوه في بيروت، وهو ما يزيد من جاذبية قصته التي تركت مصيره مفتوحاً كشخصيةٍ عابرة للزمان والمكان وارتبطت بالنضال وقيم الشهامة والنبل التي نفتقدها اليوم، كما جعلت منه رمزاً يختصر العديد من المعاني بين مجابهة العدو وحمله لصفات الرجل المستقيم والمحب لوطنه والتي تكرسه كقيمة أكثر من وجوده الفعلي الذي يظل محل خلاف، ولذا كان تراث الشعوب باقياً وراسخاً ورسولاً لها بين الأمم على مر الزمان بحيث يمضي الأشخاص وتظل حكايتهم مسافرةً عبر الأجيال لا يوقفها شيء..


خالد جهاد..

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى