عبدالرحيم التدلاوي - عن الدهشة في قصص حسام الدين نوالي، وحميد الهجام.. الجزء السابع

الجزء السابع


عند حسام الدين نوالي:
تقنية جمع النصوص في مجموعتيه: الطيف لا يشبه أحدا" و"احتمال ممكن جدا":
ثمة سمة مثيرة للنقاش في المجاميع القصصية، وهي علاقة النصوص ببعضها.
الحق أن القصص، غالبا، تكتب منفردة، وفي فترات متباعدة، وتنشر في مجلات وجرائد بشكل مستقل تماما؛ لكن منطق الطبع يقتضي جمع مادة تنسحب على عدد من الصفحات. وهنا يعمد الكتاب غالبا إلى ترتيب النصوص زمنيا أو موضوعاتيا.. أو بدون أي مسوّغ آخر.
القارئ يتلقى المجموعة في نهاية المطاف باعتبارها عملا واحدا، داخل دفتين، بعتبات مشتركة،وعنوان موحد. بل إنه يقرؤها ضمن غلاف زمني ونفسي واحد، وربما يربط التيمة هنا بأخرى هناك، والفكرة هناك بأخرى هنا، في حين أنهما حضرتا -ربما- دون خلفية معرفية ولا فنية ولا إبداعية.
على هذا النحو سارت مجموعة (الطيف لا يشبه أحدا). هي مجموعة من النصوص كُتب كل منها دون استحضار الآخر إطلاقا، لكن ما يجمعها كلها هو فكرة ربما لا تتعلق بالنصوص مباشرة ولكنها ترتبط بالكاتب وفكره، ولهذا تظهر في مقالاته وحواراته وغيرهما، وهي فكرة الصلة بين الناس، إذ كلما انتقل إلى سبل التواصل أكثر (الرقمي والورقي والإذاعي...) فإنه ينطوي أكثر على ذاته وعلى فردانيته. وأيضا في الوقت الذي تتناسب فيه منظمات السلام وهيئات التآخي، فإن رقعة الحروب والصراعات تتوسع.
بمعنى آخر، فإن ما يجمع بين نصوص هذه المجموعة لا ينتمي إلى المجموعة نفسها، بل هو عامل خارجي تماما.
بالمقابل فإن مجموعة (احتمال ممكن جدا) تشتغل بمنطق آخر، وهو أنها انطلقت من فكرة واضحة، وكل النصوص تصب في مدارها. ولهذا فإنها تقف في منتصف الطريق بين الرواية والإضمامة القصصية، إذ الشخصيات تتكرر، فهي نفسها الحاضرة في كل النصوص، والأمكنة، والفضاءات.. ، لكن ما يفصلها عن الرواية أن القارئ يتلقى كل نص معزولا، ويكتفي به، دون الحاجة إلى البحث عن تتمة له. لكنه حين يقرأ نصا آخر فإنه يربط وقائعه بما بنصوص أخرى.
وهذه التقنية ليست مستحدثة في الكتابة إذ نجد مثلا بعض شخصيات غارسيا ماركيز التي وظفها في (مئة عام من العزلة) تتكرر في نصوص قصصية مستقلة، وبالمواصفات ذاتها، وأيضا في أحد أعمال "خوان مياس" حيث الاشتغال على الشخصية الواحدة في القصص كلها، وهي شخصية (أولݣادو بيسنته). تماما مثلما هو الحال في المقامات، حيث تصدر كلها عن الراوي ذاته الحارث بن همام، أو عيسى بن هشام، والبطل نفسه أبو زيد السروجي... الخ.
لكن ما ينضاف في مجموعة (احتمال ممكن جدا) هو الاشتغال ليس على الشخصيات والرواة فقط، بل على الوقائع وبناء الفضاء الفني والجمالي المشترك. ثم إن ما يربط النصوص جميعها هو توظيف السخرية والبسمة.
وهذا في العمق لا ينفصل كثيرا عن الفكرة التي انطلقت منها سابقا، وهي أن الإنسان صار يعيش معزولا، متقوقعا، ومتمركزا على نفسه، كما لو أنه الكون كله على نحو يبعث على السخرية.
هذه السخرية نلمسها في عمله "احتمال ممكن جدا":
فلم تكن اللغة المحكية زائدة في الإضمامة، ولا ثقيلة الظل، بل كانت سمة أساسية في توليد السخرية مما يجري من أحداث شخصياتها دجاجتان وأرنب مراهق، يتصبب رغبة، قد تولد ما لا يحمد عقباه، إضافة إلى الأم والطفل السارد المتابع من موقعه الضاج بالريبة مما يمكن أن يقع فيسارع إلى طلب وضع حد للمهزلة المستمرة باقتراح ذبح الأرنب قبل أن يتجرأ على عجيزة الدجاجة.
يقوم السارد المراهق بدور سيدينا سليمان حيث كان ينقل إلينا ما يدور من حوار ويسكت عن آخر قد يكون خادشا.
حسام الدين قاص بارع يعرف كيف ينسج عوالمه من العادي والمكرر بلغة ساخرة وعين لاقطة ولغة فصيحة وحوار أنيق يخفي أكثر مما يكشف، وهو يقرأ واقعنا من خلال قصصه المدهشة؛ وهي قصص منفصلة ومتصلة، تمنحك فرصة القبض على خيطها الناظم من خلال شتاتها في العمل الأول "الطيف لا يشبه أحدا" وتراصها وتعالقها في العمل الثاني "احتمال ممكن جدا"، وهنا يمكن جمالها وتتحقق دهشتها.
**
2_ عند حميد الهجام:
صدرت له عن الراصد الوطني للنشر والقراءة مجموعة قصصية بعنوان "قرابين" وهي، بحسب الاناقد محمد معتصم:
متوالية سردية من الأحداث التي تحدث في الواقع {واقع الحكاية} المتخيل أو في ذهن القاص أو تولدها حالة الخدر أو الهذيان ، لكن لها قصد اجتماعي وفكري وجمالي واضح وبه تتميز عن كثير من القصص المغربية المعاصرة.
كما تميل بعض الأحداث بحسب الناقد نفسه إلى العجائبية.
وتحلل الناقدة المغربية الزوهرة صدقي قصة "قرابين" التي منحت اسمها مظلة للمجموعة ككل والمنشورة في رابطة أدباء الشام بتاريخ 6/ تشرين 2/ 2010، بقولها:
قصة " قرابين مولوك" في بعدها الرومانسي الظاهر تدور أحداثها حول شخص في إحدى نوبات جنونه ( آه. نسيت أن أخبرك أني عولجت طيلة ستة أشهر بالصدمات الكهربائية...) رأى... ولا يمكننا الجزم بصحة رؤياه فالسارد الوحيد الممثل هو البطل نفسه وهو نفسه يشك في نفسه وفي الأحداث (أنيست أني أخبرتك أني نسيت لأني بكل بساطة لم أكن أنا) رأى صراعا ناشبا بين شاب وطفل يحاول الاحتماء منه بفتاة تتملص منه وتزجره. ويبدو أن هذا الصراع قائم من أجل وجهة ما يريد الشاب أخد الطفل إليها لكن الطفل كان يتمنع ورغم أن البطل قد حاول التوفيق بينهما بعد أن حشر نفسه في خضم هذا الصراع إلا أنه لم يفلح في معرفة هذه الوجهة... وبعد هذا الصراع اللامتكافئ يستسلم الصبي ويمضي مع الشاب... تستيقظ غريزة الفضول في نفسية البطل فيقرر اللحاق بالاثنين معا. وبعد متاهات ومنعرجات عديدة يصعد الاثنان عمارة ويلحق بهما السارد وهناك سيفاجأ بأنه انتقل إلى عالم آخر تحفه الأساطير من كل جانب، عالم الآلهة والقرابين وفي هذا العالم سيقدم الطفل قربانا للإله مولوك. في خضم هذا الطقس تجتاح البطل نوبة جنون لا يستيقظ منها إلا في المستشفى. وبعد أن يعالج يعود إلى المكان الذي شهد منطلق الصراع بين الطفل والشاب لكنه يجد بعد سنة فقط أن الشاب قد أصبح عجوزا يستفسره عن الطفل لكن العجوز يتنكر للطفل وللأحداث التي شهدها البطل لكن الندبة التي في وجهه تشهد ضد ما يزعم. وإذا كان ادعاء الرجل صحيحا فالافتراض الوحيد المتبقي هو جنون البطل الذي لا ينفيه هو نفسه طيلة على مسار القصة، يتضح إذن من خلال هذا التقديم أننا أمام قصة بطلها مجنون يسرد على عواهنه استيهاماته وتخيلاته، فهل الأمر في الحقيقة يقف عند هذا الحد... سيبدو لنا من خلال الغوص في خبايا النص دون إهمال مفاتيحه أننا أمام قصة فريدة بطلها إنسان عادي سيرى في إحدى نوبات استيقاظ العقل ما يغفل عنه الكثير من الناس، وأن القصة أكبر بكثير من تيمة العقل والجنون.


1667644167641.png
1667644196785.png
1667644231362.png

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى