أمل الكردفاني - لماذا تتقارب قوانين الدول؟

هناك اعتقاد سائد بأن القوانين تختلف من دولة لأخرى إختلافات جوهرية. لكن عبر أبحاثي ودراساتي في الأنظمة القانونية وخاصة فرع القانون الجنائي، وجدت أن الاختلافات بين الأنظمة القانونية (اللاتيني، الأنجلو امريكي) ليست بذلك القدر المتخيل لدى الناس. يكمن أن تنحصر الاختلافات غالباً في القواعد القانونية الخاصة، أما القواعد العامة فهي تتكاد تتوحد وإن اختلفت المسميات.
على سبيل المثال:
إذا سرق جائع طعاماً، فسنجد أنه هنا كان في حالة ضرورة. حالة الضرورة موجودة في كل نظام جنائي، بل وموجودة في الإسلام قبل ألف وأربعمائة عام. لذلك لم يقطع عمر بن الخطاب رضي الله عنه في عام الرمادة.
حالة الضرورة قاعدة عامة ومختلف حول طبيعتها أهي مانع من موانع المسؤولية (حيث يظل الفعل مُجَرَّماً ولكن يمتنع عقاب المجرم)، أم أنها سبب من أسباب الإباحة (حيث يكون الفعل وهو هنا سرقة الطعام مباحاً). ذكرت في كتابي البسيط في شرح القانون الجنائي أن هذا الخلاف اثر على القانون الجنائي لسنة ١٩٩١ فجاءت الصياغة مضطربة.
على كل حال، القواعد العامة، تكاد تكون متطابقة بين الأنظمة القانونية المختلفة، إلا من اختلافات بسيطة، غالباً ما تكون توسعة في مبدأ أو تضييقا له.
فالدفاع الشرعي وتعريف الركن المادي والمعنوي وتفاصيل أخرى تكاد تكون متماثلة.
لكن لماذا هي متماثلة؟
يعتقد البعض أن القوانين تأخذ من بعضها البعض لذلك هي متقاربة، ولكنني أرى أن هذا ليس هو السبب، بل السبب هو الطبيعة الأخلاقية للقانون. فإذا كان جل ما يرغب فيه المشرع هو تحقيق العدالة عبر التجريد والعمومية، فإنه سيتجه نحو الصواب. وفي لحظة ما فإن أغلب المشرعين بل وحتى القضاة سيصلون إلى تلك الدرجة من الصواب، وذلك لأن البشر في كل العالم واحد، أي متشابهون في الطباع والأخلاق والتركيب الفسيولوجي والتشريحي، وطريقة التفكير وانفعالاتهم مع الواقع من خلال تفاعلاتهم معه. الإنسان في الصين هو نفسه الإنسان في السودان وهو نفسه الإنسان في جنوب افريقيا وفي أقصى الإكوادور في القارة اللاتينية، فهم كلهم يملكون إحساساً أخلاقياً متقارباً عندما يرون إنساناً يتضور من الجوع. فهذا الإحساس كما يقول جون استيوارت ميل احساس عالمي للإنسان المتحضر. أي باستبعاد الإنسان في العصور شديدة البدائية.
وبما أن القانون هو محاولة لبلوغ الأقصى الممكن من العدالة، فلا شك بأن نفس المشرع هنا ونفس القاضي هنا سيصلون إلى ذات المبدأ هناك. غير أن التفاصيل التي قد تختلف ستكون يسيرة وغير جوهرية.
يمكن للإنسان العادي أيضاً أن يتشارك مع المتخصصين إحساسهم بالعدالة في بعض الأحيان. فإذا سمعنا بأن عقوبة سرقة الطعام هي الإعدام فإن نفوسنا لن تتقبل هذه العقوبة القاسية حتى لو لم يكن السارق جائعاً. لذلك فهناك منطق أخلاقي لا علاقة له بالمنطق الأرسطي أو المنطق الرمزي، أي أنه منطق للحساسية الشعورية تجاه القضايا غير المادية. وأهمها قضية العدالة.
(يتبع)..

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى