لا يستطيع أي منا الحكم على شيء بطريقة موضوعية طالما كان ذلك الحكم بعيداً عن التجربة التي تدعمه، حيث سيظل ذلك الحكم مجرد تكهنٍ وربما وجهة نظر منحازة أو ردة فعل غاضبة من واقعٍ مرير، ولذلك كان الكثير من أبنائنا وشبابنا يحلمون بالهجرة إلى الغرب منذ عقود بحثاً عن حياةٍ أفضل ومجموعةٍ من الإمتيازات تأتي الحرية (بمختلف أشكالها) على رأسها، ولذلك ومن باب العلم بالشيء كنت أطرح بعض الأسئلة (بعد استئذان أصحابها طبعاً بنشر ما سيقولونه) عن تجربتهم لأعرف مدى نجاحها وحدود تأثيرها عليهم إضافةً إلى تجارب أخرى لنماذج مختلفة وهل كانت تشابه الصورة التي كبرنا عليها ورسمناها في خيالنا عن (الحرية) في الغرب..
ولأن تكوين أي رأي حقيقي يجب أن يستوعب أو (يحاول استيعاب) مختلف وجهات النظر كان هناك آراء كثيرة تؤكد ذلك مبدئياً، ولكن بالغوص في بعض التفاصيل المتعلقة بالخيارات الشخصية والثقافية والدينية والآراء حول مختلف القضايا بدأت الإجابات وردود الأفعال بالتباين خاصةً عند الوصول إلى الحديث عن القضية الفلسطينية، فكان هناك من يعلن عن مواقفه دون تردد ويصرح بدعمه لها بكل جرأة وشجاعة لكن كان هناك من بينهم من يتعرض إلى الكثير من المضايقات وصولاً إلى التضييق في أماكن العمل، وكان هناك من ينفي حدوث ذلك، لكن تم فعلياً تسجيل العديد من الحالات التي تم استبعادها لهذا السبب بعد إجراء المقابلة الشخصية أملاً في الحصول على وظائف شاغرة..
وكان هناك من يلتزم الصمت من تلقاء نفسه بمجرد حصوله على فرصة للعمل والعيش في الغرب، كما كان هناك من يخلع جلده ويبدل قناعاته أو بالأصح يظهر الحقيقي منها بمجرد وصوله إلى هناك حيث قد يحذف أي كلمة عربية من قاموسه، كما أنه قد يدخل في منافسة مع أبناء تلك البلاد لإثبات مدى تطوره و(تحرره) وتحضره و(تفكيره العملي) بالتنكر لكل ما يمت بصلة إلى جذوره أو أبناء وطنه والذي قد يصل أحياناً إلى اهانتهم كنوع من (إثبات ولائه)، ولم أستغرب من البعض عندما وجدته يهاجم بضراوة من يختلف عنه مع أنه كان ينادي بتعدد الآراء، كما لم أستغرب وجود من يتحدث منهم بطريقة (ناعمة) لا إدانة فيها للكيان الصهيوني أو للإحتلال رغم أن (أناشيد الحرية) لم تكن تفارق لسانه عند الحديث عن شعوب بعيدة عنا تحت ذريعة (التضامن الإنساني) وبلهجة تحمل مساواة بين المحتل وضحيته عدا عن تجنب استخدام إسم فلسطين والقضية الفلسطينية أو ذكرها واستبداله إن اضطر إلى ذلك (بالمشكلات الشرق أوسطية) كما كتب أحدهم على صفحته بعد أن استقر في باريس، والتي تعاكس على سبيل المثال آراء الكاتبة الفرنسية وحائزة جائزة نوبل للآداب لهذا العام (آني ايرنو) في هذا الشأن (والتي ستكون من الحالات النادرة التي لا يقبل فيها أبناؤنا على تقليد الشخصيات الغربية)..
والأمر لا يتوقف عند هذا الموضوع بل نراه يمتد ليشمل مختلف جوانب الحياة ومجالاتها وميادينها العلمية والأدبية والفنية والثقافية التي يرى فيها الكثير من أبنائنا المهاجرين ماليس فيها معتقداً أنها شكل من أشكال الحرية، والتي نرى أن المواطن الغربي يتعامل معها بتلقائية كونه لا يصطنعها عكس الكثيرين الذين يضعون نصب أعينهم الإنسلاخ من كل ما يشكل هويتهم الإنسانية ووجودهم رغم أنها أجمل ما فيهم اعتقاداً منهم أنها كانت سبب تعاستهم واخفاقاتهم، مع أن الموضوع ببساطة هو أن المواطن الغربي يمارس قناعاته أياً كانت دون أن يعيش في ذلك الصراع الداخلي والإزدواجية في الشخصية أو النقمة على مجتمعه، والذي لديه بالتأكيد تحفظاته عليه كأي مواطن في أي دولة، ولذلك يشدني مشاهدة أو متابعة أي وجه عربي أو غير عربي من بلادنا عند ظهوره على شاشة غربية وإن كان بلغة لا أفهمها مستعيناً ببعض الأصدقاء أحياناً لأعرف ماذا يحدث (لنا) عندما نصبح (هناك)..
وبالطبع لا يمكننا التعميم لأن النماذج الجميلة والناجحة والمشرقة والتي ظلت محتفظةً بخصائصها موجودة تماماً كالنماذج التي نقلت مشكلاتها الشخصية معها دون أن يتغير فيها شيءٌ سوى لغتها، وهو ما قد يدفعنا أو يدفع البعض منا إلى التفكير وسط كل الإشكالات التي نعيشها جميعاً في صدق وحقيقة المبادىء التي نحملها أياً كان محل اقامتنا، ونتأكد من مدى مصداقيتها وانصافها وانسانيتها وبعدها عن الإزدواجية أو تأثرها بالغير دون أن نحتاج إلى هجرة إلى الغرب، فأغلب ما نحتاجه لمعرفة أنفسنا هو حوارٌ حقيقي مع الذات دون وجود طرفٍ ثالث..
خالد جهاد..
ولأن تكوين أي رأي حقيقي يجب أن يستوعب أو (يحاول استيعاب) مختلف وجهات النظر كان هناك آراء كثيرة تؤكد ذلك مبدئياً، ولكن بالغوص في بعض التفاصيل المتعلقة بالخيارات الشخصية والثقافية والدينية والآراء حول مختلف القضايا بدأت الإجابات وردود الأفعال بالتباين خاصةً عند الوصول إلى الحديث عن القضية الفلسطينية، فكان هناك من يعلن عن مواقفه دون تردد ويصرح بدعمه لها بكل جرأة وشجاعة لكن كان هناك من بينهم من يتعرض إلى الكثير من المضايقات وصولاً إلى التضييق في أماكن العمل، وكان هناك من ينفي حدوث ذلك، لكن تم فعلياً تسجيل العديد من الحالات التي تم استبعادها لهذا السبب بعد إجراء المقابلة الشخصية أملاً في الحصول على وظائف شاغرة..
وكان هناك من يلتزم الصمت من تلقاء نفسه بمجرد حصوله على فرصة للعمل والعيش في الغرب، كما كان هناك من يخلع جلده ويبدل قناعاته أو بالأصح يظهر الحقيقي منها بمجرد وصوله إلى هناك حيث قد يحذف أي كلمة عربية من قاموسه، كما أنه قد يدخل في منافسة مع أبناء تلك البلاد لإثبات مدى تطوره و(تحرره) وتحضره و(تفكيره العملي) بالتنكر لكل ما يمت بصلة إلى جذوره أو أبناء وطنه والذي قد يصل أحياناً إلى اهانتهم كنوع من (إثبات ولائه)، ولم أستغرب من البعض عندما وجدته يهاجم بضراوة من يختلف عنه مع أنه كان ينادي بتعدد الآراء، كما لم أستغرب وجود من يتحدث منهم بطريقة (ناعمة) لا إدانة فيها للكيان الصهيوني أو للإحتلال رغم أن (أناشيد الحرية) لم تكن تفارق لسانه عند الحديث عن شعوب بعيدة عنا تحت ذريعة (التضامن الإنساني) وبلهجة تحمل مساواة بين المحتل وضحيته عدا عن تجنب استخدام إسم فلسطين والقضية الفلسطينية أو ذكرها واستبداله إن اضطر إلى ذلك (بالمشكلات الشرق أوسطية) كما كتب أحدهم على صفحته بعد أن استقر في باريس، والتي تعاكس على سبيل المثال آراء الكاتبة الفرنسية وحائزة جائزة نوبل للآداب لهذا العام (آني ايرنو) في هذا الشأن (والتي ستكون من الحالات النادرة التي لا يقبل فيها أبناؤنا على تقليد الشخصيات الغربية)..
والأمر لا يتوقف عند هذا الموضوع بل نراه يمتد ليشمل مختلف جوانب الحياة ومجالاتها وميادينها العلمية والأدبية والفنية والثقافية التي يرى فيها الكثير من أبنائنا المهاجرين ماليس فيها معتقداً أنها شكل من أشكال الحرية، والتي نرى أن المواطن الغربي يتعامل معها بتلقائية كونه لا يصطنعها عكس الكثيرين الذين يضعون نصب أعينهم الإنسلاخ من كل ما يشكل هويتهم الإنسانية ووجودهم رغم أنها أجمل ما فيهم اعتقاداً منهم أنها كانت سبب تعاستهم واخفاقاتهم، مع أن الموضوع ببساطة هو أن المواطن الغربي يمارس قناعاته أياً كانت دون أن يعيش في ذلك الصراع الداخلي والإزدواجية في الشخصية أو النقمة على مجتمعه، والذي لديه بالتأكيد تحفظاته عليه كأي مواطن في أي دولة، ولذلك يشدني مشاهدة أو متابعة أي وجه عربي أو غير عربي من بلادنا عند ظهوره على شاشة غربية وإن كان بلغة لا أفهمها مستعيناً ببعض الأصدقاء أحياناً لأعرف ماذا يحدث (لنا) عندما نصبح (هناك)..
وبالطبع لا يمكننا التعميم لأن النماذج الجميلة والناجحة والمشرقة والتي ظلت محتفظةً بخصائصها موجودة تماماً كالنماذج التي نقلت مشكلاتها الشخصية معها دون أن يتغير فيها شيءٌ سوى لغتها، وهو ما قد يدفعنا أو يدفع البعض منا إلى التفكير وسط كل الإشكالات التي نعيشها جميعاً في صدق وحقيقة المبادىء التي نحملها أياً كان محل اقامتنا، ونتأكد من مدى مصداقيتها وانصافها وانسانيتها وبعدها عن الإزدواجية أو تأثرها بالغير دون أن نحتاج إلى هجرة إلى الغرب، فأغلب ما نحتاجه لمعرفة أنفسنا هو حوارٌ حقيقي مع الذات دون وجود طرفٍ ثالث..
خالد جهاد..