بوريس سمسونوف - النوراستيني*

نظراً لإجراء تصليحات في الحمام المنزلي، اضطر (أركـادي يفيموفيتش) – وهو رجل مسؤول – للذهاب إلى حمام من الدرجة الأولى من حمامات السوق، وهو حمام لا تزال عليه آثار لوحة قديمة كتب عليها «حمام النبلاء». فكر أركادي يفيموفيتش في نفسه بهذا الخصوص: «إن هذا في نهاية الأمر لا يخلو من الأهمية. وإذا كان الكاتب الكبير ليف تولستوي يتردد على حمام من الدرجة الثالثة فلماذا لا أرضى بالذهاب إلى حمام من الدرجة الأولى!».
وخلافاً لتوقعات أركادي يفيموفيتش، كان جمهور حمام الدرجة الأولى محترماً ولائقاً. ومع ذلك فقد شعر بشيء من الحرج في التعري أمام الناس: «الشيطان وحده يعرف... ربما كان هناك من ينظر إليّ من دائر تنا؟». غير أن أحداً لم يلتفت إلى أركادي يفيموفيتش. وبعد أن خلع ثيابه أسرع إلى القسم «الجواني» من الحمام، مغطياً عورته بالليفة.
في الحمام «الجـواني»، وبسبب أصوات الناس الكثيرة وضربات طشوت الحمام، كان يسيطر هدير متواصل، كالهدير الذي يحدث أثناء الاجتماعات العامة عندما يلقي خطيب ضعيف كلمته. كان الناس يستحمون بدأب ومثابرة، وكأنهم أخذوا أجراً مقطوعاً على استحمامهم. وقد اصطدمت محاولات أركادي يفيموفيتش الأولى للاستحمام بعدة عقبات. فلم يكن هناك مكان فارغ، ولم يعرف من أين يأخذ الطشت.
قرر أركادي يفيموفيبتش في نفسه قائلاً: «سأستأجر «حمامجياً»، فليس في هذا الأمر ما يخزي أو يشين. فـ«الحمامجي» هو رجل متخصص، ومن الإهانة والاستهزاء بالاختصاص ألا نستفيد من خدماته. فأنا وحدي لن أستحم كما يجب. وسأهدر الماء بصورة غير رشيدة، والوقود والمواد الدهنية التي يستحضر منها الصابون. وعلاوة على ذلك، فإن العمال المشتغلين في الحمام سوف يحصلون على دخل إضافي، وسيحسنون وضعهم المادي».
- هل أنت «فاض»؟ - سأل أركادي يفيموفيتش «حمامجياً» عابساً، مقطباً بديناً.
- «فاضي» - أجاب «الحمامجي»، وسكب خلال ذلك الماء الساخن من الطشت بحنق على المقعد الرخامي – تفضل.
لقد قال «فاضي» بصورة ساخرة - فكر أركادي يفيموفيتش في نفسه ورأسه مغطى بالصابون – وماذا أقول له: «فاضي»، إذن، اغسل رأس غيرك بنصف روبل.
كان بناء الحمام رطباً، ولا يرتدي «الحمامجي» لباساً خاصاً ... «إنه استغلال فظيع. وأنا أيضاً، أتحمل المسؤولية. فأنا أرغم رجلاً على العمل، و لم أستأجره لأخذ قسط من الراحة. إنه من شدة قهره وحقده، يفرك رأسي بأظافره بهذه القوة».
صب «الحمامجي» الماء الساخن بنزق على أركادي يفيموفيتش، مشيراً بذلك إلى أن غسل الرأس قد انتهى، وأن عليه الاستلقاء على المقعد الطويل.
« يا للشنيع... لقد سلقني سلقاً بالماء الساخن! ربما يعدني استغلالياً، وربما لو عرف أنني حزبي لما حرقني بالماء الساخن».
انزلقت الليفة الساخنة، المغطاة بغيمة كبيرة من رغوة الصابون برشاقة على جسم أركادي يفيموفيتش، ضاغطة برفق على الأماكن الأكثر حساسية.
ومع تزايد دوران الدم وتعاظمه في جسمه ازدادت أيضاً الأفكار التي تدور في رأس أركادي يفيموفيتش:
«إن الأمر سيكون أسوأ بكثير لو عرف أنني حزبي. انظروا إلى هذا الشيوعي! إنه يستخدم العمل المأجور. إنه استغلالي، يقتني العبيد! هذه كلها أمور بسيطة، ولكن ماذا لو كان هو نفسه حزبياً؟ حزبي يفرك ظهر حزبي آخر لقاء خمسين كوبيكا! يا للعار. إن هذا اللئيم المكار حزبي على الأغلب، بل وربما عضو قيادة منظمة حزبية، أو ربما عضو لجنة الرقابة الحزبية... وربما أنهم قد أخذوا من المشلح بطاقتي الحزبية من جيبي، وسيعلمونه بشأني. وغداً سيستدعونني، بالطبع، إلى لجنة الرقابة الحزبية ويقولون لي:
«ماذا بك أيها الرفيق العزيز! لقد انسلخت وانفصلت نهائياً. إنك ترغم أعضاء لجنة الرقابة على أن يفركوا لك ظهرك؟ وتحت شعار الترشيد، ترفه عن جسدك مثل تاجر من ضواحي موسكو! يجب فصلك من الحزب بسبب ميولك البرجوازية الصغيرة!». أما الحمامجي، فسيدخل التعديل التالي على القرار: «لقد كان العرق يتصبب مني، وأنا فوقه، أفركه وأدلكه كالتمثال...إن جميع الكادحين يستحمون بالصابون الزيتي العادي، أما هذا المرتد فيستحم بصابون من علامة «الملوك الأربعة». . . إن فصله من الحزب غير كاف ... يجب إعدامه رمياً بالرصاص!» وها هم يقتادوني لتنفيذ حكم الإعدام... زوجتي تبكي، وكذلك عشيقتي (يلينا أندرييفنا) – ليليا الحبيبة، ورفعت العصابة عن عيني، فسأل قائد فصيلة الإعدام أفراد فصيلته: جاهز؟».
- جاهز – قطع «الحمامجي» أفكار أركادي يفيموفيتش المريضة، وصب عليه الماء الساخن بنزق، دلالة على أن «تحميمه» قد انتهى - لقد أصبحت كالسرطان...
«تفوه! يا للشيطان! ما هذه الأفكار التافهة التي تدور في رأسي؟ ماذا حل بي؟»
***
عندما عاد أركادي يفيموفيتش من الحمام إلى بيته، كان أول ما تفوه به من كلمات لزوجته :
- یا (موسنكا)، يبدو أن أعصابي مرهقة من جديد. اتصلي بالطبيب (ناريفكين) من أجل أن يجهز كل شيء، سوف نذهب هذا الأسبوع إلى المصحة في كيسلوفودسك...

~تمت~
1928
*(المصاب بالوهن العصبي)

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى