د. خالد محمد عبدالغني - محمد أبو المجد وابتسامته الأخيرة..

في عام 2005 بدأت أكتب أولى دراساتي في الثقافة والفكر والأدب، وأرسلتها لمجلة الثقافة الجديدة متمنيا أن يتم نشرها على صفحاتها فقد كانت مجلة عزيزة وذائعة الصيت ولا زالت ، وكان يوم ذاك الشاعر محمد أبو المجد مديرا لتحريرها، وظللت أكتب وأرسل وأكرر المحاولات لمدة عشرة أعوام متواصلة .
حتى كان المساء من يوم الخميس الأخير من شهر سبتمبر 2016، وفي ردهات استوديو 34 الخاص بقتاة النيل الثقافية بمبنى التلفزيون المصري على كورنيش النيل، فقد كان هو على موعد للتسجيل في برنامج الرفيق من إعداد الأديبة والأكاديمية منار فتح الباب وتقديم الناقد والأكاديمي محمد عامر.
التقينا نحن الأربعة على باب الأستوديو ونظرا لانشغاله دخل للتسجل أولا مستئذنا مبتسما، وجلست أشاهد الحلقة من غرفة المونتاج، وإذا به يتحدث بطلاقة واحترافية كبيرتين، فهذه هي المرة الأولى التي أراه فيها ، وإن كنت بالطبع أعرفه كاتبا ومسئولا بإدارة النشر بالهيئة العامة لقصور الثقافة ..الخ.
وبدأت كلمات المخرج تعلن عن بدء التسجيل، واستمر هو في الحديث عن ديوانه الأخير الذي حمل عنوان "فقط يعوزه الحزن"، ويكمل الحديث عن دلالة العنوان باعتباره أحد المداخل المهمة لفهم الديوان – النص – وبلغة النقد الأدبي أحد عتبات النص المهمة، ودوره – العنوان - في تقديم صورة تكاد أن تكون معبرة عما وراء النص الشعري، وأن دلالة العنوان ليست عن "الحزن" في ذاته، ولكن عن الحزن في معناه الإنساني العام.
ولكن كيف يستقيم الحزن لديه وعلى وجهه هذه الابتسامة؟ ظل هذا السؤال محيرا لي وجلست أتصوره وكأنه التكوين العكسي تلك الآلية النفسية اللاشعورية تعمل عملها لديه فتحيل وجهه مبتسما، وهو في الآن يعاني من الحزن في داخله وفي أعماقه ، ولربما يكون مكثرا من النكات والدعابة لمن يعرفه عن قرب وف هذا تأكيد للمعنى إذا ما ثبت، ولربما كان شعورا عميقا تدركه الذات المبدعة في جوانيتها البعيدة بالرحيل وما يصاحبه من قلق على بناته.
وعن الإهداء يقول محمد أبو المجد:
"إلى امرأة جئت منها وامرأة جاءت مني بينهما اصطرم".
ويفسر تلكم الكلمات معبرا ومشيرا إلى أمه وابنتيه، ، وتهزني كلمات ذلك المقطع الشعري الذي قاله بصوت يكشف عن تأثر غريب ، ربما كان وعيا منه واستبصارا بالمصير إذ يقول:
"ضمى ساعدك ..وقولي كان لي أب" ..
ساعتئذ ربما انخلع قلبي من مكانه فلم أعِ بشكل جيد ما قاله بعد ذلك سوى أن أعماله الكثيرة والمتنوعة تتراوح ما بين الشعر والتحقيق والنقد والمسرح وأدب الطفل ولكنه يقرر أن خطابه الإبداعي هو "الشعر" وحده.
وانتهت الحلقة وقابلته إذ يهم بالخروج من الاستوديو فصافحته قائلا :
"له أوصيك خيرا بكتابي "سقوط اقنعة العمامة" فقد أرسلته لكم عن طريق الأديب الأستاذ فؤاد مرسي فابتسم "محمد أبو المجد" ابتسامة عريضة ملأت كل وجهه، وكأني مازلت أحفظها في ذاكرتي وقال "من عيني" وغادرنا وعلى وجهه ابتسامته الأخيرة.


جريدة منبر التحرير -

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى