-(١)-
في البدء كان الله ولم يكن معه شيء ثم كانت الاوطان ولم يخلق معها الا الحزن والعذاب !
- (٢)-
كل مآسي العالم كانت تجري تحت سمع وبصر السماء المتجهمة ساعة حدثت الفتاة المتانقة نفسها فقالت :
(ها قد جاء الشتاء وعظامي باردة والبيت يشكو قلة الفئران وابي العسكري البائس مات في حرب الجنوب واخي الاكبر التهمته غربة طويلة ليست ذات جدوي، و(رقية) اختي تزوجت سائق ركشة مدمن علي الكحول بينما امي تجلس علي قارعة الطريق تبيع الشاي وانا مازلت عانس ولي عشر صديقات كلهن بائسات منحوسات مثلي، ويقع في غرامي موظف كحيان ذو كرش كبيرة واسنان صفراء وشاب عاطل وبائع خردوات ويغازلني عبر الواتس شاب يعيش وحيدا في بلاد يكتنفها البرد والصقيع ،كل شيء فيها متاح..حتي لبن العصفور ..)
ورفعت الفتاة بصرها المسبل الي المراة فنظرت الي وجهها فرات أنه حسن ومليح ونظرت الي دواخلها فادركت انها تعيسة وهمست لنفسها:
(اه لو جاء حبيبي الافتراضي من بلاد الثلج والمني والسلوي !!.)
-( ٣)-
اه ياقلبي ،كل شيء بارد وموحش!
وهنالك قطة تكور جسدها اسفل برميل للقمامة حينما كانت الفتاة المتأنقة تذرع شارع الحرية لتدلف زقاقا جانبيا مكتظا بالمارة وببائعات الشاي والعطالي .. تاففت الفتاة من منظر صبي متشرد مكشوف العورة يتعاطي السليسون تحت ظل بناية قديمة وكادت ان تتعثر فتسقط في بالوعة صرف صحي وبالكاد تنبهت الي خطر سيارة مسرعة كادت ان تدهسها فصرخ السائق والسابلة (لاحولاا ..يالطيف! ) ابتلعت ريقها وحانت منها التفاتة الي الوراء فابصرت بائع كركدي يغمز لها بطرف عينه اليمني ومالبثت ان رات شخصا سكرانا يتبول في خرابة مهجورة في طرف الشارع فاسرعت الخطي كي تنفد بجلدها من جحيم هذا الشارع وسرعان ماوقعت في مطبات منحني ضيق يفضي نحو وسط جحيم العاصمة وكانت ماتفتأ تقول في نفسها :
( قذارة كهذه لاشيء يكنسها الا مطر من الرصاص والكبريت )
ثم زمت شفتيها أكثر وقالت:
(ولكن متي يجيء حبيبي لياخذني معه نحو بلاد الحب والثلوج البيضاء)
- (٤)-
وقال طفل شحاذ لامراة شحاذة بعد ان اطال النظر الي وجهها الممتليء بالتجاعيد :
(لعلك امي التي تاهت عني في متاهات الزمان ..بل انت امي !)
دفعته المراة ذات الوجه الحجري حتي سقط ارضا وبصقت في وجهه وقالت:
(هل رايت يوما امراة تلد الديدان؟)
وصاحت الفتاة المتأنقة ضاحكة :
(لم نر بلادنا تلد الا القمل والديدان! )
ثم ضربت الارض بكعبها العالي وانفلتت باتجاه مطعم سياحي فاخر.
- (٥)-
وكان هنالك اسكافي عجوز يخصف نعلا وبائع قصب سكر يتبول وراء الجامع بينما الفتاة المتانقة تهرول لموافاة عشيقها غير الافتراضي في الموعد وهي تفكر في الهجرة الي بلاد الثلج ذات الشموس الوردية وبنايات الزجاج المصقول والشوارع اللامعة والمجلوة بماء المطر وكان ثمة من يقول خلفها للمراة وللصبي الباحث عن الخبز والحنان:
(الله كريم ...الله كريم)
-(٦)-
وفي المطعم قابلت الفتاة المتانقة رجلا متهدل الكرش ظل يرسل الرسائل ويغدق عليها المال زمنا طويلا .. ثرثرت معه حول امور كثيرة واحتست عصير المانجو المثلج ولم تمنحه في نهاية الأمر الا قبلة عجلي تسلل منها طعم المانجو الي ريقه الظاميء وسالها ؛هل تحبيني فقالت انها تحبه وقال لها هل ستوافيه في الموعد المقبل فقالت له ان شاشة هاتفها النقال سوف تغدو مظلمة تماما ويعتريها العطب في الايام المقبلة ، فاسرع خلفها علي الفور نحو احدي المحال التجارية فاشتري لها هاتفا ينام في كرتونة انيقة ويتدثر من برد الشتاء بغطاء ناعم وقال لها ان الهاتف قادم من الصين لكنه سيفي بالغرض واكثر..
.رددت الفتاة (سيفي بالغرض بل وأكثر ...)
ودست الهاتف في حقيبتها وراحت تفكر كيف ستقول لوالدتها لو انها سألتها من اين قد حصلت علي ثمنه وحين حانت لحظة الفراق ضغط الرجل علي يدها وقال لها ان اولاده يزمعون السفر الي بورتسودان في يوم الخميس القادم لحضور مناسبة ما وانه سوف يكون وحيدا بالبيت ...وحيدا لا ينتظر الا مجيئها ولم تكن الفتاة المتأنقة حين سحبت يدها انذاك من يده المرتجفة الباردة تفكر الا بحبيبها الغائب في بلاد الثلج والاحلام .!
-( ٧) -
وحين صعدت الي الحافلة،تاوهت طويلا .. اخرجت هاتفها النقال الجديد وصارت تتحسه كما يتحسس الطفل لعبة جديدة وما لبثت ان راحت اناملها تداعب لوحة المفاتيح فكتبت رسالة مقتضبة الي حبيبها الافتراضي في بلاد الصقيع تقول له:
( الا تعلم انك قلبي وعقلي وروحي ولكن فقط اخبرني متي ستأتي لتنقذني من جحيم هذه البلاد ؟)
وكالعادة فان الحبيب المتجمد في ثلاجة الغربة لم يرد علي رسالتها الا بصورة وردة حمراء وقلب جريح يقطر منه الدم.!
-(٨)-
وصلت البيت في ساعة باكرة من المساء ونظرت الي شاشة الهاتف الجديد فلم تجد رجل الثلج والصقيع قد بعث برسالة اخري، بدلت ثيابها ووقفت امام المراة فرات ان وجهها حسن لكن يعتريه بعض الشحوب وكانت والدتها تلعن الام الروماتيزم والبرد والشتاءوسنوات الحكم الجائر المستبد ولم تفعل الفتاة المتأنقة شيئا سوي انها دست جسدها تحت البطانية واخرجت الهاتف الذي اشتراه الرجل ذو الكرش المتهدل وصارت تزعق في وجه الصنم القابع في بلاد الثلج :
(لماذا تتهرب مني حين اتحدث اليك في هذا الموضوع؟..لو كنت قد سئمت مني فقل ولا تتتردد...في الشتاء الفائت قلت انك ستأتي ولم تأتي وفي الصيف الحارق وعدتني فلم تأتي وجاء العيد الصغير والكبير ايضا وانت لا تأتي وربما قامت القيامة دون ان تأتي !)
حمل الواتساب الرسالة وطار بها محلقا فوق القارات والبحار والمحيطات ووضعها في بريد صنم ثلجي كان يحتسي بيرة مثلجة ويفكر في امور كثيرة ليس من بينها مسألة العودة الي بلاد القذارات التي لاشيء يغسل ادرانها سوي مطر الرصاص والكبريت!
-(٩ )-
داخل الغرفة المتهالكة كانت وحشة الشتاء تمزق روحها وخارج الغرفة كانت الشياطين تعبث بمصائر الليل والكائنات، والام ذات الروماتيزم والاحزان العتيدة هبت من رقدتها ،اضأءت المصباح وسألتها عن سر الليل الطويل والاهات المكتومة التي تشق صدرها فقالت لها :
(لاشييء ،فقط كنت افكر في عمل شاق ينبغي علي انجازه يوم الخميس القادم ) ثم همست في دواخلها:
(يوم الخميس حينما يصير ظل كل شيء مثله وحينما يغادر ابناء الرجل ذو الكرش المتهدل نحو بورتسودان ..سوف احاول ان افرغ من المهمة باكرا ......)
قالت هذا لنفسها ثم اخرجت هاتفها الصيني الجديد واضافت اسم حبيبها الافتراضي الي قائمة المحظورين علي تطبيق واتساب !
-(١٠ )-
وفي البدء كان الله ولاشيء معه ثم كانت الاوطان و لا حزن بعدها..
وكان الله جالسا علي عرشه في السماء يسمع ويري دبيب النملة في الصخرة الصماء ويري القلب الكسير الذي صرعته الالام و الجسد الذي افترسته المعاناة والرهق وكان اثير الشتاء الكئيب يحمل الرسائل الي العشيق الاخر وكانت الرسائل تقول :
( وعدتني كثيرا ان تطلق ام عيالك ولم تفعل وان تستاجر لي سكنا فلم تفعل ..ان كنت قد سئمت مني فقل لي بلا تردد...)
في البدء كان الله ولم يكن معه شيء ثم كانت الاوطان ولم يخلق معها الا الحزن والعذاب !
- (٢)-
كل مآسي العالم كانت تجري تحت سمع وبصر السماء المتجهمة ساعة حدثت الفتاة المتانقة نفسها فقالت :
(ها قد جاء الشتاء وعظامي باردة والبيت يشكو قلة الفئران وابي العسكري البائس مات في حرب الجنوب واخي الاكبر التهمته غربة طويلة ليست ذات جدوي، و(رقية) اختي تزوجت سائق ركشة مدمن علي الكحول بينما امي تجلس علي قارعة الطريق تبيع الشاي وانا مازلت عانس ولي عشر صديقات كلهن بائسات منحوسات مثلي، ويقع في غرامي موظف كحيان ذو كرش كبيرة واسنان صفراء وشاب عاطل وبائع خردوات ويغازلني عبر الواتس شاب يعيش وحيدا في بلاد يكتنفها البرد والصقيع ،كل شيء فيها متاح..حتي لبن العصفور ..)
ورفعت الفتاة بصرها المسبل الي المراة فنظرت الي وجهها فرات أنه حسن ومليح ونظرت الي دواخلها فادركت انها تعيسة وهمست لنفسها:
(اه لو جاء حبيبي الافتراضي من بلاد الثلج والمني والسلوي !!.)
-( ٣)-
اه ياقلبي ،كل شيء بارد وموحش!
وهنالك قطة تكور جسدها اسفل برميل للقمامة حينما كانت الفتاة المتأنقة تذرع شارع الحرية لتدلف زقاقا جانبيا مكتظا بالمارة وببائعات الشاي والعطالي .. تاففت الفتاة من منظر صبي متشرد مكشوف العورة يتعاطي السليسون تحت ظل بناية قديمة وكادت ان تتعثر فتسقط في بالوعة صرف صحي وبالكاد تنبهت الي خطر سيارة مسرعة كادت ان تدهسها فصرخ السائق والسابلة (لاحولاا ..يالطيف! ) ابتلعت ريقها وحانت منها التفاتة الي الوراء فابصرت بائع كركدي يغمز لها بطرف عينه اليمني ومالبثت ان رات شخصا سكرانا يتبول في خرابة مهجورة في طرف الشارع فاسرعت الخطي كي تنفد بجلدها من جحيم هذا الشارع وسرعان ماوقعت في مطبات منحني ضيق يفضي نحو وسط جحيم العاصمة وكانت ماتفتأ تقول في نفسها :
( قذارة كهذه لاشيء يكنسها الا مطر من الرصاص والكبريت )
ثم زمت شفتيها أكثر وقالت:
(ولكن متي يجيء حبيبي لياخذني معه نحو بلاد الحب والثلوج البيضاء)
- (٤)-
وقال طفل شحاذ لامراة شحاذة بعد ان اطال النظر الي وجهها الممتليء بالتجاعيد :
(لعلك امي التي تاهت عني في متاهات الزمان ..بل انت امي !)
دفعته المراة ذات الوجه الحجري حتي سقط ارضا وبصقت في وجهه وقالت:
(هل رايت يوما امراة تلد الديدان؟)
وصاحت الفتاة المتأنقة ضاحكة :
(لم نر بلادنا تلد الا القمل والديدان! )
ثم ضربت الارض بكعبها العالي وانفلتت باتجاه مطعم سياحي فاخر.
- (٥)-
وكان هنالك اسكافي عجوز يخصف نعلا وبائع قصب سكر يتبول وراء الجامع بينما الفتاة المتانقة تهرول لموافاة عشيقها غير الافتراضي في الموعد وهي تفكر في الهجرة الي بلاد الثلج ذات الشموس الوردية وبنايات الزجاج المصقول والشوارع اللامعة والمجلوة بماء المطر وكان ثمة من يقول خلفها للمراة وللصبي الباحث عن الخبز والحنان:
(الله كريم ...الله كريم)
-(٦)-
وفي المطعم قابلت الفتاة المتانقة رجلا متهدل الكرش ظل يرسل الرسائل ويغدق عليها المال زمنا طويلا .. ثرثرت معه حول امور كثيرة واحتست عصير المانجو المثلج ولم تمنحه في نهاية الأمر الا قبلة عجلي تسلل منها طعم المانجو الي ريقه الظاميء وسالها ؛هل تحبيني فقالت انها تحبه وقال لها هل ستوافيه في الموعد المقبل فقالت له ان شاشة هاتفها النقال سوف تغدو مظلمة تماما ويعتريها العطب في الايام المقبلة ، فاسرع خلفها علي الفور نحو احدي المحال التجارية فاشتري لها هاتفا ينام في كرتونة انيقة ويتدثر من برد الشتاء بغطاء ناعم وقال لها ان الهاتف قادم من الصين لكنه سيفي بالغرض واكثر..
.رددت الفتاة (سيفي بالغرض بل وأكثر ...)
ودست الهاتف في حقيبتها وراحت تفكر كيف ستقول لوالدتها لو انها سألتها من اين قد حصلت علي ثمنه وحين حانت لحظة الفراق ضغط الرجل علي يدها وقال لها ان اولاده يزمعون السفر الي بورتسودان في يوم الخميس القادم لحضور مناسبة ما وانه سوف يكون وحيدا بالبيت ...وحيدا لا ينتظر الا مجيئها ولم تكن الفتاة المتأنقة حين سحبت يدها انذاك من يده المرتجفة الباردة تفكر الا بحبيبها الغائب في بلاد الثلج والاحلام .!
-( ٧) -
وحين صعدت الي الحافلة،تاوهت طويلا .. اخرجت هاتفها النقال الجديد وصارت تتحسه كما يتحسس الطفل لعبة جديدة وما لبثت ان راحت اناملها تداعب لوحة المفاتيح فكتبت رسالة مقتضبة الي حبيبها الافتراضي في بلاد الصقيع تقول له:
( الا تعلم انك قلبي وعقلي وروحي ولكن فقط اخبرني متي ستأتي لتنقذني من جحيم هذه البلاد ؟)
وكالعادة فان الحبيب المتجمد في ثلاجة الغربة لم يرد علي رسالتها الا بصورة وردة حمراء وقلب جريح يقطر منه الدم.!
-(٨)-
وصلت البيت في ساعة باكرة من المساء ونظرت الي شاشة الهاتف الجديد فلم تجد رجل الثلج والصقيع قد بعث برسالة اخري، بدلت ثيابها ووقفت امام المراة فرات ان وجهها حسن لكن يعتريه بعض الشحوب وكانت والدتها تلعن الام الروماتيزم والبرد والشتاءوسنوات الحكم الجائر المستبد ولم تفعل الفتاة المتأنقة شيئا سوي انها دست جسدها تحت البطانية واخرجت الهاتف الذي اشتراه الرجل ذو الكرش المتهدل وصارت تزعق في وجه الصنم القابع في بلاد الثلج :
(لماذا تتهرب مني حين اتحدث اليك في هذا الموضوع؟..لو كنت قد سئمت مني فقل ولا تتتردد...في الشتاء الفائت قلت انك ستأتي ولم تأتي وفي الصيف الحارق وعدتني فلم تأتي وجاء العيد الصغير والكبير ايضا وانت لا تأتي وربما قامت القيامة دون ان تأتي !)
حمل الواتساب الرسالة وطار بها محلقا فوق القارات والبحار والمحيطات ووضعها في بريد صنم ثلجي كان يحتسي بيرة مثلجة ويفكر في امور كثيرة ليس من بينها مسألة العودة الي بلاد القذارات التي لاشيء يغسل ادرانها سوي مطر الرصاص والكبريت!
-(٩ )-
داخل الغرفة المتهالكة كانت وحشة الشتاء تمزق روحها وخارج الغرفة كانت الشياطين تعبث بمصائر الليل والكائنات، والام ذات الروماتيزم والاحزان العتيدة هبت من رقدتها ،اضأءت المصباح وسألتها عن سر الليل الطويل والاهات المكتومة التي تشق صدرها فقالت لها :
(لاشييء ،فقط كنت افكر في عمل شاق ينبغي علي انجازه يوم الخميس القادم ) ثم همست في دواخلها:
(يوم الخميس حينما يصير ظل كل شيء مثله وحينما يغادر ابناء الرجل ذو الكرش المتهدل نحو بورتسودان ..سوف احاول ان افرغ من المهمة باكرا ......)
قالت هذا لنفسها ثم اخرجت هاتفها الصيني الجديد واضافت اسم حبيبها الافتراضي الي قائمة المحظورين علي تطبيق واتساب !
-(١٠ )-
وفي البدء كان الله ولاشيء معه ثم كانت الاوطان و لا حزن بعدها..
وكان الله جالسا علي عرشه في السماء يسمع ويري دبيب النملة في الصخرة الصماء ويري القلب الكسير الذي صرعته الالام و الجسد الذي افترسته المعاناة والرهق وكان اثير الشتاء الكئيب يحمل الرسائل الي العشيق الاخر وكانت الرسائل تقول :
( وعدتني كثيرا ان تطلق ام عيالك ولم تفعل وان تستاجر لي سكنا فلم تفعل ..ان كنت قد سئمت مني فقل لي بلا تردد...)