د. محمد عبدالله القواسمة - نجيب محفوظ والقضية الفلسطينية الحقيقة 2/3

2/3

لا شك في أننا نستطيع أن نجد المسوغات الحقيقية لعدم تناول محفوظ القضية الفلسطينية مباشرة في أعماله الأدبية في رواياته وآرائه السياسية والفكرية، فرواياته تتركز كلها حول كلمة جوهرية عنوانها مصر، لا شيء غير مصر أم الدنيا؛ فلا غرابة أن يدير ظهره لفلسطين وغيرها من بلاد العالم؛ فمصر هي المهمة في رواياته حتى رواياته التاريخية الثلاث مشدودة إلى مصر وإلى الحارة المصرية، ويتخذها قناعًا للحديث عن الواقع المصري. وهو عندما يتناول مصر وقضايا إنسانها ومشاكله إنما يعبر من خلال ذلك عن رؤيته للعالم. لقد ذكر صراحة في لقائه التلفزيوني مع فاروق شوشة بأن الحارة المصرية هي كالخلية التي تعكس الجسم، ويصل بها إلى العالم كله.

لعل من مظاهر تعلق نجيب محفوظ بمصر أنه لم يفارقها لاستلام جائزة نوبل، وكلف ابنتيه فاطمة وأم كلثوم بذلك. إنه لم يغادر مصر إلا مرات معدودة، فذهب إلى اليمن ويوغوسلافيا في خمسينيات القرن الماضي ضمن وفد من الكتاب المصريين، وجاء لندن عام 1989 لإجراء عملية جراحية في القلب.

ويبدو موقف نجيب محفوظ من الصراع العربي الصهيوني واضحًا؛ فكان يرحب بالسلام قبل زيارة السادات للقدس عام 1977م حتى لو كان السلام بالتنازل عن جزء من الأرض العربية. هذا ما صرح به إلى صحيفة القبس الكويتية (7 كانون الثاني 1976):" إنني أريد السلام وأقبله حتى لو اقتضانا هذا التنازل عن جزء من الأرض، فالأرض لا قيمة لها في ذاتها، الأهم هو الهدف، ويجب أن يكون هدفنا هو بناء الحضارة، نحن نضحي بالإنسان وندفعه إلى الحروب ليقتل من أجل الهدف، فلماذا لا نضحي بالأرض إذا كانت هذه التضحية ضرورية لتحقيق الهدف الأكبر، وهو السلام من أجل بناء الحضارة".

أي أرض هي التي يتنازل عنها محفوظ من أجل هذا السلام المزعوم غير الأرض الفلسطينية؟ كما اتضح فيما بعد.

ورأيناه من منطلق السلام الذي يدعو إليه يوجه رسالة عام 1978 إلى الناقد ساسون سومخ يشكره؛ لأنه كان برواياته المترجمة إلى العبرية الجسر الرابط بين الأدب العربي والأدب العبري. وساسون هذا الذي يعده محفوظ مثله الأعلى إسرائيلي من أصل عراقي. كانت أطروحته للدكتوراه التي قدمها في جامعة أكسفورد حول قصص نجيب محفوظ. يقول في رسالته إلى سومخ: "كتابك عني يعتبر عملًا نقديًا عميقًا وعامًا وشاملًا، ويعتبر من أفضل ما كتب عني، إن لم يكن أفضلها جميعًا. طبيعي أنني لمست فيه حبك للأدب العربي ولاجتهاداتي فيه، لا تحرياتك عن عقلية عدو، بل إن دراستك كانت غنية في المقام الأول وإنسانية بالمعنى الشامل والدقيق…"

من الواضح أن المواقف السياسية والأدبية لمحفوظ تنطلق من فكره الرافض للحروب وإراقة الدماء، وتنبني على دعوته إلى حل الصراعات بين الدول حتى في حالات الاحتلال والاستعمار عن طريق التفاوض، يظهر هذا في موقفه من الاستعمار البريطاني على مصر حين دعا إلى التفاوض مع البريطانيين من أجل حصول مصر على استقلالها، وامتدادًا بذلك دعا إلى المفاوضات بين إسرائيل ومصر منذ زمن عبد الناصر، ثم كان تأييده القوي للرئيس السادات في الذهاب إلى القدس واتفاقات كامب ديفيد، التي أُعلن فيها السادات السلام مع العدو الصهيوني. وقد جسد الفكرة روائيًا في روايته التاريخية "كفاح طيبة" حين نجح فرعون مصر أحمس الأول في طرد الهكسوس من مصر بعد التفاوض معهم.

لكن ماذا عن رواية" الحب تحت المطر" التي ذُكرت فيها القضية الفلسطينية؟

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى