أمل الكردفاني - أيام العقل

أيام العقل، هي التي أصبح فيها عاقلاً، أي أفكر فيها بعقل أداتي، وأبحث عن جل ما يبحث عنه الناس وهو الطريقة القادرة على جلب المال، حتى أتجاوز مهانة الفقر.
خلافاً لذلك، ففي أيام اللا عقل أفكر بالتفاهات، مثل كتابة قصة أو قراءة رواية أو تأليف كتاب. وهذه أيام جميلة، لأنني أتجاهل الواقع، وأنسى معضلتي الأساسية وهي المال، المال ولا شيء غير المال.
قال لي أحدهم بأنني أستطيع كسب المال عبر الكتابة مدفوعة الأجر، في الواقع أنا لا أستطيع الكتابة عندما يتم دفع أجر لي لأكتب، إنني أكتب حين أملك الدافع للكتابة، وإن كنت لا نملك دافعاً حقيقياً لن أكتب كما يليق بالغرض منها. لا أستطيع مثلاً أن أدافع عن الأنظمة الحاكمة، رغم أن مقالاً واحداً قد يحقق لي مبلغاً جيداً، فأنا أكره السلطة، أكره حتى سلطة الخفير في المستشفى. ولن أستطيع الدفاع عن رجل أعمال لص، لأنني أكره اللصوص بل ورجال الأعمال أيضاً، وإذا كان المال واللصوصية والسلطة هما جوهر الحركة البشرية، فأنا إذاً سأخرج دائماً من المولد بلا حمص. وأنا رغم ذلك مرتاح جداً.
لكن العقل يسيطر أحياناً على مشاعري، وأفكر في كسب المال، المال الوفير، لأتمكن من شراء منزل على الاقل والانتهاء من مشاكل الإيجار. وربما لأتمكن من الاستقرار بما يمكنني من تحقيق بعض أهدافي الخيالية الأخرى، كالتفرغ لتأليف الكتب ونشرها. مع ذلك فإنني متأكد من أنني لن أتمكن يوماً من أن أصبح تاجراً ولا حتى غنياً، إنني والمال في طريقين متعاكسين. لذلك فإنني أعتقد أن أيام العقل هي نفسها أيام خيال. إذ أن المرء يجب أن يتبع شغفه بإمكانياته الخاصة. لست تاجراً ولا أعرف كيف أدير المال، ولذلك فسكة التجارة هذه يجب أن أصرف عنها النظر، خاصة في دولة فوضوية كالسودان، فأغلب موظفي الحكومة فاسدين، يمكنك أن تفتح شركة أو حتى كشك سجائر وتعاني بعدها من لصوص المحليات والضرائب وغيرهم. ستدفع الرشاوي أو يتم إغلاق الكشك أو يأتك موظف شركة خاصة (تم منحها سلطة تحصيل الضرائب) لتسرق منقولات المكتب من مكيفات وكمبيوترات، ستضطر لدفع رشوة أو تعاني من إجراءات طويلة لاسترداد منقولاتك المسروقة أو تبحث لك عن ظهر يسندك من لصوص الجلابة النافذين. ستعاني من الفساد في كل مكان. وأنا في غنى عن ذلك، رغم أن التجارة هي عصب الحياة. ستحاول الدخول في الزراعة.. ستخسر.. في المواشي ستخسر.. ليس أمامك إلا أن تعود لتجارة الدين والسياسة. وهاتان تجارتان تحتاجان لأصحاب أرواح حقودة مجرمة.
لذلك فأيام العقل هي أيام لا تنتمي لي ولا أنتمي لها. إننا أبناء أيام الخيال والعاطفة والرومانسية.
جمعة مباركة..

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى