عندما يفوز رافاييل نادال ببطولة في التنس، يذكره العالم أنه "البطل الإسباني"، وترتفع معنويات بني بلده... وينتهي الكلام.
عندما يضيف أولكسندر أوسيك فوزا آخر ببطولة العالم للملاكمة للوزن الثقيل للمرة الثانية على التوالي قبل شهرين، يتردد عبر الإعلام أنه "بطل أوكرانيا"، ويحتفل مواطنوه بفخر... وينتهي الكلام.
وعندما يتم تقدير كريم بنزيمة قبل يومين بالكرة الذهبية في كرة القدم بفضل ألمعيته في فريق ريال مدريد، لا ينتهي الكلام، بل يتأجج حراك الخطاب والتحايل على أرباع وأسداس هوية البطل المحتفى بها، وتتحرك أوصاف اللغات ونعرات القوميات بمرجعيات مختلفة في كل اتجاه متنافر عن الآخر:
* "الفرنسي" كريم بنزيمة يفوز بالكرة الذهبية (الصحافة الفرنسية)
* "لاعب ريال مدريد" يفوز بالكرة الذهبية (الصحافة الإسبانية)
* بعد زيدان .. فرنسي آخر من "أصول جزائرية" يفوز بالكرة الذهبية (الصحافة الجزائرية)
* اللاعب "الأمازيغي" كريم بن زيمة يفوز بالكرة الذهبية (المواقع الأمازيغية)
* لاعب "عربي" يفوز بالكرة الذهبية (الإعلام
الخليجي)
* لاعب المنتخب الفرنسي من أصول "مغاربية" يفوز بالكرة الذهبية (الإعلام المغربي)
* كريم بنزيمة "المسلم" المعتز بدينه يفوز بالكرة الذهبية (مواقع الجماعات الإسلامية)
بنزيمة مواطن في هذا العالم أو مواطن عالمي Global citizen متصالح مع شخصيته وهويته وثقافته المركبة من جنوب وشمال البحر المتوسط. وثمة عدة مفارقات مثيرة:
١. تعدد الإسقاطات الهوياتية على هذا الفرد لشهرته ونجاحه الرياضي إلى حد ادعاء كل جهة قومية أنه ينتمي إليها ويمثلها في هذه اللحظة وهو تحت أضواء حفل التكريم. كانت حقبة الثمانينات بداية الحروب الثقافية بسبب الهوية، ولكن هذه المرحلة تكرس ما هو أسوء وهو أسْلَحة الهويات Weaponization of identities في شتى المستويات، واستغلال الرموز والأيقونات في التجاذبات بين الثقافات ذات المنحى القومي المتزايد.
٢. اتفق الفرنسيون، واتفق الإسبان على هوية واحدة تناسبهم في ملكيتهم الاعتبارية لبنزيمة. ولكن العرب تنازعوا بين "الجزائري"، و"الأمازيغي"، و"المغاربي"، و"العربي"، و"المسلم". هو نسف انشطاري لدينا مقابل التوحيد لدى الأمم الأخرى. لو كان جسد بنزيمة من حرير أو ثوب، لتحركت فيه عشرات المقصات تقطعه إربًا بدعوى "الانتماء الأصلي" وأيضا الحق المفترض لهذه الجماعات في ادعاء "الملكية" القومية لهذا اللاعب النجم.
٣. هناك عشرات الآلاف وملايين بنزيمة آخرون لا تتنافس عليهم تلك القوميات، بل تحاول استصغارهم وأحيانا التخلص منهم في بعض الحالات. هناك فرنسيون من أصول جزائرية لا يستطيعون تحقيق ذواتهم لا في فرنسا حيث يُعاملون وفق تصنيف عنصري خفي "مواطن من درجة ثانية"، ولا في الجزائر بحكم تصنيفهم خارج "السرب الوطني" باعتبارهم "زماگرية" émigrés.
الهوية نعمة ونقمة، وهي أخطر أدوات الاستقطاب القومي وأسلحة الحروب الحضارية التي تنبأ بها الراحل المهدي المنجرة، وهي أيضا ما شغل بال فرانسيس فوكوياما في السنوات الأربع الماضية في كتابه Identity: The Demand for Dignity and the Politics of Resentment "الهوية: مطلب الكرامة وسياسة الاستياء" (2018).
هنيئا لكريم بنزيمة المواطن العالمي في المنحى الممتد والمتحرر وإن انفعلت بعض القوميات الضيقة.
عندما يضيف أولكسندر أوسيك فوزا آخر ببطولة العالم للملاكمة للوزن الثقيل للمرة الثانية على التوالي قبل شهرين، يتردد عبر الإعلام أنه "بطل أوكرانيا"، ويحتفل مواطنوه بفخر... وينتهي الكلام.
وعندما يتم تقدير كريم بنزيمة قبل يومين بالكرة الذهبية في كرة القدم بفضل ألمعيته في فريق ريال مدريد، لا ينتهي الكلام، بل يتأجج حراك الخطاب والتحايل على أرباع وأسداس هوية البطل المحتفى بها، وتتحرك أوصاف اللغات ونعرات القوميات بمرجعيات مختلفة في كل اتجاه متنافر عن الآخر:
* "الفرنسي" كريم بنزيمة يفوز بالكرة الذهبية (الصحافة الفرنسية)
* "لاعب ريال مدريد" يفوز بالكرة الذهبية (الصحافة الإسبانية)
* بعد زيدان .. فرنسي آخر من "أصول جزائرية" يفوز بالكرة الذهبية (الصحافة الجزائرية)
* اللاعب "الأمازيغي" كريم بن زيمة يفوز بالكرة الذهبية (المواقع الأمازيغية)
* لاعب "عربي" يفوز بالكرة الذهبية (الإعلام
الخليجي)
* لاعب المنتخب الفرنسي من أصول "مغاربية" يفوز بالكرة الذهبية (الإعلام المغربي)
* كريم بنزيمة "المسلم" المعتز بدينه يفوز بالكرة الذهبية (مواقع الجماعات الإسلامية)
بنزيمة مواطن في هذا العالم أو مواطن عالمي Global citizen متصالح مع شخصيته وهويته وثقافته المركبة من جنوب وشمال البحر المتوسط. وثمة عدة مفارقات مثيرة:
١. تعدد الإسقاطات الهوياتية على هذا الفرد لشهرته ونجاحه الرياضي إلى حد ادعاء كل جهة قومية أنه ينتمي إليها ويمثلها في هذه اللحظة وهو تحت أضواء حفل التكريم. كانت حقبة الثمانينات بداية الحروب الثقافية بسبب الهوية، ولكن هذه المرحلة تكرس ما هو أسوء وهو أسْلَحة الهويات Weaponization of identities في شتى المستويات، واستغلال الرموز والأيقونات في التجاذبات بين الثقافات ذات المنحى القومي المتزايد.
٢. اتفق الفرنسيون، واتفق الإسبان على هوية واحدة تناسبهم في ملكيتهم الاعتبارية لبنزيمة. ولكن العرب تنازعوا بين "الجزائري"، و"الأمازيغي"، و"المغاربي"، و"العربي"، و"المسلم". هو نسف انشطاري لدينا مقابل التوحيد لدى الأمم الأخرى. لو كان جسد بنزيمة من حرير أو ثوب، لتحركت فيه عشرات المقصات تقطعه إربًا بدعوى "الانتماء الأصلي" وأيضا الحق المفترض لهذه الجماعات في ادعاء "الملكية" القومية لهذا اللاعب النجم.
٣. هناك عشرات الآلاف وملايين بنزيمة آخرون لا تتنافس عليهم تلك القوميات، بل تحاول استصغارهم وأحيانا التخلص منهم في بعض الحالات. هناك فرنسيون من أصول جزائرية لا يستطيعون تحقيق ذواتهم لا في فرنسا حيث يُعاملون وفق تصنيف عنصري خفي "مواطن من درجة ثانية"، ولا في الجزائر بحكم تصنيفهم خارج "السرب الوطني" باعتبارهم "زماگرية" émigrés.
الهوية نعمة ونقمة، وهي أخطر أدوات الاستقطاب القومي وأسلحة الحروب الحضارية التي تنبأ بها الراحل المهدي المنجرة، وهي أيضا ما شغل بال فرانسيس فوكوياما في السنوات الأربع الماضية في كتابه Identity: The Demand for Dignity and the Politics of Resentment "الهوية: مطلب الكرامة وسياسة الاستياء" (2018).
هنيئا لكريم بنزيمة المواطن العالمي في المنحى الممتد والمتحرر وإن انفعلت بعض القوميات الضيقة.