أمل الكردفاني- رؤية حكماء الماسونية ضد إسرائيل

يقول وليم غاي كار في كتابه أحجار على رقعة الشطرنج مامعناه أن الماسونية ضد الله ومع الشيطان. وأعتقد أن ما قاله كار ليس صحيحاً البتة، بل فيه تشويه كبير لحقيقة الآيدولوجيا الماسونية، فهي آيدولوجية ليست كلها خير لكنها ليست كذلك كلها شر. إن المشكلة الأساسية التي تعاني منها تلك الآيدولوجيا هي أنها تهتم اكثر بقوة المال وتعظيمه، وهذا أول تناقض مع ارتكازها على النزعة الطبيعانية. فالمال نفسه ينتمي للصناعي لا للطبيعي، المال يشمل التملك لكل ما هو متقوَّم ومشروع بما في ذلك الأموال المنقولة أو العقارية، المادية أو غير المادية. ربما شاهدنا جميعاً فيلماً رائعاً عن قبيلة أفريقية كانت تعيش على المشاع الاقتصادي، ثم فجأة وجدوا قنينة زجاجية، ودار صراع حول ملكيتها، وانتهى الفيلم بأن هذه القبيلة قررت تدمير هذه القنينة الزجاجية الشيطانية أو إخفائها (هذا إتجاه يرى أن الملكية كانت شائعة في العصور البدائية)؛ حتى أن بعض العلماء الأنثروبولوجيين عززوا هذا الإتجاه بالتأكيد على مشاع الجنس في أبحاثهم. في المقابل هناك توجه عكسي، يرى أن الملكية لم تكن عامة، وأن الإنسان البدائي نفسه كان يعرف مؤسسة الزوجية (إدوارد ويسترمارك- موسوعة تاريخ الزواج). وإذا نظرنا إلى التكتلات القبلية للدفاع عن نفسها، فسنرى وجها آخر للملكية الخاصة، ولكن إطار الخصوصية أوسع من الإطار الفردي المحض، وهذا يؤكد فكرة التملك ولا ينفيها. لذلك قد لا تكون الآيدولوجيا الماسونية متناقضة مع الطبيعانية، لكننا نرى أن الماسونية أُغرقت في حماية القوى الرأسمالية، معتمدة أفكار الرعيل الأول من الليبراليين وأهمهم بالتأكيد آدم اسميث، وعلى المستوى الاجتماعي ستيوارت ميل وعلى المستوى القانوني جاروفاللو الإيطالي.
كذلك فإن من مثالب الآيدولوجيا الماسونية، هو نزعتها إلى فرض توجهاتها عبر القهر السلطوي (المال والقانون والسلاح). هذا ينفيها نفياً شاملاً، فكيف يمكنك أن تدعو إلى الحرية ثم تصادرها بالقوة، مناهضاً كل الخصوصيات الثقافية، وبعداء فيه الكثير من الوقاحة ضدها، حتى لو سلمنا بأنها ثقافات بدائية ومتخلفة وقمعية. مع ذلك فالماسونية استخدمت كل قوتها لتشكيل التاريخ عبر القهر السلطوي، بدءً من نقل مركز أعمالها من بريطانيا إلى العالم الجديد، والذي أفضى إلى تطهير عرقي للهنود الحمر والسكان الأصليين في أمريكا اللاتينية.
لكننا، بالتأكيد، عندما نشاهد نتائج الماسونية اليوم فسنجدها نتائج جيدة، فأمريكا أصبحت دولة عظمى. اتسع نطاق الحرية الفردية في العالم الغربي، ازدادت القوة الصناعية والتكنولوجية في تلك الدول التي خضعت للحكم الماسوني، من اليابان وحتى كندا، ترتفع هجرات الشباب من الدول الكلاسيكية الدكتاتورية البائسة إلى دول الدموقراطية الموجهة ماسونياً بكثرة، ولا يحدث العكس. ترتفع فرص العمل، وفرص الريادة والإبتكار في الغرب الماسوني، ويشعر الفرد بالأمان على توجهاته الجسدية (المرأة، المثليون)..الخ. وكل هذه إيجابيات. لكن على مستوى آخر فإن روح الإنسان تخضع لقمع عنيف. فالروح الثورية تنطفئ، الدفاع عن العدالة الإجتماعية يتقلص، يتم عزل الفرد عن الحماية المجتمعية، تنقرض ثقافات بسبب العمل على تفتيتها، وتتلَبْرَل الأديان والمعتقدات القديمة، وهذه نقطة جوهرية، يجب الإلتفات لها، لأنها ستغير المعادلة المستقبلية لدولة إسرائيل. فإسرائيل اليوم هي الدولة الدينية الوحيدة في منطقتها الجغرافية، ذلك أن أغلب الدول العربية المحيطة بها تتوجه نحو العلمنة (مصر، الأردن، سوريا، لبنان، وحالياً سنجد دول الخليج نفسها تتعلمن)، ولكي تحافظ إسرائيل على نفسها كان من الواجب أن تقوم بالإبقاء على القليل من النزعات الدينية في الدول الأخرى، لذلك أبرمت ما يُسمى بالإتفاقات الإبراهيمة، ولم يكن من المهم بالنسبة لإسرائيل أن تبرم تلك الاتفاقات مع دول كالإمارات، وإنما كان إبراهمها لهذا الاتفاق (استراتيجياً) مع السودان. كان نتنياهو قد غرد على تويتر عقب لقائه بالبرهان في أوغندا بأنه التقى اليوم (برئيس) دولة (إسلامية)، هو الرئيس البرهان(الجزيرة- 5/2/2022) والإسرائيليون لا يطلقون المسميات جُزافاً كما يفعل العرب، فكل كلمة لها معناها ولها مغزاها ولها إشاراتها السرية والمعلنة. عقب ذلك وبمجرد أن تولت قحط الحكم، وقع عبد الباري وزير العدل على الاتفاقات الإبراهيمية (انظر: فرانس24/ أ فب/ نشرت في: 06/01/2021 - 17:40). وهكذا حصلت إسرائيل على روح جديدة في مواجهة زحف الآيدولوجيا الماسونية، أي علمنة كل الدول، ونزع مصدرها التأسيسي التاريخي (الدين). لكن إسرائيل تعلم أنها لن تستطيع الوقوف طويلاً ضد القوى الماسونية، وأن عليها أن تبدأ بتوفيق أوضاعها بأسرع ما يكون لكي تستقر قبل علمنتها الشاملة ونهاية اعتمادها على الأساطير التوراتية. لقد ظل علماء الآثار في إسرائيل يقلبون كل حصاة وحجر ليجدوا ولو دليل واحد على صحة الشخصيات والأماكن التاريخية في التوراة وفشلوا في ذلك فشلاً ذريعاً، وبالتأكيد سيستمر فشلهم هذا، لأن إيمانهم بصحة التوراة أعماهم عن رؤية حقيقتها ككتاب زيَّف تاريخ الشرق الأوسط برمته وهو يحاول أن يجعل من مجرد بدو قطاع طرق شعباً مختاراً من الله.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى