امل الكردفاني- الثقافات اللازمة والثقافات المتعدية

الثقافة اليهودية والمسيحية والإسلامية هي ثقافات متعدية، بمعنى أنها وبحسب أصولها وقواعدها، لا تقبل إلا فرض سيطرتها عبر قوانينها الخاصة فهي ترفض (حق الآخر في الاختلاف). فالحاكمية، والولاء والبراء، والمعاهدة، والدعوة والجهاد والغزو وغير ذلك، تعتبر من أصول الدين التي لا يمكن التنازل عنها. وبالتالي فالثقافة الإسلامية كغيرها ثقافة لا يمكن أن (تلزم) نطاق حضورها في التنوع الكوني. كانت اليهودية كذلك بل كانت اليهودية ثقافة لا تقبل فقط حق الآخر في الاختلاف بل ترفض حق الآخر في الوجود؛ وقد رأينا سفر يشوع يكرس ليس للغزو فقط بل لعمليات الإبادة الجماعية والتطهير العرقي، واعتبار كل من لا ينتمي لشعب الله المختار ليس ببشري يعتد بدمه. وربما كان الغزو الصهيوني واحتلال فلسطين تطبيق معاصر لسفر يشوع.
غير أن المسيحية تعرضت للضغط على يد البرجوازيين الأوروبيين، وذلك لأنها كانت ترتبط بالكنيسة والكنيسة ترتبط بالإقطاع والإقطاع يرتبط بالملك (السلطة). وكانت هذه دائرة ثقافية واجب كسرها، وقد حدث ذلك وبدأ تحويل المسيحية من ثقافة متعدية إلى ثقافة لازمة. ولكي يتم تحويل الثقافة الإسلامية من ثقافة متعدية، إلى ثقافة لازمة، قام الغرب برسم سياسية ترويضية طويلة الأمد، بدأت بنشر اقصى درجات التجاوز او التعدي عبر ما يسمى بالإرهاب (تقريب الثقافة الإسلامية من الثقافة اليهودية القديمة)، والذي يرفض الحق في الاختلاف. أي اختلاف الآخر، باعتبار أن كل ما ومن لا ينتمي للإسلام يجب إبادته. استطاع الغرب تصدير الإرهاب بإيواء وتدريب وإسناد وتوزيع بريطاني أمريكي، وبتعاون من داخل الواجهات الإسلامية التي تم تمهيد الطريق لوصولها إلى السلطة كما حدث في السودان، لقد كانت الحركة الإسلامية في السودان واجهة كاذبة لتطبيق أقصى حدود الرفض للحق في الاختلاف، وبدأت بتكفير الجنوبيين، واستقبال وإرسال بن لادن وتنظيم القاعدة وغير ذلك من أنشطة، ليبدأ بوصول الإخوان المسلمين في السودان إلى السلطة، ليبدأ عصر الإرهاب، ومن ثم عصر الحرب على الإرهاب.
وبالرغم من أن أمريكا وضعت كل الدولة السودانية وشعبها في لائحة الدول الراعية للإرهاب، لكنها لم تضع أي إسلامي -بما في ذلك الترابي وعلي عثمان وغيرهما- في لائحتها السوداء من الدول الاخرى؛ تلك اللائحة الممتلئة بآلاف من الأشخاص الذين يعتبرون إما إرهابيين أو داعمين للإرهاب، ولو اطلعنا على موقع الأوفاك فسنجد أن هناك أسر بأكملها موضوعة في تلك اللائحة السوداء، (ما عدا) المنتمين للإخوان المسلمين في السودان. الذين يديرون الدولة (التي هي) راعية للإرهاب. بل سنجد أنه بمجرد توقيع اتفاق نيفاشا قام جورج بوش بالاتصال بالترابي وتهنأته، رغم أن الترابي كان خارج السلطة.
امتد عصر الحرب على الإرهاب لقرابة ثلاثين عاماً (هي عمر نظام الإخوان في السودان)، أتاحت تلك الحرب محاصرة المسلمين في كافة أنحاء العالم، ومراقبة اموالهم وأنشطتهم، وشيطنة الإسلام، وفي لحظة ما، بدأت المرحلة الثالثة من ترويض الثقافة الإسلامية، وهي مرحلة الهجوم المباشر بعد نهاية الحرب على الإرهاب [مع وجود جيوب طفيفة تستخدم عند الحاجة]، حيث بدأ الهجوم على انتهاك حقوق الأقليات من غير المسلمين في الدول الإسلامية، والهجوم على انتهاك حقوق لا تقبلها الثقافة الإسلامية كالمثليين. فحدث رد فعل عكسي، إذ بدأت الشعوب الإسلامية تطالب ب(حقها في الإختلاف).
لو عدنا إلى بداية المقال سنقوم بتعريف الثقافات المتعدية أو المتجاوزة أو غير اللازمة بأنها ثقافات لا يمكن أن تقبل حق الآخر في الإختلاف. وسنلاحظ أن هذا الرفض لحق الآخر في الاختلاف يتمتع بأصول ثابتة السند في المصادر التأسيسية للدين. لكن الدول الإسلامية اليوم باتت تطالب -هي نفسها- بالحق في الاختلاف. وشاهدنا ذلك في الاحداث المرتبطة بكأس العالم.
وهذه خطوة كبيرة في عملية الترويض.
إننا لم نأت بجديد، فهذا كله معروف أو يمكن معرفته بقليل من التأمل. ولكن السؤال:
فما المتوقع بعد هذا؟
المتوقع بعد هذا مراحل أخرى، تجعل الثقافة الإسلامية نفسها قابلة للعلمنة واللبرلة - أي أن يتم تحويل الثقافة الإسلامية إلى ثقافة ليبرالية. لكن كيف سيتم ذلك على وجه التحديد؟
هذا ما لا يمكن توقعه من شياطين علماء علم التحكم Cybernetics في الغرب؟

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى