عصري فياض - حسين الشيخ وحسني مبارك.. ودعوات التهدئة

في بداية انتفاضة الحجارة في العام 1988،خرج الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك حينها بدعوة لوقف الانتفاضة الفلسطينية لمدة ستة اشهر،طبعا بهدف تخفيف الازمة التي وقعت فيها اسرائيل والتي تفاجأت بالانتفاضة الشعبية وزخمها وامتدادها،كونه عرّاب الحلول " السلمية " وراعيها ، والرافض لأي عنف في الصراع العربي الاسرائيلي بعد أن وقعت مصر اتفاقية كامب ديفيد واتفاقية السلام مع اسرائيل، طبعا لم تلقى دعوة مبارك ايّ تجاوب حينها.
اليوم،وبعد نحو ثلاثين عاما من توقيع اتفاقية اوسلو،والغرق في بحر مفاوضاتها الطويل الفاشل والخروج منه بخفيّ حنين،وإنجراف المجتمع " الاسرائيلي" نحو اليمينية،وبعد أن تجاهلت الحكومات الاسرائيلية المتطرفة والمتعاقبة حتى لقاء الجانب الفلسطيني الرسمي والحديث معه عن أي مفاوضات سياسية،وبعد أم ملَّ الشباب الفلسطيني دوامة الاقتحامات الاحتلالية للمدن والقرى والمخيمات الفلسطينية،وتنامت لدى جيل الشباب الرغبة في رفض استمرار هذا الصلف والعنجهية والبطش والممارسات المهينة،وعبر ويعبر عن رفضه لها بشتى الوسائل ومنها ما ملكت ايمانهم من قوة، وزيادة البطش والتنكيل مؤخرا،واعطاء الاوامر العسكرية بزيادة الاقتحامات والإجراءات التعسفية من قتل وجرح واعتقال وهدم ومصادرة،خرج علينا حسين الشيخ امين سر منظمة التحرير الفلسطينية باقتراح يطلب فيه من الجانب الاسرائيلي وقت الاقتحامات للمدن والمخيمات والقرى لأربعة اشهر بهدف اعادة الهدوء كما قال..
أولا :- هذه الدعوة الان تخدم الجانب الاسرائيلي والحكومة الاسرائيلية التي تتجه لانتخابات قي شهر تشرين ثان القادم،فالهدوء مهم وضروري لاجراء الانتخابات،وهذا يحتاج لشهرين، اما الشهرين اللاتي سيلين الانتخابات ستكون مرحلة انتاج حكومة في اسرائيل،او ربما تحتاجها اسرائيل لمعالجة مسألة ترسيم الحدود مع لبنان سواء بحرب او بإتفاق.
ثانيا : - مستبعد جدا ان تخدم هذه الدعوة اذا ما قبل بها الجانب الاسرائيلي أي قوى من قوى اليسار الاسرائيلي او أي قوة من قوى السلام او الاعتدال في اسرائيل،لان هذه القوى اضمحلت وذابت في اتون التطرف ونكران الحق الفلسطيني، ولم تعد ذا وزن.
ثالثا :- اذا كانت الغاية من الهدوء الذي يطلب فيه الشيخ هو تهيئة الاجواء لاطلاق مفاوضات بين الجانبين الاسرائيلي والفلسطيني الذي لا زال البعض يتخيل أنه ممكن بعد طول هذه المدة وعظم هذه التجربة مع الاحتلال فهذا وهم وخداع، فالغالبية الاسرائيلية سواء متطرفون وهم اكثرية او وسط،لا يرغب احد منهم في اجراء مثل تلك المفاوضات مع الفلسطينيين،بل يتعمدون اعلان ذلك للجمهور الاسرائيلي بشكل صريح وواضح،بالرغم من ان القيادة الفلسطينية لا تزال تحلم في الالتقاء على طاولة التفاوض التي نخرها السوس،وعلاها الغبار دون ان تعطي أي نتيجة،بل تدفع بالواقع الفلسطيني الى الوراء.
رابعا :- أي قيادة لا تتناغم مع وجدان شعبها وخياراته فهي لا تمثله،ولا تمثل تطلعاته،وإذا منع الصندوق الانتخابي ابراز خيارات الشعب،فلينظر الواهمون الى جنازات الشهداء،ليعرفوا خيار الشعب،لينظروا الى تعليقات الاجيال على وسائل التواصل الاجتماعي وليشعروا بكميات السخرية والتندر التي تصدر عن الاجيال ضد من التي لا يزالون متمسكين بحبل التسوية المريض.
خامسا :- لا اعرف ما هو الضمان الذي يخبئه الشيخ " الرئيس القادم للشعب الفلسطيني حسب نظام التوريث المنهجي" للاحتلال كي يُحْدِثْ التهدئة ... هل سيعمل على إطفاء النيرات المتأججة في نفوس الاجيال ؟؟ وبماذا ؟؟ أم ان القصد من التهدئة هو وقف النزيف الفلسطيني لبعض الوقت؟؟
إن الواقع في الاراضي الفلسطينية المحتلة يتطور ويتحور من تلقاء نفسه،فهذه الاجيال التي ضاقت ذرعا بتصرفات الاحتلال،واحكام قبضته على الارض والإنسان، والتغول في قتله واعتقاله وشله وهدم بيته وقضم ارضه وتنفيذ كل الاجراءات التعسفيه بحقه صباح مساء، هذه الاجيال هي التي بنت في نفسها فكرة المقاومة، وهي التي خرجت للشارع ليلا لتصد اقتحامات الاحتلال، وتحاول منعه من اقتحام البيوت وتكسير محتوياتها واعتقال أبنائها والاعتداء على النساء والرجال، وإن هذه الاجيال التي تبحث عن مستقبلها في الحرية والاستقلال إنطلقت في مقاومتها بدافع حبها للحياة الكريمة التي اخفقت كل الحلول السياسية الكاذبة في تحقيق ولو صورة واحدة منها، ولما رأت أن ما تعيشه من ذل وهوان تحت الاحتلال هو اصعب من الموت ذاته، إختارت الرفض حتى لو كان الموت ثمنه، وكما لم يسمع المنتفضون صوت مبارك في بداية العام 1988، اعتقد واجزم ان الشباب الثائر الان الذي يحقق الوحدة الميدانية الحقيقية التي فشل السياسيون الفلسطينيون في تحقيقها لن يصغي لتلك الدعوة، وسيبقى حاضرا للتصدي للموت بفوهات اشتراها من عرق جبينه،وجنى ثمنه من قهره، وآثار ان يدفعا ثمنا لها، بدل ان يؤسس بها بيتا او يقترن بعروس او يشغلها في تجارة،لان كل ذلك مفقود وبلا طعم ولا امل فيه في ظل الاحتلال.

بقلم : عصري فياض

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى