د. محمد عبدالله القواسمة - سلامًا على إبراهيم

رحل عن عالمنا الشاعر والناقد وصاحب الفكر العربي الإسلامي إبراهيم العجلوني يوم الأحد الماضي 4/12/2022م. وكان فراقه مؤلمًا (رحمه الله) ولم يكن فراقًا عاديًا؛ لأنه كان قريبًا من القلب والروح. لهذا فأنا أتذكره الآن، وليسمح لي القارئ أن تكون ذكراه من خلال علاقتي الشخصية والفكرية به.

تعرفت إلى المرحوم إبراهيم في ثمانينيات القرن الماضي عندما كان رئيس تحرير مجلة أفكار عام 1990م، ثم عندما كان مسؤولًا عن الملحق الثقافي بجريدة "الرأي" وكاتب عمود يومي فيها بعنوان "أفق". وفي هذه الأثناء كتبت مقالًا عن كتابه" في عبقرية البساطة: جولات في فكر جمعة حماد وأدبه" 1995، وجعلت مقاله " كاتب حر كتابة حرة" الذي جاء في جريدة "الرأي" نموذجًا للمقالة الذاتية في كتابي "مقدمة في الكتابة العربية" وهو المقال الذي لم أزل أراه يمثل العجلوني في صفاته الفكرية، التي تمجد حرية الرأي وتدعو إلى حرية الأديب؛ فلا توجد كتابة حرة إلا بوجود كاتب متحرر من أي قيود تكبله: سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية.

وكانت زيارته لي عندما جاء وصديقنا المشترك سمير اليوسف ليهدياني الكتاب الذي جمع فيه اليوسف مجموعة من الدراسات والمقالات التي كتبت عنه تحت عنوان" إبراهيم العجلوني: مرايا الحضور" 2020، وكان أن تناولتُ الكتاب بمقالة في جريدة "الدستور" بعنوان" مرايا حضور العجلوني في ساحتنا الثقافية".

في زيارته تلك حدثني عن صديقنا المرحوم فايز محمود عندما التقاه في بيته في مدينة المفرق، وذكرني بعبارة المرحوم فايز عندما كان يسأل عن حاله" شرم برم" وهي العبارة التي تظهر مدى القهر المادي والنفسي الذي كان يعتمل في نفس فايز محمود.

وزرته بعد تقاعده من الرأي في المنتدى العالمي للوسطية الذي عين فيه مستشارًا ثقافيًا. وكان لقاءً خصبًا وإنسانيًا شكا فيه إبراهيم من حالته الصحية ولكنه امتدح أمثاله من مواليد 1948مثلي ومثل الدكتور إبراهيم خليل بأنهم مجدون في الثقافة والأدب والنقد. ربما ذكر ذلك لرفع المعنويات فقط.

لقد رحل إبراهيم عن عالمنا وخلف رحيله لدي ليس الحزن فحسب بل والندم أيضًا. ذلك أني أضعت الفرصة لرؤيته يوم الاثنين 21/11/ 2022م بسبب وعكة صحية ألمت بي، فقد اتصل بي سمير اليوسف ودعاني لحضور حفلة إشهار الأعمال الشعرية الكاملة للدكتور إبراهيم الكوفحي في مركز الحسين الثقافي، وقال إنه سيكون في الاحتفال ومعه الأستاذ إبراهيم العجلوني. لم أحضر، وكنت آمل أن يمرا بي، لكنهما لم يفعلا، وحضر الموت بعد أقل من أسبوعين من ضياع تلك الفرصة.

وإذا كان هذا الفراق المفاجئ موجعًا، فلعل ما يخفف وطأة الألم التي خلفها فقدان إبراهيم الرجوع إلى ما ألفه من كتب فكرية وثقافية مثل: "اللاحوار مع السادة الأمريكان"، 2004. "شعر وشعراء"، 2004. "كتب وشخصيات"، 2004. "الكتابيون في ظلال الإسلام"، 2004. "العقل والدولة"، 2004 وغيرها. وقراءة ما أبدعه من مجموعات شعرية، مثل: " تقاسيم على الجراح"، 1972 "حينما نلتقي، بالاشتراك"، 1980 "طائر المستحيل"، 1992.

ولعل أجمل ما قاله من شعر تجلى في قصيدته" جبل النار" التي تبعث في النفوس الأمل في الحياة، والتفاؤل بالنصر، وانجلاء الظلم والاحتلال. يقول في القصيدة:

غنّني يا قلب ألحان الأملْ وازرعي يا شمس وجهي بالقبلْ

وانسكب يا نور في ذاتي هوى للورود الحمر في ذاك الجبل

جبل النار وفي أكنافه سقسق الطير بلحن مشتعل

واستفاق الفجر في آفاقه حين روّى أرضه الدم الخضِل

واستثار النقع ذو البأس وما هاب هولًا لا ولم يخش الأجل

وغدا الليل على تلك الربى جافلًا يستاف من خمر الوجل

إزاء الموت لا نستطيع إلا القول: رحم الله إبراهيم العجلوني! كان أديبًا حرًا وإنسانًا نبيلًا قلّ مثيله في هذا الزمن. فرحمة ومغفرة تتنزل على روحه.

وسلامًا عليك يا إبراهيم!

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى