أ. د. عادل الأسطة - "الدار دار أبونا وأجو الغرب طردونا"

وأنا أشاهد سعاد العامري توقع روايتها " بدلة إنكليزية وبقرة يهودية " أصغيت إلى حكايتها عن عودة أبيها أديب العامري إلى يافا في العام ١٩٦٨ زائرا ليرى بيته ويسترجع منه صورة أمه .
زار أديب العامري بيته ولما طرق بابه خرجت له امرأة يهودية تسأله عما يريد ، فأوضح لها من يكون وما علاقته بالبيت ، ولما سألها إن كان يستطيع الدخول لرؤية البيت وأخذ صورة أمه أجابته :
- معك دقيقتان ، إن شاهدتك بعدهما استدعيت لك الشرطة .
اختلف الأمر مع أبي فقد زار غير مرة بيتهم في حي النزهة في يافا . استقبلته ساكنة البيت اليهودية وغلت له القهوة وواسته قائلة إن الأمر لا يعود إليها . ظل البيت صامدا إلى أن هدم وأقيم مكانه محطة بنزين .
رواية سعاد قصة أبيها ذكرتني برواية أبي ، والروايتان فتحتا الباب لاسترجاع ما قرأته من نصوص أتى كتابها فيها على حكايات الزيارة التي مررت بها في العام ١٩٦٨ أيضا ، فقد زرت مدينة اللد مع أهلها فمروا ببيوتهم التي كانت مهجورة غير مأهولة تنتظر عودتهم أو تنتظر هدمها أو استيطان يهود فيها .
وحكاية العودة إلى الديار بدأت تسللا ، فمن من اللاجئين خاب من وعود العودة ، لأنها ظلت وعودا ، تسلل عائدا إلى بيته وقريته ، وكان غالبا ما يقتل على الحدود ، وإن نجا وجد قريته قد سويت بالأرض أو وجد بيته قد استوطن . انعكس هذا في قصص قصيرة أولا كما في قصة حنا ابراهيم " المتسللون " .
لم تقتصر العودة على البشر فقد كتب توفيق فياض عن عودة " الكلب سمور " الذي حن إلى مكانه الأول فتخلى عن صاحبه رافضا حياة اللجوء والشتات - مؤخرا كتب زياد خداش عن عودة الكلبة ليكا إلى بيت وديع البستاني - .
كانت رواية غسان كنفاني " عائد إلى حيفا " ١٩٦٩ أول عمل أدبي بعد هزيمة حزيران صورت عودة اللاجئين الفلسطينيين لزيارة بيوتهم . عاد سعيد . س وزوجته صفية إلى حيفا لاسترداد ابنهما خلدون ورؤية حيفا والبيت ، فاستقبلتهما المرأة اليهودية وأفسحت لهما المجال للجلوس والاجتماع بابنهما ومحادثته ومحاورته ، وزار فارس اللبدة بيته في يافا فاستقبلته العائلة العربية التي سكنت البيت وسمحت له بأخذ صورة أخيه .
في رواية " المتشائل " تزور اللاجئة التي فقدت في أيلول ١٩٧٠ زوجها وابنها وبيتها ثريا عبد القادر مقبول اللد بحثا عن ذهبها الذي خبأته في ١٩٤٨ هناك علها تقي نفسها غائلة الجوع .
تغلق المرأة اليهودية في وجهها الباب ولا تسمح لها بالدخول ، والحكاية طريفة يمكن قراءتها كاملة في الرواية تحت عنوان " حكاية الثريا التي رجعت تسف الثرى " .
لم تغب حكايات زيارات اللاجئين عن بال إلياس خوري في روايته " باب الشمس " ١٩٩٨ ، فقد كتب عن اللاجئة أم حسن التي زارت بعد ١٩٩٣ بيتها في قريتها الكويكات لتجد ايللا دويك اليهودية اللبنانية تقيم فيه ، وكانت ايللا تسكن في بيروت في وادي أبو جميل ، وفي فلسطين تزوجت من يهودي عراقي . خاطبت ايللا أم حسن :
- أنا ناطرتك من زمان ، أهلا وسهلا .
وتسمح لها بأن تأخذ من البيت ما تريد وتتحسر على حياتها هناك .
بعد " باب الشمس " بأربع سنوات يصدر اللبناني الفلسطيني نبيل أبو حمد روايته " العطيلي " ويأتي فيها على تسلل لاجيء فلسطيني بعد ١٩٤٨ إلى فلسطين ، وحين يصل إلى حيفا ويرى الشقة التي كان يقيم فيها يحن إليها فتصطدم نظراته بامرأة بدينة ذات شعر أشقر وعينين زرقاوين ، وحين يخبرها سمسار التسلل أن اللاجيء رضوان وابنته هما صاحبا البيت تغضب وتصرخ : " ليذهبا إلى الجحيم . إنه ليس بيتهما بعد اليوم ." وترفض أن تعطي خالدة ابنة رضوان ماكنة الخياطة .
في رواية ربعي المدهون " مصائر " ( ٢٠١٥ ) هناك عودتان / زياراتان لبيت العائلة ؛ الأولى عودة وليد الدهمان إلى حارة دهمان في مجدل عسقلان والبحث عن بيت أهله الذي ولد فيه وهجر عنه طفلا ، والثانية عودة جولي ابنة إيفان الأرمنية العكية التي تخلى عنها أهلها قبل ١٩٤٨ لزواجها من ضابط إنجليزي ذهبت معه لتقيم في بريطانيا وماتت هناك . عادت جولي لتنثر رماد جثة أمها في البيت بناء على وصيتها .
استقبلت المرأة اليهودية وليد الدهمان وسمحت له برؤية البيت وتحدثت معه عن ماضيها في اليمن ، بينما رفض سكان بيت جد جولي استقبالها وزوجها وليد . لقد انتفض ساكن البيت اليهودي وصرخ قائلا : " لا نقبل غرباء في بيتنا .. هيا هيا .. انصرفي " ، ولما لم تنصرف هجم عليها وأمسك بالزجاجة فوقعت وانكسرت وانتشر رماد جثة إيفان في البيت . كما لو أن الكتابة تتكرر ، وكما لو أننا نقول معادا مكرورا ، والسبب تكرار عودة اللاجئين الفلسطينيين لزيارة بيوتهم وتكرار سلوك قاطني البيت الجدد إزاء الزائرين ، وهو ما بدا .
كنت كتبت في العامين الأخيرين في هذه الزاوية عن روايات فلسطينية صدرت في الفترة الأخيرة أتى كتابها على الصراع على المكان ، وفكرة الصراع على المكان / البيت ظهرت في رواية جمال الحسيني " على سكة الحجاز " (١٩٣٢) ورواية إسحق موسى الحسيني " مذكرات دجاجة " ( ١٩٤٣ ) ومن الروايات الصادرة حديثا رواية صافي اسماعيل صافي " زرعين " (٢٠٢١) .
Adel Osta
الاثنين والسبت ٢١ و ٢٦ / ١١ / ٢٠٢٢ ( مقالي الأحد لدفاتر الأيام الفلسطينية ٢٧ / ١١ / ٢٠٢٢)

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى