بطول الشاطئ، القابعة قريتنا على حافته، تتعدد منازل النهر، مُمهدة بفعل عمال الحكومة، المرسلين فوق (صنادل) شراعية كبيرة، مُحملة بأحجار جيرية، بيضاء غير مستوية، لكل منزَل وسعاية، تقع قُبالته تماما، للحيوان فيها ـ وربما للجان ـ مآرب شتى، أما نسوة قريتنا، فلهم مع كلابها وحميرها أحوال وأحوال.
وسط النهر وأمام المنزَل، يلملم مراكبية (الصندل) الكبير شراعه، يوجهون دفته صوب الشاطئ، يفرغ الشغيلة الأحجار الجيرية، قبل رصها على البر، من الأحجار يصنعون مصدات للماء، ببناء جُدر، لها انحدارات معينة لصق الشاطئ، ينتظم وسط الجدار المائل، سلم متعدد الدرج، عن طريقه تستطيع النسوة، النزول إلى النهر، كلما رغبن في غسل الآنية، أوالاستحمام فجرا، أوصيد الأسماك بالسنانير الصغيرة، ويستطيع الصغار ـ مثلنا ـ اللهو بالماء، أوالعوم قرب الشاطئ، أما الحوذية والفلاحون، فيمكنهم تحميم خيولهم وبهائمهم، وسط برودة الأمواج المتحركة بفتور.
لكل منزَل اسم معروف، وسلم يختلف باختلاف طبيعته؛ فمنزل السعادوة أعرض مساحة، وأكثر درجا، والبقعة النهرية أمامه، أشد عمقا، وأغزر عددا، في ابتلاعها للصغار، اللاهين بالعوم وسطها، ويأتي منزل العوابد، على العكس تماما، لدرجة أن سلمه، لايتعدى درجُه الدرجات الثلاث.
لاتقل المنازل أهمية ـ كمصدر ثابت للماء ـ، عن حنفيات الماء العذب، المنتشرة بأنحاء متفرقة، ومتناسقة من البر، تملا النسوة الجرار، وصفائح الصاج، والأواني المختلفة، بين صلاتي المغرب والعشاء، أوبعد صلاة الفجر، حيث الزحمة غير كائنة، والعتمة ليست كابية، يعدن إلى البيوت، يسندن الأواني بأماكنها المعتادة، أويصببنها بالأزيار، فتصلح للشرب والطهو، وصنع الشاي، في كل آن وزمان.
بالوسعاية الكائنة قُبالة أي منزل، يبسط النسوة فراش الحُصر، أومشمعات البلاستيك، وملاءات السرير الكالحة، يحمصن في الشمس فوقها، غلَّة السنة القادمة، من أرز أوقمح أوأذرة، فالتخزين دون تحميص، يضرب الحبة ويجعلها عُرضة للتسوس، وبالوسعاية أيضاً، كثيرا ما تتجمع، كلاب عاطلة وحمير و ...، منتقية الرُّقَع الظليلة، بفعل ما تيسر من أشجار، لتنام وقتا يسيراً، أوتتقافز في لَعِبٍ ومداعبة، تنتهي عادة بتواصل جسدي، كلابي كان أوحماري، أما الكلابي؛ فلا يختتم إلاَّ بمأساة حقيقية؛ إذ يتجمع الصغار في ثوان ـ ونحن منهم ـ لا يُعرف كيف؟، وبمجرد إحساس الأنثي بقدومنا، تخشى أن يفارقها صاحبها الكلب، فتقبض على جزئه المقدس المولج، فلا تجدي أية محاولة منه للفكاك، رغم عصينا الطويلة، وحجارتنا التي تدمي جسديهما.
تندب عيون النسوة في المشهد، تاركات ما بأيديهن، من أوان أو ملابس، تحتاج للشطف أوالدعك، غير آبهات بوجودنا، معتقدات ـ أومعتمدات ـ، على عدم فهمنا للحدث، فإذا لمحت عيونهن قدوم أحد الرجال، أسرعن بتمثيل الانهماك، في الغسل والشطف، وعيونهن مكسورة نحو خطوط الموج الرفيعة، المنسابة بين سيقانهن، وهن يحاولن ستر المساحات الواسعة، المكشوفة من صدورهن وأوراكهن، اللائي يسمحن بكشفها أمام الصغار، كما تسمح المسنات منهن، بالخروج بعد العشاء بعشاء، ليتحممن تحت صنابير الحنفيات العمومية، وهن بقمصان نومهن الخفيفة، أومتجردات تماماً من الثياب، فيظنهن أخوتنا الأكبر قليلا، جنيات بيض، وهم ـ أي الأخوة ـ، يتسللون قرب الحنفيات، باحثين عن الأعشاش المسكونة بالعصافير، الكائنة فوق الأشجار، وعن ذكور الضفادع المتقافزة بكسل، قرب الماء المتسرب.
هكذا وصلت إلى آذاننا، حكايات الأخوة، عبر سردهم إياها للأمهات، كما وصلت إلى آذاننا أيضا، همسات الأمهات لهم بالحقيقة، فالجنيات المزمعات، لسن سوى هؤلاء النسوة العجائز، مدمنات التحمم، في هاتيك الأوقات.
فتخفت جذوة الخوف بداخلنا جميعا، من جنيات الحنفيات، ومن الكلاب البعيدة، مدمنة العواء ليلا، والتي من بينها بالتأكيد، بعض هذه الكلبات القابضات، على أعضاء ذكورتهن، والتي غالبا ما تسرع الواحدة منهن، بمفارقة الوسعاية، جارة كلبها بعيداً، فيغيبا عن عيون النسوة، لتبدأ داخل الأذقة والحواري، صراعات أخرى، بين الحيوانين الملتحمين، وبين صغار الحارات الضيقة.
أما إذا حدث الحدث، بين جحش حرون،ـ وأتان خبيرة، فالوضع غير الوضع، إذ يتم الأمر مراراً، دون التحام كلبي مهلك، ودون فرار الأتان إلى الحارات، ودون رجوع الجحش الذكر، عما انتواه، فلا نجرؤ على الاقتراب منهما، خشية الرفس أوالعض، فيما ينصب نظر النسوة على ما يدور، تصنع أفواههن المصمصات، وتصنع أجسادهن حركات غريبة، وتتوقف آليا أيديهن داخل الأوني، دون إتمام للشطف، ترمي عين الواحدة منهن، نحو الأخرى بلمحة خفيفة، تبدو مفهومة دون كلام، تخفت حركة المنزل المرصود، يوشك أن يحل الصمت، إلاّ من سمكة شاردة، تطارد أخرى قرب سطح الماء، أومن عصفور، يسابق آخر قرب الشاطئ.
تلبد أبداننا الصغيرة، غير الواعية بما يدور تماما، إلاَّ الولد عبد الله ـ أكبرنا سنا ـ، الذي يبدو أكثرنا فهما، لبعض ما يدور، والذي لا يني أن يزعق، من مكمنه القريب من المشهد، بأنه يلمح رجلاً قادماً.
عندها ودون أية كلمة، تصل آذاننا تمتمات غير مفهومة للنسوة، وعلى الفور يرتفع بالمنزل، ضجيج متسارع، لخبط الأواني وشطف الملابس.
وسط النهر وأمام المنزَل، يلملم مراكبية (الصندل) الكبير شراعه، يوجهون دفته صوب الشاطئ، يفرغ الشغيلة الأحجار الجيرية، قبل رصها على البر، من الأحجار يصنعون مصدات للماء، ببناء جُدر، لها انحدارات معينة لصق الشاطئ، ينتظم وسط الجدار المائل، سلم متعدد الدرج، عن طريقه تستطيع النسوة، النزول إلى النهر، كلما رغبن في غسل الآنية، أوالاستحمام فجرا، أوصيد الأسماك بالسنانير الصغيرة، ويستطيع الصغار ـ مثلنا ـ اللهو بالماء، أوالعوم قرب الشاطئ، أما الحوذية والفلاحون، فيمكنهم تحميم خيولهم وبهائمهم، وسط برودة الأمواج المتحركة بفتور.
لكل منزَل اسم معروف، وسلم يختلف باختلاف طبيعته؛ فمنزل السعادوة أعرض مساحة، وأكثر درجا، والبقعة النهرية أمامه، أشد عمقا، وأغزر عددا، في ابتلاعها للصغار، اللاهين بالعوم وسطها، ويأتي منزل العوابد، على العكس تماما، لدرجة أن سلمه، لايتعدى درجُه الدرجات الثلاث.
لاتقل المنازل أهمية ـ كمصدر ثابت للماء ـ، عن حنفيات الماء العذب، المنتشرة بأنحاء متفرقة، ومتناسقة من البر، تملا النسوة الجرار، وصفائح الصاج، والأواني المختلفة، بين صلاتي المغرب والعشاء، أوبعد صلاة الفجر، حيث الزحمة غير كائنة، والعتمة ليست كابية، يعدن إلى البيوت، يسندن الأواني بأماكنها المعتادة، أويصببنها بالأزيار، فتصلح للشرب والطهو، وصنع الشاي، في كل آن وزمان.
بالوسعاية الكائنة قُبالة أي منزل، يبسط النسوة فراش الحُصر، أومشمعات البلاستيك، وملاءات السرير الكالحة، يحمصن في الشمس فوقها، غلَّة السنة القادمة، من أرز أوقمح أوأذرة، فالتخزين دون تحميص، يضرب الحبة ويجعلها عُرضة للتسوس، وبالوسعاية أيضاً، كثيرا ما تتجمع، كلاب عاطلة وحمير و ...، منتقية الرُّقَع الظليلة، بفعل ما تيسر من أشجار، لتنام وقتا يسيراً، أوتتقافز في لَعِبٍ ومداعبة، تنتهي عادة بتواصل جسدي، كلابي كان أوحماري، أما الكلابي؛ فلا يختتم إلاَّ بمأساة حقيقية؛ إذ يتجمع الصغار في ثوان ـ ونحن منهم ـ لا يُعرف كيف؟، وبمجرد إحساس الأنثي بقدومنا، تخشى أن يفارقها صاحبها الكلب، فتقبض على جزئه المقدس المولج، فلا تجدي أية محاولة منه للفكاك، رغم عصينا الطويلة، وحجارتنا التي تدمي جسديهما.
تندب عيون النسوة في المشهد، تاركات ما بأيديهن، من أوان أو ملابس، تحتاج للشطف أوالدعك، غير آبهات بوجودنا، معتقدات ـ أومعتمدات ـ، على عدم فهمنا للحدث، فإذا لمحت عيونهن قدوم أحد الرجال، أسرعن بتمثيل الانهماك، في الغسل والشطف، وعيونهن مكسورة نحو خطوط الموج الرفيعة، المنسابة بين سيقانهن، وهن يحاولن ستر المساحات الواسعة، المكشوفة من صدورهن وأوراكهن، اللائي يسمحن بكشفها أمام الصغار، كما تسمح المسنات منهن، بالخروج بعد العشاء بعشاء، ليتحممن تحت صنابير الحنفيات العمومية، وهن بقمصان نومهن الخفيفة، أومتجردات تماماً من الثياب، فيظنهن أخوتنا الأكبر قليلا، جنيات بيض، وهم ـ أي الأخوة ـ، يتسللون قرب الحنفيات، باحثين عن الأعشاش المسكونة بالعصافير، الكائنة فوق الأشجار، وعن ذكور الضفادع المتقافزة بكسل، قرب الماء المتسرب.
هكذا وصلت إلى آذاننا، حكايات الأخوة، عبر سردهم إياها للأمهات، كما وصلت إلى آذاننا أيضا، همسات الأمهات لهم بالحقيقة، فالجنيات المزمعات، لسن سوى هؤلاء النسوة العجائز، مدمنات التحمم، في هاتيك الأوقات.
فتخفت جذوة الخوف بداخلنا جميعا، من جنيات الحنفيات، ومن الكلاب البعيدة، مدمنة العواء ليلا، والتي من بينها بالتأكيد، بعض هذه الكلبات القابضات، على أعضاء ذكورتهن، والتي غالبا ما تسرع الواحدة منهن، بمفارقة الوسعاية، جارة كلبها بعيداً، فيغيبا عن عيون النسوة، لتبدأ داخل الأذقة والحواري، صراعات أخرى، بين الحيوانين الملتحمين، وبين صغار الحارات الضيقة.
أما إذا حدث الحدث، بين جحش حرون،ـ وأتان خبيرة، فالوضع غير الوضع، إذ يتم الأمر مراراً، دون التحام كلبي مهلك، ودون فرار الأتان إلى الحارات، ودون رجوع الجحش الذكر، عما انتواه، فلا نجرؤ على الاقتراب منهما، خشية الرفس أوالعض، فيما ينصب نظر النسوة على ما يدور، تصنع أفواههن المصمصات، وتصنع أجسادهن حركات غريبة، وتتوقف آليا أيديهن داخل الأوني، دون إتمام للشطف، ترمي عين الواحدة منهن، نحو الأخرى بلمحة خفيفة، تبدو مفهومة دون كلام، تخفت حركة المنزل المرصود، يوشك أن يحل الصمت، إلاّ من سمكة شاردة، تطارد أخرى قرب سطح الماء، أومن عصفور، يسابق آخر قرب الشاطئ.
تلبد أبداننا الصغيرة، غير الواعية بما يدور تماما، إلاَّ الولد عبد الله ـ أكبرنا سنا ـ، الذي يبدو أكثرنا فهما، لبعض ما يدور، والذي لا يني أن يزعق، من مكمنه القريب من المشهد، بأنه يلمح رجلاً قادماً.
عندها ودون أية كلمة، تصل آذاننا تمتمات غير مفهومة للنسوة، وعلى الفور يرتفع بالمنزل، ضجيج متسارع، لخبط الأواني وشطف الملابس.