خالد جهاد - التجربة الأردنية.. عمر من الإبداع

قد لا تعرف الأجيال الجديدة الكثير عن الحالة الفريدة والنهضة الشاملة التي عاشها الأردن في فترة زمنية قياسية منذ استقلاله، عدا عن استناده إلى جذوره التاريخية التي تعود إلى آلاف السنين وعلاقته المتميزة بكل الدور المجاورة له، سواءاً كانت مع دول الخليج العربي أو العراق أو سوريا ولبنان وصولاً إلى علاقته الخاصة جداً بفلسطين، وبطبيعة الحال فإن خصوصية الوضع الأردني جعلته قادراً على استيعاب كم هائل من الثقافات والحضارات على أرضه حتى وإن لم تكن قادمة من دول مجاورة له، فالعلاقات المتينة التي شكلت الثقافة عمادها جعلته منفتحاً على مصر والكثير من الدول المغاربية وهو ما ميز هذا البلد وطبع تجربته، ولذلك فإن جيل اليوم لم يعش لحظات الإشعاع الفني والثقافي والأدبي التي عاشها الأردن والتي نتمنى أن تتكرر من جديد..

فالشباب عندما سيبحث سيتفاجأ بوجود كم هائلاً من الأعمال الفنية المشتركة عربياً وبشكلٍ صادق وحقيقي وشديد الثراء، فالتجارب مع الخليج مختلفة عن تلك التي تشترك مع الفنانين السوريين واللبنانيين، كما تختلف في طابعها عن الأعمال المشتركة مع مصر حيث كان الأردن بمثابة استوديو مفتوح لمختلف الدول العربية، وقام بتقديم تجارب ونماذج متميزة جعلت للدراما والمسرح في الأردن مساراً خاصاً لا يشبه بقية التجارب العربية، كما أن الكوادر الأردنية كانت عنصراً أساسياً في تأسيس وتدريب وإطلاق العديد من القنوات العربية في بداية انطلاق البث الفضائي وتقديم حزمة متنوعة من البرامج الثقافية والإجتماعية والترفيهية والسياسية إلى جانب أسماء معروفة ولامعة من مختلف أنحاء العالم العربي، وكان يحسب للأردن في تجاربه الناجحة وتعدد الثنائيات مع أكثر من بلد أن تألقها في تجربة لم يكن على حساب أخرى، ولذلك يظل للأردن مكان خاص في قلب الجيل الذهبي للفنانين والمثقفين والمبدعين العرب والذين يذكرون أجمل اللحظات التي عاشوها في الأردن خاصةً خلال عقدي السبعينيات والثمانينيات رغم كل الظروف العصيبة والتحولات التي كانت ولازالت تمر بها المنطقة..

كما يظل للأردن بصمة فريدة في عالم برامج الأطفال ودبلجة الأعمال الكارتونية وحتى المسلسلات القادمة من أمريكا اللاتينية، فظلت أصوات الفنانين الأردنيين عالقةً في ذاكرة أجيال من الأطفال والمواطنين في مختلف أنحاء البلاد العربية في مرحلة مفصلية ومختلفة كلياً عن ما نعيشه قبل أن يغلب التعصب على النظرة لقيمة أي عمل أو أداء، وفي زمن تسجن فيه الموهبة والإبداع ضمن حدود ضيقة لا علاقة لها بتاتاً بأي تقييم موضوعي لأي عمل، وبرغم التنافس الذي كان حاصلاً على صعيد الدوبلاج مثلاً بين الأردن ولبنان وسوريا إلاّ أن كل هذه التجارب بقيت ناجحة وخالدة في الأذهان بل ورفعت من مستوى وذائقة الطفل والمشاهد العربي حيث كانت الأعمال أكثر رقياً وعمقاً وتحضراً وتحمل مضموناً هاماً لذا يشكل الحديث عن التجربة الأردنية ضرورة لتنشيط الذاكرة وتوعية الأجيال الحالية بقيمة ما قدمته الأجيال المخضرمة وأسست من خلاله عالماً متكاملاً من الفن والثقافة الحقيقية في مختلف المجالات وعلى كافة الأصعدة ولكل الأعمار، كما يمكننا الإستفادة من تجارب الأسماء الهامة التي أسست لكل ما نراه من كلاسيكيات والتي لا زلنا نعيش عليها حتى الآن في مختلف المجالات، فلا يمكننا أن نهمل ثروتنا البشرية ونترك الوضع على ما هو عليه بل يجب علينا دعمه لعودته إلى سابق عهده وبما يليق بمكانة الأردن وقدرتها على العطاء وتقديم الأفضل والأجمل، وذلك من خلال تقدير كل من قدم وأعطى للفن والثقافة في الأردن، فهل يمكننا إهمال من أسسوا أهم المراحل في حياتنا ونتوقع مستقبلاً أفضل، ولذلك كل التحية والتقدير والإحترام والمحبة للتجربة الأردنية الثرية ورموزها وأيقوناتها وإلى مختلف التجارب العربية التي لا تزال مصدر إلهام للأجيال الشابة..

خالد جهاد..

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى