علجية عيش ،- الباحث الجزائري عبد الله حمادي: الكنيسة دعمتني في مساري العلمي و الجامعة الجزائرية تجاهلتني

(عبد الله حمّادي: المنحة التي يتلقاها الإمام في الجزائر بدعة لأن صلاته بالناس أجرها عند الله)

انتقادات كانت تشبه إلى حد ما طلقات نارية وجهها الدكتور عبد الله حمادي للمسؤولين على مختلف القطاعات في الجزائر و هو يستعرض تجربته الإبداعية و العلمية مؤكدا أن فرصته للنجاح عثر عليها في اسبانيا في الوقت الذي تنكرت له الجامعة الجزائرية و استغنت عن خدماته رغم عطاءاته لها في البحث العلمي و تأطير الطلبة و إشرافه على مذكرات تخرجهم، و قد وصفه رفقاءه بالمثقف الحُرّ أو كما قال الشاعر نور الدين درويش بمثقف "الرّجلة"

في جلسة أدبية بمناسبة افتتاح السنة الثقافية لسنة 2022-2023 حضرتها مجموعة من الوجوه الثقافية المعروفة في الساحة من أدباء و شعراء و روائيين و منهم الشاعر نورالدين درويش و نذير طيار، ناصر لوحيشي، و شاعرات، كمال قرور مدير دار الوطن اليوم للنشر والتوزيع وأسماء أخرى تحدث عبد الله حمادي عن تجربته الإبداعية و ما جناه طيلة خمسين سنة اتسمت بزخم فكري إبداعيّ يفوق 37 مؤلفا بين أدبيات وترجمات، اطلع فيها كما يقول على شعر إنساني تمثل في الشعر الأندلسي و الأدب الإسباني، كانت هذه الجلسة فرصة له ليخوض في العديد من المسائل و القضايا المتعلقة بالتراث و الحداثة و الشفهي و المكتوب و الأدب الأندلسي ، حيث يرى أن الحداثة تنبع من التراث و من خلال دراساته للحداثة في أوروبا اكتشف مدى تأثر بعض العلماء و المتصوفة العرب للفكر الحداثي حيث كسروا عصر الطاعة و خرجوا عن كل ما هو موروث فكانوا حداثيين، و راحوا يبدعون في الحداثة.

و من هؤلاء ذكر الجرجاني الذي كما قال: كان حداثيا، موضحا أن الكاتب لا يمكنه أن يكون حداثيا دون أن يكون تراثيا، بحيث وجب عليه أن يعيش اللحظة التي يتحول فيها الشفهي إلى كتابة ، إلا أن عبد الله حمادي بدا أكثر تحفظا من هذه المسائل، حيث لم يقدم موقفه من الصراع القائم حاليا بين الأصوليين و الحداثيين خاصة ما تعلق بمسألة "التأويل"، و قال في رده على سؤالنا أنها مشكلة كبيرة و عويصة جدا، في هذه الجلسة يرحل عبد الله حمادي بذاكرته إلى أيام الجامعة و السياسة التي انتهجها الرئيس الراحل هواري بومدين في سنة 1972 حين فكّر في البعد الجامعي و ترقية المنظومة الجامعية، فقرر أن يهيئ إطارات من الجامعة الجزائرية فكانت هناك بعثات علمية، عن نفسه هو، يقول أنه كان ضمن المجموعة التي استفادت من بعثة علمية، منحتها لهم الجامعة الجزائرية لمواصلة دراسته فكانت وجهته نحو إسبانيا في الوقت الذي كان 90 بالمائة من الجزائريين يختارون فرنسا و يجعلونها قِبلتهم، وهي البلد الذي استعمر بلدهم طيلة 132 سنة من الإحتلال، و قد مكنته هذه البعثة العلمية من دخول عالم الكتابة باللغة الإسبانية و الإطلاع على الأدب الإسباني.

و يقارن عبد الله حمادي بين سياسة التعليم الجامعي في الجزائرو و بين المطبقة في إسبانيا في تلك الفترة، إذ يقول أن وزارة التعليم العالي الإسبانية في تلك الفترة كانت تعتبر الشهادات الجامعية الجزائرية منقوصة لأن الطلبة الجزائريين لم يدرسوا الأدب الإسباني و على الطلبة الجزائريين أن يختاروا بين دكتوراه الأجانب و دكتراه ابناء البلد فكان عليه أن يغامر و يختار الطريق الصعب، يضيف بقوله أن الحياة في إسبانيا مكنته من الإطلاع عن قرب على الحياة السياسية هناك، و سيطرة الكنيسة على السلطة كما أكسبته الكثير من المعارف رغم العقبات التي واجهته هناك، و لأول مرة يكشف الدكتورعبد الله حمّادي عن الظروف التي عاشها يوم كان في أمس الحاجة إلى من يتكفل بمصاريف دراسته، بعدما تنكرت له السفارة الجزائرية و رفضت تخصيص له منحة دراسية ثانية، يذكر عبد الله حمادي أن أحد القساوسة لما رآه في تلك الظروف القاسية سلم له ظرفا و طلب منه أن يذهب إلى وزارة الخارجية الإسبانية، لم يكن يعرف ما بداخل الظرف و ماذا كتب ذلك القس، إلى أن علم أنه طلب من وزارة الخارجية الإسبانية تخصيص له منحة لمدة ثلاثة أشهر، استمرت علاقته مع ذلك القس حتى تطورت إلى صداقة حميمية لدرجة أنه كان يحضر له طعام السحور في شهر رمضان.

يستطرد عبد الله حمادي في سرد تجربته بالقول: إسبانيا إلى اليوم لا تزال تعتز بلغتها و يعتقد مواطنوها أن لغتهم هي الأفضل، أراد الدكتور عبد الله حمادي القول أن الإسبان يحترمون ديانة الآخر و عاداته و تقاليده و منفتحون على لالعالم أكثر بحيث يتعايشون مع الآخر و يعاملونه بكل إنسانية، إلا أنه و بتحفظ شديد أهمل عاملا هاما جدا و هي المرحلة التي عاشتها الجزائر ايام الإحتلال الإسباني لوهران و لمدة 300 سنة ، و يبدوا أنه كان متأثرا جدا بالثقافة و الفكر الإسباني عندما جال و صال بذاكرته و هو ينتقد الجامعة الجزائرية و قال أن معظم من أشرفوا على إدارتها و تسييرها لا علاقة لهم بالبحث العلمي وتربطهم المصالح الشخصية، معبرا بشدة عن فشل المنظومة الجامعية في الجزائر و بالخصوص تجربتها مع نظام الألمدي، لأن السياسة المتبعة و توزيع ميزانية الدولة غير مدروسة و لم تكن عادلة، و على حد قوله كان من المفروض على الدولة أن تخصص من ميزانيتها و لو 40 بالمائة للتراث، إلا أن ذلك لم يحدث.

كانت هذه واحدة من الإنتقادات و كأنها رصاصات أطلقها عبد الله حمادي على المسؤولين في مختلف القطاعات بما فيهم قطاع الشؤون الدينية و الأوقاف حيث اعتبر المنحة التي يتلقاها الإمام الذي يصلي بالناس بدعة و قال أنها واحدة من الأخطاء التي كانت سببا في تدهور "الإمامة" في الجزائر حيث أصبح الكل إمام، لدرجة ظهور تعددية في المساجد أو كما قال هو نجد بين مسجد و مسجد مسجد ، ليضيف أن الإسلام ليس في حاجة لمن يدافع عنه عندما ذكر الشيخ يوسف القرضاوي و قال عنه أنه زيّف الحقائق يوم أفتى بأن الجيش الجزائري هو من تشبب في مجزرة بن طلحة، حمّادي في هذا السياق دعا إلى إعادة النظر في المنظومات الجامعية و الثقافية و الدينية، أما عن العلامة عبد الحميد ابن باديس يقول أنه رجل مبادئ و مات على المبدأ و لذا هو يكتب عن المبادئ و لا يكتب عن الرداءات، يذكر أن عبد الله حمادي كان من بين مؤسسي مؤسسة عبد الحميد ابن باديس وقد عاشت هذه المؤسسة صراعات كبيرة حول من له الحق في رئاستها، إذ حدث صراع كبير بينه و بين الدكتور عبد الله بوخلخال الرئيس السابق لجامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية و المؤرخ البروفيسور عبد العزيز فيلالي الرئيس الحالي للمؤسسة، هذه المؤسسة التي عانت كثيرا بفعل التسيب و الدليل الوضع الذي عليه مطبعة ابن باديس و مسكنه الذي كان من المفروض ان يتحول إلى متحف، هذه الصراعات كما يقول ملاحظون كانت و لا تزال تغذي الرداءة و كما يقال: إذا كانت "النخبة" تتصارع من أجل "البريستيج " فماذا عن الدهماء؟

الجلسة الأدبية تخللتها تقديم شهادات من طرف زملاء عبد الله حمادي من الروائيين و الشعراء أجمعوا على أن الرجل مثقف ولا أحد يضاهيه في إبداعه، وقال عنه الشاعر نورالدين درويش أنه مثقف "رَجْلَة" يستطيع ان يقلب الطاولة على رئيس المؤسسة التي يشتغل فيها، وقال عنه الروائي كمال قرور أن كل فضاءاته كانت تضيئ بالثقافة ، فهو قامة وطنية عالمية فمساهمات عبد الله حمادي يضيف الروائي كمال قرور تستحق الدراسة المتابعة و حبذا لو يكون الجيل الحالي أكثر انفتاحا على اللغة الإسبانية، هكذا قال كمال قرور الذي كشف عن مشروع كتاب سيصدر قريبا للدكتور عبد الله حمادي يؤرخ لشخصيتين اسبانيتين اختصتا في مجال الرواية و ظلتا تناضل بفكرها إلى أن توفيت، يقول عبد الله حمادي أن لحظة الكتابة تأتي من حيث لا نعرف، و جل الموضوعات التي كانت تسكنه منذ زمن بعيد كانت تنتظر اللحظة، طيلة رحلته الإبداعية كان يلجأ إلى المراوحة إلى أن وجد نفسه يدخل عالم الكتابة و الترجمة و كتابة الشعر، و يرى حمادي أن التخصص في الأدب بدون خلفية تاريخية لا يعد أدبا و أن تكون حداثيا دون أن تكون تراثيا فذلك لا يعبر عن شيئ لأن الحداثة تنبع من التراث.

علجية عيش

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى