علي حسين - دعونا نتفلسف.. الفيلسوف الذي أراد أن يجعل من السلوك الإنساني أشبه بالرياضيات (7)

قبل وفاته بعامين، كتب الفيلسوف وعالم النفس الأميركي جون ديوي رداً على سؤال حول مصير الفلسفة يقول :"كنت اسعى لإطالة عمر الفلسفة ، لكن كلمتين اصبحتا قريبتين من الناس ،وهما العلم والديمقراطية، اسدلتا الستار على مهنة الفيلسوف" . كان ذلك عام 1950 ، آنذاك كان ديوي يعتقد ان الانسان المعاصر قد تجاوز الفلسفة ، وان النظم السياسية الحديثة والثورة العلمية كانا وراء موت الأم العجوز " فيلسوفيا"، فهل ماتت الفلسفة حقاً ؟ وهل ان على البشرية ان تؤدي لها الطقوس والمراسم الجنائزية؟


قبل وفاته بعامين، كتب الفيلسوف وعالم النفس الأميركي جون ديوي رداً على سؤال حول مصير الفلسفة يقول :"كنت اسعى لإطالة عمر الفلسفة ، لكن كلمتين اصبحتا قريبتين من الناس ، وهما العلم والديمقراطية، اسدلتا الستار على مهنة الفيلسوف" . كان ذلك عام 1950 ، آنذاك كان ديوي يعتقد ان الانسان المعاصر قد تجاوز الفلسفة ، وان النظم السياسية الحديثة والثورة العلمية كانا وراء موت الأم العجوز " فيلسوفيا " ، فهل ماتت الفلسفة حقاً ؟ وهل ان على البشرية ان تؤدي لها الطقوس والمراسم الجنائزية؟.
كان ديوي من المتحمسين الى اقصى حد لنجاح العلم ومناهجه في البحث ، ، وكان مؤمناً ايماناً جازماً بالإمكان الحقيقي للتقدم العلمي في الأمور البشرية ، فالمجتمع لايمكن ان يتقدم إلا اذا كان أعضاؤه على قدر من التربية ليكونوا عقلانيين ومرنين ، واعتَقد ديوي انه لابد من تشجيع الفن لأنه يثير "الحلول" الخيالية ومشكلاتها الفريدة.
************
الانهيار الفلسفي
كان ديوي يرى ان المجتمعات الديمقراطية هي الأفضل لأنها مجتمعات مرنة تتجنب المعتقدات الجامدة ، وبذلك تكون قادرة على التغيير . وظل ديوي مهتماً بالنظم الجديدة في علم الاجتماع ، لأنه يعتقد بقدرتها على حل المشكلات الاجتماعية بعيدا عن التنظير الفلسفي . وظل مصراً على ان الفلسفة اذا لم تعالج مضامين النسبية والذكاء الاصطناعي والرياضيات فإنها في طريقها الى الانهيار ، الأمر الذي دفعه الى كتابة مقال بعنوان "الانهيار الفلسفي" اكد فيه ان الفلسفة نوع من المرض ، يحتاج اطباؤه الى علاج.
وكفيلسوف براغماتي، يقدم ديوي المولود عام 1859 مفهوماً مختلفاً عن المعرفة الفلسفية باعتبار أن المعرفة هذه يجب ان تسلط الضوء على الأفكار النافعة فقط ، والفكرة النافعة ، هي التي تجيب على سؤال لدى الإنسان وتحل المشكلة التي تواجهه. ولهذا يرى ان الفلسفة في السنوات الأخيرة لم تعد تقدم حلولاً مثل العلم والنظم الديمقراطية الحديثة ، فهي حسب رأيه اصبحت مخصصة فقط للأفكار التي لم تثبت الخبرة نجاحها. عند ديوي، التفكير العلمي فقط هو الذي يربط مباشرة بين الفكر والعمل ويحاكم الأفكار بحسب قدرتها على الإنتاج.
في كتابه "إعادة البناء في الفلسفة" ، يرى ديوي أن الفلسفة ضلّت الطريق حين فصلت الفكر عن التجربة العملية. وهو يرى ان الفلسفة ومناهجها وموضوعاتها لم تعد لها قيمتها النظرية التي يمكن الاستفادة منها في عصرنا الحديث، ويستند ديوي في دعوته لإحلال العلم والديمقراطية والتربية بدلا من الفلسفة ، الى التغير الذي حدث في مفاهيم العقل والخبرة والمنطق والمجتمع في القرن التاسع عشر ، حيث كان يرى ان الفلسفة بمناهجها القديمة اصبحت عائقاً أمام تطور الأفكار ، ومالم تؤسس الأفكار الفلسفية على مفهوم الخبرة والتجربة ، فإنها تصبح افكاراً مجردة .
وفي كتابه الضخم "المنطق"، يدعونا ديوي الى ان نؤمن بأن المفاهيم الفلسفية تابعة للظروف الاجتماعية ، فهناك أسبقية للواقع الاجتماعي والنفسي على الفكر :"اهم خاصية فكرية للعصر الحاضر هي يأسه من بلوغ أية فلسفة ، فبعد تقدم القرن الماضي أشواطاً بعيدة أصبحنا الآن نحس باهتزار أركان المعتقدات الفلسفية وانقلابها . ان انهيار الأفكار التقليدية فرصة نرحب بها ، فبالإمكان حصول التعاون بين العلم والفن للتأثير في الصناعة والسياسة والدين والحياة المنزلية وعلى العلاقات الإنسانية بوجه عام " .
************
بين الفلسفة والعلم
في العام 1951 يكتب فيلسوف بريطاني اسمه برتراند رسل ، رسالة الى كبير فلاسفة اميركا جون ديوي ، يحييه باعتباره الفيلسوف الحي الذي له تأثير عميق ليس بين الفلاسفة فقط، وانما بين المهتمين بدراسة التربية والجمال والنظرية السياسية : "سيدي العزيز أكاد اتفق معك اتفاقاً تاماً في معظم آرائك ، ولكنني مضطر، للأسف، أن أختلف معك في نظرتك لدور الفلسفة في عصرنا ، أعني الاستعانة بالعلم ومناهج التربية والديمقراطية كبديل عن معارفنا الفلسفية ، فلا تزال معظم معارفنا ونشاطنا العلمي والتربوي والسياسي تخظع لرضا هذه الأم العظيمة (الفلسفة ) " .
ويتساءل رسل : ما هي الفلسفة ؟ انها بحسب المحاورات التي سجلت معه ونشرت في كتاب بعنوان "محاورات مع برتراند رسل" :"تتألف من تأملات عن الموضوعات التي لم تستطع المعرفة العلمية ان تحسمها ، والفرق بين الفلسفة والعلم ان العلم يدور حول ما نعرفه ، اما الفلسفة فتدور حول ما لانعرفه ."
اذن عندما نوقن من شيء ونكتشفه فإنه لايظل فلسفة وانما يتحول الى علم ، هكذا يجيب رسل على ما كتبه جون ديوي . ويضيف رسل ان للفلسفة فائدتين ، الأولى انها تغذي التأمل في الأشياء التي لم تخضع بعد للمعرفة العلمية ، والثانية انها توسع من نظرتنا الخيالية تجاه العالم ، فقد ابتكر ديمقراطس الافتراض الذي يقول بأن المادة تتألف من ذرات صغيرة ، وبعد ألفي عام ثبت ان هذا الرأي هو العلمي الصحيح ، غير انه في عصره كان ضرباً من الخيال . وكان اريستاخورس اول من أشار الى ان الأرض تدور حول الشمس ، وان التحركات اليومية للكواكب مرجعها دوران الأرض ، وظل هذا الافتراض خارج حدود تصديق العقل ، الى أن ظهر كوبرنيكوس. الفلسفة اذن تفكر بالأشياء التي قد تكون صحيحة ، ومهمة العلم اثبات صحتها او خطئها. هكذا حاول فيلسوف بريطانيا برتراند رسل ان يعيد للفلسفة مكانتها بعد ان حاول ديوي ان يستبدلها بالعلم والنظم السياسية الحديثة والفنون وما تضيفها لخبرات الانسان .
************
كتاب لم يقرأه سوى عشرين شخصا
" ماتت أمي وانا في الثانية من عمري ، وكنت في الثالثة حين مات أبي ، فنشأت في دار جدي الذي لم يشأ ان يجيبني عن مصير والديَّ ، حتى لقد شاع في نفسي إحساس بأن يكون في الأمر لغز غامض لقلّة ما عرفته عنهما ، ولما بلغت الحادية بعد العشرين أخذت أعرف بعض الخطوط الرئيسية في حياة أمي وأبي وما كان لهما من آراء ، وكم دهشت حين رأيتني قد اجتزت المراحل بعينها التي اجتازها أبي في تطور عقله وشعوره."
ويضيف برتراند رسل المولود في الساعة السادسة الا ربعاً من مساء 18 ايار عام 1872 ، في مذكراته التي نشرها في ثلاثة اجزاء اسماها "سيرتي الذاتية" من ان والده خاض قبله مجال الفلسفة وكان صديقاً للفيلسوف الشهير "جون ستيوارت ميل". ويذكر رسل انه عندما بلغ الخامسة عشرة من عمره ، كان الكتاب المفضل لديه هو كتاب ستيوارت ميل القيّم عن الحرية ، فمن خلال ميل يدرك رسل اهمية ان تمتع الفرد بالحرية لايتحقق الا بعد تحقيق الرفاهية ، وكي يتمكن الانسان من هذا ، فإنه يحتاج الى حرية التعبير ، وليس الى حرية التعبير فقط ، بل الى حرية اختيار اسلوب ممارسة الحياة . ويمضي رسل في الحديث عن تأثير ستيوارت ميل على افكاره في مرحلة الشباب ، فيقول :" ان ميل كان يدرك جيدا قيمة التنوع داخل المجتمع ، ويرفض الاعتقاد باسلوب واحد للحياة " . ويذهب رسل بعيدا في التأثر بأفكار ميل حين يضع كتابا بعنوان "انتصار السعادة" يحاول من خلاله ان يؤكد أن فهم ستيوارت ميل للسعادة بأنها ناجحة ، ووصف الأفراد الذين يطورون من قدراتهم ، يصبح فهماً صحيحاً . وحتى يتطور الأفراد فإنهم يحتاجون الى الحقيقة ، وحتى يحققوا ذلك التطور ايضا ، يجب ان لايكونوا مستقبلين طيعيين لما يردُ اليهم من الناس ويعتبرون انه الأفضل بالنسبة لهم ، ويجب عليهم ان لاينقادوا وراء ما يقوله الآخرون لهم ، ويجب ان تتوفر للناس حرية اعتراض بعضهم على بعض بشأن كيفية العيش بالأسلوب الأفضل ، وليس بإجبار بعضهم بعضاً على العيش بطريقة معينة .
كان جد برتراند رسل "اللورد جون رسل" يعيش بوصفه رئيس وزراء سابق ، ذا مكانة مرموقة ، في منزل كبير منحته إياه الملكة ، وعندما ذهب برتراند وأخوه فرانك الى هذا المنزل ، كان الجد قد بلغ الثالثة والثمانين من عمره ، وتوفى بعد ذلك بعامين.
يتذكر رسل مكتبة جده التي اثارت اهتمامه لما حوته من كتب في التاريخ والسياسة : "كنت اعرف كل كتاب من كتب المكتبة ، وكنت ابحث في أركانها عن ما يثير مخيلتي من التاريخ القديم .، إلا أن التربية الصارمة التي كانت تتبعها عائلة رسل لم تكن تسعد برتراند الصبي ، ولهذا نجده يدين أساليب التربية المتزمتة هذه فيقول : " كانت الفضيلة هي الشيء الوحيد الذي تعلق عائلتي الأهمية عليه ، الفضيلة على حساب العقل والصحة والسعادة وكل مصلحة " . وقد ظهر خلاف رسل مع عائلته في سن مبكرة حول دراسة الفلسفة ، فقد كانت العائلة غير راضية عن هذا الاتجاه ، وعملت احدى عماته كل ما في وسعها لكي تثنيه عن هذا الطريق ، فكانت تسخر من إصراره على التفرغ لقراءة كتب كانط وديكارت وارسطو . ولكي يوفق بين رغبته وإصرار عمته درس الرياضيات في جامعة كامبردج ليتخرج منها بتفوق عام 1895 ، وهنا واجهته مشكلة جديدة ، فقد ارادت له العائلة ان يعمل في السياسة لأنها مهنة توارثتها منذ عقود ، واعتبرت عمته ان خروج ابن شقيقها على تقاليد الأسرة خيانة ، وعرض عليه أحد أعمامه وظيفة في السلك الدبلوماسي ، لكن إغراء الفلسفة كان اقوى من غضب العائلة ، فقرر ان يعمل محاضراً في الجامعة فيختار في البداية تدريس الرياضيات ، التي كان يجد فيها لذة من خلال البرهنة على الأشياء ، لكنه بعد عام من التدريس غمره شعور باليأس بسبب المناهج المتّبعة في التدريس والتي اعتبرها نوعاً من الألغاز تتطلب من الطالب مهارة في المراوغة ، وانها لاتمتّ بصلة الى المشاكل الأساسية في فلسفة الرياضة التي كانت تثير اهتمامه بسبب محاضرات استاذه ألفـرد نورث وايتهد الذي اصبح فيما بعد زميله في الجامعة ، وقد وضعا معاً فيما بعد اضخم كتاب عن الرياضيات بعنوان "اصول الرياضيات" الذي نشر الجزء الاول منه عام 1902. وكان رسل قد رسم صورة عامة لخطة العمل في هذا المشروع حيث وزع العمل بينه وبين هوايتهد. وقد استغرق تأليف الكتاب وقتاً طويلاً حين كان الفيلسوفان يكتبان كل قضية رياضية على ورقة منفصلة حتى يسمح لهما ذلك بإضافة أية قضايا جديدة . ويخبرنا رسل بعد ذلك ان هذا الكتاب جمّد قريحته وأنه عذاب استمر سبع سنوات ، ويرجع الألم الذي عانى منه رسل الى انه ،بعد ان حاول ان يردّ الرياضيات الى أصولها في علم المنطق ، اكتشف ان هناك تناقضات في المنطق لم تنته بعد ، ونراه في رسالة يكتبها الى زميله في الجامعة الفيلسوف جورج مور يعلن بأن ان علم الرياضيات يهتز من أساسه .
ولعلّ الطريف عن كتاب "مبادئ الرياضيات" ان رسل أخبر كاتب سيرته انه يعتقد ان لا هو ولا هوايتهد قد قرآ الكتاب بعد صدوره ، وهو في الحقيقة فان الكتاب لم يقبل على قراءته إلا قلة قليلة جداً ، لجفاف موضوعه . ولم يجلب لمؤلفيه أية عائدات مالية ، لكنه اكدت سمعتهما الفكرية حيث تم اعتبرها الكتاب اعظم مساهمة في المنطق منذ ارسطو ، ولكن بالتأكيد فإن عدد الذين قرأوه بأجزائه الثلاثة من البداية الى النهاية لايتجاوزن في العالم العشرين شخصاً .
************
الفلسفة حين تتجول في الاسواق
في أواسط القرن العشرين أصبح برتراند رسل الممثل الحقيقي لكلمة "فيلسوف" ، مثلما كان صديقه اينشتاين يمثل صورة العالم للملايين من البشر . لقد بدا لرسل دور الفيلسوف مناسباً ، بشعره الأبيض وملامحه الجادّة الصلبة ، والغليون الذي لم يفارقه . كان اول من قدم محاضرة اذاعية عن الفلسفة عام 1949 ، واصبح كتابه "تاريخ الفلسفة الغربية" الأكثر مبيعاً في العالم ، بدأ حياته بكتاب "الديمقراطية الاجتماعية" وانتهى بجرائم الحرب على فيتنام ، هو اول فيلسوف يمنح جائزة نوبل ، وفي العام 1961 وفي عمر التسعين تحمل السجن بسبب دعوته للاحتجاج ضد الحروب . كان يدعي انه مقاد بـ : "مشاعر ثلاثة بسيطة ، لكنها قوية غامرة : التوق الى الحب ، البحث عن المعرفة ، والشفقة التي لاتطاق لمعاناة الانسان" ، افضت كتاباته الواسعة بشكل كبير الى تسميته بـ "فولتير القرن العشرين". يخبرنا تلميذه لودفيغ وتغنشتاين ان رسل لم يكتب فلسفة حقيقية بعد كتابه "مبادئ الرياضيات ." ومن الطريف انه تلقى سؤالاً من احدى السيدات عن سبب تخلّيه عن الفلسفة فأجاب بسرعة :"لأنني وجدت انني أفضل ممارسة الجنس". في العام 1901 يقرر رفض مبادئ هيغل، شاعراً كما قال :"بتحرر عظيم ، كما لو انني هربت من بيت حار الى منطقة تعصف بها الرياح". وانتقل نحو وجهة نظر الفلسفة التجريبية التي كان يقودها هوايتهيد التي تؤكد ان العالم "يشبه كومة من نار". كان عمله الاول الذي اسس له مكانة كفيلسوف اجتماعي كتابه "عبادة الانسان الحر" وكتبه عام 1902. ويهدف الكتاب الى تأمين عزاء مقبول وعقلاني لغير المتدينين ، الا ان كتابه الذي وضعه على كرسي الفيلسوف هو "مشاكل الفلاسفة" الذي يبدأ بسؤال على الشكل التالي :"هل هناك اية معرفة تكون مؤكدة بشكل لايستطيع انسان منطقي ان يشكك بها؟" ، هذا السؤال الذي لايبدو صعباً للوهلة الاولى ، هو بالفعل واحد من اصعب الاسئلة التي يمكن ان تُسأل . لقد تمكن رسل من خلال هذا الكتاب الصغير ان يقدم لنا الدافع الحقيقي وراء اشتغاله بالفلسفة ، كما جعله اول فيلسوف تقرأ كتبه مثلما تقرأ الروايات ودواوين الشعر، وينزل الفلسفة من عرشها ايجعلها تتجول في الاسواق العامة .
في عام 1914 زار رسل الولايات المتحدة الاميركية وألقى محاضرات في جامعة هارفرد ، واصدر كتابه "معرفتنا بالعالم الخارجي"، وكان الشاعر الانكليزي ت.س.اليوت واحداً من بين تلاميذه في الجامعة وكتب عنه قصيدة بعنوان " السيد أبوليناكس"، صوره فيها على انه كائن اسطوري غريب بل ومفزع .
يخبرنا رسل ان الحافز الأساسي الذي دفعه الى الفلسفة هو اكتشاف ما اذا كان من الممكن معرفة اي شيء معرفة يقينية . وقد راوده هذا الطموح بسبب أزمتين فكريتين : فقدانه الإيمان الديني ، وخيبة أمله في الاضطرار الى تقبل البديهيات كأساس للرياضيات . ولهذا نراه يتجه الى المشكلات الفلسفية العامة ، وكان يأمل من خلال الفلسفة ان يجد حلولاً لإزمة الإنسان المعاصر ، وراح يعود الى معظم المشكلات الانسانية الواحدة بعد الاخرى ساعياً الى تطوير آرائه من خلال الأساليب التحليلية المستمدة من عمله في فلسفة الرياضيات والمنطق ، وحين ندرس.
لقد أسهم رسل إسهاماً كبيراً في المناقشات التي دارت حول المعرفة والأخلاق والسياسة والدين والتعليم وقضايا الحرب والسلام ، وكان يرى ان الفلسفة فرع فني من فروع المعرفة.
لم يكن برتراند رسل عالم رياضيات مقتدر وحسب ، وعالم منطق من الدرجة الاولى ، بل هو ايضا كاتب اخلاقي وفيلسوف، ورجل سياسة من نوع متميز .وقد تميزت حياته بالموافق الجريئة التي اتخذها ازاء مشاكل العالم ، لكن بالمقابل اثارت حياته العاطفية والجنسية الكثير من اللغط ، فقد تزوج اربع نساء ، وقد تم حرمانه من الاهلية عام 1940 بسبب مواقفه العلنية التي تؤيد الاجهاض ، والحرية الجنسية.
وكان ايضاً مولعا باستفزاز الحكومات ، مع ارادة ترفض تقديم التنازلات في القضايا التي تبدو عادلة في نظره ، حيث أدان بدءاً من كتابه عناصر الاخلاق الصادر عام 1910 ، اغلال الاحكام المسبقة ، وضيق افق أحكام معاصريه ، وانتقد بشدة بلادة المحظورات الدينية ، وعارضها ببحث طالب فيه باعلاء شان الحب والسعادة والحريات .
اتسم برتراند رسل ، عالم الرياضيات، العاشق المولع بالحقيقة والعدالة الاجتماعية ، بطابع العقلانية العميق ، وكان يرفض على وجه التحديد الايمان بالعقيدة الدينية ، وفي عام 1957 نشر كتاب لماذا لست مسيحياً ؟
لعل حياة رسل الطويلة " توفي عام 1970 " ، ومؤلفاته العديدة ، تحتل اليوم مكانة هامة ضمن مغامرة العقل البشري في البحث عن الحقيقة ، وقد اتسمت دوما بالشجاعة والمقاومة ضد الافكار البالية.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى