حسن الموسوي - إعادة تأهيل المجتمع وفق رؤية فلسفية.. دراسة نقدية في رواية نزلاء القصر للروائية المصرية فاتن فاروق عبد المنعم

تندرج رواية نزلاء القصر ضمن الأدب النسوي ، فالكاتبة إمرأة وأغلب أحداث هذه الرواية تدور حول مشاكل الطبقة المسحوقة في المجتمع من النساء، تلك الطبقة التي تمارس كل شيء خارج المنظومة الأخلاقية فهي تمارس الدعارة و التسول وتجارة المخدرات في مجتمع شرقي ما زال ينظر الى المرأة تلك النظرة الدونية و يعتبرها عورة ولا يتردد في قتل المرأة المنحرفة تحت مسمى غسل العار .
لقد تنامى دور المرأة في الأعمال الأدبية كافة حيث لوحظ ان هناك اختلافا بين ما يقدمه الرجل و بين ما تقدمه المرأة من اعمال .
كذلك تتم مواجهة ذكورية الأدب او المنهج الذكوري للأدب عن طريق الأدب النسوي .
صحيح ان اغلب الكتاب قد جعلوا من المرأة المحور الأساسي لأفكارهم و كتاباتهم إلا ان الكاتبة هي الوحيدة القادرة على ان تصور لنا هموم و مشاكل المرأة في مجتمعاتنا الشرقية .
و من العنوان سوف تكون بداية الدراسة النقدية ، حيث يعرف العنوان على انه ( مجموع العلامات اللسانية كلمات مفردة ، جمل ، نص التي يمكن ان تدرج على رأس نص لتحدده و تدل على محتواه العام و تعرف الجمهور بقراءته ) .
و بما ان العنوان هو عتبة نصية او هو نص موازي للنص الأصلي فيمكن للقارئ ان يعرف شيئا عن المتن الروائي من خلال العنوان .
و قد استخدمت الروائية في عنوانها كلمتين نزلاء القصر و النزلاء جمع كلمة نزيل و هي تستخدم للسجين ، اما القصر فهو بيت واسع و مبني بطراز راقي و لا يسكنه إلا الملوك و الرؤساء و الأثرياء فأي مفارقة هذه حينما اجتمع القيضين في عنوان واحد .
يقول كولن ولسون في كتابه فن كتابة الرواية ، ينبغي للروائي حينما يختار عنوانا لروايته ان يجمع النقيضين في العنوان من اجل الوصول الى حالة الإبداع و قد ضرب مثلا حينما قال ( باقة من الأسلاك الشائكة ) و هنا قد جمع بين النقيضين ، فالباقة تكون مصاحبة للورود لا للأسلاك الشائكة و هكذا .
و بما ان اغلب النزلاء من النساء فكان الأجدر ان تسمى الرواية ب ( نزيلات القصر )
الثيمة الرئيسية للرواية تعتمد على فكرة تم طرحها بكل جرأة حيث تم إحضار عائلات تمتهن الدعارة و التسول و كافة الأعمال الحقيرة و تم إسكان هذه العوائل في قصر الرئيس من اجل اعادة التأهيل تمهيدا لإعادة دمج تلك العوائل من جديد وسط المجتمع بعد ان يتم التخلص من أدران الماضي بكل ما فيه من ويلات و آلام .
و من اجل نجاح هذه التجربة التي أمر بها السيد الرئيس تم إخضاع الجميع الى المراقبة الشديدة مع تنظيم دورات تثقيفية بغية استنهاض الهمم و الإعتماد على النفس .
مثل هذه الأفكار هي وليدة على مجتمعاتنا و بالتالي سيتم التعاطف مع هذه الطبقة المسحوقة من اجل نجاح مهمة التأهيل .
تبدأ الروائية بوصف الطبقة التي سوف تختارها من اجل تنفيذ قرار الرئيس حيث تقول ( كيانات مهيضة و ان بدت جريئة متفحشة بملامح قاسية ، فتلك قشرة زائفة تخفي حقيقة الخوف الدائم و الترقب من مجهول مرعب يتوعدهم ، ينظرون الى المارة ، يستنبطون داخلهم كأنهم اغراب ، لا يلون على منطق مفهوم ، فهم يشعرون انهم دون الآخرين في كل شيء ، كأنهم حرمت عليهم الحيوات السوية ) ص 4
و إزاء هذه الشخصيات المعقدة و المركبة و المنحرفة فإن مهمة الفريق المكلف بالإصلاح سوف تبدو مهمة اشبه بالمستحيلة .
في هذه الرواية استطاعت الروائية من سبر اغوار الشخصيات و التعمق أكثر في الظروف التي أدت بتلك المنحرفات من سلوك الطريق الشاذ ، و هنا نجد انها رسالة للآخرين لئلا ينزلقوا في نفس المستنقع و ان يكونوا حذرين جدا خلال التعامل مع الآخرين .
لكن بالمثابرة و العمل الجيد و التخطيط السليم نجد ان الفريق قد نجح في تحقيق الهدف المنشود
نجد ايضا ان الرجوع الى الله هو الطريق الوحيد لتخليص النفس البشرية من الأدران التي علقت بها سنين اليأس و التخبط حيث تشير الروائية الى ( قامت فوزية و سلوى لقيام الليل ، وقفت الدكتورة سندس تعلمهن و تسرد لهن فضيلة هذه العبادة ، و هذا التوفيق من الله لأنها لا تمنح سوى للصادقين ) ص 66
و في هذا المقطع نجد ان فوزية و سلوى قد اقتربتا من شخصية رابعة العدوية التي كانت تمارس الفاحشة ثم تابت الى الله و صلح امرها .
و في هذا استخلاص من احداث تاريخية ألقت بظلالها على كثير ممن سار على نفس النهج .
كذلك نجد ان الفريق قد اتبع النظام الاشتراكي في تعامله مع النزلاء حين سمح للنساء ببيع منتجاتهن مع الاحتفاظ بالإيرادات في حساباتهن الشخصية حيث تقول ( جلست كل منهن خلف منضدة تعرض عليها منتوجاتها فأقبلت الشاريات عليها و قبل المغرب كن قد بعنها كلها ) ص 77 .
الفكرة الرئيسية لهذه الرواية هي كيفية بناء الانسان الذي يعد من الأعمال الصعبة و قد احتاج الفريق المكلف بهذه المهمة ثمانية اشهر من التخطيط و التدريب و التعليم و المراقبة .
المكان في هذه الرواية هو مكان واحد يتمثل في القصر الذي تدور فيه جميع الأحداث ، إلا ان الكاتبة تنقلنا بين فترة و اخرى الى أمكنة اخرى جرت فيها الأحداث في الماضي عن طريق استخدام تقنية ( الفلاش باك ) لتسلط الضوء عن حياة كل إمرأة و كيف وصلت الى مرحلة البؤس و الشقاء .
اما الزمن فهو في كل العصور فحيثما يوجد الانسان توجد الخطيئة و بالتالي نحتاج الى عملية اعادة تأهيل للإنسان العاصي بغية الوصول الى المدينة الفاضلة او المجتمع الفاضل .
في نهاية الرواية نصل الى مرحلة المغادرة من القصر بعد الانتهاء من اعادة تأهيل العوائل كي يلجوا الى المجتمع بثقة عالية حيث تقول الروائية ( حانت لحظة مغادرة القصر ، كانت صعبة مهما هونت المشرفات من الأمر بأن هذه القصور ستصبح منفعة عامة لجموع الشعب لأنها ملكهم ) ص 93.
تذكرني هذه الرواية بالأعمال الجبارة التي خاضها الرئيس لي كوان من اجل بناء دولة سنغافورة ، تلك الدولة التي كان معظم شعبها يمارس الرذيلة بكل تفاصيلها من السرقة و الدعارة و بيع البشر ، لكن لي كوان استطاع بعد ان وضع كل تخطيطه على التعليم من ان يجعل من سنغافورة دولة قوية متحضرة و ذات اكبر اقتصاد في العالم .
اذن التعليم هو المفتاح الرئيسي لإنتاج مجتمع ينعم بالرفاهية و العدل و يعيش في ود و تسامح .

حسن الموسوي / العراق


1666774749030.png

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى