فنون بصرية مخلص الصغير - معرض تشكيلي في رواق kent بطنجة من أجل الراحل الكبير محمد الأزرق، يوم ثالث دجنبر 2022 (دعوة مفتوحة للمشاركة)

في التسعينيات من القرن الماضي، تعرفت إلى صديقي محمد الأزرق، في مدينته شفشاون. كنت شابا في بداية القصيدة، وكان هو تلميذا تشبع، مبكرا، بمحبة الشعر البعيدة، وبأحلام اليسار العنيدة. أذكر أننا خرجنا، يومها، من دار الثقافة في "الهوتة"، لننظم وقفة تلقائية تضامنا مع فلسطين، في ساحة "وطا حمام"، رفقة عبد اللطيف اللعبي وصلاح الوديع وعبد الكريم الطبال ومحمد الميموني وثريا ماجدولين وياسين عدنان... وآخرين وأخريات، إلى جانب مناضلي شفشاون الصامدة بين الجبال والجمال... أثارني، نضالئذ، حضور الأزرق، وهو يرفع الشعار تلو الشعار، بعدما كان ينصت معنا لآخر الأشعار التي ألقيت في المهرجان. ثم تقاسمنا معه الشاي في الساحة "الحمراء/ الزرقاء"، غِبَّ ذلك اليوم المشهود. تَلَفَّتُّ إلى الطبال والميموني واللعبي وشرف الدين ماجدولين والراحل عبد الحميد يدر، الكاتب العام لجمعية أصدقاء المعتمد، في ذلك الزمن "بوه"، إلى أن قلت لهم: "إني أرى مستقبل الجمعية في النظرات الساهمة والحالمة لهذا الشاب الكبير". لكن الأقدار ستقوده إلى طنجة، أستاذا في مدارسها التاريخية. (بالله عليكم، هل شاهدتم طفلا يشتغل أستاذا؟)...

هنالك في طنجة، كنت ألاقيه كلما زرت المدينة، في مهرجانها السينمائي، أو في معارضها التشكيلية، أو في ندواتها، في طنجيس، أو في الروبيس، وما بينهما، آناء الليل والنهار. لكن صورته، كما صادفتها في شفشاون، لم تفارقني ولم تبرحني حتى يوم الناس هذا: الأزرق، ابن شفشاون، وجدرانها الزرقاء، وصديق التشكيليين والأدباء، والسينمائيين والشعراء...

كنت في إذاعة طنجة، ضيفا على صديقي الشاعر سعيد كوبريت، ومعه أخي العتيد الشاعر والمترجم خالد الريسوني، بحضور الشاعر السوري نوري الجراح، في حلقة خاصة بتجربته الشعرية الكبرى. غادرنا مبنى الإذاعة الآيل للإصلاح، ثم يممنا شطر بيت الصحافة، قبل أن يتنبه كوبريت إلى هاتفه، مدركا أن محمد الأزرق قد اتصل به. ثم جاءه هاتف من شفشاون، لمّا أخبره صديق مشترك أن الأزرق في العناية المركزة، في المستشفى الدولي القريب من محطة القطار. لكأن المستشفى محطة للسفر من هذه الدنيا الدنية الدنيئة. دخلنا المستشفى، وقد اتصلنا بمديرها، بعد ساعتين من دخوله غرفة العناية المركزة. كان المدير ابن مدينتي تطوان، وقرأت في عيونه، وأنا أعرف عيون التطاونيين، ومعنى تطاون هو العين بالأمازيغية، كما تعلمون، أن صاحبنا سيغادر في أقرب وقت، ليس بسبب إفراطه في الحياة، ولكن لأنه يعاني مرضا نادرا لم يكن يعرفه، أصلا، مرض داخلي، لا ينطبق عليه اسم "الداء"، لأنه لم يأت من الخارج، بل مرض ذاتي، حيث كان جسد حبيبنا محمد يحمل كريات تقتله بالتدريج، تشرب من دمه وتقتات منه. التفت إلي الدكتور جواد، وقال لي: "إن هذا المرض لا يكاد يصيب سوى الأطفال". فقلت في نفسي وقالت أدمعي: "ومتى كبر محمد الأزرق، إنه لا يزال طفلا، وسيبقى". نظرت إلى سعيد كوبريت فلم أجده، كانت الدموع قد غطت ملامحه إلى درجة أنني خشيت عليه من الغرق. وتذكرت نداء عبد الحليم: "إني أغرق، أغرق، أغرق". بينما أجابت أدمعي: "إني أزرق، أزرق، أزرق". ومع ذلك، قاوم المناضل الجميل، وألح على البقاء، على قيد الحياة، على الحب، على الشعر، بينما كانت الليلة الواحدة تكلف أسرته الملايين. أما ليلتنا، يا محمد، فلم تكن تكلف سوانا......

شكرا لهذه المبادرة، واسمحوا لي: أريد أن أكون في مقدمة من سيشترون لوحات هذا المعرض العظيم، من أجل أسرته الصغيرة. أنا مخلص الصغير، ولا أريد أن أكبر، وسوف أظل طفلا، مثلك يا محمد الأزرق. إني أغرق... في دموعي.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى