ذاكرة عم محمود، ماسح أحذية 80 سنة، بالية بعض الشىء فيما يتعلق بالتواريخ ، ومتحفظة كثيراً عندما يتعلق الأمر بحياته الخاصة ، غير أنها تبرق حين يأتى ذكر مصر وعبدالناصر، كأنه قد مسح عنها غبار السنين بفرشاة ناعمة . كأنها ذاكرته وهو فى التاسعة من عمره حين علم بوفاة والده، الضابط بالجيش المصرى، فى حصار الفالوجة. ليست ذاكرته فحسب بل هو كله يتحول إلى عرق نابض كلما هلت السيرة. ولأنه مسلم، له أصول يهودية من ناحية الأب، وعاش، بعد وفاة والدته، فى كنف أسرة مسيحية، ربما لذلك يحب مصر بطرق مختلفة .
أحبها كجندى وجد نفسه فى عداء مع جذوره. وأحبها كمثقف له دور طليعى فى منظمة الشباب فى الستينيات، مع أحمد فتحى سرور وعلىّ الدين هلال وحسين كامل بهاء الدين وغيرهم، وأحبها حتى كرجل عزف عن الحياة ، بعد فشل زواجه، فانتبذ من شوارعها ركناً وأفسح الطريق للمتزاحمين، بينما يتفرج هو على الأيام وهى تقلب المصائر، وعلى الأقدام وهى تنتظر فوق صندوقه الخشبى، كأنها تجسّ حظها فى صندوق الدنيا.
الرجل، خريج تجارة القاهرة، والحاصل على دبلومة من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، صديق صلاح أبو سيف وصلاح عبدالصبور ولويس عوض وعبدالرحمن الشرقاوى ورأفت الهجان، الشاعر المناضل الذى سجنته سوزان مبارك 3 سنوات ونصف، لأنه سألها عن أموال التبرعات لضحايا زلزال 1992م، هذا الرجل لم يعد يحفل بشىء. استقر فى روسيا 8 سنوات وعاد منها بحب العمل، واستقر فى فرنسا سنتين درس خلالهما الفن الإنجليزى وها هو، بمحض إرادته، يجلس إلى صندوقه، دون شعور بالندم ، كأن الطريق لم يتعرج تحت أقدامه. هل يعاقب ذاته ؟ أو هى عقدة المرأة ؟ سألته عن الهامش الذى اختار الإقامة فيه وكان بإمكانه، مثل جيله، أن يظل فى المقدمة، لكنه قال: جربت كل شىء، وما دامت هناك هدمة ولقمة ومأوى فلا شىء يشغلنى . ما يعز علىّ أننى قبل النوم أقرأ الشهادتين وأستعد كل يوم للموت، لأن المبنى الذى أقيم فيه بإمبابة آيل للسقوط . هبطت أرضية غرفتى 30 سم والبيت نفسه مائل ، غير أننى، حين أصحو وأجد نفسى حياً، أحمد الله وأواصل العيش، هاتفاً، مع محمد إقبال " أنا ما تعديت القناعة والرضا .. لكنما هى قصة الأشجان"، ولا أنسى أبداً أن أهنىء الطفل الذى ما زال حياً بداخلى على اليوم الجديد.
البهاء حسين
عدسة : بسام الزغبى
أحبها كجندى وجد نفسه فى عداء مع جذوره. وأحبها كمثقف له دور طليعى فى منظمة الشباب فى الستينيات، مع أحمد فتحى سرور وعلىّ الدين هلال وحسين كامل بهاء الدين وغيرهم، وأحبها حتى كرجل عزف عن الحياة ، بعد فشل زواجه، فانتبذ من شوارعها ركناً وأفسح الطريق للمتزاحمين، بينما يتفرج هو على الأيام وهى تقلب المصائر، وعلى الأقدام وهى تنتظر فوق صندوقه الخشبى، كأنها تجسّ حظها فى صندوق الدنيا.
الرجل، خريج تجارة القاهرة، والحاصل على دبلومة من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، صديق صلاح أبو سيف وصلاح عبدالصبور ولويس عوض وعبدالرحمن الشرقاوى ورأفت الهجان، الشاعر المناضل الذى سجنته سوزان مبارك 3 سنوات ونصف، لأنه سألها عن أموال التبرعات لضحايا زلزال 1992م، هذا الرجل لم يعد يحفل بشىء. استقر فى روسيا 8 سنوات وعاد منها بحب العمل، واستقر فى فرنسا سنتين درس خلالهما الفن الإنجليزى وها هو، بمحض إرادته، يجلس إلى صندوقه، دون شعور بالندم ، كأن الطريق لم يتعرج تحت أقدامه. هل يعاقب ذاته ؟ أو هى عقدة المرأة ؟ سألته عن الهامش الذى اختار الإقامة فيه وكان بإمكانه، مثل جيله، أن يظل فى المقدمة، لكنه قال: جربت كل شىء، وما دامت هناك هدمة ولقمة ومأوى فلا شىء يشغلنى . ما يعز علىّ أننى قبل النوم أقرأ الشهادتين وأستعد كل يوم للموت، لأن المبنى الذى أقيم فيه بإمبابة آيل للسقوط . هبطت أرضية غرفتى 30 سم والبيت نفسه مائل ، غير أننى، حين أصحو وأجد نفسى حياً، أحمد الله وأواصل العيش، هاتفاً، مع محمد إقبال " أنا ما تعديت القناعة والرضا .. لكنما هى قصة الأشجان"، ولا أنسى أبداً أن أهنىء الطفل الذى ما زال حياً بداخلى على اليوم الجديد.
البهاء حسين
عدسة : بسام الزغبى