د. محمد الشرقاوي - لماذا انقسم المغاربة إلى شيع وقبائل؟

كلّما كتبتُ في مشاركة المغرب في مونديال قطر، جاءت نسبة ليست بالقليلة من التعليقات تفيد بأنه ينبغي ألا تغطي شجرة واحدة الغابة برمتها. والكناية هنا عن الوضع المعيشي المتفاقم بارتفاع الأسعار، أو كما قال أحدهم "فرحة الانتصار تتكسر أمام بؤس الوضع الاقتصادي والاجتماعي".
هناك ازدواجية نفسية واجتماعية غير مستقرة ينبغي احتسابها بالضرورة: يميل بعض المغاربة إلى فرحة نسبية رمزية بأن يكون لهم كعب عال في منافسات المونديال لإنعاش الروح الوطنية، وأنه لا تنقصهم مقومات أن يكونوا ضمن قائمة الكبار في كرة القدم العالمية. في المقابل، يعلن البعض الآخر التذمر والقنط بسبب المعاناة اليومية في محاولة التوفيق بين الدخل المحدود والأسعار التي تتعالى بشكل لا محدود ناهيك عن معدلات البطالة. وتختلط في هذه النفسية الرمادية مشاعر الضعف والقهر والتخبط دون أمارات فرج قريب.
ليست المسألة صواب طرف أو متاهة آخر. ولكن لكل سردية شرعيةٌ قائمةٌ بذاتها: سرديةُ الاحتفال في زمن لم يبتسم منذ فترة طويلة وإن عانى المغرب التضخم كبقية الدول بفعل تداعيات حرب أوكرانيا وسرديةُ الهمّ فينا ضارب حتى لعظم، وكيف يجد الفقير سبيلا لضمان قوت أولاده أوّلا، أو بلسان دارج؛ "واش بقا ليك أجيعان غير فرحة المونديال!"
#منير_المحمدي أحد أبناء أبي الجعد والمتشبع بآلام وآمال سكانها قدم مثالا إحصائيا بالدرهم والسنتيم لعينات مما يستهلكه المغاربة يوميا، وتوصل إلى أن ما كان بسعر 499 درهم العام الماضي ارتفع إلى 845 درهم هذا العام، والخيط على الجرّار في مغرب العجائب، ورئيس الحكومة الأعجوبة الذي هندس رواتب تضامنية وأخرى تقاعدية، وبنى قصورا من رمال لكل المغاربة في عز الحملات الانتخابية قبل عام.!
سألني أحدهم قائلا: "أستاذ، ما هو تحليلكم او رأيكم في الخطاب الذي يدعو إلى عدم الاهتمام بكرة القدم في ظل الوضع الاقتصادي المهترئ وغلاء الأسعار؟" فقلت بمنطق التوافق بين سرديات الاحتفال وسرديات الاحتجاج إنه ينبغي أن تستمر المطالبة على كافة الصعد:
١. نضال على جبهة كأس العالم والمضي إلى أبعد حد ممكن،
٢. ونضال على جبهة الحد من التضخم وارتفاع الأسعار،
٣. ونضال على جبهة المحاسبة لحكومة وعدت بالنعيم، وهي اليوم تقضي بمنطق الجحيم.
في حقبة ما بعد جائحة كورونا وحرب أوكرانيا، أضحت عدة حكومات غربية في معقل الرأسمالية تتبنى منطق الدولة الاجتماعية الديمقراطية، وحتى في الولايات المتحدة، أقر الكونغرس ثلاث دفعات من مساعدات نقدية إلى عموم الامريكيين، فضلا عن سياسات دعم أخرى تنتهجها حكومات الولايات الخمسين.
في المقابل، ذهبت حكومة أخنوش والمتحدث باسمها بعيدا في منطق التبرير لإقرار أسعار تفوق تحمل البسطاء من المغاربة. وتحوّلت حرب أوكرانيا إلى شمّاعة بئيسة الإخراج في الخطاب الحكومي لكي تستمر معركة نهش محطات الوقود لجيوب وقلوب جل المغاربة. ولا يمكن للسيد أخنوش أو مناصريه أن يلعبوا بورقة تقلبات السوق، وهي ورقة لم تعد معتمدة في ألمانيا والسويد والولايات المتحدة، حيث يعود المذهب الكينزي من جديد ليعزز الحكمة بتكريس السياسات الديمقراطية الاجتماعية أو نموذج Welfare state.
المفارقة أن حكومة أخنوش حيثما أدارت وجهها ترى ما يذكّرها بضرورة التضامن مع محنة المواطن: في الغرب، حكومات تخفف عن المواطن أعباء المرحلة، وفي تراثنا العربي الإسلامي نموذج دولة البر والإحسان. لكنها لا تستلهم لا من هذا النموذج ولا من ذاك، وتواصل الزحف بأسعار وقود أخنوشية لامغربية الهوية.
والأنكى أن أسعار الوقود في المغرب شهدت اليوم ارتفاعًا تراوح ما بين درهم واحد ونصف الدرهم في اللتر، فارتفع متوسط سعر لتر الگازوال "الديزل" إلى أعلى من متوسط 16.5 درهمًا (1.51 دولارًا أميركيًا) بعد أن كان سعره يتراوح بنحو 15.5 درهمًا (1.42 دولارًا) في المتوسط بمختلف المحطات طيلة شهر أكتوبر الماضي.
لن تكون فرحة انتصار الفريق المغربي على نظيره البلجيكي ستارة تحجب اللوم عن حكومة رأسمالية جدا، ولن تهدأ موجة الغضب الشعبي المحتدم حتى لو وصل المغرب إلى مباراة نصف النهاية. لكن ما يدركه أو لا يدركه السيد أخنوش ومن يتوسّمون فيه أن يكون "ربّان المرحلة" أن هذه السياسات العامة، التي تنشر شعورا تشاؤميا بين المغاربة، هي التي تعمق الفجوة بين المجتمع والدولة، وأن رأسمال السياسي ينبغي الحفاظ عليه وليس الاستهتار به بتبريرات غير مقنعة.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى