المنظر: خرائب وانقاض مباني مقصوفة حديثاً يبدو منها بقايا كنيسة وجزء من عمود صليب خشبي يبرز من تحت الأنقاض، هناك دخان يتصاعد من بقايا حريق خاب.. هناك فوضى في كل مكان .. بقايا أخشاب وحجارة وفولاذ كما يجب أن تكون عليها انقاض المدن المقصوفة وهناك نصف دبابة صغيرة محترقة في الواجهة وسط المسرح الأمامي.. ينفتح بابها العلوي ويخرج جندي مصاب بدوار.. يرتدي خوذة حديدية ويحمل زجاجة خمر في يده اليسرى ومسدس في يده اليمنى.. يقف فوق راس الدبابة وهو يترنح..
الجندي: الزجاجة الأخيرة لم يبق منها إلا قطرتان أو ثلاث..سأشربها..
يرفع المسدس ويدخله في فمه فتنطلق رصاصة.. ينقلب ساقطاً داخل بطن الدبابة.
صوت صفير ريح باردة جافة..يخرج الجندي مرة أخرى وهو يحمل كتاباً صغيراً ومسدساً في يده الأخرى..يلقي نظرة حائرة متنقلة بين المسدس والكتاب
الجندي: كان ذلك مريعاً.. مريعاً حقاً.. الجندي القادم من القرية لم يكن يشعر بشيء.. كان يموت دون أن يشعر بشيء.. أما أناْ فكنت أشعر بموته..
يهبط بصعوبة من الدبابة ويسير مترنحاً مواجهاً انقاض الكنيسة..
الجندي: لقد كنت مرعوباً حين قصفتُها.. وكان في جيبي الكتاب المقدس.. اللعنة.. شعرت بأنني أوقع ببصمتي على باب الجحيم..
يعود بذات ترنحه إلى الدبابة، يصعد ويهبط في بطنها.. يختفي قليلاً ويخرج حاملاً الزجاجة والكتاب ويضع المسدس بين فكيه.. يهبط بصعوبة من الدبابة...
يحاول الحديث لكن صوته يخرج همهمة.. فيضع الزجاجة والكتاب والمسدس في كومة واحدة.
الجندي: سأتبول..
يدور حول الدبابة مختفياً وراءها.. يسمع صوت تبوله الذي يمتد أطول من المعتاد قليلاً ثم يأتي صوت تأوهه وسط صوت تقطعات التبول الأخيرة..
الجندي: آه.. آه..
يظهر من وراء الدبابة ويسير مترنحاً ثم يجلس قرب كومة الأشياء.. يحمل الزجاجة ثم يلتفت خلفه بتردد.. يشيح بوجهه بسرعة ويعود إلى مواجهة الجمهور.
الجندي: من كتب هذا الشيء؟.. إن كلمات الولد الصغير لا زالت ترن في رأسي.. كان يقول أشياء كثيرة..
(يرفع زجاجة الخمر ويحاول أن يجرع منها..)
الجندي: ولا حتى قطرات..
(يضعها امامه.. ينظر إلى الكتاب والمسدس.. يحمل المسدس.. يتامله ثم يضعه.. يرفع الكتاب..)
الجندي: كان الأب يقول بأن من كتبه كان يحكي قصة الحياة.. يا إلهي كان القسيس ملحداً.. ولكن.. إذا كان ملحداً فلا بد أنه كان متنكراً في زي قسيس ليجمع معلومات عن الجيش.. جاسوس.. قسيس جاسوس..
(ينهض بصعوبة.. يركل التراب)
الجندي: تستحق.. إنك تستحق أيها الجاسوس.. تستحق انت و..و..و..
(يرتمي على الأرض.. ينزع الخوذة ويرميها بعيداً بغير اكتراث.. وبصعوبة يخلع بذته العسكرية وهو راقد..)
(يرفع رأسه .. ينهض.. يعود وياخذ الكتاب.. يعود إلى مكان تمدده الأول.. يرقد.. ينهض قليلاً.. يجمع بذته تحت رأسه كوسادة.. يثني ساقه اليسرى ويضع فوقها الساق اليمني، يحمل الكتاب ويقرأ)
الجندي: وَعَاشَ أَرْفَكْشَادُ خَمْسًا وَثَلاَثِينَ سَنَةً وَوَلَدَ شَالَحَ.
وَعَاشَ أَرْفَكْشَادُ بَعْدَ مَا وَلَدَ شَالَحَ أَرْبَعَ مِئَةٍ وَثَلاَثَ سِنِينَ، وَوَلَدَ بَنِينَ وَبَنَاتٍ.
وَعَاشَ شَالَحُ ثَلاَثِينَ سَنَةً وَوَلَدَ عَابِرَ.
وَعَاشَ شَالَحُ بَعْدَ مَا وَلَدَ عَابِرَ أَرْبَعَ مِئَةٍ وَثَلاَثَ سِنِينَ، وَوَلَدَ بَنِينَ وَبَنَاتٍ.
وَعَاشَ عَابِرُ أَرْبَعًا وَثَلاَثِينَ سَنَةً وَوَلَدَ فَالَجَ.
وَعَاشَ عَابِرُ بَعْدَ مَا وَلَدَ فَالَجَ أَرْبَعَ مِئَةٍ وَثَلاَثِينَ سَنَةً، وَوَلَدَ بَنِينَ وَبَنَاتٍ.
وَعَاشَ فَالَجُ ثَلاَثِينَ سَنَةً وَوَلَدَ رَعُوَ.
(يترك القراءة ويمدد يده اليمنى التي تحمل الكتاب، يلتفت إلى الجمهور في ظل رقدته)
- اللعنة.. ما الذي يريد إثباته هذا المجنون؟؟؟..
(يعود للقراءة)
الجندي: وَعَاشَ فَالَجُ بَعْدَ مَا وَلَدَ رَعُوَ مِئَتَيْنِ وَتِسْعَ سِنِينَ، وَوَلَدَ بَنِينَ وَبَنَاتٍ.
وَعَاشَ رَعُو اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِينَ سَنَةً وَوَلَدَ سَرُوجَ.
وَعَاشَ رَعُو بَعْدَ مَا وَلَدَ سَرُوجَ مِئَتَيْنِ وَسَبْعَ سِنِينَ، وَوَلَدَ بَنِينَ وَبَنَاتٍ.
وَعَاشَ سَرُوجُ ثَلاَثِينَ سَنَةً وَوَلَدَ نَاحُورَ.
وَعَاشَ سَرُوجُ بَعْدَ مَا وَلَدَ نَاحُورَ مِئَتَيْ سَنَةٍ، وَوَلَدَ بَنِينَ وَبَنَاتٍ.
وَعَاشَ نَاحُورُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ سَنَةً وَوَلَدَ تَارَحَ.(يقهقه بغبطة)
وَعَاشَ نَاحُورُ بَعْدَ مَا وَلَدَ تَارَحَ مِئَةً وَتِسْعَ عَشَرَةَ سَنَةً، وَوَلَدَ بَنِينَ وَبَنَاتٍ.(يقهقه بغبطة أكبر)
وَعَاشَ تَارَحُ سَبْعِينَ سَنَةً، وَوَلَدَ أَبْرَامَ وَنَاحُورَ وَهَارَانَ.
(يمدد يده اليمنى وينظر للجمهور)
الجندي: اللعنة.. ما هذا الهراء..
(ينهض، يتحرك ببطء ويترنح، يلقي الكتاب قرب المسدس بغير اكتراث.. يتكئ على الدبابة.. ثم يتجه نحو الخرائب والأنقاض.. يبدأ في التنقيب والبحث..)
الجندي: أريد شيئياً حقيقياً.. ربما أجد قبواً لتعتيق براميل الخمر تحت أرض هذه الكنيسة.. إنهم يفعلون ذلك.. أليس كذلك..
(ينقب ويلقي بعض الأحجار بإهمال خلف ظهره..)
الجندي: وَعَاشَ سَرُوجُ بَعْدَ مَا وَلَدَ نَاحُورَ مِئَتَيْ سَنَةٍ، وَوَلَدَ بَنِينَ وَبَنَاتٍ(يضحك)
وَعَاشَ نَاحُورُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ سَنَةً وَوَلَدَ تَارَحَ (ينفجر قهقهة).. أي هراء هذا..
(ينهض ويتامل الأنقاض)
الجندي: ربما ليس هنا.. ربما.. ربما هناك.. لا بد من قبو للخمر.. انا متاكد.. لا أحد يستطيع عبادة الرب وهو يقظ (يقهقه)..
يجثو وينقب بحماس..
(ينهض خائباً)
الجندي: يبدو أن هناك شيء له معنى في هذا الكون..(يتامل السماء).. ريح باردة جافة.. أين جثث الملائكة..(يقهقه).. (يعود ويمسح الأنقاض ببصره).. ما هذا العمود الخشبي البارز من بين الأنقاض.. (يتجه نحوه. ويبدأ في جره).. إه.. إنه ثقيل.. (يجره ويبدأ في نصبه).. اللعنة.. إنه صليب.. (يتامله) يجب احترام هذه الأشياء.. (يشرع في تثبيته على الأرض بصعوبة).. يمكن للرب أن يساعدني.. (يتوقف) وَعَاشَ عَابِرُ بَعْدَ مَا وَلَدَ فَالَجَ أَرْبَعَ مِئَةٍ وَثَلاَثِينَ سَنَةً، وَوَلَدَ بَنِينَ وَبَنَاتٍ.
وَعَاشَ فَالَجُ ثَلاَثِينَ سَنَةً وَوَلَدَ رَعُوَ (يقهقه بشدة، يترك الصليب ليسقط، يغطي أنفه بسبابته أثناء ضحكه وينكفي على بطنه، يحاول تمالك نفسه بصعوبة، يتحرك نحو الدبابة، يسند ذراعه إليها..)
الجندي: يجب أن أبدأ حياتي من جديد.. (يتوقف ويحدق أمام عينيه برعب) اللعنة.. لا بد أنها رسالة من الرب.. إنه ليس هراء.. كما قال الصبي ذا رائحة الفم الكريهة.. عاش أرفكشاد بعد ما ولد شالح.. وعاش شالح بعد ما ولد عابر.. وعاش عابر بعد ما ولد فالج.. إن هذه قصة البشرية باختصار.. حيث تُنقل المعاني.. بحق الرب.. إن في هذا الروتين تختبئ الجدوى.. الحكاية برمتها لا تنقطع.. كان الصبي روني يُخرج صورة من جيبه ويقبلها قبل أن يطلق زخات الرصاص تجاه ما وصفوه لنا بالعدو.. وهذه مسألة أخرى.. أما أناْ فلم أمتلك أي صورة.. لقد تطوعت في الخدمة لأنني تأكدت من أنني لن أحمل صورة أبداً.. والقائد الأعلى الذي تم أسره لم ينبس ببنت شفة حين حاصروه وألقوا القبض عليه.. عبرتهم بدبابتي وأنا نصف سكران.. (يبدأ في رصف الأنقاض) سأصنع جداراً من بقايا جدران الكنيسة.. إن الريح الباردة الجافة تعصف بالمكان.. ومن هذا الصليب صأصنع خيمة.. الصليب دائماً مفيد (يقهقه).. وأتذكر جيداً أن المرأة التي.. لقد.. اغتصبتها.. وكانت تضحك.. اغتصبتها.. لقد جعلَتني أعتقد ذلك.. وأنا نفسي حاولت اقناع نفسي بأنني اغتصبها.. كانت تصرخ وتضحك.. أي لعنة تلك (يقهقه) كانت وقحة حتى بعد النهاية.. وقحة.. لئيمة.. لكن الشيء الجيد أنها لم تكن تنتظر شيئاً.. كانت دائماً داخل الزمن الحاضر.. وأنا سئمت من ذلك.. سئمت من أن أكون داخل الزمن الحاضر.. لذلك غامرت.. وقد تبقى لي كتاب الصبي ذي رائحة الفم الكريهة.. أي صبي في هذا العمر يهتم بهذه الترهات.. لو عاش قليلاً ربما انتحر.. أو ترهبن.. وكما قال: ليس في الحياة معنى يؤكل.. (يتامل الأنقاض) آه.. يبدو أنه باب القبو.. (ينحني ويبدأ في فتح الباب، يفتحه بصعوبة وينتشر عفر التراب فيغطي فمه وانفه بساعده.. ينتظر قليلاً ويدخل رأسه داخل فتحة القبو ثم يخرجه) كما توقعت.. هناك.. براميل النبيذ الخشبية وهناك جثة قسيس وطفلة عارية.. يبدو أن الجثتين محفوظتان جيداً لسبب ما.. فوق صدر القسيس صليب ضخم من ذهب خالص.. أما الطفلة فلا شيء على جسدها سوى دماء بين الفخذين..(يدخل يده) سأستخرج زجاجة محفوظة على سلة الرشف..(يخرج زجاجة نبيذ خضراء ويتاملها) تعتيق جيد.. ثلاثون سنة.. نبيذ عنب.. من علامة كانكس البلاتينية.. عنب من حقول إيطاليا.. (يفتح الزجاجة ويجرع منها جرعة ثم يغمض عينيه ليتشبع من تذوقها).. آه.. (يمصمص شفتيه).. اللعنة.. كم هو لذيذ.. سأصنع مَزة من جسد الفتاة.. (يحمل حجراً ويدخل يده ليطرق بالحجر) سأقطع ذراعها ببضع طرقات من هذا الحجر.. (يخرج ذراع الفتاة ويبدأ في قضمها وجرع النبيذ).. لا شك أن لحم القسيس مُر.. أما لحم الفتاة فطري وطازج.. لحم القسيس شبع من كلمات الكتاب أما الطفلة فلم تقرأ حرفاً.. إنها لا تعرف أن أرفكشاد أنجب شالح وأن شالح أنجب عابر وأن عابر ولد فالج وان فالح ولد رعو.. لا حاجة بها لمعرفة ذلك النقل الجيني.. هكذا يظل لحمها طازجاً.. (ينهض) سأنام قليلاً.. (يتجه إلى المسدس فيرفعه ويدخله في فمه ويطلق النار فيسقط ممداً على ظهره)..
(ظلام)
يضيئ المسرح ويبدأ الجندي في الاستيقاظ ببطء.. يرفع ذراعه أمام وجهه
الجندي: كم الساعة ال.. الآن.. آه.. لقد ضاعت ساعة يدي.. (يتلفت حوله أثناء رقدته) أين أنا؟.. آه.. إذاً فهو لم يكن كابوساً بل حقيقة... إذا كنت أخلط بين الحقيقة والكابوس فلا شيء مؤكد إذاً.. كان عليَّ أن أستطيع التمييز بينهما جيداً لو كان الكابوس شيئاً مختلفاً عن الحقيقة.. لكن.. يبدو أنه لا فرق بينهما.. إن الحقيقة يمكن أن تكون كابوساً والكابوس يمكن أن يكون حقيقة.. ويمكن لكليهما أن لا يكونا شيئاً بالمرة..
(ينهض ويسير مترنحاً ثم يرفع الزجاجة ويجرع منها) وعاش رعو بعد ما ولد سروج.. (يقهقه).. أنا لم أمتلك أبداً اليقين بصحة ما أقوله أو أفعله، لذلك أعتمد فقط على الحدس.. ويبدو أن الحياة والحدس شيء واحد.. تبدو الحياة حدساً.. ذات الطبيعة اللا يقينية.. ذات البرودة.. (يتجه نحو الخوذة، ينحني، يحملها ويديريها بين أصابعه وهو يتأملها ثم يرتديها بحركة كوميدية).. عندما كنت طفلاً كنت امتلئ بالفضول للمس خوذة جندي حقيقية.. كنت أتخيل انها شيء معقد وخطر.. وكنت أشم رائحتها التي تبدو كرائحة نبتة فضائية.. كذلك كان شعوري تجاه الكثير من الأشياء الأخرى.. قطار اللعبة الكهربائي.. الحصان المجنح.. الدراجة البخارية... لعبة الروليت.. كانت كل الأشياء تحمل معانٍ مقدسة داخلي.. تماما كما ولد ناحور.. وناحور ولد تارح..(يقهقه).. إذاً.. فسروج ولد ناحور ولم يلد تارح.. ويمكن لكل فأرة أن تفعل ذلك بأكثر مما فعل سروج.. لكن.. أليس لكل مقام مقال.. إنني أبدو كما لو كنت أتكلم مع نفسي بلغة أجنبية.. أنا الجندي الوحيد المتبقي في هذه الحرب.. لقد مات جميع الأعداء.. قتل الأعداء بعضهم البعض.. وهكذا.. سأحتاج لجزِّ ضلع من أضلاعي وزرعه تحت الأنقاض لكي يُنبت امرأة.. ولكن ليس هكذا تحصل الأشياء.. نعم هي تحصل هكذا في الكلمات ولكن ليس في الواقع.. في الواقع الأشياء تظل هي الأشياء.. وحيث أن لكل شيء سبب، فلا سبيل إلى حدوثٍ بلا سبب.. وإذا كان لا بد من سبب فلا بد أن يكون السبب منطقياً وواقعياً.. ممكن الحدوث والإحداث.. وبما أن ضلعي لا يمكن أن ينمو متحولاً لامرأة فإنني لست بحاجة لجز ضلعي.. لكنني أستطيع أن أجد امرأة في الكابوس.. غير أنني لا أملك قدرة على التحكم في حبكة الكابوس.. ولا حتى الواقع.. في قريتنا جاء أحد الغائيبن ومعه لعبة الروليت.. استاجر صبيَّان وعلمهما الطريقة المعقدة للعب.. ثم استأجر خمسة صِبيَة آخرين ليقفوا حول اللاعبين كمشجعين.. وأمرهم بالصراخ حينما يكسب أحد اللاعبين.. بعد ساعات امتلأ المكان بالمتفرجين وبعد أيام تعلم جميع أهل القرية المقامرة في هذه اللعبة.. افتتح البعض محالاً أخرى للعبة الروليت.. ثم سمعت الحكومة بذلك فداهمت تلك المحلات وصادرت الألعاب وعاقبت أصحابها بالغرامات الطائلة والجلد المبرح.. أما المهاجر الأول فهو الذي استطاع بنفوذه اقناع الحكومة بمداهمة المحال الأخرى.. وقد تمكن أيضا من استصدار قانون يجرم لعب الروليت ولكنه استثنى من يحصلون على ترخيص، وبما أنه هو الوحيد الذي حصل على ذلك الترخيص فقد نجح في تحقيق أرباح كبيرة.. كنت أزوره مع أمي لأنه كان يقرضها المال مقابل ساعة من اللطف.. وكان يتركني ألعب أثناء بقائهما في الداخل.. وأحياناً كنت أرى رئيس الدولة.. لقد احتفظ بحبه لأمي حتى بعد وفاتها لذلك توسط لدى قائد الجيش لكنني فشلت في الاختبارات البدنية لأنني بخصية واحدة.. مع ذلك قبلوا تطوعي بعد ذلك حين أصبحت خسائر الحرب فادحة.. كان يجب أن أنضم لتلك الخسائر.. لكن يبدو أنني أصبحت الناجي الوحيد.. (يخلع الخوذة ويتأمل داخلها) ولكن.. ولكن ذلك شيء غريب.. غريب حقاً.. لقد.. لقد أطلقت النار على نفسي أكثر من مرة ولم أمت..(يلقي بالخوذة بغير اكتراث ويتجه نحو المسدس فيلتقطعه) قتلت نفسي ولم... أمت؟!!!..(يضع فوهة المسدس داخل فمه ويطلق النار) فيسقط ثم ينهض مرة أخرى فيمسك راسه وينظر إلى المسدس في يده) اللعنة.. (ينظر نحو الجمهور بفزع).. هل أنا داخل كابوس.. أليس كل هذا حقيقياً؟!!.. ولكن.. ماذا إن كان كابوساً؟ .. الا يعني ذلك أن هناك عالم حقيقي خارج هذا الكابوس أعيش فيه.. ماذا يمكنه أن يكون.. ربما.. ربما أعيش فيه الآن كطفل مدلل لعائلة أرستقراطية.. أو ربما.. كنت مجرد متسول.. لا.. لست متسولاً.. ربما أنا.. ربما أنا صحفي.. وربما لست ذكراً.. ربما لست حتى بشرياً.. يا إلهي.. يا إلهي..
(يتجه نحو الخوذة، يرتديها، ويطلق الرصاص على فمه فيسقط وينهض) اللعنة.. لا.. لا اريد أن اظل داخل هذا الكابوس.. (يرفع نظره إلى السماء ويصرخ) اخرجني من هنا يا إلهي.. أرجوك.. أتوسل إليك.. (يهرول نحو الانقاض ويرفع الصليب) لن استهزئ بك أبداً بعد اليوم.. أقسم لك.. (يترك الصليب ويتحه نحو القبو، يدخل راسه داخل القبو) أيها القسيس.. أعلم أنك جثة هامدة.. وأنني أكلت ذراع الطفلة المسكينة.. لكنني أقسم لك أن هذا يحدث فقط في الكوابيس... إنني مجرد فلاح هندي.. (يخرج راسه من فوهة القبو) هل أنا فلاح هندي بالفعل؟!!.. لا أعلم.. ولكن.. لماذا قلت ذلك؟ إنني أفضل أن أكون فلاحاً هندياً على أن أبقى داخل هذا الكابوس.. (يطلق الرصاص على فمه فيسقط وينهض).. أرجوكم.. (يأخذ الزجاجة ويجرع منها ويمصمص شفتيه) لذلك لم أشعر بطعم هذا النبيذ.. (يجرع مرة اخرى).. لا لا لا.. لن أبقى هنا.. (يطلقة الرصاص على نفسه فيسقط وينهض).. اللعنة.. هل هذا كابوس أم حقيقة؟ (يطلق الرصاص على فمه فيسقط وينهض، ثم يجرع من الزجاجة ويطلق الرصاص على فمه فيسقط وينهض) ويظل يفعل ذلك حتى إسدال الستار.
(ستار)
النهاية
الجندي: الزجاجة الأخيرة لم يبق منها إلا قطرتان أو ثلاث..سأشربها..
يرفع المسدس ويدخله في فمه فتنطلق رصاصة.. ينقلب ساقطاً داخل بطن الدبابة.
صوت صفير ريح باردة جافة..يخرج الجندي مرة أخرى وهو يحمل كتاباً صغيراً ومسدساً في يده الأخرى..يلقي نظرة حائرة متنقلة بين المسدس والكتاب
الجندي: كان ذلك مريعاً.. مريعاً حقاً.. الجندي القادم من القرية لم يكن يشعر بشيء.. كان يموت دون أن يشعر بشيء.. أما أناْ فكنت أشعر بموته..
يهبط بصعوبة من الدبابة ويسير مترنحاً مواجهاً انقاض الكنيسة..
الجندي: لقد كنت مرعوباً حين قصفتُها.. وكان في جيبي الكتاب المقدس.. اللعنة.. شعرت بأنني أوقع ببصمتي على باب الجحيم..
يعود بذات ترنحه إلى الدبابة، يصعد ويهبط في بطنها.. يختفي قليلاً ويخرج حاملاً الزجاجة والكتاب ويضع المسدس بين فكيه.. يهبط بصعوبة من الدبابة...
يحاول الحديث لكن صوته يخرج همهمة.. فيضع الزجاجة والكتاب والمسدس في كومة واحدة.
الجندي: سأتبول..
يدور حول الدبابة مختفياً وراءها.. يسمع صوت تبوله الذي يمتد أطول من المعتاد قليلاً ثم يأتي صوت تأوهه وسط صوت تقطعات التبول الأخيرة..
الجندي: آه.. آه..
يظهر من وراء الدبابة ويسير مترنحاً ثم يجلس قرب كومة الأشياء.. يحمل الزجاجة ثم يلتفت خلفه بتردد.. يشيح بوجهه بسرعة ويعود إلى مواجهة الجمهور.
الجندي: من كتب هذا الشيء؟.. إن كلمات الولد الصغير لا زالت ترن في رأسي.. كان يقول أشياء كثيرة..
(يرفع زجاجة الخمر ويحاول أن يجرع منها..)
الجندي: ولا حتى قطرات..
(يضعها امامه.. ينظر إلى الكتاب والمسدس.. يحمل المسدس.. يتامله ثم يضعه.. يرفع الكتاب..)
الجندي: كان الأب يقول بأن من كتبه كان يحكي قصة الحياة.. يا إلهي كان القسيس ملحداً.. ولكن.. إذا كان ملحداً فلا بد أنه كان متنكراً في زي قسيس ليجمع معلومات عن الجيش.. جاسوس.. قسيس جاسوس..
(ينهض بصعوبة.. يركل التراب)
الجندي: تستحق.. إنك تستحق أيها الجاسوس.. تستحق انت و..و..و..
(يرتمي على الأرض.. ينزع الخوذة ويرميها بعيداً بغير اكتراث.. وبصعوبة يخلع بذته العسكرية وهو راقد..)
(يرفع رأسه .. ينهض.. يعود وياخذ الكتاب.. يعود إلى مكان تمدده الأول.. يرقد.. ينهض قليلاً.. يجمع بذته تحت رأسه كوسادة.. يثني ساقه اليسرى ويضع فوقها الساق اليمني، يحمل الكتاب ويقرأ)
الجندي: وَعَاشَ أَرْفَكْشَادُ خَمْسًا وَثَلاَثِينَ سَنَةً وَوَلَدَ شَالَحَ.
وَعَاشَ أَرْفَكْشَادُ بَعْدَ مَا وَلَدَ شَالَحَ أَرْبَعَ مِئَةٍ وَثَلاَثَ سِنِينَ، وَوَلَدَ بَنِينَ وَبَنَاتٍ.
وَعَاشَ شَالَحُ ثَلاَثِينَ سَنَةً وَوَلَدَ عَابِرَ.
وَعَاشَ شَالَحُ بَعْدَ مَا وَلَدَ عَابِرَ أَرْبَعَ مِئَةٍ وَثَلاَثَ سِنِينَ، وَوَلَدَ بَنِينَ وَبَنَاتٍ.
وَعَاشَ عَابِرُ أَرْبَعًا وَثَلاَثِينَ سَنَةً وَوَلَدَ فَالَجَ.
وَعَاشَ عَابِرُ بَعْدَ مَا وَلَدَ فَالَجَ أَرْبَعَ مِئَةٍ وَثَلاَثِينَ سَنَةً، وَوَلَدَ بَنِينَ وَبَنَاتٍ.
وَعَاشَ فَالَجُ ثَلاَثِينَ سَنَةً وَوَلَدَ رَعُوَ.
(يترك القراءة ويمدد يده اليمنى التي تحمل الكتاب، يلتفت إلى الجمهور في ظل رقدته)
- اللعنة.. ما الذي يريد إثباته هذا المجنون؟؟؟..
(يعود للقراءة)
الجندي: وَعَاشَ فَالَجُ بَعْدَ مَا وَلَدَ رَعُوَ مِئَتَيْنِ وَتِسْعَ سِنِينَ، وَوَلَدَ بَنِينَ وَبَنَاتٍ.
وَعَاشَ رَعُو اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِينَ سَنَةً وَوَلَدَ سَرُوجَ.
وَعَاشَ رَعُو بَعْدَ مَا وَلَدَ سَرُوجَ مِئَتَيْنِ وَسَبْعَ سِنِينَ، وَوَلَدَ بَنِينَ وَبَنَاتٍ.
وَعَاشَ سَرُوجُ ثَلاَثِينَ سَنَةً وَوَلَدَ نَاحُورَ.
وَعَاشَ سَرُوجُ بَعْدَ مَا وَلَدَ نَاحُورَ مِئَتَيْ سَنَةٍ، وَوَلَدَ بَنِينَ وَبَنَاتٍ.
وَعَاشَ نَاحُورُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ سَنَةً وَوَلَدَ تَارَحَ.(يقهقه بغبطة)
وَعَاشَ نَاحُورُ بَعْدَ مَا وَلَدَ تَارَحَ مِئَةً وَتِسْعَ عَشَرَةَ سَنَةً، وَوَلَدَ بَنِينَ وَبَنَاتٍ.(يقهقه بغبطة أكبر)
وَعَاشَ تَارَحُ سَبْعِينَ سَنَةً، وَوَلَدَ أَبْرَامَ وَنَاحُورَ وَهَارَانَ.
(يمدد يده اليمنى وينظر للجمهور)
الجندي: اللعنة.. ما هذا الهراء..
(ينهض، يتحرك ببطء ويترنح، يلقي الكتاب قرب المسدس بغير اكتراث.. يتكئ على الدبابة.. ثم يتجه نحو الخرائب والأنقاض.. يبدأ في التنقيب والبحث..)
الجندي: أريد شيئياً حقيقياً.. ربما أجد قبواً لتعتيق براميل الخمر تحت أرض هذه الكنيسة.. إنهم يفعلون ذلك.. أليس كذلك..
(ينقب ويلقي بعض الأحجار بإهمال خلف ظهره..)
الجندي: وَعَاشَ سَرُوجُ بَعْدَ مَا وَلَدَ نَاحُورَ مِئَتَيْ سَنَةٍ، وَوَلَدَ بَنِينَ وَبَنَاتٍ(يضحك)
وَعَاشَ نَاحُورُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ سَنَةً وَوَلَدَ تَارَحَ (ينفجر قهقهة).. أي هراء هذا..
(ينهض ويتامل الأنقاض)
الجندي: ربما ليس هنا.. ربما.. ربما هناك.. لا بد من قبو للخمر.. انا متاكد.. لا أحد يستطيع عبادة الرب وهو يقظ (يقهقه)..
يجثو وينقب بحماس..
(ينهض خائباً)
الجندي: يبدو أن هناك شيء له معنى في هذا الكون..(يتامل السماء).. ريح باردة جافة.. أين جثث الملائكة..(يقهقه).. (يعود ويمسح الأنقاض ببصره).. ما هذا العمود الخشبي البارز من بين الأنقاض.. (يتجه نحوه. ويبدأ في جره).. إه.. إنه ثقيل.. (يجره ويبدأ في نصبه).. اللعنة.. إنه صليب.. (يتامله) يجب احترام هذه الأشياء.. (يشرع في تثبيته على الأرض بصعوبة).. يمكن للرب أن يساعدني.. (يتوقف) وَعَاشَ عَابِرُ بَعْدَ مَا وَلَدَ فَالَجَ أَرْبَعَ مِئَةٍ وَثَلاَثِينَ سَنَةً، وَوَلَدَ بَنِينَ وَبَنَاتٍ.
وَعَاشَ فَالَجُ ثَلاَثِينَ سَنَةً وَوَلَدَ رَعُوَ (يقهقه بشدة، يترك الصليب ليسقط، يغطي أنفه بسبابته أثناء ضحكه وينكفي على بطنه، يحاول تمالك نفسه بصعوبة، يتحرك نحو الدبابة، يسند ذراعه إليها..)
الجندي: يجب أن أبدأ حياتي من جديد.. (يتوقف ويحدق أمام عينيه برعب) اللعنة.. لا بد أنها رسالة من الرب.. إنه ليس هراء.. كما قال الصبي ذا رائحة الفم الكريهة.. عاش أرفكشاد بعد ما ولد شالح.. وعاش شالح بعد ما ولد عابر.. وعاش عابر بعد ما ولد فالج.. إن هذه قصة البشرية باختصار.. حيث تُنقل المعاني.. بحق الرب.. إن في هذا الروتين تختبئ الجدوى.. الحكاية برمتها لا تنقطع.. كان الصبي روني يُخرج صورة من جيبه ويقبلها قبل أن يطلق زخات الرصاص تجاه ما وصفوه لنا بالعدو.. وهذه مسألة أخرى.. أما أناْ فلم أمتلك أي صورة.. لقد تطوعت في الخدمة لأنني تأكدت من أنني لن أحمل صورة أبداً.. والقائد الأعلى الذي تم أسره لم ينبس ببنت شفة حين حاصروه وألقوا القبض عليه.. عبرتهم بدبابتي وأنا نصف سكران.. (يبدأ في رصف الأنقاض) سأصنع جداراً من بقايا جدران الكنيسة.. إن الريح الباردة الجافة تعصف بالمكان.. ومن هذا الصليب صأصنع خيمة.. الصليب دائماً مفيد (يقهقه).. وأتذكر جيداً أن المرأة التي.. لقد.. اغتصبتها.. وكانت تضحك.. اغتصبتها.. لقد جعلَتني أعتقد ذلك.. وأنا نفسي حاولت اقناع نفسي بأنني اغتصبها.. كانت تصرخ وتضحك.. أي لعنة تلك (يقهقه) كانت وقحة حتى بعد النهاية.. وقحة.. لئيمة.. لكن الشيء الجيد أنها لم تكن تنتظر شيئاً.. كانت دائماً داخل الزمن الحاضر.. وأنا سئمت من ذلك.. سئمت من أن أكون داخل الزمن الحاضر.. لذلك غامرت.. وقد تبقى لي كتاب الصبي ذي رائحة الفم الكريهة.. أي صبي في هذا العمر يهتم بهذه الترهات.. لو عاش قليلاً ربما انتحر.. أو ترهبن.. وكما قال: ليس في الحياة معنى يؤكل.. (يتامل الأنقاض) آه.. يبدو أنه باب القبو.. (ينحني ويبدأ في فتح الباب، يفتحه بصعوبة وينتشر عفر التراب فيغطي فمه وانفه بساعده.. ينتظر قليلاً ويدخل رأسه داخل فتحة القبو ثم يخرجه) كما توقعت.. هناك.. براميل النبيذ الخشبية وهناك جثة قسيس وطفلة عارية.. يبدو أن الجثتين محفوظتان جيداً لسبب ما.. فوق صدر القسيس صليب ضخم من ذهب خالص.. أما الطفلة فلا شيء على جسدها سوى دماء بين الفخذين..(يدخل يده) سأستخرج زجاجة محفوظة على سلة الرشف..(يخرج زجاجة نبيذ خضراء ويتاملها) تعتيق جيد.. ثلاثون سنة.. نبيذ عنب.. من علامة كانكس البلاتينية.. عنب من حقول إيطاليا.. (يفتح الزجاجة ويجرع منها جرعة ثم يغمض عينيه ليتشبع من تذوقها).. آه.. (يمصمص شفتيه).. اللعنة.. كم هو لذيذ.. سأصنع مَزة من جسد الفتاة.. (يحمل حجراً ويدخل يده ليطرق بالحجر) سأقطع ذراعها ببضع طرقات من هذا الحجر.. (يخرج ذراع الفتاة ويبدأ في قضمها وجرع النبيذ).. لا شك أن لحم القسيس مُر.. أما لحم الفتاة فطري وطازج.. لحم القسيس شبع من كلمات الكتاب أما الطفلة فلم تقرأ حرفاً.. إنها لا تعرف أن أرفكشاد أنجب شالح وأن شالح أنجب عابر وأن عابر ولد فالج وان فالح ولد رعو.. لا حاجة بها لمعرفة ذلك النقل الجيني.. هكذا يظل لحمها طازجاً.. (ينهض) سأنام قليلاً.. (يتجه إلى المسدس فيرفعه ويدخله في فمه ويطلق النار فيسقط ممداً على ظهره)..
(ظلام)
يضيئ المسرح ويبدأ الجندي في الاستيقاظ ببطء.. يرفع ذراعه أمام وجهه
الجندي: كم الساعة ال.. الآن.. آه.. لقد ضاعت ساعة يدي.. (يتلفت حوله أثناء رقدته) أين أنا؟.. آه.. إذاً فهو لم يكن كابوساً بل حقيقة... إذا كنت أخلط بين الحقيقة والكابوس فلا شيء مؤكد إذاً.. كان عليَّ أن أستطيع التمييز بينهما جيداً لو كان الكابوس شيئاً مختلفاً عن الحقيقة.. لكن.. يبدو أنه لا فرق بينهما.. إن الحقيقة يمكن أن تكون كابوساً والكابوس يمكن أن يكون حقيقة.. ويمكن لكليهما أن لا يكونا شيئاً بالمرة..
(ينهض ويسير مترنحاً ثم يرفع الزجاجة ويجرع منها) وعاش رعو بعد ما ولد سروج.. (يقهقه).. أنا لم أمتلك أبداً اليقين بصحة ما أقوله أو أفعله، لذلك أعتمد فقط على الحدس.. ويبدو أن الحياة والحدس شيء واحد.. تبدو الحياة حدساً.. ذات الطبيعة اللا يقينية.. ذات البرودة.. (يتجه نحو الخوذة، ينحني، يحملها ويديريها بين أصابعه وهو يتأملها ثم يرتديها بحركة كوميدية).. عندما كنت طفلاً كنت امتلئ بالفضول للمس خوذة جندي حقيقية.. كنت أتخيل انها شيء معقد وخطر.. وكنت أشم رائحتها التي تبدو كرائحة نبتة فضائية.. كذلك كان شعوري تجاه الكثير من الأشياء الأخرى.. قطار اللعبة الكهربائي.. الحصان المجنح.. الدراجة البخارية... لعبة الروليت.. كانت كل الأشياء تحمل معانٍ مقدسة داخلي.. تماما كما ولد ناحور.. وناحور ولد تارح..(يقهقه).. إذاً.. فسروج ولد ناحور ولم يلد تارح.. ويمكن لكل فأرة أن تفعل ذلك بأكثر مما فعل سروج.. لكن.. أليس لكل مقام مقال.. إنني أبدو كما لو كنت أتكلم مع نفسي بلغة أجنبية.. أنا الجندي الوحيد المتبقي في هذه الحرب.. لقد مات جميع الأعداء.. قتل الأعداء بعضهم البعض.. وهكذا.. سأحتاج لجزِّ ضلع من أضلاعي وزرعه تحت الأنقاض لكي يُنبت امرأة.. ولكن ليس هكذا تحصل الأشياء.. نعم هي تحصل هكذا في الكلمات ولكن ليس في الواقع.. في الواقع الأشياء تظل هي الأشياء.. وحيث أن لكل شيء سبب، فلا سبيل إلى حدوثٍ بلا سبب.. وإذا كان لا بد من سبب فلا بد أن يكون السبب منطقياً وواقعياً.. ممكن الحدوث والإحداث.. وبما أن ضلعي لا يمكن أن ينمو متحولاً لامرأة فإنني لست بحاجة لجز ضلعي.. لكنني أستطيع أن أجد امرأة في الكابوس.. غير أنني لا أملك قدرة على التحكم في حبكة الكابوس.. ولا حتى الواقع.. في قريتنا جاء أحد الغائيبن ومعه لعبة الروليت.. استاجر صبيَّان وعلمهما الطريقة المعقدة للعب.. ثم استأجر خمسة صِبيَة آخرين ليقفوا حول اللاعبين كمشجعين.. وأمرهم بالصراخ حينما يكسب أحد اللاعبين.. بعد ساعات امتلأ المكان بالمتفرجين وبعد أيام تعلم جميع أهل القرية المقامرة في هذه اللعبة.. افتتح البعض محالاً أخرى للعبة الروليت.. ثم سمعت الحكومة بذلك فداهمت تلك المحلات وصادرت الألعاب وعاقبت أصحابها بالغرامات الطائلة والجلد المبرح.. أما المهاجر الأول فهو الذي استطاع بنفوذه اقناع الحكومة بمداهمة المحال الأخرى.. وقد تمكن أيضا من استصدار قانون يجرم لعب الروليت ولكنه استثنى من يحصلون على ترخيص، وبما أنه هو الوحيد الذي حصل على ذلك الترخيص فقد نجح في تحقيق أرباح كبيرة.. كنت أزوره مع أمي لأنه كان يقرضها المال مقابل ساعة من اللطف.. وكان يتركني ألعب أثناء بقائهما في الداخل.. وأحياناً كنت أرى رئيس الدولة.. لقد احتفظ بحبه لأمي حتى بعد وفاتها لذلك توسط لدى قائد الجيش لكنني فشلت في الاختبارات البدنية لأنني بخصية واحدة.. مع ذلك قبلوا تطوعي بعد ذلك حين أصبحت خسائر الحرب فادحة.. كان يجب أن أنضم لتلك الخسائر.. لكن يبدو أنني أصبحت الناجي الوحيد.. (يخلع الخوذة ويتأمل داخلها) ولكن.. ولكن ذلك شيء غريب.. غريب حقاً.. لقد.. لقد أطلقت النار على نفسي أكثر من مرة ولم أمت..(يلقي بالخوذة بغير اكتراث ويتجه نحو المسدس فيلتقطعه) قتلت نفسي ولم... أمت؟!!!..(يضع فوهة المسدس داخل فمه ويطلق النار) فيسقط ثم ينهض مرة أخرى فيمسك راسه وينظر إلى المسدس في يده) اللعنة.. (ينظر نحو الجمهور بفزع).. هل أنا داخل كابوس.. أليس كل هذا حقيقياً؟!!.. ولكن.. ماذا إن كان كابوساً؟ .. الا يعني ذلك أن هناك عالم حقيقي خارج هذا الكابوس أعيش فيه.. ماذا يمكنه أن يكون.. ربما.. ربما أعيش فيه الآن كطفل مدلل لعائلة أرستقراطية.. أو ربما.. كنت مجرد متسول.. لا.. لست متسولاً.. ربما أنا.. ربما أنا صحفي.. وربما لست ذكراً.. ربما لست حتى بشرياً.. يا إلهي.. يا إلهي..
(يتجه نحو الخوذة، يرتديها، ويطلق الرصاص على فمه فيسقط وينهض) اللعنة.. لا.. لا اريد أن اظل داخل هذا الكابوس.. (يرفع نظره إلى السماء ويصرخ) اخرجني من هنا يا إلهي.. أرجوك.. أتوسل إليك.. (يهرول نحو الانقاض ويرفع الصليب) لن استهزئ بك أبداً بعد اليوم.. أقسم لك.. (يترك الصليب ويتحه نحو القبو، يدخل راسه داخل القبو) أيها القسيس.. أعلم أنك جثة هامدة.. وأنني أكلت ذراع الطفلة المسكينة.. لكنني أقسم لك أن هذا يحدث فقط في الكوابيس... إنني مجرد فلاح هندي.. (يخرج راسه من فوهة القبو) هل أنا فلاح هندي بالفعل؟!!.. لا أعلم.. ولكن.. لماذا قلت ذلك؟ إنني أفضل أن أكون فلاحاً هندياً على أن أبقى داخل هذا الكابوس.. (يطلق الرصاص على فمه فيسقط وينهض).. أرجوكم.. (يأخذ الزجاجة ويجرع منها ويمصمص شفتيه) لذلك لم أشعر بطعم هذا النبيذ.. (يجرع مرة اخرى).. لا لا لا.. لن أبقى هنا.. (يطلقة الرصاص على نفسه فيسقط وينهض).. اللعنة.. هل هذا كابوس أم حقيقة؟ (يطلق الرصاص على فمه فيسقط وينهض، ثم يجرع من الزجاجة ويطلق الرصاص على فمه فيسقط وينهض) ويظل يفعل ذلك حتى إسدال الستار.
(ستار)
النهاية