لا نعيش بمفردنا في هذه الحياة.. لذا وبرغم ازدحامها بالكثير من المشكلات لا يمكننا أن نرى الأمور من زاوية واحدة، أو نقوم بالتعميم في معالجتها أو نلقي باللوم على طرفٍ بعينه، أو نشمل البعض كنوعٍ من الترضية لأطراف أخرى، ففي غياب الشفافية أو الحديث بصراحة حتى فيما بيننا أو مع أنفسنا لا يمكننا أن ندعي إمكانية الوصول إلى تطور في مجتمعاتنا، ولنكون أكثر واقعية وبعيداً عن التنظير فإن الحديث بصدق (ليس ممكناً على الدوام) لكنه قد يكون كذلك في بعض الأحيان، وإذا ما نظرنا بعينٍ فاحصة تقارن الواقع في بلادنا فقط ما بين الثلاثين والخمسين عاماً الماضية سنلحظ تغيراً كبيراً في تركيبة المجتمع وثقافته وتعامله مع العديد من المفاهيم والمبادئ، وهو ما أسس لظهور وانتشار الكثير من المظاهر السلبية والفساد في مختلف المجالات وبين جميع الطبقات الإجتماعية وزاد من انفصالها عن بعضها، كما قام بتجزئة الطبقة الوسطى بشكلٍ خاص إلى عدة طبقات بدلاً من تواصلها وتلاحمها، ولطالما حصر الكثيرون الأسباب أو أشاروا بإتجاه الطبقات الثرية أو الميسورة كي يعفوا أنفسهم من التفكير في الكثير من التفاصيل المحيطة بهم، والتي قد تعني أنهم بشكلٍ أو بآخر جزءٌ وازن من المشكلة وليسوا مجرد ضحايا للواقع أو (الآخرين) كما يحب البعض أن يصور نفسه..
فالدين سواءاً أدرك البعض أم لا جزءٌ أساسي من بنية مجتمعاتنا، لذلك قد تجد المصطلحات ذات الأصول أو المدلولات الدينية منتشرةً على ألسنة الناس حتى في وقت المزاح وسواءاً كان الموقف يتطلب ذلك أم لا، كونه تحول (على أيديهم) إلى جزءٍ من الثقافة الشعبية والفلكلور إلى جانب رسالته الأساسية والواضحة، وقد نجد العديد من المصطلحات ذات الجذور الإسلامية تستخدم أحياناً من قبل المسيحيين تماماً كما هو الحال مع عدد من المصطلحات ذات الجذور المسيحية التي تتكرر على ألسنة المسلمين وبشكلٍ تلقائي، لكن هل يعني كل هذا بالضرورة أن مجتمعاتنا متدينةٌ حقاً ؟.. بالطبع لا، لأن التعاملات بين الناس هي أول اختبارٍ فعلي لمبادىء أي إنسان مهما كان منبعها وهي ما يكشف عن ثقافته الحقيقية ومدى رسوخ قناعته وصلابتها في وجه المتغيرات المستمرة..
فمع تعدد الأحداث التي شهدتها المنطقة لعقود، والتي أتى جميعها كنتيجةٍ لزرع الكيان الصهيوني على أرض فلسطين التاريخية تأثرت بلادنا جميعاً بكافة مكوناتها، وحدثت العديد من التغيرات السياسية والإقتصادية التي كان لها تأثير مباشر وعميق على المجتمع وسلوكياته وساهمت في خلق (نموذج جديد) للإنسان العصري، الناجح، محط الأنظار الذي يقع في دائرة الضوء دائماً والذي يراه كلٌ بطريقته الخاصة، والذي يختلف عن النموذج الواضح المستقيم من ناحية نمط التفكير والقيم التي يعتنقها، بدءاً من اختياره لنموذج القدوة الذي يلخص رؤيته لمعنى التفوق والنجاح والرقي والتحضر ونوع الحياة الأمثل، وتحديده للفئات التي يراهم كنخب (بغض النظر إن كانوا كذلك فعلاً أم لا)، ومروراً بتبدل أولوياته كنتيجة لإختياراته السابقة حيث يحتل المظهر الخارجي والأمور المادية مكاناً بارزاً بين اهتماماته وجزءاً من (تسويق) شخصيته الإجتماعية، وصولاً إلى اللغة والكلمات التي يختار أن يتحدث للناس بها، وتغير شكل ومعنى العلم والثقافة وتبدل الهدف منهم بالنسبة إليه وتحوله من الإفادة والإنجاز وتحقيق هدف أو رسالة إلى الإستفادة والإستعراض والتباهي، عدا عن الكثير من الظواهر التي تشترك فيها مع كل ما سبق بجعل المادة والمظهر محور الحياة..
وهو ما خلق نوعاً من الصراع والتنافس المستمر فيما بين الناس وجعل الكثيرين يتخطون العديد من المبادىء والأخلاق أو يتحايلون عليها للوصول إلى هذا الهدف أو الحلم والذي قد لا يتوقف (طموحه) عند حدٍ معين، فخرجت من بيننا العديد من النماذج التي عرفت تحولاً جذرياً طال كل ما فيها ولكنه لم يستطع محو سماتها الأصلية التي تحاول دوماً طمسها كي لا تذكرها (بالماضي)، والذي لا يعني أنها بالضرورة تحررت منه فهذه الشخصيات هي شخصياتٌ مقامرة تتاجر في كل شيء، وسنجدها تتحرك بسلاسة في اتجاهاتٍ متعددة ومتضادة بين تدين وتحرر طالما كان ذلك يعود عليها بالنفع حتى وإن كانت تعلم أن الآخرين لا يحترمونها أو يحترمون أساليبها، كما أنها تتلون بإستمرار لتحاول مواكبة مختلف الفئات وإن كان ذلك يناقض طبيعتها ظناً منها أن تغيير جلدها ولسانها أو إقحامها لإسم أو نتاج شاعرٍ أو مفكرٍ أو مثقف من حينٍ لآخر ضمن حديثها سيقوم بنقلها (حضارياً)، دون أن تعرف أن الثقافة الحقيقية ليس مرتبطةً بترديد أفكار أو آراء أو كلمات الآخرين مهما علا شأنهم بل ترتبط برؤية الشخص لحصيلة تجربته أو التجارب الإنسانية التي عايشها وإن بدت متواضعة لأن قيمتها تكمن في صدقها..
وهذه الفئات لا يمكن أن تنتمي إلى مبدأ أو وطن أو دين إلاّ إذا كان سيحقق لها مصلحةً بعينها لأنها تنظر إلى أي انتماء على أنه قيد وبشكل مجرد من أي عاطفة، لذلك قد نجد من بينهم في كل مكان من يتغنى بالبسطاء (بشكل محدود ودرجة معينة) في نفس الوقت الذي تجمعه فيه مصالح مع شخصيات تحوم حولها الكثير من الشبهات وعلامات الإستفهام فتدافع عنها وتنظر لها وتبرر أفعالها لأن كليهما مفيدان في وجهة نظرها لأن (النموذج الناجح) ينبغي عليه مجاراة جميع الفئات، والتي يقدمها البعض ببراعة شديدة حيث يمتلك القدرة على الحديث أو الكتابة في مواضيع دينية خاصةً في المناسبات والمواسم بالتزامن مع تقديم مضمونٍ سوقي أو حتى العيش في حياةٍ إباحية مغلفة ببعض العبارات الطنانة والتافهة في محاولة للفت الأنظار وإضفاء قيمةٍ أدبية عليها (كما يعتقد)..
وبين هذا وذاك نرى ونلمس حولنا هذا النموذج الغريب والذي يشير إلى حالة من الفوضى الإجتماعية والذي ينبهنا إلى أن الشيطان لم يعد يأتي للبشر بتلك الصورة المنفرة والمخيفة، بل أصبح على درجةٍ كبيرة من الوعي والإطلاع، يهتم بهندامه، يتحدث بنعومة ولباقة ويتقن عدداً من اللغات، يتمتع (بجماهيرية) لدى البعض ولديه ذوق رفيع وإحساس مرهف (أحياناً) وقد يمتلك ملامح تجمع بين الجاذبية والبراءة والجمال، قد يقدم بعض الحكم والنصائح والمواعظ، قد يعزف على البيانو ويرقص ببراعة وقد يغني لفيروز، ليستخدم صوتها الملائكي المحفور في القلوب كغطاءٍ وجسر يوصله إلى (صفقةٍ) جديدة، فالشيطان لا يضيع وقته وعلينا أن نلوم أنفسنا إذا لم نختر أن نحذره لأنه (أي الشيطان) ولد من الجوع ويعيش في أحضانه ويتواجد في الأوساط التي تشبهه، ويكثر فيها اللغط وتغلفها أجواءٌ من الضبابية التي يختبأ جيداً ضمن تفاصيلها، والتي قد تغوينا لكنها لا تجبرنا، لا سيما أن البعض اختار أن يغمض عينيه في حضرته ويخدع نفسه ببراءة ما يقوله ..
خالد جهاد..
فالدين سواءاً أدرك البعض أم لا جزءٌ أساسي من بنية مجتمعاتنا، لذلك قد تجد المصطلحات ذات الأصول أو المدلولات الدينية منتشرةً على ألسنة الناس حتى في وقت المزاح وسواءاً كان الموقف يتطلب ذلك أم لا، كونه تحول (على أيديهم) إلى جزءٍ من الثقافة الشعبية والفلكلور إلى جانب رسالته الأساسية والواضحة، وقد نجد العديد من المصطلحات ذات الجذور الإسلامية تستخدم أحياناً من قبل المسيحيين تماماً كما هو الحال مع عدد من المصطلحات ذات الجذور المسيحية التي تتكرر على ألسنة المسلمين وبشكلٍ تلقائي، لكن هل يعني كل هذا بالضرورة أن مجتمعاتنا متدينةٌ حقاً ؟.. بالطبع لا، لأن التعاملات بين الناس هي أول اختبارٍ فعلي لمبادىء أي إنسان مهما كان منبعها وهي ما يكشف عن ثقافته الحقيقية ومدى رسوخ قناعته وصلابتها في وجه المتغيرات المستمرة..
فمع تعدد الأحداث التي شهدتها المنطقة لعقود، والتي أتى جميعها كنتيجةٍ لزرع الكيان الصهيوني على أرض فلسطين التاريخية تأثرت بلادنا جميعاً بكافة مكوناتها، وحدثت العديد من التغيرات السياسية والإقتصادية التي كان لها تأثير مباشر وعميق على المجتمع وسلوكياته وساهمت في خلق (نموذج جديد) للإنسان العصري، الناجح، محط الأنظار الذي يقع في دائرة الضوء دائماً والذي يراه كلٌ بطريقته الخاصة، والذي يختلف عن النموذج الواضح المستقيم من ناحية نمط التفكير والقيم التي يعتنقها، بدءاً من اختياره لنموذج القدوة الذي يلخص رؤيته لمعنى التفوق والنجاح والرقي والتحضر ونوع الحياة الأمثل، وتحديده للفئات التي يراهم كنخب (بغض النظر إن كانوا كذلك فعلاً أم لا)، ومروراً بتبدل أولوياته كنتيجة لإختياراته السابقة حيث يحتل المظهر الخارجي والأمور المادية مكاناً بارزاً بين اهتماماته وجزءاً من (تسويق) شخصيته الإجتماعية، وصولاً إلى اللغة والكلمات التي يختار أن يتحدث للناس بها، وتغير شكل ومعنى العلم والثقافة وتبدل الهدف منهم بالنسبة إليه وتحوله من الإفادة والإنجاز وتحقيق هدف أو رسالة إلى الإستفادة والإستعراض والتباهي، عدا عن الكثير من الظواهر التي تشترك فيها مع كل ما سبق بجعل المادة والمظهر محور الحياة..
وهو ما خلق نوعاً من الصراع والتنافس المستمر فيما بين الناس وجعل الكثيرين يتخطون العديد من المبادىء والأخلاق أو يتحايلون عليها للوصول إلى هذا الهدف أو الحلم والذي قد لا يتوقف (طموحه) عند حدٍ معين، فخرجت من بيننا العديد من النماذج التي عرفت تحولاً جذرياً طال كل ما فيها ولكنه لم يستطع محو سماتها الأصلية التي تحاول دوماً طمسها كي لا تذكرها (بالماضي)، والذي لا يعني أنها بالضرورة تحررت منه فهذه الشخصيات هي شخصياتٌ مقامرة تتاجر في كل شيء، وسنجدها تتحرك بسلاسة في اتجاهاتٍ متعددة ومتضادة بين تدين وتحرر طالما كان ذلك يعود عليها بالنفع حتى وإن كانت تعلم أن الآخرين لا يحترمونها أو يحترمون أساليبها، كما أنها تتلون بإستمرار لتحاول مواكبة مختلف الفئات وإن كان ذلك يناقض طبيعتها ظناً منها أن تغيير جلدها ولسانها أو إقحامها لإسم أو نتاج شاعرٍ أو مفكرٍ أو مثقف من حينٍ لآخر ضمن حديثها سيقوم بنقلها (حضارياً)، دون أن تعرف أن الثقافة الحقيقية ليس مرتبطةً بترديد أفكار أو آراء أو كلمات الآخرين مهما علا شأنهم بل ترتبط برؤية الشخص لحصيلة تجربته أو التجارب الإنسانية التي عايشها وإن بدت متواضعة لأن قيمتها تكمن في صدقها..
وهذه الفئات لا يمكن أن تنتمي إلى مبدأ أو وطن أو دين إلاّ إذا كان سيحقق لها مصلحةً بعينها لأنها تنظر إلى أي انتماء على أنه قيد وبشكل مجرد من أي عاطفة، لذلك قد نجد من بينهم في كل مكان من يتغنى بالبسطاء (بشكل محدود ودرجة معينة) في نفس الوقت الذي تجمعه فيه مصالح مع شخصيات تحوم حولها الكثير من الشبهات وعلامات الإستفهام فتدافع عنها وتنظر لها وتبرر أفعالها لأن كليهما مفيدان في وجهة نظرها لأن (النموذج الناجح) ينبغي عليه مجاراة جميع الفئات، والتي يقدمها البعض ببراعة شديدة حيث يمتلك القدرة على الحديث أو الكتابة في مواضيع دينية خاصةً في المناسبات والمواسم بالتزامن مع تقديم مضمونٍ سوقي أو حتى العيش في حياةٍ إباحية مغلفة ببعض العبارات الطنانة والتافهة في محاولة للفت الأنظار وإضفاء قيمةٍ أدبية عليها (كما يعتقد)..
وبين هذا وذاك نرى ونلمس حولنا هذا النموذج الغريب والذي يشير إلى حالة من الفوضى الإجتماعية والذي ينبهنا إلى أن الشيطان لم يعد يأتي للبشر بتلك الصورة المنفرة والمخيفة، بل أصبح على درجةٍ كبيرة من الوعي والإطلاع، يهتم بهندامه، يتحدث بنعومة ولباقة ويتقن عدداً من اللغات، يتمتع (بجماهيرية) لدى البعض ولديه ذوق رفيع وإحساس مرهف (أحياناً) وقد يمتلك ملامح تجمع بين الجاذبية والبراءة والجمال، قد يقدم بعض الحكم والنصائح والمواعظ، قد يعزف على البيانو ويرقص ببراعة وقد يغني لفيروز، ليستخدم صوتها الملائكي المحفور في القلوب كغطاءٍ وجسر يوصله إلى (صفقةٍ) جديدة، فالشيطان لا يضيع وقته وعلينا أن نلوم أنفسنا إذا لم نختر أن نحذره لأنه (أي الشيطان) ولد من الجوع ويعيش في أحضانه ويتواجد في الأوساط التي تشبهه، ويكثر فيها اللغط وتغلفها أجواءٌ من الضبابية التي يختبأ جيداً ضمن تفاصيلها، والتي قد تغوينا لكنها لا تجبرنا، لا سيما أن البعض اختار أن يغمض عينيه في حضرته ويخدع نفسه ببراءة ما يقوله ..
خالد جهاد..