د. محمد عبدالله القواسمة - المرأة والحب والكلام الحلو

أحيانًا نستمع إلى مقاطع فيديو من وسائل التواصل الاجتماعي: الفيسبوك، والتويتر، والواتتس لنساء ورجال يظهرون كأنهم خبراء في علم النفس والاجتماع وعلم الأعصاب والدماغ والبرمجة العصبية. فقد استمعت إلى رجل من هؤلاء الحكماء يتحدث عن الحياة الزوجية، وينصح الزوج بأن يتحدث إلى زوجته ويفصح لها عن حبه بقوله الصريح المباشر: "أحبك" ليس مرة واحدة بل عشرات المرات؛ لأن المرأة مخلوق يعيش على الحب، وإذا كان الزوج يعيش شهرًا على كلمة "أحبك" تقولها زوجته، فإن الزوجة تعيش ساعات على الكلمة نفسها يقولها زوجها.

ينطلق هذا القول من الفهم السائد للمرأة بأنها تحب بأذنها أما الرجل فيحب بعينه؛ فهي تنجذب إلى الكلام المعسول وتنخدع به. وهذا القول مختلف فيه بين الشعراء من ناحية والعلماء من ناحية أخرى. فهذا بشار بن برد يقول:

يا قَومِ أذني لِبَعضِ الحَيِّ عاشِقَةٌ وَالأُذنُ تَعشَقُ قَبلَ العَينِ أَحيانا

قالوا بِمَن لا تَرى تَهذي فَقُلتُ لَهُم الأُذنُ كَالعَينِ تُؤتي القَلبَ ما كانا


ويجمع أحمد شوقي حاسة السمع وحاسة النظر في التأثير في قلوب المحبين. فالمرأة قد تنخدع بالكلام المعسول الذي يفيض بالثناء في قوله:

خَدَعوها بِقَولِهِم حَسناءُ وَالغَواني يَغُرُّهُنَّ الثَناءُ

ثم نراه يُقدم العين في جذب المحبين بعضهم لبعض في بيته المشهور في القصيدة نفسها الذي يبين فيه تدرج الحب في العلاقة بين الرجل والمرأة. يقول:

نَظرَةٌ فَابتِسامَةٌ فَسَلامٌ فَكَلامٌ فَمَوعِدٌ فَلِقاءُ

أما العلم فيقدم حاسة الشم على الحواس الأخرى، فهي الحاسة التي تقوم بدور مهم في اختيار الرجل لشريكته والمرأة لشريكها، إذ تلتقط حاسة الشم روائح المواد الكيميائية الصادرة عن الجسم، فتقرر رفض هذا الشريك أو قبوله؛ فلكل شخص رائحة خاصة به حسب جينات المناعة لديه، والرجل والمرأة ينجذب كل منهما إلى رائحة جينات المناعة التي يفتقد إليها. ويشير هذا الانجذاب بين الزوجين إلى ناحية غريزية للحفاظ على النسل، ففي جينات المناعة المختلفة بينهما ما يشير إلى أن طفلهما سيكون غالبًا محميًّا من الأمراض والفيروسات.

وفي دراسة باحثين بمعهد ماكس بلانك الألماني، أن المرأة تمتلك قوة خارقة في أنفها؛ فتختار على ضوئها الرجل من رائحته التي يسميها العلماء فيرمونات، وتستطيع المرأة بشم الفيرمونات هذه أن تحكم على قدرة الرجل الجنسية، وحتى على حيواناته المنوية. وغالباً ما تميل الفتاة إلى اختيار الرجل الذي تتشابه رائحته برائحة والدها.

مع هذه الآراء التي يقدمها الدعاة والخبراء والعلماء في تأثير الحواس في الحب بين الرجل والمرأة خاصة السمع والبصر والشم، فيحسن ألا تغيب عنا الحقيقة بأن المرأة والإنسان بشكل عام لا يحب بحاسة السمع أو النظر أو الشم فحسب، بل تشترك الحواس كلها في عملية الحب أيضًا. ثم لا ننسى أن الإنسان يستخدم قلبه وعقله في اختيار حبيبه أو حبيبته، ولعل اشتراك الأعضاء كلها في ذلك يزيد من احتمال نجاح الحب. لهذا فالقول إن المرأة تحب بأذنها فقط يقلل من أهمية عقلها وقلبها في هذا الأمر، ويظهرها سهلة الانقياد وراء الكلام المعسول، ويبرز قدرة الآخرين على خداعها بكلماتهم الشاعرية.

وفي خضم الحديث عن حاسة السمع وتأثير الكلام في عملية الحب تحضرني بعض الآراء التي خبرتها في الحياة من خلال تجاربي المتواضعة، ومن خلال تأثري بالشعراء والأدباء، مع أن أقوالهم مستمدة من عالم الخيال أكثر مما هي مأخوذة من الواقع. وهذه الحقائق هي:

أولًا: إن الكلام المباشر في الحب لا يبعث التأثير الكبير في نفوس المحبين؛ فأن يقول الرجل للمرأة: إني أحس بوحشة حين تغيبين عني أكثر تأثيرًا من قوله لها كلامًا مباشرًا "أحبك".

ثانيًا: إن الصمت بين العاشقين يعبر عن الحب العميق بينهم. وهذا أفضل من الكلام المباشر بينهم أو غير المباشر، فكما يقول الشاعر الفرنسي الرومانسي لامرتين: "إذا كان الكلام من ذهب فالصمت أحلى وأحب عندما تكون القلوب مترعة بالحب"

ثالثًا: الكلام المعسول لا يجدي عن الفعل؛ فلا قيمة لترديد كلمات الحب والهيام دون أن تكون مقرونة بالأفعال الجميلة، التي تسد عن كل تعبير. فأن تجفف عرق من تحب وتقدم له كأس ماء، أو تهيئ له مقعدًا مريحًا ليجلس. ذلك أفضل مئة مرة من أن تقول كلمة "أحبك" وحدها؛ لأنها قد تخفي نوايا سيئة فيها الخداع والمكر والفخاخ. فالكلام المعسول غير المقرون بالفعل الجميل لا يعول عليه انسياقًا مع تعبير ابن عربي: المكان دون أنثى لا يعول عليه.

هكذا فإذا ما عدنا إلى العلماء أو منظري الحب والعلاقات الإنسانية فلا نتفق معهم بأن المرأة تعيش على الكلام المعسول وتحب بأنفها أو بأذنها. إنها مخلوق لا يقل شأنًا عن الرجل، تعيش الحياة، وتتعرف إلى الناس بكيانها كله. لهذا فيحسن حين نتعامل معها أن نأخذ هذا بعين الاعتبار.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى