ألف ليلة و ليلة منقول - كتاب "خيال لا ينقطع قــراءة في «ألف ليلة وليـلـــة»" تأليف "سعيد الغـانمي"

أرادَتْ شهرزادُ للسَّرد أن يقومَ بوظيفتينِ في وقتٍ واحدٍ؛ الأولى تعليق اهتمام شهريار برواية الحكايات له، حتّى لا تسمحَ له بأن يفكِّرَ في قتلِها. وهكذا صار السَّرد يقوم بوظيفة دفاعيَّة. كلُّ قصَّة ترويها شهرزادُ لشهريارَ تعادلُ الحياةَ نفسها. وبالتالي كلَّما زادت شهرزاد من رواية الحكايات زادَتْ فرصُها في الحياة. فالسَّرد هو الحياة نفسها.
والوظيفة الثانية هي تخليص شهريار من عقدتِهِ النَّرجسيَّة. لقد أُصيبَ شهريار بعقدة نرجسيَّة لا شفاءَ منها، حين رأى زوجتَهُ تخونُهُ. ولذلك قرَّرَ الانتقام من جنس النِّساء جميعاً. يتزوَّج الجارية في يومٍ، ويقتلُها في اليوم التالي، حتّى لم تعدْ توجد في المدينة نساء. من هنا رأتْ شهرزاد للسَّرد أن يقومَ بالوظيفة الثانية، وهي تخليص الملك السَّعيد من آثار التَّعاسة النَّفسيَّة التي جعلتْهُ عدوانيّاً مشغوفاً بقتل النِّساء البريئات.
"ألف ليلة وليلة" كتابٌ استطاع أن يستخدمَ الخيال لتخطِّي الواقع، وأن يبشِّرَ بواقعٍ أُسطوريٍّ بديلٍ لخلق الأبطال والشَّخصيّات. لكنَّه لم يستطع الاهتمام مطلقاً بإرضاء النُّخبة المثقَّفة عن طريق التَّفاعل مع اللُّغة المعياريَّة التي يستخدمُها المعتمد الرَّفيع، ممّا أفضى إلى اصطدام المشروعين. ولعلَّ أهمَّ ما في مشروع "ألف ليلة وليلة" يكمنُ في قدرة الكتاب على خلق خيالٍ مرنٍ يستطيع أن يدَّعي اكتمال التَّجربة وانفتاح البصيرة. فكتاب "ألف ليلة وليلة" في نهاية الأمر هو حلمٌ سرديٌّ جماعيٌّ، لا بدَّ له أن يسكنَ في الذاكرة الجمعيَّة، وإن كانت الذاكرة الفرديَّة هي التي تجدِّدُهُ، لأنَّه حلمٌ يتطلَّعُ إلى اكتمال التَّجربة وانفتاح البصيرة.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى